دلالات قلق إسرائيل من قضية الإبادة الجماعية أمام "العدل الدولية"

يُعتبر قرار إسرائيل بإرسال ممثلين إلى لاهاي بحد ذاته أمرا جديرا بالاهتمام

AFP
AFP
المستشار القانوني الإسرائيلي تال بيكر، والمحامي مالكولم شو، وجلعاد نعوم، نائب المدعي العام، يحضرون جلسة محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، في 11 يناير 2024.

دلالات قلق إسرائيل من قضية الإبادة الجماعية أمام "العدل الدولية"

قررت إسرائيل إرسال فريق من الخبراء القانونيين للدفاع عنها ضد الاتهامات التي وجهتها لها جنوب أفريقيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة. ويعتبر قرار إسرائيل بإرسال ممثلين بحد ذاته أمرا جديرا بالاهتمام، إذ تمتنع إسرائيل عادة عن التفاعل مع مثل هذه المنظمات الدولية، معتبرة إياها متحيزة ضدها.

ومع ذلك، قررت إسرائيل هذه المرة الدفاع عن نفسها ضد هذه الاتهامات. حيث تأخذ تل أبيب هذه القضية على محمل الجد. ويبدو أنها تراهن على أن يتمكن فريقها من تقديم حجج مقنعة ضد اتهامات الإبادة الجماعية، بمساعدة مهمة جدا من قائد الفريق: مالكولم شو كيه سي.

شو، المحامي البريطاني ذو الخبرة الواسعة في القانون الإنساني والأستاذ في جامعة إيسكس، خبير مشهور في القانون الدولي، وبشكل خاص فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية وقضايا الإبادة الجماعية. وهو أيضا صديق معروف لإسرائيل يُدرِّس صفا منتظما بالجامعة العبرية في القدس، التي درَس فيها سابقا.

ويمكن للمحامي البريطاني الاعتماد على خبرته الواسعة: فهذه ليست المرة الأولى التي يمثل فيها شو أمام محكمة العدل الدولية، إذ مثّل شو أيضا الإمارات، وصربيا، والكاميرون في قضايا أخرى. كما تولى قضايا أمام مؤسسات دولية أخرى لصالح ماليزيا، وأوكرانيا، وأذربيجان، وقبرص، وألمانيا، وأيرلندا.

تراهن إسرائيل على أن يتمكن فريقها من تقديم حجج مقنعة ضد اتهامات الإبادة الجماعية، بمساعدة مهمة جدا من قائد الفريق: مالكولم شو كيه سي.

اختيار شو يعني أن إسرائيل اختارت الخبرة على الاستعراض، وهذا، على سبيل المثال، يضع حدا للشائعات التي تتحدث عن احتمال اختيار المحامي الأميركي المثير للجدل والأستاذ في جامعة هارفارد، ألان ديرشوفيتز.

وبخلاف المحكمة الدولية، مَثَل شو أمام كيانات متنوعة مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحكمة العدل الأوروبية، ومحكمة الاستئناف النهائية في هونغ كونغ، والمحكمة العليا في أيرلندا، والمحكمة العليا في المملكة المتحدة، ومجلس اللوردات، ومحكمة الاستئناف، والمحكمة العليا في إنجلترا، وهيئات التحكيم الدولية. لذا فهو بالتأكيد خصم قوي في المحكمة.

يعرف شو أيضا بشكل خاص المجال المعني بهذه القضية، إذ إنه صنف كتابا بعنوان "الإبادة الجماعية والقانون الدولي". تأمل إسرائيل على الأغلب أن تؤدي خبرة شو الواسعة إلى إبطال الحجج التي قدمها فريق جنوب أفريقيا يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني. وتعتمد هذه الحجج على أدلة من غزة، ولكن أيضا على سلسلة من التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين مختلفين طالبوا بتهجير سكان غزة، أو جردوا الفلسطينيين من إنسانيتهم.

سيضطر شو بالفعل إلى التعامل مع حقيقة أن كثيرا من المسؤولين الإسرائيليين أدلوا بتصريحات شنيعة، على الرغم من أنه سيحاول أن يجادل بأن تلك التصريحات هي في معظمها سياسية وشعبوية بطبيعتها. جدير بالذكر، أنه بعد أشهر من فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القيام بأي شيء تقريبا لمنع وزرائه من إطلاق تصريحات تحريضية (والإدلاء ببعضها بنفسه)، أصدر نتنياهو بيانا علنيا يؤكد فيه أن إسرائيل تقاتل "حماس" وليس الفلسطينيين، وأنها لا تعتزم تهجير سكان غزة، وأنها تعمل بشكل كامل وفقا للقانون الدولي.

لن يسهّل بيان نتنياهو (الذي أدلى به بالإنجليزية بدلا من العبرية) عمل شو. فعلى الرغم من خبرته الواسعة، فإن المحامي البريطاني أمام أصعب قضية يتولاها في حياته.

هناك علامة أخرى على جدية إسرائيل في التعامل مع هذه القضية من خلال "مقعد القاضي"؛ حيث أرسلت إسرائيل أيضا القاضي البارز أهارون باراك كأحد القضاة في هذه القضايا.

لن يكون وحده بالطبع؛ حيث سيساعد شو ثلاثة محامين اختيروا حديثا، بالإضافة إلى عدد من المستشارين من وزارة العدل. وفي الفترة التي سبقت جلسة الاستماع، شُكّل أيضا فريق يشارك فيه أعضاء من مكتب المدعي العام لجيش الدفاع الإسرائيلي للمساهمة في وضع استراتيجية الدفاع الإسرائيلية. كما تضغط إسرائيل بهدوء على حلفائها للإدلاء بتصريحات تشير إلى أنها قامت بنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة.

هناك علامة أخرى على جدية إسرائيل في التعامل مع هذه القضية من خلال "مقعد القاضي"؛ فعلى الرغم من عدم وجوده ضمن فريق الدفاع عن البلاد، فقد أرسلت إسرائيل القاضي البارز أهارون باراك كأحد القضاة في هذه القضايا. (يمكن للأطراف المتنازعة أن تطلب إرسال أحد قضاتها في حالة عدم وجود ممثلين عنها ضمن الأعضاء الـ15 الدائمين في المحكمة. وسترسل إسرائيل واحدا، وكذلك فعلت جنوب أفريقيا، وكلاهما أدى اليمين يوم الخميس 11 يناير).

Reuters
المحامي البريطاني مالكولم شو، الذي يقود فريق الدفاع الإسرائيلي، أثناء جلسة الاستماع في لاهاي

ويعدّ اسم أهارون باراك مألوفا لمن يتابع الإصلاح القضائي الجدلي الذي حاول نتنياهو الدفع به عام 2023. وقد عُيّن باراك كعضو في المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1978، وشغل منصب رئيس المحكمة منذ عام 1995 إلى 2006. وكان عبارة عن الأب الروحي لما سماه البعض في إسرائيل "الثورة القضائية"؛ وهي تغيير أدى إلى تعزيز دور المحكمة العليا في مراقبة قوانين الحكومة وقراراتها. وكانت إصلاحات نتنياهو في عام 2023 (التي يطلق عليها خصومه اسم "الانقلاب القضائي") تستهدف، إلى حد كبير، عكس اتجاه هذه الثورة القضائية. وتعرض باراك بنفسه لانتقادات لاذعة من حلفاء نتنياهو، الذين ما زالوا غاضبين من ترشيحه. بل إن أحد وزراء الحكومة قال إن باراك يجب أن يقبع في السجن، بينما وصفت شخصية تلفزيونية يمينية مقربة من نتنياهو باراك بأنه "أخطر رجل في إسرائيل".

يمكن للأطراف المتنازعة أن تطلب إرسال أحد قضاتها في حالة عدم وجود ممثلين عنها ضمن الأعضاء الـ15 الدائمين في المحكمة. وقد أرسلت إسرائيل واحدا، وكذلك فعلت جنوب أفريقيا.

يمكن القول إن باراك ونتنياهو لا يتفقان على كثير من الأمور، وربما هذا هو السبب في اختيار نتنياهو له؛ فلن يُنظر إلى باراك على أنه ممثل لنتنياهو، بل كممثل لإسرائيل وقاضٍ محترم لا يجب تجاوز رأيه بحجة تحيزه؛ إذ إن باراك هو أيضا أحد الناجين من المحرقة، الأمر الذي يمكن أن يكون ذا صلة في مثل هذه الظروف.

ولكن على الرغم من أن القرار اتخذ بناءً على المظاهر، فإن الواقع هو أن باراك يواجه معركة صعبة؛ فهو واحد فقط من بين 17 قاضيا، بعضهم عُيّن من قبل دول معادية لإسرائيل. وعلى الرغم من أنه شارك كقاضٍ في العمل القانوني المتعلق بالحرب ضد الإرهاب، إلا أنه ليس خبيرا في القانون الدولي، وهو أمر يمكن أن يؤثر عليه سلبا في هذه المحكمة تحديدا.

font change

مقالات ذات صلة