ما هو "الجيل زد" الذي يطارد العالم؟

الفاعلون الجدد يبدو أنهم يربكون الأنظمة القائمة في بلد تلو الآخر

أ.ف.ب/رويترز
أ.ف.ب/رويترز
مظاهرات متفرقة لـ "جيل زد"

ما هو "الجيل زد" الذي يطارد العالم؟

في الفيلم الهوليوودي الشهير "بوتش كاسيدي وساندانس كيد"، الصادر عام 1969، يلاحق فرسان غامضون وبلا هوادة بطلَي الفيلم الخارجَين عن القانون، بينما لا يكفّ الملاحقان، وهما في حيرة من أمرهما، عن ترديد سؤال واحد: "من هؤلاء؟". سؤال مشابه قد تطرحه الأجيال الأكبر سنا اليوم، وهي تواجه قوة صاعدة لا تغيب عن العناوين الرئيسة حول العالم: "الجيل زد".

ففي الأسابيع القليلة الماضية وحدها، فرض أفراد "الجيل زد" حضورهم بحدة لافتة. لقد قادوا احتجاجات جماهيرية في مكسيكو سيتي ضد الفساد والجريمة، وهم يوجّهون انتقادات علنية إلى الرئيسة كلاوديا شينباوم. وفي مدينة نيويورك، خرجوا بأعداد كبيرة لانتخاب زهران ممداني، الأميركي المسلم، عمدة للمدينة. أما في جامعات جنوب أفريقيا، فأضرموا النيران في مبانٍ جامعية احتجاجا على رسوم التسجيل. وفي تنزانيا، واجهوا انتخابات الرئيسة سامية حسن بتحدٍ لم يُشهد له مثيل منذ عقود. وخلال الأشهر الأخيرة، وقف "الجيل زد" في طليعة الاضطرابات والاحتجاجات، وأحيانا العنف، دافعا باتجاه تحولات سياسية في دول متعددة مثل نيبال، بيرو، إندونيسيا، الفلبين، كينيا، بنغلاديش، مدغشقر، وغيرها.

فمن هؤلاء الفاعلون الجدد على المسرح العالمي؟ إنهم يُعرفون بأكثر من اسم: "الجيل زد" أو "الزومرز"، ويبدو أنهم يربكون الأنظمة القائمة في بلد تلو الآخر. ولكن ما الذي يعنيه هذا المصطلح تحديدا؟ وهل "الجيل زد" كيان موحّد يستحق تحليلا جادا في الخطاب العام؟ وإن صحّ ذلك، فما القيم التي تحرك رؤيته للعالم، وما المستقبل الذي قد يسهم في تشكيله؟

من المؤكد أن هذا الجيل بات مادة لتعليقات واسعة النطاق، يغلب عليها أحيانا الطابع الكاريكاتيري، وكثيرا ما يكونون مادة للتهكّم عليهم باعتبارهم مفرطين في "الووك" (اليقظة السياسية)، يعانون القلق ومشكلات الصحة النفسية، ويترددون في تقبّل متطلبات العمل، ويُنظر إليهم كجيل مفرط في التعلق بهواتفهم الذكية. ومن الصور النمطية الرائجة "نظرة الجيل زد" التي تحلّ محل الرد اللفظي المنتظر، بصمت طويل يبعث على القلق.

تنشأ الهوية الجيلية من التعرض لأحداث تاريخية مفصلية تُشكّل وعي جيل بأكمله، وتمنحه رؤية موحدة نسبيا للعالم

تقنيا، يُقصد بـ"الجيل زد" أولئك الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012. وقد جاء هذا التصنيف بشكل شبه حتمي بعد "جيل واي" (المعروف بجيل الألفية)، المولودين بين 1981 و1996. أما قبلهم، فكان "جيل إكس"، من مواليد 1965 إلى 1980، وسبَقهم جيل الطفرة السكانية، الأشهر، ("البوومرز") والذين وُلدوا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف ستينات القرن العشرين.

لكن الزعم بأن كل جيل يُمثل فئة موحدة ذات رؤية مشتركة لمجرد اشتراك أفراده في سنوات الميلاد، أمر يكتنفه الكثير من التعقيد. فقبل القرن العشرين، حين كانت أعمار البشر أقصر وأكثر هشاشة، لم يكن لمفهوم الهوية الجيلية حضور يُذكر. إذ كانت المجتمعات تقسم الناس عموما إلى فئتين: كبار السن والشباب. ومع نشوء الدول الحديثة، وتحسن الرعاية الصحية، وازدياد متوسط الأعمار، بدأ يظهر تصور الأجيال بوصفها كيانات متميزة تحمل قيما وحساسيات خاصة بها.

أ.ف.ب
طلاب يشاركون في تظاهرة بجامعة السوربون في 3 مايو 1968، خلال أحداث مايو 1968 في فرنسا

وقد شكّل عالم الاجتماع المجري كارل مانهايم شخصية محورية في هذا التحول الفكري. ففي عام 1928، نشر مقالا مهماً بعنوان "مسألة الأجيال"، تُرجم لاحقا إلى الإنكليزية عام 1952. وفي هذا النص، شبّه مانهايم الانتماء الجيلي بالانتماء الطبقي، معتبرا أن كليهما يمنح الفرد موقعا مشتركا داخل السياق الاجتماعي والتاريخي. وذهب إلى أن هذا الموقع المشترك يقيّد الأفراد بمجال محدد من التجارب، ويجعلهم ميّالين إلى أنماط معينة من التفكير والفعل. ومن وجهة نظره، تنشأ الهوية الجيلية من التعرض لأحداث تاريخية مفصلية تُشكّل وعي جيل بأكمله، وتمنحه رؤية موحدة نسبيا للعالم.

ظهرت نظرية مانهايم حول الأجيال في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ذلك الصراع الكارثي الذي خلّف ندوبا نفسية ومجتمعية عميقة لدى من عايشوه. وفي السنوات التالية، غيّر الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين مسار حياة الملايين، والذين غرق كثير منهم في هاوية الفقر. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، مواجهة غير مسبوقة في فتكها، وتسللت إلى كل جانب من جوانب الوجود الإنساني. أعقبتها الحرب الباردة، التي ألقت بظلال طويلة ومقلقة على من وُلدوا في عالم يلاحقه شبح الإبادة النووية.

مثّل الشباب الذين وُلدوا عقب الحرب العالمية الثانية روح الاحتجاج في ستينات القرن العشرين، تماما كما بدأ "الجيل زد" يجسد تلك الروح في عقد العشرينات من هذا القرن

لكن، على الرغم من الجاذبية الفكرية التي يحملها مفهوم الأجيال، فإنه لم يخلُ من الانتقادات، لأنه بطبيعته يقوم على تعميم واسع قد يفضي إلى تهميش الفوارق الدقيقة المتعلقة بالنوع والعرق والإثنية والطبقة الاجتماعية، بين من يُصنّفون ضمن الإطار الزمني نفسه. كما أن ارتفاع متوسط الأعمار أضاف تعقيدا جديدا على فكرة الحدود الزمنية الثابتة بين الأجيال. علاوة على ذلك، فإن الافتراض القائل بإمكانية تطبيق التصنيفات الجيلية على نحو عالمي عبر الثقافات والقارات يثير الكثير من الجدل. وقد لازم هذا النوع من الانتقاد الخطاب المرتبط بجيل الطفرة السكانية منذ بداياته، وهو الخطاب الذي كثيرا ما كان يُقدّم كظاهرة عالمية، في حين أنه في الواقع كان يقتصر إلى حد كبير على الزيادة الديموغرافية التي شهدتها أميركا الشمالية بعد الحرب.

مع ذلك، لا يزال بالإمكان الدفاع عن وجود الكيانات الجيلية، أو على الأقل عن نشوء سمات مشتركة بين مجموعات واسعة وُلدت في ظل نافذة تاريخية واحدة. فهذه التجارب المشتركة، التي تتشكل بفعل العمر والظرف، تستدعي المقارنة مع مفهوم "الجماعات المتخيلة" الذي طرحه بنديكت أندرسون. كان أندرسون قد طور هذا الإطار لفهم نشوء الأمم في أماكن لم تعرِف سابقا هويات وطنية، موضحا أن هوية جمعية يمكن أن تتكوّن عبر "رأسمالية الطباعة"، أي من خلال تفاعل جمهور قارئ مع وسائل الإعلام الجماهيرية. ومن الجائز أن ينطبق هذا المنطق على الأجيال أيضا، فهي، شأنها شأن الأمم، كيانات متخيلة تتغذى على الإدراك الجمعي وتستمد وجودها منه.

أ.ف.ب
متظاهر يحمل لافتة وآخر يحمل علمًا لسلسلة المانغا اليابانية الشهيرة "ون بيس"، وهو رمز تبنته حركات الاحتجاج التي يقودها جيل زد حول العالم، وذلك خلال تجمع المتظاهرين في أنتاناناريفو، في 9 أكتوبر 2025

فلنتأمل جيل الطفرة السكانية. سواء صمد هذا التصنيف أمام التحليل الديموغرافي أم لا، فقد مثّل الشباب الذين وُلدوا عقب الحرب العالمية الثانية روح الاحتجاج في ستينات القرن العشرين، تماما كما بدأ "الجيل زد" يجسد تلك الروح في عقد العشرينات من هذا القرن. وكلنا يذكر كيف اجتاحت موجات من المظاهرات الشبابية، في عام 1968، دولا عدة، من المكسيك وفرنسا إلى المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة واليابان وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الغربية. وفي شيكاغو، تجمع المحتجون الغاضبون من حرب فيتنام وظلم التمييز العنصري لإرباك أعمال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي. ومع تصاعد العنف البوليسي ضدهم، أدرك المتظاهرون قدرة التلفزيون على نقل معاناتهم إلى العالم، فرددوا بصوت متحد: "العالم كله يشاهد".

سلكت نساء "الجيل زد" طريقا مغايرا تماما. ففي الولايات المتحدة، قد يفسر هذا الميل نحو اليسار كرد فعل على تقويض حقوقهن الإنجابية

صحيح أن غالبية الشباب في ستينات القرن الماضي لم يشاركوا في تلك الاحتجاجات، وأن كثيرا من قادة الحركات كانوا من الجيل السابق لجيل الطفرة، ولكن فكرة التمايز الجيلي ظلت تحتفظ بوقعها، ولا سيما عند النظر إليها بمنظور عام لا يصطدم بالتصنيفات الصارمة. الأمر ذاته ينطبق على "الجيل زد". فرغم أن تسميته والسمات المرتبطة به صيغت من داخل التجربة الغربية، فإن فكرة الجيل الذي يتشكل عبر وعي مشترك وطابع تاريخي محدد تظل أداة تحليلية نافعة لفهم حضوره العالمي المتنامي.

ولا نريد هنا أن ندّعي أن "الجيل زد" يخلو من التباينات. بل على العكس، ثمة اختلافات جوهرية داخل هذه الفئة تجعل من الصعب تعميم صفاتها أو اختزالها في صورة نمطية واحدة. ويبرز هذا التحدي بشكل خاص عند النظر إلى الانقسام الحاد بين الذكور والإناث من أبناء هذا الجيل.

فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام وجود فجوة واسعة في الرؤى بين رجال ونساء "الجيل زد"، وهي فجوة لا تتبع بالضرورة النمط الذي ساد في الأجيال السابقة. بل إن دراسة موسعة شملت ثلاثين دولة كشفت أن الفارق بين الجنسين في هذا الجيل هو الأوسع، مقارنة بأي جيل آخر بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يكن هذا الانقسام حول قضايا هامشية، بل طال مسائل أساسية مثل دعم المساواة بين الجنسين وتأييد الحركة النسوية.

وبوجه عام، اتجه رجال "الجيل زد" نحو اليمين السياسي بشكل متزايد، ربما بتأثير شخصيات بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل جو روغن، وبشكل أخص أندرو تايت. كما أن ما يعرف بـ"المانوسفير" (المقصود هنا شبكة غير رسمية من المجتمعات الإلكترونية والمواقع والمنتديات ومنصات التواصل الاجتماعي التي تتمحور حول قضايا الرجال، لكنها غالبا ما تتناول هذه القضايا من منظور معادٍ للنسوية، أو يتسم بالتمييز ضد النساء، أو يستند إلى تصورات تقليدية أو رجعية للأدوار الجندرية) يروج لنماذج تقليدية للرجولة، ويحتضن في كثير من الأحيان خطابا معاديا للنسوية، بل يصل إلى حد التمييز الصريح ضد النساء، مع شعور متنام بالغبن لدى الذكور من هذا الجيل. وقد انعكست هذه النزعة المحافظة سياسيا، إذ استفاد منها الرئيس دونالد ترمب في فوزه الانتخابي عام 2024 على نائبة الرئيس كامالا هاريس.

رويترز
متظاهرون يشتبكون مع حرس الحدود البنغلاديشي والشرطة خارج مبنى التلفزيون البنغلاديشي الحكومي، في أعقاب اندلاع أعمال عنف في أنحاء البلاد بعد احتجاجات الطلاب ضد نظام الحصص، في دكا، بنغلاديش، 19 يوليو 2024

وفي بعض الدول، تجاوز هذا التحول حدود اليمين التقليدي. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، صوت خمسة وعشرون في المئة من الرجال بين سن الثامنة عشرة والرابعة والعشرين لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، ليصبح الخيار السياسي الأول لهذه الفئة العمرية. أما في كوريا الجنوبية، فقد اتجه رجال "الجيل زد" بشكل متزايد نحو دعم كيانات سياسية يمينية متشددة.

في المقابل، سلكت نساء "الجيل زد" طريقا مغايرا تماما. ففي الولايات المتحدة، قد يفسر هذا الميل نحو اليسار كرد فعل على تقويض حقوقهن الإنجابية، لا سيما بعد إلغاء المحكمة العليا لحكم "رو ضد ويد" عام 2022، الذي كان يضمن للنساء الحق في الإجهاض. ويعكس هذا التحول، على نطاق أوسع، رفضا لتصاعد النزعة المحافظة، وأحيانا التمييز الفج، الذي بات يطبع مواقف بعض رجال هذا الجيل. وقد تجلى هذا الانقسام السياسي بين الجنسين ليس فقط في استطلاعات الرأي، بل أيضا في نتائج الانتخابات. ففي الانتخابات العامة البريطانية عام 2024، صوت ضعف عدد الرجال تحت سن الرابعة والعشرين لحزب "الإصلاح" اليميني مقارنة بعدد النساء من الفئة العمرية نفسها.

كان أبناء "الجيل زد" في طليعة الاحتجاجات النيبالية، ليس فقط بسبب اعتمادهم على وسائل التواصل، بل أيضا بفضل براعتهم في استخدامها. وقد تكرر هذا المشهد في دول أخرى

فلماذا إذن الحديث عن "الجيل زد" ككيان واحد؟ لأن ثمة عاملين جوهريين يتجاوزان هذا الانقسام، ويسهمان في تشكيل هوية مميزة لهذا الجيل، ويغذيان موجات الاحتجاج والتحدي للسلطات التي شهدها العالم مؤخرا، والتي، بحسب تقديري، ستستمر في المستقبل المنظور. هذان الرابطان الأساسيان اللذان يمنحان "الجيل زد" ملامح واضحة كفئة قابلة للتحليل هما التكنولوجيا والاقتصاد، اللذان يحملان طبقات من المعنى تغذي شعور هذا الجيل بالغربة والغضب، وتؤثر في الطريقة التي يعبر بها عن رفضه للواقع.

خذ التكنولوجيا مثلا. فهي عنصر توحيد حاسم لهذا الجيل، وتمنحه فرادة مقارنة بمن سبقوه. فـ"الجيل زد"، أو الشباب الذين ولدوا في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، هم أول جيل عالمي لم يعرف عالما خاليا من الإنترنت. أما جيل الألفية الذي سبقه، فيضم من ولدوا قبل ظهور الشبكة العنكبوتية. ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، تلتها الهواتف الذكية، لتمنح كل فرد، من الناحية العملية، القدرة على أن يكون منصة إعلامية مستقلة بذاتها.

غالبا ما تكون التحولات التكنولوجية مصدرا للاضطراب. فقد أتاح تطور الطباعة ليس فقط توسع الصحافة التقليدية، بل فتح المجال أيضا لنشر مواد أكثر تخصصا، من منشورات راديكالية وكتيبات دعائية إلى كتب أثارت الجدل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما التلغراف، فقد مكن الأخبار من الانتقال بسرعة، ما أدى إلى تقليص المسافات بين الشعوب بصورة غير مسبوقة. ثم جاء الراديو، بخصوصيته ودفئه، ليمنح المنابر للزعماء الشعبويين، من أمثال هتلر وموسوليني. ومع التلفزيون، الذي يركز على الصورة، برز نمط جديد من السياسة الاستعراضية، تجلى في انتخاب ممثل سابق، رونالد ريغان، رئيسا للولايات المتحدة، وفي تسليط الضوء على أعمال متطرفة، منها الإرهاب.

رويترز
متظاهر بجوار ضباط الشرطة خلال مظاهرة نظمها "جيل زد" ضد الفساد والعنف، في مدينة مكسيكو، المكسيك، 20 نوفمبر 2025

اليوم، نحن أمام تكنولوجيا جديدة لا تقل اضطرابا عن سابقاتها. فالإنترنت، تلاه ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ثم الهاتف الذكي، أدى إلى تفكك الجمهور العام، وزعزع مفاهيم الإجماع والمعايير المشتركة. هذه المنصات تتيح للأصوات البديلة أن تفرض حضورها، وتؤثر في شرائح محددة من المجتمع، لا سيما أولئك الذين تحركهم مشاعر الغبن والتهميش. ويمكن بسهولة أن يغذى الإحساس بالظلم عبر الفضاء الرقمي. ونتيجة لذلك، بات من الصعب على الأنظمة السلطوية أن تسيطر على الرأي العام، بعدما كانت تهيمن عليه من خلال الرقابة على الصحف والإذاعة والتلفزيون.

لقد تعددت وسائل التعبير والتواصل إلى درجة تجعل من شبه المستحيل على الدول أن تفرض سيطرتها، إلا إذا أقدمت على إغلاق الإنترنت بالكامل، كما حاولت حركة طالبان لفترة وجيزة في سبتمبر/أيلول. وفي الشهر نفسه، سعت حكومة نيبال إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي، ما فجر احتجاجات واسعة قادها شباب "الجيل زد"، وأسفرت عن سقوط قتلى، وانتهت بإقالة المسؤولين عن القرار.

لقد كان أبناء "الجيل زد" في طليعة الاحتجاجات النيبالية، ليس فقط بسبب اعتمادهم على وسائل التواصل، بل أيضا بفضل براعتهم في استخدامها. وقد تكرر هذا المشهد في دول أخرى. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الواقع قريبا، إذ يصعب على الحكومات كبح جماح هذه الحركات، نظرا لطبيعة التكنولوجيا نفسها.

الاضطراب العميق الذي تحدثه تقنيات الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلا إلى زيادة غضب "الجيل زد" الذي يتصاعد اليوم في أنحاء مختلفة من العالم

لكن لا يمكن تفسير ظاهرة "الجيل زد" من خلال التكنولوجيا وحدها. فالعامل الأهم والأكثر تأثيرا هو الاقتصاد، أو بالأحرى الشعور بالغبن الاقتصادي الذي يوحد أبناء هذا الجيل. فبغض النظر عن الانقسامات الجندرية، ثمة قوة مضادة تجمع المصالح المتفرقة، وتتمثل في هشاشة سوق العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة، من السكن إلى الغذاء، وصولا إلى الرسوم الجامعية المتصاعدة. وفي الوقت نفسه، تتراجع المساعدات الحكومية للشباب، بينما تبقى قوية لكبار السن. وفي الأنظمة الديمقراطية، يعكس ذلك حسابا سياسيا بسيطا: كبار السن أكثر انتظاما في التصويت، وهم أيضا الأكثر ثراء. ففي الولايات المتحدة، يسيطر جيل الطفرة السكانية على أصول مالية تبلغ قيمتها خمسة وثمانين تريليون دولار، وهو امتياز يعود في جزء كبير منه إلى توقيت ولادتهم. أما الأجيال اللاحقة، فستجد صعوبة بالغة في بلوغ مستوى مماثل من الثروة.

رويترز
تظاهر ناشطون في مدينة غيسن الألمانية، في 29 نوفمبر2025، احتجاجًا على تأسيس منظمة شبابية جديدة تابعة لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف.

بالنسبة لـ"الجيل زد"، يعني اتساع الفجوة الاقتصادية تزايد السخط وتراجع الثقة في النظام القائم. كما يغذي مشاعر الحنق تجاه أصحاب الامتيازات، سواء حصلوا عليها عبر العلاقات الأسرية أو من خلال الفساد. ففي بيرو، ركز المحتجون من أبناء هذا الجيل في أكتوبر/تشرين الأول على تفشي الجريمة وعجز الحكومة عن التصدي لأثرها المدمر على حياة المواطنين العاديين.

إن الواقع الماثل لهذا الاضطراب العميق الذي تحدثه تقنيات الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلا إلى زيادة غضب "الجيل زد" الذي يتصاعد اليوم في أنحاء مختلفة من العالم. فالذكاء الاصطناعي بدأ يعيد تشكيل أسواق العمل بطرق تلحق الضرر بالشباب على نحو غير متكافئ، وخصوصا من خلال القضاء على الوظائف المبتدئة وإضعاف العلاقة التقليدية بين التعليم والفرص المتاحة. ومع اختفاء الأدوار التي كانت تشكل سلما مهنيا أوليا، يواجه الشباب المتعلمون قدرا أكبر من الإحباط وخيبة الأمل. وهذا بدوره يعمق قناعتهم بأن النظام الاقتصادي غير عادل في جوهره ومصمم ليعمل ضدهم. وفي السنوات المقبلة، يرجح أن يضاعف هذا التحول المتسارع من شعورهم بالغضب، ويوسع دائرة انخراطهم ويزيد من الأثر السياسي لجيل بات يرى نفسه يخوض معركة من أجل مستقبله الاقتصادي.

font change

مقالات ذات صلة