فتحت النيابة العامة بمدينة ميلانو الإيطالية تحقيقا بشأن ادعاءات بتورط سياح أثرياء من المدنيين، معظمهم من إيطاليا وبعض الدول الأوروبية الأخرى بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا، بالسفر إلى البوسنة والهرسك أثناء حرب البوسنة بين عامي (1992-1995) ودفع مبالغ مالية طائلة للمشاركة في "رحلات صيد للبشر"، نُظمت بمنطقة "تلال سراييفو" وإطلاق النار على السكان المدنيين المحاصرين في مدينة سراييفو، والتي كانت تحت سيطرة القوات البوسنية وتحاصرها الوحدات الصربية.
جاء ذلك في أعقاب تقديم بلاغات في إيطاليا وعدة دول ينتمي إليها بعض المشتبه بتورطهم مثل إيطاليا وبلجيكا، وقد ارتأت السلطات في كلا البلدين جدية البلاغات في ضوء الأدلة المقدمة ومن ثم فُتح التحقيق.
وهو ما يطرح عدة تساؤلات جوهرية، أهمها: ما المقصود بسياحة قنص البشر أو "سفاري البشر" كأحد أشكال "السياحة المظلمة"؟ ما المقصود بجرائم الحرب وفقا لأحكام القانون الدولي؟ هل ارتكاب مدنيين من غير أطراف النزاع المسلح لهذه الجرائم يجعل منها جريمة حرب مستقلة بذاتها، أم تعتبر ضمن جرائم الحرب للعسكريين الذين سمحوا له بالوجود في منطقة العمليات العسكرية؟ وبالتبعية لذلك من يتحمل المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم الجاني نفسه، أم العسكريون الذين سمحوا له بممارسة هذه الجرائم؟ هل يتحمل الوسطاء والشركات السياحية والدول المُسهِّلة مسؤولية جنائية كمساهمين أو مساعدين أو متواطئين في هذه الجرائم وفقا لقواعد القانون الإنساني الدولي؟ هل من الممكن تطبيق مبدأ "الاختصاص أو الولاية القضائية العالمية" على هذه الجرائم بوصفها جريمة حرب، أم إن هذه الجرائم تخضع لمبدأ "الاختصاص أو الولاية القضائية الإقليمية" للدول التي يحمل جنسيتها الجاني أو المجني عليهم؟ في حالة إذا ما اعتبرت هذه الجرائم من جرائم الحرب، هل لطول المدة ومرور أكثر من ثلاثين عاما، بين ارتكاب هذه الجرائم وتقديم بلاغات وشكاوى قضائية بشأنها أثر في سريان مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب؟ أم من الممكن أن يستفيد المتهمون الأصليون بوصفهم مدنيين بالأساس بالتقادم الطويل في بعض النظم القانونية الجنائية ومنها القانون الإيطالي؟
تفكك وانهيار يوغوسلافيا
شهدت تسعينات القرن الماضي تفككا وانهيارا دمويا ليوغوسلافيا، خاصة بعد وفاة الزعيم الراحل جوزيف بروز تيتو، والذي ظل في السلطة من عام 1945 حتى وفاته عام 1980، خاصة بعد إقرار دستور عام 1974، الذي اعتمد نظاما خاصا لرئاسة الدولة، بحيث تمتد فترتها لمدة عام واحد على أساس التناوب بين قادة الجمهوريات والمقاطعات المتمتعة بالحكم الذاتي المكونة للاتحاد اليوغوسلافي، وقد أظهر ذلك النظام عدم فاعلية هذه الولايات الرئاسية قصيرة الأمد، والتي تركت فراغا جوهريا في السلطة استمر وجوده لمعظم ثمانينات القرن الماضي.
ومع مطلع التسعينات في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك دول الكتلة الشرقية، وتنامي النزعات القومية بين شعوب وأعراق يوغوسلافيا، وتدهور العلاقات بين الجمهوريات الست المكونة للاتحاد اليوغوسلافي، وهي: صربيا، وكرواتيا، وسلوفينيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا، وأخيرا الجبل الأسود، بالإضافة إلى مقاطعتين كانتا تتمتعان بحكم ذاتي داخل جمهورية صربيا وهما: فويفودينا وكوسوفو. وطالبت كل من سلوفينيا وكرواتيا، والبوسنة والهرسك بالمزيد من الاستقلالية داخل الاتحاد، بينما سعت صربيا إلى تقوية السلطة الاتحادية، وما لبثت أن تطورت هذه المطالبات إلى الانفصال التام.

