خسر نتنياهو الحرب وآن أوان رحيله

لكي تكون إسرائيل آمنة تحتاج إلى قيادة جديدة

AFP
AFP
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اثناء اجتماع لمجلس الوزراء المصغر في تل ابيب في 31 ديسمبر

خسر نتنياهو الحرب وآن أوان رحيله

ثمّة فوضى منتشرة في أرجاء الشرق الأوسط. وفي غزة، مليونا مدني دمّرتهم الحرب وباتوا معرضين لخطر المجاعة. في المقابل، تهدد هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجارة العالمية، ويسود التوتر الحدود الشمالية لإسرائيل بعد اغتيال أحد قادة "حماس" في بيروت في الثاني من يناير/كانون الثاني، تلاه بعد يوم واحد انفجاران في إيران قتلا ما يقرب من 100 شخص. والإيرانيون الذين ألقوا باللائمة بداية على "الإرهابيين"، سرعان ما حولوا اتهامهم إلى أميركا وإسرائيل. ومن الممكن أن تندلع حرب بين إسرائيل و"حزب الله" الميليشيا المدعومة من إيران في لبنان.

يتضح من ذلك كلّه أمران اثنان: إن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعيد تشكيل الشرق الأوسط، بينما ترتكب إسرائيل، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، أخطاء فادحة تقوض أمنها.

لقد دفعت مذبحة أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها "حماس" ضد المدنيين الإسرائيليين، دفعت إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية طويلة الأمد. يعتمد هذا النهج على تخلي إسرائيل عن جهود السلام مع الفلسطينيين لصالح بناء الجدران واستخدام التكنولوجيا لمواجهة هجمات الصواريخ وعمليات التسلل. ولكن ذلك أثبت عدم فعاليته، بل أدى بدلا من ذلك إلى تطرف الفلسطينيين وفشل في منع الأحداث المروعة التي حدثت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وباتت إسرائيل الآن تواجه خطر ترسانة صاروخية متطورة بشكل متزايد، يجري نشرها من قبل متمردين مدعومين من إيران في لبنان واليمن ومواقع أخرى.

لا يبدو أن لنتنياهو خطة لما بعد الحرب، باستثناء الفوضى أو الاحتلال، حيث استبعد حكم السلطة الفلسطينية في غزة

كيف يمكن لعقيدة أمنية إسرائيلية جديدة أن تعمل؟ 
تؤيد مجلة "الإيكونوميست" إزاحة "حماس" من السلطة في غزة؛ فقد اضطهدت الناس وأفقرتهم هناك، وهي تشكل عائقا أمام تحقيق السلام. ولكن يجب على إسرائيل أن توضح أن معركتها مع الإرهابيين. وهذا يعني استخدام القوة بحكمة والسماح بدخول المزيد من المساعدات. ويعني أيضا وجود خطة لما بعد الحرب تخلق طريقا إلى دولة فلسطينية معتدلة. وتعد هذه الاستراتيجية حيوية للحفاظ على الدعم الدولي، وخاصة من أميركا، التي تلعب دورا رئيسا في ردع إيران وتعزيز علاقات أفضل بين إسرائيل ودول الخليج، خاصة أن الأخيرة تشعر بالقلق أيضا بشأن النفوذ الإيراني. ولكن الأهم من ذلك أن مثل هذه السياسة ضرورية لأمن إسرائيل.

AFP
مظاهرة مناهضة لنتنياهو في القدس في 4 نوفمبر

لكن السيد نتنياهو تجاهل كلية هذا النهج الاستراتيجي في غزة، وتبين عمليات إسرائيل تجاهلا مقلقا لحياة المدنيين. وبحسب المؤسسات التي تديرها "حماس"، فإن عدد القتلى وصل إلى 22 ألف مدني ومقاتل، في حين تقر الأمم المتحدة بوجود 7 آلاف آخرين قد يكونون مدفونين تحت الأنقاض. تزعم إسرائيل أنها قضت على 8 آلاف إرهابي. ولا يصل إلى غزة سوى القليل جدا من الماء والغذاء والدواء، ولا توجد مناطق آمنة حقا للمدنيين. ولا يبدو أن لنتنياهو خطة لما بعد الحرب، باستثناء الفوضى أو الاحتلال، حيث استبعد حكم السلطة الفلسطينية في غزة، فيما يتحدث المتطرفون في ائتلافه عن تهجير الفلسطينيين بشكل دائم من القطاع، بطريقة تثير الغضب.
ما الذي يفسر قصر النظر هذا؟ صحيح أن الرأي العام الإسرائيلي لا يتعاطف كثيرا مع الفلسطينيين، وأن محو غزة قد يساعد في استعادة قوة الردع الإسرائيلية، ولكن التفسير الرئيس يكمن في مكان آخر: ضعف السيد نتنياهو، الذي عمل، في محاولة يائسة للبقاء في منصبه، على استرضاء المتطرفين في ائتلافه والناخبين الإسرائيليين، بينما يختبر صبر أميركا ويرعب الدول العربية. وهذا من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية في غزة ويمنع إسرائيل من التعامل مع مخاوفها الأمنية الأوسع.

أي زعيم إسرائيلي أكثر حكمة من نتنياهو قد يفهم أن المجاعة في غزة، أو الفوضى أو الاحتلال المفتوح هناك، وتآكل الدعم الأميركي، لن يجعل إسرائيل أكثر أمنا

ولنتأمل مثلا هنا الموقف على الحدود الشمالية لإسرائيل؛ فقد أدى التهديد الذي يلوح في الأفق بغزو "حزب الله" أو الهجمات الصاروخية إلى تحويل جزء من شمال إسرائيل إلى منطقة مهجورة. لكن الخيارات المتاحة أمام إسرائيل قاتمة. 
إن شن ضربة استباقية على لبنان يمكن أن يؤدي إلى جمود عسكري، وربما يؤدي إلى التفكك الكامل للدولة اللبنانية، والإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، قد تؤدي الدبلوماسية إلى إنشاء منطقة عازلة بين "حزب الله" وحدود إسرائيل، ولكن ذلك لن يكون مجديا من دون خطة إقليمية لاحتواء إيران وردعها، وهو ما يتطلب دعم أميركا والحلفاء الغربيين الآخرين، وأيضا لو أمكن دول الخليج العربية التي ينفرها نتنياهو جميعا.
لقد تراجعت شعبية نتنياهو في الداخل، تزامنا مع قرار المحكمة العليا في إسرائيل الذي أصدرته اخيرا وألغت من خلاله إصلاحه القضائي المثير للجدل. لذلك، من أجل إسرائيل، قد يرحل نتنياهو. وصحيح أن خليفته، نظرا لصدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لن يكون متساهلا فيما يتعلق بالأمن. ولكن أي زعيم إسرائيلي أكثر حكمة قد يفهم أن المجاعة في غزة، أو الفوضى أو الاحتلال المفتوح هناك، وتآكل الدعم الأميركي، لن يجعل إسرائيل أكثر أمنا.

font change

مقالات ذات صلة