ألزهايمر... المرض الذي يفسد الزمن

ساعة الدماغ المكسورة

Lina Jaradat
Lina Jaradat
ألزهايمر- المرض الذي يسرق الزمن

ألزهايمر... المرض الذي يفسد الزمن

منذ فجر الوعي البشري، ظل الزمن أكثر المفاهيم استعصاء على الفهم. ليس لأنه يتدفق بصمت فقط، بل لأننا نختبره من الداخل قبل أن نقيسه من الخارج. يربط الإنسان الزمن بالدقائق والساعات، لكنه يعيش زمنا آخر — زمنا خفيا، وداخليا، وينظم الإحساس بالجوع والنعاس والانتباه والعاطفة والذاكرة والمرض. هذا الزمن ليس الزمن الفلكي، ولا نتيجة دوران الأرض، بل هو زمن بيولوجي ذاتي، تعمل به كل خلية من خلايا الجسم، وتخضع له جميع أعضائه، من القلب إلى الكبد إلى الدماغ.

في عمق الأنسجة، وفي صمت لا يسمعه أحد، تدور ساعات مجهرية مكونة من جينات تتشابك في حلقات تنظم ذاتها ذاتيا. تعلو وتخفت في دورات تمتد لأربع وعشرين ساعة — متزامنة مع الضوء والظلام، اليقظة والنوم، والنشاط والراحة. كأن الكائن الحي يحمل في داخله أرضا صغيرة تدور حول شمسها.

هذه الساعة الداخلية ليست رفاهية بيولوجية، بل هي شرط للحياة نفسها. فهي التي تجعل الخلايا تعرف متى يجب أن تعمل، ومتى يجب أن تتوقف، ومتى ينبغي أن تعيد ترتيب نفسها أو تزيل مخلفاتها أو تعالج أضرارها. حتى الدماغ — مقر الوعي والذاكرة — لا يمكنه العمل خارج هذا النظام الزمني. فالذاكرة لا تكون في أي وقت، والتركيز لا يصل ذروته في أي لحظة. حتى النوم ليس مجرد فقدان للوعي، بل عملية جراحية كبرى تنظم عبرها الخلايا وظائفها وتعيد التوازن إلى الوصلات العصبية.

هكذا يتضح أن الزمن البيولوجي ليس مجرد ساعة داخلية — بل نظام هوية. فما نحن إلا كائنات زمنية قبل أن نكون كائنات عاقلة. وهنا تبرز المفارقة المؤلمة: إذا كان الزمن هو ما يجعل الدماغ قادرا على بناء الذاكرة والوعي، فماذا يحدث حين يصاب الدماغ بمرض يفسد زمنه الداخلي؟

من هنا يدخل مرض ألزهايمر باعتباره ليس فقط اضطرابا في الذاكرة، وإنما تغير جذري في بنية الزمن داخل الدماغ. تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأعراض الأولى لا تبدأ بفقدان الذكريات كما نعتقد، بل باختلال الإيقاعات اليومية — تغير النوم، والانفعال الليلي، وتراجع الوظائف المسائية، وتدهور الوعي الزمني. وكأن الزمن داخليا يبدأ أولا في الانكسار، ثم تتوالى خسارة الذاكرة والهوية.

اضطراب الساعة البيولوجية

الأكثر إثارة أن الخلايا المسؤولة عن تنظيف الدماغ من اللويحات — مثل الخلايا الدبقية الصغيرة (الميكروغليا) والخلايا النجمية — تعمل بطريقة تعتمد على الإيقاع اليومي. تعمل بكفاءة عالية خلال الليل إذ تلتهم الفضلات البروتينية وتزيل تراكمات الأميلويد. لكن عندما تضطرب الساعة البيولوجية، لا تعود هذه الخلايا تعرف متى يجب أن تعمل — فتتجمد وظيفيا، ويتحول الدماغ إلى بيئة تتراكم فيها اللويحات بلا حراسة.

عند الإصابة بذلك المرض، يصبح السؤال العلمي والفلسفي معا واضحا وصادما، هل يبدأ ألزهايمر حقا عندما يتوقف الدماغ عن تذكر ذاته — أم عندما يتوقف عن معرفة الوقت؟

إن دراسة الإيقاع البيولوجي داخل الدماغ تكشف عن حقيقة مذهلة، أن المعركة في ألزهايمر ليست فقط مع لويحات تعيق الذاكرة، بل مع خلل في الزمن ذاته — زمن الخلايا، وزمن الوعي، زمن الإنسان. وبهذا الإدراك، يصبح البحث العلمي اليوم ليس مجرد محاولة لفهم المرض، بل محاولة لإعادة الزمن إلى الدماغ — في محاولة لإنقاذ الذاكرة، والهوية، والذات.

هناك 82 جينة معروفة بارتباطها بخطر الإصابة بألزهايمر، ويتحكم في نشاط نحو نصف هذه الجينات بواسطة الساعة البيولوجية

والآن، توصل باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس إلى دليل مباشر يكشف كيف يعبث ألزهايمر بالزمن البيولوجي داخل الدماغ نفسه. فقد أظهرت دراسة جديدة على الفئران، نشرت في مجلة Nature Neuroscience، أن المرض يعطل الإيقاع اليومي داخل نوعين من الخلايا الدماغية يلعبان دورا رئيسا في إزالة اللويحات السامة من الدماغ.

ركز فريق البحث على الخلايا الدبقية الصغيرة والخلايا النجمية، وهما من أهم الخلايا المسؤولة عن تنظيف الدماغ من المخلفات وإزالة الخلايا الميتة والتخلص من البروتينات السامة، وفي مقدمها بروتين الأميلويد الذي يمثل العلامة المميزة لمرض ألزهايمر. هذه الخلايا تعمل عادة وفق إيقاع بيولوجي دقيق على مدار اليوم، بحيث تنشط في أوقات محددة للحفاظ على صحة الدماغ.

REUTERS
يظهر في الصورة نصف كرة دماغ سليم (يسار) بجانب نصف كرة دماغ شخص مصاب بمرض الزهايمر

لفهم تأثير المرض على هذا الإيقاع، قام الباحثون بتحليل أنماط التعبير الجيني في أدمغة فئران سليمة وأخرى تحمل تراكمات الأميلويد، وذلك على مدى 24 ساعة وبفواصل زمنية متقاربة كل ساعتين. كانت النتيجة صادمة، إذ تبين أن مئات الجينات التي تعمل يوميا وفق نمط زمني ثابت فقدت إيقاعها بالكامل. فالتسلسل الجيني الذي ينبغي أن يعمل بانتظام أصبح مبعثرا وغير متزامن بين الخلايا، مما أدى إلى انخفاض واضح في قدرة الخلايا على تنظيف الدماغ وإزالة الأميلويد. وبمعنى أدق، لا يعود تراكم الأميلويد فقط إلى زيادة إنتاجه، بل إلى فقدان الخلايا المسؤولة عن إزالته توقيت عملها الطبيعي.

تحسين الإيقاع اليومي

الأغرب أن الخلل لم يقتصر على إفساد الإيقاع اليومي المعتاد، بل خلق المرض "إيقاعات جديدة غير طبيعية" في مئات الجينات التي لا تخضع عادة لساعة بيولوجية. وتبين أن معظم هذه الجينات الجديدة مرتبطة بالالتهاب الدماغي، مما يعني أن ألزهايمر يحول الخلايا من نمط الصيانة والتنظيف إلى نمط التهيج والالتهاب. هذا الاكتشاف يعيد تفسير أحد أسرار المرض، فلماذا يؤدي اضطراب النوم واليقظة إلى تسارع تدهور ألزهايمر؟ لأن الخلل اليومي لا ينعكس فقط نفسيا وسلوكيا على المريض، بل يضرب آليات تنظيف الدماغ في جوهرها.

وأشار الباحث الرئيس إيريك موسيك، أستاذ علم الأعصاب، إلى أن الإيقاع اليومي يلعب دورا أوسع بكثير مما كان يعتقد. فهناك 82 جينة معروفة بارتباطها بخطر الإصابة بألزهايمر، ويتحكم في نشاط نحو نصف هذه الجينات بواسطة الساعة البيولوجية. وبمجرد فقدان هذا الإيقاع انسجامه، تبدأ الجينات الخاصة بالمرض في الانحراف، مما يؤدي إلى تسارع تراكم الأميلويد وتفاقم مظاهر المرض.

هكذا لا يكتفي ألزهايمر بسرقة ذكريات الماضي، بل يفسد الزمن الحاضر أيضا. يختل توقيت كل شيء — النوم، الانتباه، الذاكرة، الإحساس باليوم — فيصبح المريض محاصرا في عالم بلا إيقاع واضح، وبلا زمن يمكن الوثوق به

هذه النتائج تفتح بابا علاجيا جديدا، إذ لم يعد ينظر الى ألزهايمر فقط كمرض يتطلب إزالة الأميلويد أو حماية الخلايا العصبية، بل كحالة تتطلب إعادة ضبط الساعة البيولوجية داخل خلايا الدماغ الداعمة. ويقترح العلماء مسارات مستقبلية، تعزيز أو إضعاف عمل الإيقاع اليومي في أنماط معينة من الخلايا، إيقاف الإيقاع الحيوي في خلايا محددة إذا كان يتسبب بضرر، أو تطوير أدوية جديدة تستهدف الإيقاعات الجينية مباشرة بدلا من البروتينات السامة.

ويقول موسيك إن الهدف النهائي هو "تعلم كيفية تحسين الإيقاع اليومي لمنع تراكم الأميلويد وتقليل مظاهر المرض". فإذا نجحت هذه الاستراتيجيات، فقد يصبح التحكم بالزمن البيولوجي نفسه إحدى الطرق الواعدة لإبطاء أو منع تقدم ألزهايمر.

يتسلل ألزهايمر إلى الدماغ ليس فقط كمرض يفقد الإنسان ذاكرته، بل كقوة تعصف بالزمن نفسه. فالإيقاع اليومي — ذلك النبض الداخلي الذي يضبط مواعيد النوم واليقظة وتخزين الذكريات — يتعرض لخلل عميق مع تقدم المرض، فيفقد الجسد بوصلته البيولوجية ويبدأ الوقت بالانهيار من الداخل.

عندما يتضرر مركز التحكم الزمني في الدماغ، يبدأ الخلط بين الليل والنهار، ينام المريض في أوقات غير متوقعة، ويستيقظ فجأة في منتصف الليل، ويصبح النهار مرهقا وعقلا ضبابيا. هذا الاضطراب لا يؤثر على الروتين فحسب، بل يضرب الذاكرة في جوهرها؛ إذ تخزن الذكريات الجديدة عادة أثناء النوم العميق الليلي، ومع تشتت النوم يفقد الدماغ قدرته على تثبيت الأحداث، فتتبخر الخبرات اليومية كأنها لم تحدث.

سرقة ذكريات الماضي

أما اليقظة، التي ترتبط عادة بالتركيز والانتباه، فتصبح متقطعة، تتخللها نوبات من التشوش والشرود. ويبدأ اليوم الواحد في الانقسام فترات غير مستقرة من الإدراك والارتباك، ليتحول الزمن ذاته إلى "مقاطع متناثرة" بدلا من سلسلة متصلة من اللحظات.

هكذا لا يكتفي ألزهايمر بسرقة ذكريات الماضي، بل يفسد الزمن الحاضر أيضا. يختل توقيت كل شيء — النوم، الانتباه، الذاكرة، الإحساس باليوم — فيصبح المريض محاصرا في عالم بلا إيقاع واضح، وبلا زمن يمكن الوثوق به. وكلما تدهور الإيقاع اليومي، ازدادت سرعة تآكل الإدراك، في دائرة مغلقة تجعل المرض أكثر شراسة وصعوبة في التعامل.

لا يتوقف اضطراب الزمن في ألزهايمر عند حدود الجسد والدماغ، بل يتسع ليصطدم بالعالم الخارجي. فهناك "ساعة اجتماعية" يعيش عليها البشر جميعا مثل مواعيد عمل، والزيارات، والصلاة، والمناسبات، والطقوس اليومية للأسرة والمجتمع. وحين يتعطل الإيقاع اليومي، يفقد المريض القدرة على التزام هذا الزمن المشترك، فيبدأ الانفصال الاجتماعي تدريجيا دون أن يشعر.

بمرور الوقت، لا يعود المريض مشاركا في زمن الأسرة، بل يصبح واقعا في "توقيت مواز" لا يستطيع أحد الدخول إليه. تصبح الليالي طويلة بلا نوم، والنهارات قصيرة بلا وضوح، واللقاءات الاجتماعية مرهقة


يصبح الميعاد الاجتماعي — مهما كان بسيطا — تحديا هائلا، كمثل حضور الغداء الأسري، ومقابلة الأصدقاء، والخروج للنزهة، أو حتى فهم روتين المساء داخل المنزل. فاضطراب النوم يجعل المريض نشيطا في ساعات نوم الآخرين ومرهقا أثناء نشاطهم، فينشأ "اختلاف توقيت" بينه وبين مجتمعه يشبه اختلاف توقيت المسافرين عبر مناطق زمنية متعددة، لكن دون سفر ودون عودة.

ومع انخفاض القدرة على التعرف الى الأشخاص والأماكن والأحداث، يفقد الزمن الاجتماعي أهم عنصر فيه وهو الترابط بين الماضي والحاضر. فعلاقة المريض بالآخرين تبنى على ذاكرة مشتركة — مواقف وأحاديث ووجوه — وحين تتآكل هذه الذاكرة، تضعف الروابط شيئا فشيئا، ومع كل فقدان لمعلومة أو وجه أو اسم، تزداد عزلة المريض وزيادة العبء العاطفي على أسرته.

REUTERS
مرضى مصابون بمرض الزهايمر والخرف يعاينون خلال جلسة علاجية داخل مؤسسة الزهايمر في مدينة مكسيكو

بمرور الوقت، لا يعود المريض مشاركا في زمن الأسرة، بل يصبح واقعا في "توقيت مواز" لا يستطيع أحد الدخول إليه.
تصبح الليالي طويلة بلا نوم، والنهارات قصيرة بلا وضوح، واللقاءات الاجتماعية مرهقة وغير مفهومة، فتتعمق الفجوة بين عالمين: عالم يعيش في الحاضر، وعالم يتآكل زمنه من الداخل.

هذا الانفصال ليس مجرد عرض جانبي، بل عامل يزيد تدهور المرض. فالعزلة تقلل التحفيز المعرفي، وتسرع ضعف الذاكرة، وتعمق الخلل في إدراك الزمن. وهكذا يدخل المريض وعائلته في مأساة مزدوجة، زمن داخلي مضطرب، وزمن اجتماعي غير قابل للمجاراة.

ورغم الصورة القاتمة لاضطراب الزمن في ألزهايمر، فإن الأبحاث الحديثة تكشف أن الإيقاع اليومي ليس ضحية بالكامل، بل نظام يمكن — بدرجات متفاوتة — إعادة تنظيمه وتحسينه. فالعلاج اليوم لا يركز فقط على الذاكرة، بل على محاولة "إعادة ضبط الساعة الداخلية" حتى يستعيد الدماغ قدرته على تمييز الليل من النهار، والنوم من اليقظة، والواقع من الضباب.

ضبط الزمن الداخلي

أول العناصر وأكثرها تأثيرا هو الضوء. فشبكية العين لا ترى فقط، إنها تنقل الضوء إلى الساعة البيولوجية في الدماغ لتنظيم النوم والهرمونات والانتباه. لذلك أصبح العلاج بالضوء ركيزة جديدة لمرضى ألزهايمر — تعريض المريض لضوء قوي في الصباح، وتخفيف الإضاءة مساء، يقلل الاضطرابات الليلية ويمنح الدماغ "إشارات زمنية واضحة" تساعده في إعادة بناء دورته اليومية.

العنصر الثاني هو الحركة والنشاط البدني. فممارسة التمارين الخفيفة أو المشي المنتظم في وقت محدد يوميا تعمل كضبط إيقاعي قوي، إذ يربط الدماغ بين الحركة النهارية والنشاط النهاري، فيثبت توقيت الاستيقاظ ويحفز النوم الليلي. كما أن النشاط البدني يزيد تدفق الدم إلى مناطق الذاكرة، مما يساعد في استقرار الإدراك.

ثم تأتي الروتينيات الاجتماعية — وجبات في ساعات ثابتة، جلسات عائلية في وقت محدد، أنشطة يومية متكررة. هذا "التكرار الهادئ" يقدم للمريض نقاطا زمنية مرجعية ثابتة تساعده في تقليل الارتباك، وتخفف عزلة الساعة الاجتماعية التي فرضت عليه.

لا يكشف ألزهايمر فقط حدود الطب، بل حدود الإنسان نفسه. فالذاكرة ليست مجرد مخزن للمعرفة، بل نسيج الزمن الشخصي الذي يبقي هوية الفرد متصلة عبر حياة كاملة

تتقدم العلوم اليوم نحو علاجات دوائية وجينية تستهدف الساعة البيولوجية مباشرة، دواء ينظم إفراز الميلاتونين، بروتينات تعدل نشاط الجينات المسؤولة عن الإيقاع اليومي، وتقنيات مستقبلية قد تتمكن من إعادة مزامنة الساعة الداخلية مع البيئة الخارجية. وبدأت دراسات سريرية تربط بين تحسين الإيقاع الحيوي وإبطاء تدهور الذاكرة — في إشارة إلى أن الزمن ليس مجرد عرض جانبي للمرض، بل بوابة لعلاجه أيضا.

إن إعادة ضبط الزمن الداخلي لا تشفي ألزهايمر، لكنها تستعيد للمريض جزءا من تماسك يومه وإنسانيته: نوم أكثر استقرارا، يقظة أوضح، ذاكرة أقل هشاشة، وحياة اجتماعية أقل ألما. إنها محاولة لانتشال المريض من الزمن المكسور وإعادته — ولو جزئيا — إلى إيقاع يتناغم مع من يحبهم.

في جوهره، لا يكشف ألزهايمر فقط حدود الطب، بل حدود الإنسان نفسه. فالذاكرة ليست مجرد مخزن للمعرفة، بل نسيج الزمن الشخصي الذي يبقي هوية الفرد متصلة عبر حياة كاملة: زمن يشهد الطفولة، والصداقة، والحب، والخسارة، والتجارب التي تكوننا. وعندما يتشقق هذا الزمن، يتشقق معنى الحياة كما نعرفه.

ولهذا أصبح البحث العلمي اليوم لا يطارد علاجا للمرض فقط، بل يحاول حماية الزمن الإنساني من الانهيار. كل تقدم في فهم النوم واليقظة، كل محاولة لإعادة تزامن الساعة البيولوجية، كل تقنية تعيد الى المريض بضع لحظات من الوضوح أو القدرة على التعرف الى وجه أو كلمة — ليست مجرد إنجاز طبي، بل دفاع عن حضور الإنسان في العالم.

قد لا يكون المستقبل القريب قادرا على شفاء ألزهايمر كليا، لكن العلم يتحرك بثبات نحو هدف أعظم، أن يعيش المريض أطول وقت ممكن في لحظة يمكنه تمييزها، في يوم يشبه الأيام التي عرفها، في علاقة لا تذوب سريعا في الضباب.

إن حماية الزمن ليست رفاهية، بل أساس الكرامة الإنسانية، لأن الإنسان لا يعيش بالنبض وحده، بل بالتاريخ الذي يحمله داخله. وفي النهاية، يبقى الأمل في أن ينجح العلم، عاجلا أو آجلا، ليس فقط في إبطاء المرض، بل في حماية الخيط الذي يربطنا بذواتنا وبمن نحب. فلو استطاعت الإنسانية أن تنقذ الزمن من التلف، فإنها — بطريقة ما — تنقذ نفسها.

font change

مقالات ذات صلة