"الإخوان المسلمون"... أسئلة لا نريد الإجابة عنها

العلاقة بين الإسلام والسياسة قديمة قدم الإسلام ذاته

 Axel Rangel García
Axel Rangel García

"الإخوان المسلمون"... أسئلة لا نريد الإجابة عنها

عُدّت دعوة الرئيس دونالد ترمب لمساعديه إلى النظر في إمكان تصنيف فروع "الإخوان المسلمين" في مصر ولبنان والأردن، انتصارا كبيرا على الجماعة التي باتت مطاردة في قسم كبير من العالم ولم يبق لديها غير قلة من الحلفاء.

الأمر التنفيذي الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني والذي يمنح المسؤولين في إدارة ترمب 45 يوما لفرض عقوبات إذا رأوا أنها مبررة، أعاد تسليط الأضواء على الجماعة وتاريخها وأفكارها وممارساتها.

بيد أن جزءا وازنا من الكتابات والمراجعات التي نُشرت أخيرا، اكتفى بسرد ما هو معروف ومتداول عن "الإخوان" ومرشديهم وسياساتهم وقصصهم في مئات المؤلفات، وصورت مسلسلات تلفزيونية حول نشأة "الإخوان" وعلاقاتهم مع السلطات في الدول التي نشطوا فيها ومع قوى دولية سعوا إلى كسب ودها وسعت هي إلى تحريكها لمصالحها. ما يدعو إلى الأسف أن غالبية الأعمال المنشورة بعد موقف ترمب تجنبت محاولة الإجابة عن الأسئلة الأعمق قليلا من سطح الحدث. وإذا كان على الخبر أن يجيب عن خمسة أسئلة (من– متى– لماذا– كيف– أين) ليُعتبر خبرا صحيحا، فإن ما طالعنا في الأعمال التي وصلتنا لا يهتم حتى بأن يكون خبرا صحافيا قبل أن يكون بحثا أكاديميا أو عملا توثيقيا. ذلك أن إبداء العداء للجماعة تغلب على تفسير أسباب الموقف السلبي منها.

بذلك، يبقى "الإخوان المسلمون"- وفق هذه الكتابات- مجموعة من الأشخاص الذي تحركهم دوافع غامضة وقوى دولية تضمر الشرّ للمجتمعات العربية والمسلمة، متسترة برداء الإسلام فيما تعمل على تقويض كل ما يمت بصلة إلى التقدم والتنمية والحداثة في بلداننا وصولا إلى ابتداع سياسات وطقوس اجتماعية لم تكن معروفة. فهؤلاء قوة جاءت من ظلام القرون الماضية وتهدف إلى إطباق قبضتها على السلطة خدمة للغرب أو الشرق أو من يدفع أكثر.

العلاقة بين الإسلام والسياسة قديمة قدم الإسلام ذاته. فالدين أحد أشكال الوعي السياسي القديمة، وجد تعبيراته التنظيمية والسياسية منذ نشأته

لنقل إن هذا التشخيص ناقص على الرغم من رواجه. ويحتوي على بعض الصحة وعلى بعض آخر من الدعاية السياسية. تماما مثل ما يروجه "الإخوان" بتصوير أنفسهم مخلّصين للمسلمين وأن ترياق كل الأزمات التي تعاني منها هذه الشعوب يكمن في تفسيرهم هم للإسلام وتطبيقاته السياسية. فـ"الإسلام هو الحل"، وفيه- بالأحرى في ما فهموه هم من الإسلام- الطريق الصحيح لرفعة الأمة الإسلامية ونهضتها وتخلصها من طواغيت الداخل والخارج. غني عن البيان أن هذا كلام مرسل حيث لا يقيم الحديث عن "أمة إسلامية" وزنا لتوزع المسلمين الذين يزيد عددهم على المليار ونيف، على دول وشعوب وأقوام ولغات ومذاهب وعقائد وطبقات تعصى على الحصر ويستحيل وضعها كلها ضمن آيديولوجيا سياسية–دينية واحدة. وإذا جمعت هذه الأقوام والشعوب أسس الإيمان الإسلامي، فإن طبقات من التمايز العرقي والثقافي والتجربة التاريخية المختلفة، غير قابلة للاختزال برؤية "الإخوان المسلمين" للعالم الإسلامي. 

أف ب
متظاهر يرفع نسخة من القرآن الكريم اثناء تجمع معارض للحكومة في 4 مايو 2005

تسييس الإسلام


يسود اعتقاد بأن "الإخوان" هم أول من سيّس الإسلام ليس في البلدان العربية بل في العالم، وأعطاه شكلا تنظيميا حديثا كحزب يعمل وفق تراتبية قيادية في منأى عن السلطة القائمة. يجب التدقيق في هذا القول. ذلك أن العلاقة بين الإسلام والسياسة قديمة قدم الإسلام ذاته، من ناحية. وأن الدين كأحد أشكال الوعي السياسي القديمة، وجد تعبيراته التنظيمية والسياسية منذ نشأته. جماعات مثل الإسماعيليين والأباضيين والقرامطة وغيرها، كانت في الأساس قوى اعتراض سياسي على السلطات الحاكمة ونظّمت نفسها في شبكات دعوية امتدت من فارس إلى المغرب الأقصى. 

العمل المنهجي الذي باشره الفرنسيون في الجزائر والمغرب لتفكيك المحاكم الشرعية والأوقاف لإتاحة المجال لمصادرة الأراضي الزراعية أفضى إلى انتفاضات ريفية عنيفة

الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 مثّلت صدمة حضارية متعددة الوجوه والجوانب بحيث اضطرت الهيئات الأهلية التي كانت قد اعتزلت السياسة منذ زمن طويل بسبب احتلال السلاطين (المماليك ثم الأتراك) وأجهزتهم العسكرية والمالية للمجال العام بأسره، إلى العودة للنشاط واتخاذ مواقف من المحتل الأجنبي غير المسلم. وربما يمكن تأريخ استئناف الأزهر في مصر، على سبيل المثال، لدوره السياسي مع الحملة الفرنسية التي طرحت أسئلة عصية على الفكر التقليدي في تلك المرحلة. ولعل سليمان الحلبي، وهو طالب أزهري، وفّر باغتياله قائد الحملة الفرنسية الجنرال كليبر، طريقة في التعامل مع التحديات الخارجية. 
المعطى الثاني في محاولة تقديم الإجابة عن سؤال "لماذا؟" تجوز إعادته إلى القمع الوحشي الذي تعرض له تمرد 1857 في الهند. وعلى الرغم من أن عشرات الآلاف من القتلى الذين سقطوا جراء مواجهة البريطانيين للتمرد كانوا من الهندوس والمسلمين معا، إلا أن المسلمين اعتبروا أنهم هم من أصيب بالهزيمة الكبرى بعد تأسيس البريطانيين لحكمهم المباشر هناك (الراج) والقضاء على ما تبقى من حضور شكلي لإمبراطورية المغول التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد احتضار استمر قرونا. واحد من ردود المسلمين الهنود على الانتقال العلني والعملي للسلطة إلى البريطانيين وسعي هؤلاء إلى تغيير القوانين التي كان كثير منها مستقى من الشريعة الإسلامية على أثر مئات السنوات من حكم المغول المسلمين وغيرهم من السلاطين في شمال الهند وجنوبها (في ماليبار وجوارها على سبيل المثال)، كان إنشاء المدرسة الديوبندينية التي أخذت على عاتقها صوغ مشروع إسلامي يعتمد الفقه الحنفي–الماتريدي لمواجهة الاستعمار البريطاني، كمقدمة نظرية لمشروع سياسي لاحق. 
المعطى الثالث، هو إلغاء مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في 1924 في إطار ابتعاد الجمهورية التركية الوليد عن كل ما له علاقة بالإسلام والمسلمين والشرق عموما. وجدير بالذكر أن السلطنة العثمانية أصدرت في 1914 فتوى الجهاد كفرض عين على كل مسلم ضد دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ما أثار اضطرابا واسعا في الدول الإسلامية. بيد أن الفتوى لم تلق الاستجابة الكافية وإن تسببت في حال من التوتر في الكثير من المناطق التي كانت تحت الاحتلال البريطاني. الاستخدام الأداتي لموقع الخليفة لإصدار فتوى الجهاد، لم يكن موضع إجماع المسلمين.  
يضاف إلى ذلك أن العمل المنهجي الذي باشره الفرنسيون في الجزائر والمغرب لتفكيك المحاكم الشرعية والأوقاف لإتاحة المجال لمصادرة الأراضي الزراعية من خلال تدمير سجلات الملكية وإبعاد أصحابها عنها والإتيان بالمستوطنين الفرنسيين (الذين عرفوا لاحقا بـ"الأقدام السوداء") حسب ما يخبرنا عبد الله العروي في مؤلفه "مجمل تاريخ المغرب" أفضى إلى انتفاضات ريفية عنيفة في الجزائر، ربما أشهرها ثورة الأمير عبد القادر الجزائري، والجزء الشمالي من المغرب وإلى مواجهة مع "المخزن" في المغرب عموما. 

أ ف ب
متظاهرون مصريون في ميدان التحرير وسط القاهرة في 19 نوفمبر 2011

ولا ريب في أن ما تعرض له الهاشميون من خداع على أيدي البريطانيين في أعقاب الحرب العالمية الأولى ورفض بريطانيا الوفاء بوعدها بإعطاء الهاشميين مملكة عربية وتخليها عنهم عندما دخلت القوات الفرنسية إلى سوريا وأطاحت بالملك فيصل الأول في 1920، كان من العوامل التي عززت مشاعر انعدام الثقة بالقوى الاستعمارية بين شعوب المنطقة ودفعت البحث عن أدوات للرد وإعادة الاعتبار إلى الذات، أشواطا إلى الأمام. 
وترافق ذلك مع مساعي إحياء الخلافة الإسلامية ودور السلطان فؤاد (الملك فؤاد لاحقا) في مصر في العمل على إعلان حقه في لقب الخليفة. 

لعلنا لا نجانب الصواب إذا وضعنا بروز الفئات الاجتماعية المتعلمة تعليما غير ديني في المدن المصرية، من ضمن العوامل الرئيسة في ظهور "الإخوان المسلمين"

هذه الأحداث وغيرها شكلت خلفية ظهور الإسلام السياسي أو الحركي الذي بني على عدة قواعد نذكر منها: العداء للحداثة الغربية مع تقديم حملة نابليون على مصر أنموذجا لها. والعداء للاستعمار الغربي مع اعتماد القمع البريطاني في الهند وفي شمال أفريقيا دليلين على استهداف الإسلام كدين وهوية. والرفض الشديد للدولة المدنية التي حلت مكان الخلافة وفق العينة التي تبناها مصطفى كمال أتاتورك. وتضافرت عوامل العداء وشكلت بذرة في أرض كانت مهيأة لاستقبال كافة أنواع الداعين إلى خلاص، سواء من خلال الهوية الدينية أو عبر الآيديولوجيات الغربية القومية واليسارية. وليس كشفا أن يتزامن تأسيس الإسلام الحركي السياسي مع ظهور الأحزاب الشيوعية والقومية في مصر والمشرق العربي. ذلك أن المرحلة تلك أملت البحث عن أساليب جديدة نوعيا في التعامل مع الواقع.  
ولا عجب كذلك، في هذا السياق، أن تكون الردود على تحديات الغرب، سواء الحضارية أو الاستعمارية، قد انبثقت من بلدين كانا الأكثر تقدما على مستوى التفكير الديني الإسلامي حينها، هما الهند (المدرسة الديبوبندية وما تبعها من حركات شارك بعضها في الكفاح من أجل استقلال الهند ثم في سبيل الانفصال عنها وإقامة دولة المسلمين في باكستان)، ومصر حيث الأزهر وأداؤه دور الموجه للمقاومة في المرحلة الأولى ثم محاولته الاستجابة لضرورات التحديث مع الإمام محمد عبده. 

تغير المجتمعات المسلمة 


في هذه الأثناء، كان المجتمع المصري يسبق باقي مجتمعات العالم الاسلامي في دخول طرق جديدة في التعليم ابتداء من البعثات المصرية التي توجهت إلى الغرب وتغيير مناهج الدراسة وإنشاء المدارس العمومية لتحل محل الكتاتيب التقليدية وانتشار العلوم الوضعية الحديثة إلى جانب اللغة والدين كمواد إلزامية في المدارس. لم تمر التغيرات هذه من دون أن تترك أثرا عميقا في المجتمع المصري الذي شهد أيضا بدايات التصنيع وتدفق منتجات الثقافة الغربية ناهيك عن تكون فئات حضرية متعلمة حملت مشاعر مناهضة للاستعمار البريطاني وتأثرت بأفكار القومية الأوروبية لأواسط وأواخر القرن التاسع عشر. 

أ ف ب
حسن البنا

لعلنا لا نجانب الصواب إذا وضعنا بروز الفئات الاجتماعية المتعلمة تعليما غير ديني في المدن المصرية، من ضمن العوامل الرئيسة في ظهور "الإخوان المسلمين" حيث رأى هؤلاء المتعلمون أن من حقهم إبداء الرأي في وضع بلادهم، كنخبة حصّلت العلوم الحديثة ولا تريد، في الوقت ذاته، الانفصال عن الهوية التي شكّل الإسلام التعبير الأوضح عنها في صفوفهم. 
ومعروف أن العواصف التي أثارها طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" المشكك في كل ما وصل إلينا من شعر ما قبل الإسلام، ثم في موقفه الداعي إلى الاندماج في الثقافة الغربية باعتبار الثقافة المصرية تندرج في سياق الحضارة الهيلينية–الرومانية أكثر من انتمائها إلى الثقافة العربية-الإسلامية والذي ضمنه في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" إنما جاءت (العواصف) للتأكيد على الهوية الإسلامية لمصر وليس فقط العربية. فالجانب العربي من الثقافة والسياسة لم يحضر في معزل عن الإسلام إلا في مراحل لاحقة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الانتقادات القاسية التي قوبل بها كتاب علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" الذي رأى فيه البعض إنكارا لقدرة الإسلام على إدارة السلطة السياسية في بلد يفترض أن ينتمي إلى القرن العشرين، بعدما حض الشيخ عبد الرازق على فصل الدين عن الدولة وعلى ترك الدين للعبادات وعلى عدم تدخله في السياسة وقوله باستحالة إحياء الخلافة التي لم يعد لها ما يبررها. ونحن هنا نعالج جانب "الكيف" في تبلور ظاهرة الإسلام الحركي. 
والحال أن موقف علي عبد الرازق الذي أصّل له ودعمه بالحجج والأمثلة من التاريخ الإسلامي، جاء ليناقض الدعوات التي تريد وضع الدين كعنصر مكون مع كل شيء: السلطة والسياسة والدولة والعلم، بحيث يتعذر فصله عن أي جانب من جوانب الحياة الإنسانية العادية. 

على الرغم من كثرة الكتابات عن الدور المحوري الذي أدته أفكار سيد قطب في التنظير للعنف، فإن اللجوء إليه واستخدامه يحضر في آراء حسن البنا

الشيء بالشيء يذكر، فقد وجدت هذه الرؤية ترحيبا في بعض الأوساط الإيرانية الشيعية التي كانت تواجه معضلة الدور السياسي في غياب الإمام الحجة، الإمام المهدي المنتظر. وعلى الرغم من أن "الإخوان المسلمين" لم يصلوا إلى درجة إيلاء الفقهاء حق الولاية العامة والمطلقة كما فعل أصحاب مقولة "ولاية الفقيه" إلا أنهم قدموا مخرجا نظريا عن دور التنظيم السياسي للمسلمين في الوصول إلى السلطة كطريق إلى إنشاء الخلافة الموعودة. وليس سرا أن الكثير من كتابات منظري "الإخوان المسلمين" ترجمت إلى الفارسية على أيدي من أصبحوا لاحقا رموزا في الثورة الإيرانية (يمكن العودة في هذا الجانب إلى كتاب "نهضة الشيعة" لولي نصر الذي يقلل من أهمية أثر "الإخوان" على الثورة الإيرانية مقابل تشديد باحث آخر هو أوليفييه روا على أهميته). 

رويترز
النيران تشتعل في البرج الجنوبي من مركز التجارة العالمي في نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001

مهما يكن من أمر، فإن الطبقة الاجتماعية المتوسطة الحضرية الناشئة في الربع الأول من القرن العشرين والتي تعلمت تعليما غير ديني، وظلت- مع ذلك- متمسكة بالإسلام كهوية سياسية وكإطار لفهم كل ظواهر العالم، وجدت في "الإخوان" ضالتها وطريقها إلى الارتقاء الاجتماعي والتمثيل السياسي. وصحيح أن كبار علماء الأزهر لم يرحبوا بمحاولات حسن البنا نشر دعوته بينهم، لكن الرجل قدم من خلال "الرسائل"- وربما على وجه التحديد "رسالة نحو النور"- تصورا لبناء "مجتمع نقيض" يشمل التعليم والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم، ورفضا جذريا للمدنية الغربية مع قبولٍ بالعلاقة مع الدول الغربية إذا قبلت بالإسلام كسلطة سياسية.

التأسيس للعنف وتبريره


أسس البنا للتناقض بين الجماعة والسلطات السياسية الحاكمة، في مصر أولا، ومن ثم في باقي الدول المسلمة التي انتشر فيها "الإخوان المسلمون". فالقول بشمولية الإسلام لكل جوانب الحياة، لا يترك مجالا– في حال تطبيقه– لأي نشاط خارج دائرة التأثير التي يريد "الإخوان" أن يكونوا مركزها. وهذه ليست نظرة فقهية خالصة بقدر ما هي موقف جذري في كيفية بناء آلية تسعى إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من السلطات في المجتمع وهيئاته قبل الانتقال إلى السلطة الأعلى، السياسية. 
من هنا يمكن الحديث عن الخلفية التي شيّد عليها "الإخوان" موقفهم من العنف بكافة أشكاله، من اغتيال إلى تشكيل مجموعات مدربة ومسلحة. وعلى الرغم من كثرة الكتابات عن الدور المحوري الذي أدته أفكار سيد قطب في التنظير للعنف، فإن اللجوء إليه واستخدامه يحضر في آراء حسن البنا. أما سيد قطب فقد وسع دائرة استخدامه ومنه استخلصت الجماعات الأكثر تطرفا رؤيتها ليس فقط للشروع إلى قتال الدولة "الكافرة" بل أيضا الهجوم على المجتمع "الجاهلي". ويتعين القول إن "الإخوان" ربما بسبب كثرتهم الحضرية، ظلوا أكثر تحفظا في استخدام العنف من قوى أخرى كـ"الجماعة الإسلامية" أو تنظيم "الجهاد" اللذين انتشرا في الأرياف حيث التمايزات الاجتماعية أقسى وأوضح. ومن هؤلاء ظهرت "القاعدة" ثم "داعش" التي وصلت إلى ذروة العنف الوحشي باسم الدين. ولا مفر من القول ان "القاعدة" و"داعش" قد تقدما خطوات على كل التنظيمات التي اعتمدت الارهاب في نقله الى مستوى المشهدية العالمية كما في حال هجمات 11 سبتمبر / ايلول 2001 او في احياء السبي وتجارة الرقيق على غرار ما فعلت "داعش" في ايام "خلافتها". 

أف ب
مؤيديون لحركة "حماس" يرفعون صور مؤسس "الاخوان المسلمين" حسن البنا اثناء احياء ذكرى تأسيس "حماس" في طولكرم في 14 ديسمبر 2014

ومن جهة مقابلة، يجوز التذكير هنا بالأطر التي تقدم فيها نشاط "الإخوان" ومن يشبههم في الأعوام التي شهدت هدنات مع الحكومات القائمة. فقد وصلوا إلى قيادة الكثير من النقابات المهنية الكبرى خصوصا تلك التي تتعاطى مع أصحاب الاختصاصات العلمية (الأطباء– المهندسين...) وتمكنوا من نشر تصور زائف عن العلوم والتقنية عبر ما سمي "العلم والإيمان" أو "الإعجاز العلمي في القرآن" وغير ذلك. 

لماذا لم يختف هذا التنظيم طوال الأعوام التي تقارب المئة من عمره، برغم الملاحقات والصراعات الدموية التي خاضها مع السلطات؟

لكن الأهم هو العلاقة مع السلطات السياسية التي لم تكن على سوية واحدة أو على مسار مستقر. بل كانت أقرب إلى الانتهازية وتحين الفرص والقبول بالانخراط في مشاريع تتيح للجماعة تحقيق تقدم تكتيكي في ظرف معين على غرار الانخراط في الحملة التي أطلقها الرئيس أنور السادات على طلاب الجامعات اليساريين مستعينا بـ"الإخوان" لضرب اليسار في النصف الأول من السبعينات. قبل أن تعود العلاقة إلى الانتكاس لتتحسن مجددا في عهد حسني مبارك، وصولا إلى "ثورة 25 يناير" وتأخر "الإخوان" في الانضمام إليها حتى يوم "جمعة الغضب"...
عليه، ثمة الكثير من الأسئلة المتعلقة بصعود هذه الظاهرة أو انحدار تلك، نتجنب في العادة الإجابة عنها إدراكا منا لارتباطها بالوضع الحالي ومعطياته، كمسألة السلطة والوصول إليها وشرعية المطالبة بها، والدين وعلاقته بالسياسة واندماجه أو انفصاله عن الدولة/السلطة. لذلك، فحصر مقارباتنا في ملاحقة تناقضات "الإخوان" وغيرهم، من دون الرغبة في تجاوز مهمة إحداث خدوش طفيفة على سطح القضايا وما تسفر عنه من مآزق سياسية واجتماعية. فلماذا لم يختف هذا التنظيم طوال الأعوام التي تقارب المئة من عمره، برغم الملاحقات والصراعات الدموية التي خاضها مع السلطات؟ لا يكفي هنا التذكير بحصولهم على دعم وتمويل أجنبي بل على تشجيع على الاستيلاء على الحكم في ظروف معينة. فكثير من القوى توفر لها دعما مشابها وفشلت ثم اختفت. الأجدى هو النظر إلى "الإخوان المسلمين" كتعبير عن فئة اجتماعية تريد شيئا لا تملك سبيلا للوصول إليه. وتفشل في كل مرة في إضفاء الشرعية الدينية على خطابها السياسي والتحول إلى أكثرية قادرة على تولي السلطة. هذه الحلقة المغلقة ولدت أزمات انقلبت في مراحل معروفة إلى جهود لهدم هيكل الدولة والمجتمع على من فيه.
ربما لا نكون قد أجبنا في السطور هذه على الأسئلة الخمسة اللازمة لكل كتابة صحافية، لكننا نظن أن عدم الإجابة عنها وراء سيول من الرطانة، أكثر ضررا من التصدي الواعي لها. 

font change