جوليا سيبوتيندي... قاضية دولية بين العقيدة والسياسة والقانون

تقاطع نادر بين الشخصية ومتطلبات العدالة الدولية

المجلة
المجلة

جوليا سيبوتيندي... قاضية دولية بين العقيدة والسياسة والقانون

برز اسم القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي، نائبة رئيس محكمة العدل الدولية، بعد إصدارها عدة تصريحات مثيرة للجدل كان آخرها خلال شهر أغسطس/آب 2025، والتي قالت فيه إن "الرب يعتمد عليها للوقوف إلى جانب إسرائيل". وقد جاء هذا التصريح بعد سلسلة من المواقف والتصريحات على مدى عدة سنوات سابقة، كانت خلالها شخصية سيبوتيندي ومواقفها القانونية والقضائية وتصريحاتها الدينية، محط نقاش دولي واسع، خصوصا مواقفها من القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتي كانت دائما منفردة ومخالفة لاتجاه المحكمة، بل وحتى للموقف الرسمي لحكومة بلدها، وهو ما أثار عدة تساؤلات حول: طبيعة خلفيتها الدينية والأكاديمية والمهنية، ومدى تأثير معتقداتها الشخصية على أحكامها وفلسفتها القضائية، وقدرتها على التزام التجرد والحيدة والنزاهة، أهم قواعد الانضباط السلوكي التي تحكم عمل القضاة بوجه عام وقضاة المحاكم الدولية بوجه خاص، حيث يتقاطع القانون والسياسة الدولية من ناحية مع المعتقدات الشخصية لكل قاض منهم على اختلاف خلفياتهم المتعددة في دول منشئهم من ناحية أخرى.

النشأة والخلفية الدراسية: جذور تعليمية وأكاديمية في سياق استعماري

ولدت سيبوتيندي، باسم "جوليا سيمامبو" وهو اسم العائلة الخاص بأبيها قبل زواجها، خلال فترة الاستعمار البريطاني لأوغندا في 28 فبراير/شباط 1954، ببلدة كيوافو، إحدى ضواحي مدينة عنتيبي، العاصمة الإدارية القديمة لأوغندا ومقر حكومة "محمية أوغندا البريطانية" قبل استقلالها عام 1962 وانتقالها إلى مدينة كامبالا، لأسرة مسيحية أنجليكانية من الطبقة الوسطى، تتبع كنيسة أوغندا التابعة لكنيسة إنجلترا الأنجليكانية، لأب يعمل موظفا عاما (محاسبا) بوزارة الأشغال العامة والمواصلات الأوغندية وأم ربة منزل، وثلاثة إخوة.

بدأت سيبوتيندي مسيرتها العملية بالعمل في وزارة العدل الأوغندية بين عامي 1978-1990، حيث شغلت عدة مناصب خلال هذه الفترة

بدأت تعليمها في مدرسة بحيرة فيكتوريا الابتدائية بمدينة عنتيبي، إحدى المدارس الابتدائية المشتركة للبنين والبنات التي أسستها سلطات الاحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، وكانت تطبق نظام الفصل العنصري في التعليم الذي كان معمولا به في أوغندا بين عامي 1894-1962، فكانت المدرسة تتكون من قسمين، قسم لتعليم أبناء ذوي البشرة البيضاء من الأوروبيين، وقسم آخر لتعليم أبناء كبار موظفي الدولة من الأوغنديين، وخلال المرحلتين الإعدادية والثانوية التحقت سيبوتيندي بمدرسة جيازا الثانوية، ثم بمدرسة كينجز كوليدج بودو، وهما مدرستان تابعتان لكنيسة أوغندا التابعة لكنيسة إنجلترا الأنجليكانية.

ثم التحقت للدراسة بكلية القانون بجامعة ماكيريري خلال السبعينات من القرن الماضي، أثناء  فترة الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين التي اتسمت بالاضطراب السياسي ونالت درجة البكالوريوس في القانون عام 1977، ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا المؤهل لممارسة القانون والمحاماة في أوغندا عام 1978 من مركز تطوير القانون، وهو مؤسسة تعليمية حكومية متخصصة في الدراسات العليا القانونية، وقيدت بنقابة المحامين الأوغندية عام 1979، ثم حصلت عام 1991 على درجة الماجستير في القانون من كلية القانون بجامعة إدنبرة، عاصمة اسكتلندا، بالمملكة المتحدة. وفي عام 2009 منحتها جامعة إدنبرة درجة الدكتوراة الفخرية في القانون تقديرا لجهودها القانونية والقضائية على المستوى الأفريقي وإسهاماتها في العدالة الدولية.

المسيرة العملية.. من المحلية إلى الدولية

بدأت سيبوتيندي مسيرتها العملية بالعمل في وزارة العدل الأوغندية بين عامي 1978-1990، حيث شغلت عدة مناصب خلال هذه الفترة، منها منصب محام عام بسلك النيابة والادعاء العام، ومستشار تشريعي بوزارة العدل. بعد حصولها على درجة الماجستير في القانون عام 1991، شغلت بين عامي 1991-1996 منصب مستشار تشريعي في لندن بمقر الأمانة العامة لـ"منظمة دول الكومنولث"، وهي اتحاد سياسي يضم 56 دولة عضوا كانت جميعها تقريبا ضمن أقاليم سابقة للإمبراطورية البريطانية، وخلال هذه الفترة تم إلحاقها من قبل "منظمة الكومنولث" للعمل بوزارة العدل بدولة ناميبيا التي كانت قد استقلت حديثا عام 1990، حيث شغلت منصب خبير تشريعي.

رويترز
رئيسة المحكمة، القاضية جوليا سيبوتيندي وأعضاء المحكمة، خلال محاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور في لاهاي في 4 يونيو 2007.

تم تعيينها عام 1996 قاضية في المحكمة العليا بأوغندا (The High Court of Uganda)، وهي ثالث أعلى محكمة في النظام القضائي الأوغندي. وخلال عملها بالمحكمة، في الفترة بين عامي 1999-2003 ترأست سيبوتيندي ثلاث لجان تحقيق وتقصي حقائق رفيعة المستوى، بشأن دعاوى فساد حكومي داخل قوات الشرطة الأوغندية، وقوات الدفاع الشعبي الأوغندية (القوات المسلحة)، وهيئة الإيرادات الأوغندية، والوكالة الحكومية التابعة لوزارة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية المخولة قانونا بتحصيل وجمع جميع أنواع الضرائب في أوغندا، وسرعان ما أصبحت رمزا لمكافحة الفساد، بعد ترؤسها لهذه اللجان التي أكسبتها شهرة وطنية كـ"قاضية الشعب"، وهو ما فتح لها الباب للقضاء الدولي.

المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في سيراليون.. بداية المواقف الشاذة

عينت الأمم المتحدة- بناء على ترشيح الحكومة الأوغندية- سيبوتيندي عام 2005 لعضوية "المحكمة الخاصة بسيراليون" (Special Court for Sierra Leone)، وهي محكمة دولية خاصة، أنشأتها حكومة سيراليون بالاتفاق مع الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1315 لسنة 2000 بهدف الملاحقة القضائية للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل والاغتصاب وتجنيد الأطفال أثناء الحرب الأهلية في سيراليون عام 1996، وكان من ضمن المتهمين رئيس ليبيريا الأسبق تشارلز تايلور.

كانت سيبوتيندي هي القاضية الوحيدة من القضاة الدائمين بالمحكمة التي صوتت ضد جميع التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة ضد إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية

وأثناء نظر إحدى الجلسات رفضت المحكمة قبول المذكرة النهائية لمحامي الدفاع عن الرئيس الليبيري الأسبق، بدعوى أنها قُدِّمت متأخرة بعد غلق باب المرافعة، عندها صرح محامي الرئيس الليبيري بأنه "لا يرى أي دور له أو لموكله في القضية من دون تلك المذكرة"، ثم غادر قاعة المحكمة أمام وسائل الإعلام الدولية، قبل إنهاء إجراءات المحكمة وقبل أن ترفع هيئة المحكمة الجلسة، وهو ما اعتبرته المحكمة إهانة لهيئتها وقضاتها، وقررت المحكمة إلزام المحامي بالاعتذار أو مواجهة عقوبة تأديبية، إلا أنه رفض، ومن ثم قررت هيئة المحكمة إخضاعه لجلسة تأديبية وحددت لها جلسة.

رويترز
القاضي نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية والقاضية جوليا سيبوتيندي، نائبة رئيس المحكمة، في بداية جلسة استماع تطلب فيها جنوب أفريقيا اتخاذ تدابير طارئة جديدة بشأن هجمات إسرائيل، في 16 مايو 2024.

كانت سيبوتيندي القاضية الوحيدة التي سجلت اعتراضا صريحا على ذلك الإجراء بموجب رأي مخالف (Dissenting Opinion)، حيث رأت أن العقوبة غير مناسبة ولا تراعي مبدأ الدفاع الكامل والحق في المحاكمة العادلة، وعند انعقاد الجلسة التأديبية للمحامي أرسلت رسالة إلى رئيسة المحكمة، أعلنت فيها أنها لن تشارك في الجلسة من منطلق مبدئي، لأنها ترى أن القرار لم يكن صائبا منذ البداية، وتغيبت بالفعل عن حضور الجلسة، والتي حضرها اثنان فقط من قضاة هيئة المحكمة قبل استدعاء القاضي الاحتياطي، وقد كان لهذا الموقف الغريب صدى واسع في الأوساط القضائية والقانونية الدولية حيث إن هذا الاعتراض لم يكن مجرد اختلاف بسيط في الرأي، بل يعتبر خروجا عن التقاليد والأعراف القضائية المعمول بها حيث إن هذا يعرض كامل إجراءات المحكمة للبطلان بسبب غياب أحد قضاة تشكيل المحكمة، وهو كذلك سلوك غير مألوف في المحاكم الدولية، حيث يميل القضاة عادة إلى حضور الجلسات حتى مع تحفظهم، ثم تسجيل اعتراضاتهم في المحاضر.

عضوية محكمة العدل الدولية ومواقفها من القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

رشحت أوغندا القاضية سيبوتيندي لعضوية محكمة العدل الدولية في انتخابات قضاة المحكمة لعام 2011، وفازت بعضوية المحكمة لفترة أولى من 2012 حتى 2021، ثم فازت بمدة ثانية في 2021 تنتهي في فبراير 2030، وخلال الفترة الثانية اشتركت سيبوتيندي في نظر عدة قضايا وطلبات إبداء رأي تتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كانت الأولى قضية "تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة"، والتي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 والتي حكمت فيها المحكمة بالأمر بتدابير مؤقتة لوقف جريمة الإبادة الجماعية، كانت سيبوتيندي هي القاضية الوحيدة من القضاة الدائمين بالمحكمة التي صوتت ضد جميع التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة، بخلاف القاضي الإسرائيلي الخاص أهارون باراك، وهو قاض يتم تعيينه من قبل الدولة الطرف في النزاع، للاشتراك في نظر قضية معينة فقط عندما لا يكون لدى أحد أطراف القضية قاضٍ من جنسيته بين القضاة الدائمين بهدف ضمان التمثيل العادل للدولة، بموجب المادة 31 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وكان التسبيب الذي أسست عليه رأيها المخالف في هذه القضية أن النزاع بين جنوب أفريقيا وإسرائيل ذو طبيعة سياسية بالأساس، ولا يدخل ضمن اختصاص المحكمة كقضية قانونية خالصة، وأن جنوب أفريقيا لم تقدّم أدلة كافية تثبت نية الإبادة الجماعية من جانب إسرائيل، وأن طبيعة ما يجري في غزة هو نزاع مسلح معقّد، لا يمكن توصيفه قانونا بشكل مباشر كإبادة جماعية، بل يدخل في إطار القانون الإنساني الدولي ونزاعات الاحتلال، وحذّرت من أن تدخل المحكمة قد يفسَّر كتدخّل سياسي، وهو ما يتجاوز وظيفتها القضائية.

لفهم المواقف القضائية للقاضية سيبوتيندي، لا يمكن إغفال خلفيتها الفكرية والدينية، فقد نشأت خلال حقبة الاستعمار البريطاني لأوغندا، ويمكن القول إن عائلتها تعد من "الياقات البيضاء" في أوغندا خلال فترة الاستعمار

أما القضية الثانية فهي الرأي الاستشاري: الآثار القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، الذي قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 ديسمبر 2022، وأصدرت المحكمة رأيها الاستشاري في 19 يوليو/تموز 2024، وكانت القاضية الوحيدة كذلك التي صوتت برأي مخالف ضد ما انتهى إليه رأي الأغلبية من وصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه غير مشروع ويجب إنهاؤه فورا، وقد أسست رأيها على عدة أسباب منها محدودية ولاية المحكمة في طلبات إبداء الرأي الاستشارية، وأن المحكمة لا يجوز لها أن تصدر آراء استشارية في نزاع معقّد وشديد التسييس مثل النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، وأن طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء بطريقة غير متوازنة لأنه يركّز فقط على سلوك إسرائيل دون النظر إلى أفعال الأطراف الأخرى (الفلسطينيين)، وأكدت على خطورة تحول المحكمة إلى أداة سياسية إذا أصدرت أحكاما في قضايا بهذا التعقيد السياسي، وارتأت أن حل نزاع مثل ذلك، لا يكون عبر القضاء الدولي وحده، بل عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية بدعم المجتمع الدولي. وقد كان موقفها صادما للوسط القانوني والقضائي الدولي، بل وصادما حتى لدولتها التي تحمل جنسيتها، حيث سارعت الحكومة الأوغندية إلى النأي بنفسها عن رأيها، مؤكدة أنه يمثل وجهة نظرها الشخصية ولا يعكس موقف أوغندا الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية، هذا التبرؤ الرسمي يوضح حجم الإحراج الذي سببه موقفها، خاصة وأنها القاضية الأفريقية الوحيدة التي خالفت دعوى تقدمت بها دولة أفريقية تعد رمزا للنضال ضد الفصل العنصري.

الخلفية الفكرية، بين التجرد القضائي والمعتقدات الدينية العقائدية

لفهم المواقف القضائية للقاضية سيبوتيندي، لا يمكن إغفال خلفيتها الفكرية والدينية، فقد نشأت خلال حقبة الاستعمار البريطاني لأوغندا، ويمكن القول إن عائلتها تعد من "الياقات البيضاء" في أوغندا خلال فترة الاستعمار، وهم الموظفون الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح المستعمر، وهو ما تم ترسيخه فكريا في ذهنها في سنوات تعليمها الأولى عندما التحقت بمدرسة بريطانية تطبق نظام الفصل العنصري، ويمكن القول بأنها قد أصيبت بما يسمى "متلازمة استكهولم" حين يتعاطف المخطوف مع خاطفه، في هذه الحالة حين يتعاطف المستعمَر مع المستعمِر.

طالبت عدة جهات بعزلها من منصبها لإخلالها بمبادئ التجرد والحيدة والنزاهة، التي تحكم عمل القضاة بوجه عام والقضاة الدوليين بشكل خاص

إضافة إلى ذلك وعلى الرغم من نشأتها نشأة دينية مسيحية أنجليكانية، فإنها وخلال ثمانينات القرن الماضي أصبحت من أتباع "كنيسة واتوتو" (كنيسة كامبالا الخمسينية سابقا)، والتي أسسها رجل الدين جاري سكينير وزوجته مارلين سكينير عام 1984، والكنيسة الخمسينية هي حركة مسيحية بروتستانتية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ويرتبط جزء من تياراتها "بالصهيونية المسيحية"، إذ ترى في قيام إسرائيل تحقيقا لنبوءات توراتية، ما جعلها داعمة بقوة للمشاريع السياسية الإسرائيلية، وقد ظهر ذلك بجلاء في تصريحاتها بأن "الرب هو من يضع القادة في مناصبهم، لذلك يمكنكم الاعتماد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل". هذا التصريح العلني، الذي جاء قبل أشهر قليلة من نظر المحكمة في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، أثار صدمة واسعة وشكوكا جدية حول حيادها.

رويترز
رئيسة المحكمة، القاضية جوليا سيبوتيندي وأعضاء المحكمة، خلال محاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور في لاهاي في 4 يونيو 2007.

وهو ما دفع عدة جهات إلى الدعوة إلى عزلها من منصبها لإخلالها بمبادئ التجرد والحيدة والنزاهة، التي تحكم عمل القضاة بوجه عام والقضاة الدوليين بشكل خاص، والتي تحتم على القاضي أن يمتنع أو يُعلِن عدم قدرته على المشاركة في نظر القضية في حالة تضارب المصالح أو إذا رأى أن حياده قد يُعرّض مصداقية الحكم للخطر، تجنبا لمظاهر الانحياز، وذلك وفقا للقواعد المعمول بها في مدونة سلوك للقضاة تعزز قيم الاستقلال والنزاهة والكفاءة والحياد المعروفة بـ"مبادئ بنغالور"، والتي تعد هي المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية.

تمثل مسيرة القاضية جوليا سيبوتيندي تقاطعا نادرا ومعقدا بين الالتزام الشخصي والعقيدة الدينية ومتطلبات العدالة الدولية. فمن ناحية، هي قاضية ذات سجل حافل في محاربة الفساد والجرائم الدولية، ومن ناحية أخرى، تبدو مواقفها الأخيرة وكأنها تعكس قناعات آيديولوجية عميقة تتجاوز التفسير القانوني المجرد. سيظل رأي سيبوتيندي المخالف في قضية غزة وتصريحاتها العلنية علامة فارقة في تاريخ المحكمة، ليس فقط لمضمونها القانوني، بل لأنها تجسد التحدي الأكبر الذي يواجه العدالة الدولية: الحفاظ على مصداقيتها في عالم تحركه السياسة والآيديولوجيا بقدر ما تحركه نصوص القانون.

font change