"الجيل زد"... رؤى من الرياض والقاهرة حول المستقبل والصور النمطيةhttps://www.majalla.com/node/328977/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%B2%D8%AF-%D8%B1%D8%A4%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D8%B7%D9%8A%D8%A9
"الجيل زد"... رؤى من الرياض والقاهرة حول المستقبل والصور النمطية
وعي كبير بقضايا مختلفة واعتراض على صور نمطية في سردية الجيل القديم
سارة بادوفان
"الجيل زد"... رؤى من الرياض والقاهرة حول المستقبل والصور النمطية
لندن - "المجلة"
آخر تحديث
تنشر "المجلة" أربعة مقالات من الرياض والقاهرة حول "الجيل زد"، الذي يشكل مستقبل المجتمعات قاطبة في سياقات متنوعة.
تتناول المقالات القصيرة السمات التي تميز "الجيل زد" (مواليد 1997-2012)، الذي يُعرف غالبا بأنه جيل رقمي بالفطرة، واعٍ اجتماعيا، ريادي، ويميل إلى الواقعية العملية.
فهو أول جيل نشأ في بيئة مشبعة بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ولذا فإن نظرته للعالم وتفضيلاته في التواصل والعمل تختلف بشكل ملحوظ عن الأجيال السابقة مثل "جيل الألفية" و"جيل إكس" (مواليد 1965-1980).
من خلال إبراز أوجه التشابه والاختلاف في سلوكياتهم وتطلعاتهم، تهدف هذه المجموعة من المقالات إلى إثراء المعرفة حول هذا الجيل الذي ما زال يكتشف طريقه ليسلم الراية إلى جيل آخر.
"الجيل زد" بين مطرقة الظروف وسندان الإيمان به
الرياض - تركي الحربي
طوال القرن المنصرم شهد العالم اختراعات علمية هامة لكنها لم تخلق فارقا في الحضارة الإنسانية أي إنها لم تقرب البعيد كالهاتف، أو تختصر الوقت والجهد، مما سهّل مهمة الأجداد في نقل خبرتهم إلى أبنائهم والتكيف مع الأحداث خصوصا الصراعات. لكن أسلوب الحياة يظل نسبيا متشابها بالنسبة لأبناء العقود ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية التسعينات.
مع اقتراب نهاية القرن الماضي وهي الفترة التي ولد فيها أوائل أفراد "الجيل زد" حاليا انتشرت شائعات تروج أن العالم على وشك النهاية، وهو كذلك إذا ما نظرنا إليه من الجانب العملي حيث تفجرت الاختراعات والوسائل التي لم تتوقف ابتداء من الإنترنت حتى صنع نماذج الذكاء الاصطناعي التي تكاد تضاهي الإنسان في قدراته.
ومنذ طفولة هذا الجيل نما بجانب التطور التكنولوجي جنبا إلى جنب، وبدأ ينضج معها في استخدامه لألعاب الفيديو والهواتف الذكية التي غيرت مجرى حياة الأسرة ومكانة العلاقات بالنسبة إليه، والتي تخضع إلى وسائل التواصل الاجتماعي لضمان استمرارها.
منذ طفولة هذا الجيل نما بجانب التطور التكنولوجي جنبا إلى جنب، وبدأ ينضج معها في استخدامه لألعاب الفيديو والهواتف الذكية
تحوم حول "جيل الألفية" أو "الجيل زد" تصورات خاطئة بأنه يعيش في أسهل قرن من ناحية توفر كثير من الاحتياجات دون عناء. لكنه في الوقت نفسه يسابق الزمن والأجيال السابقة والآلة لإثبات أنه على قدر من المسؤولية، وبات الجيل الحالي على مشارف الثلاثين ولا يزال يجد صعوبة بالغة في بناء حياة ومستقبل أفضل مقارنة بجيل الثمانينات الذي بلغ مطلع الألفية وكان العصر أقل تعقيدا سواء من الجانب الإنساني في دوره بالمجتمع، والعملي بكل جوانبه من تكلفة المعيشة حينذاك حتى بناء مسيرة مهنية مستدامة.
طوال العقدين الماضيين استطاع "الجيل زد" أن يفرض أثره على المجتمعات والمؤسسات ابتداء من العائلة حتى المنظمات والعالم في إقناعهم بقضاياه، مثلا في خلق اعتماد يقر بأهمية وسائله كاعتماد الألعاب الإلكترونية رياضةً، وأن يغير في أسلوب الحياة وتحول الدفة إلى مسار آخر كالذي حدث بوسائل التواصل الاجتماعي، وعلى جانب آخر في السياسة تولى كثير منهم وزارات ومناصب محورية غيرت الدفة بالنسبة للدول لا سيما في قضية فلسطين، إذ استطاع الشباب الأوروبي تعزيز الوعي بأهمية ما يحدث والانتهاكات الإسرائيلية.
بطبيعة الحال، يتشابه الجيل الشاب عالميا في الاهتمامات لكنه يختلف بحسب الظروف والمخاوف التي صرفت اهتمامه في بعض القضايا. ويشكل الشباب اليوم الذين تتراوح أعمارهم في منتصف العشرينات أجزاء كبيرة من شعوب بأكملها كوسط وجنوب آسيا. وفي المنطقة العربية التي يتكون غالبية سكانها من "جيل الألفية"، حيث يمثلون محور اتجاه الدولة، كالسعودية التي تعتمد في "رؤية 2030" على ذلك الجيل، وغيرها من الدول.
لاعبون من مختلف البلدان يتنافسون خلال مهرجان الرياضات الإلكترونية والألعاب "Gamers8" في بوليفارد الرياض، المملكة العربية السعودية، 9 يوليو 2023
لكنه في الوقت نفسه يمثل قنبلة موقوتة بالنسبة للمناطق غير المستقرة، إذ استطاع "الجيل زد" تطويع هذه التطورات البشرية لصالحه والتعبير عن نفسه، فمثلا في نيبال خرج الشباب إلى الشوارع عن طريق برنامج "ديسكورد" واختاروا قائدا انتقاليا دون أن يتعرفوا على بعضهم البعض. وفي المغرب خرج الجيل نفسه في سبتمبر/أيلول الماضي يطالب بتوفير فرص عمل وتحسين حياته. وفي إيران اعتمد المتظاهرون تطبيق "تلغرام" في احتجاجات 2022. أما العراق فقد قاد الشباب "مظاهرات تشرين" ضد الفساد، مستخدمين النمط نفسه... والقائمة تطول. ويرجع هذا كله إلى معاناة الجيل في الحصول على أفضل فرص عمل.
وتشير الدراسات إلى أن هذا الجيل هو الأكثر من ناحية عدد العاطلين عن العمل عالميا، لأنهم يخوضون المنافسة في أكثر من جبهة، فمن جهة هناك جيل الثمانينات الذي يسابقهم ويعتبرهم أقل جدارة، ومن جانب آخر يكافح للصمود ومواكبة الجيل القادم الذي يليه.
تظل سمة التغيير مسيطرة على "الجيل زد" ويستمر جاهدا في مواكبته فهو يسابق الزمن والتطور التقني الهائل ويحارب على جبهتي الأجداد والأبناء، ولا يعرف نمطا ثابتا يمثل حياته. وبالطبع التغير حتمي لكنه لم يمر على البشرية بمثل هذا التسارع في الاكتشافات والذي انفجر مع هذا الجيل.
"الجيل زد"… طموح مضاد للاتهامات
الرياض - مريم الجهني
يُعرَف "الجيل زد"، المولود بين أواخر التسعينات ومنتصف الألفية، بأنه جيل كسول، شديد التعلق بالشاشات، وصبره سريع النفاد. ورغم أن هذه الصورة النمطية تتكرر باستمرار في أحاديث الأجيال السابقة، فإن الواقع يروي قصة مختلفة تماما.
فهذا الجيل الذي يقف اليوم على مشارف الثلاثين، يحمل طموحات كبيرة ويواجه تحديات اقتصادية واجتماعية قاسية لم يختبرها من سبقه بهذه الحدة والتوالي.
غالبا ما يقلل النقاد من قدرات هذا الجيل، فيُختزل في كونه "جيل التطبيقات"، ويتجاهلون حقيقة أن جزءا كبيرا منهم يعاني التهميش في سوق العمل.
فقد أشار تقرير لوكالة "رويترز" إلى أن نحو 50 في المئة من شباب "الجيل زد" يشعرون بأن عملهم لا يُؤخذ بجدية بسبب أعمارهم.
وبينما تستمر هذه الاتهامات والانطباعات، يعيش "الجيل زد" مخاوف حقيقية تتعلق بالمستقبل المهني، وفقدان الوظائف في ظل التقدم المتسارع للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة. وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، فإن 49 في المئة من الباحثين من "الجيل زد" ممن عملوا في الولايات المتحدة الأميركية يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي خفّض من قيمة شهاداتهم الجامعية في سوق العمل، بعد أن تراجعت فرص الوظائف المبتدئة.
غالبا ما يقلل النقاد من قدرات هذا الجيل، فيُختزل في كونه "جيل التطبيقات"، ويتجاهلون حقيقة أن جزءا كبيرا منهم يعاني التهميش في سوق العمل
ووفقا لتقارير دولية عدة، يواجه "الجيل زد" ضغوطا مضاعفة مقارنة بالأجيال السابقة. إذ تشير تحليلات مؤسسات بحثية في أوروبا وأميركا إلى أن هذا الجيل يتحرك في سوق عمل أكثر تنافسية، وأقل استقرارا، وأسرع تغيّرا بفعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
كما تؤكد تقارير اقتصادية أن الأزمات المتتالية- من الركود العالمي إلى ارتفاع تكاليف السكن- خلقت فجوة بين طموحات الشباب والفرص الفعلية المتاحة أمامهم، ما جعل الوصول إلى الاستقلال المالي أو المهني أصعب من أي وقت مضى. وتذهب بعض هذه التقارير إلى أن "الجيل زد" يضطر لاكتساب مهارات جديدة بوتيرة أسرع للحفاظ على فرصه، في ظل عالم لم يعد يمنح وقتا كافيا للتعلم البطيء أو التجارب التدريجية.
ومع ذلك، يمتلك "الجيل زد" قوة خاصة- قوة صامتة لكنها حقيقية- تجعله شرارة تغيير أينما وجد أفراده. فقد كان هذا الجيل حاضرا في الشوارع والساحات حول العالم: في احتجاجات آسيا والمغرب، وفي حركات المناخ التي قادها شباب أوروبا والعالم، وفي المظاهرات المطالبة بالحريات وحقوق الإنسان، وفي كل موجة رقمية تحوّل فيها هاشتاغ واحد إلى قضية رأي عام تمتد عبر الحدود.
ورغم كل الضغوط التي يتعرض لها، يثبت "الجيل زد" أنه جيل قادر على صياغة مستقبل مختلف.
يسير أحد المارة في الشارع بينما يستخدم رجل حاسوبه المحمول في مقهى ستاربكس بوسط مدينة سيدني، أستراليا، 18 أكتوبر 2017
قد تكون الظروف التي عاشها أصعب وأكثر تعقيدا من تلك التي واجهها من قبله، لكن قدرة "الجيل زد" على التكيف، وعلى تحويل أدوات التكنولوجيا إلى وسيلة للتأثير لا للانغماس فقط، تجعلهم جيلا يفرض حضوره بهدوء وثبات وثقة متصاعدة مع الوقت والجهد.
وبين الاتهامات والانطباعات والبحث المستمر عن الاستقرار، يبقى "الجيل زد" شاهدا وصانعا لتحولات عميقة قد تعيد تشكيل ملامح المجتمع لسنوات طويلة قادمة.
عن مخاوف "الجيل زد"
القاهرة - يمنى شريف
باعتباري واحدة من أبناء "الجيل زد"، أرى أن التكنولوجيا أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، ولم تعد مجرد وسيلة نلجأ إليها عند الحاجة، بل إن التطور المتسارع فرض حضورها في أدق تفاصيل حياتنا، سواء في العمل أو التعليم أو الترفيه، حتى غدت عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه داخل أي أسرة.
ويميل جيلنا إلى استخدام التكنولوجيا للتعبير عن الذات والتواصل مع الآخرين، فضلا عن أنها فتحت آفاقا واسعة لفرص العمل. ولم يعد هذا التطور مقتصرا على أجهزة أو تطبيقات، بل أصبح وسيلة نفهم من خلالها العالم ونستعد بها للمستقبل.
لكن في المقابل، للتكنولوجيا جانب سلبي لا يمكن تجاهله. فالإفراط في استخدامها قد يؤثر في طريقة تفكيرنا، ويحدّ من الإبداع ويجعلنا نعتمد عليها اعتمادا شبه كامل. ومن هنا، تبرز أهمية تعلّم مهارات جديدة بشكل مستمر، لمواكبة التطور دون فقدان القدرة على التفكير النقدي.
ومن أخطر مشكلات العصر الحالي صعوبة التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة، لا سيما مع انتشار المحتوى غير الدقيق على مواقع التواصل. كما تصاعدت مخاطر اختراق الحسابات وتسريب البيانات الشخصية، خصوصا مع التطور السريع والمتزايد في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
من أخطر مشكلات العصر الحالي صعوبة التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة
كذلك أثرت التكنولوجيا بشكل واضح في سوق العمل، حيث اختفت بعض الوظائف وظهرت أخرى جديدة، وأصبح من لا يطوّر مهاراته مهددا بفقدان عمله. إلى جانب ذلك، تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية بسبب المقارنات المستمرة بين الأفراد، ما قد يؤدي إلى الشعور بالضغط أو الإحباط.
وبحكم عملي كصحافية، نواجه تحديا كبيرا يتمثل في انتشار الصور ومقاطع الفيديو المفبركة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تنتشر بسرعة عبر المنصات الرقمية، مسببة تضليلا للرأي العام وصعوبة في التحقق من مصداقية المحتوى.
ولا يقتصر تأثير التكنولوجيا على الحياة اليومية فحسب، بل امتد ليشمل الحروب والصراعات، حيث تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات والمعلومات المضللة، والتأثير في وعي الشباب والتلاعب بالروايات.
وفي المقابل، ساعد التطور التكنولوجي جيلنا خلال جائحة كورونا على التكيف مع الإغلاق والتباعد الاجتماعي، إذ استمر التعليم عبر المنصات الإلكترونية، وأسهمت وسائل التواصل في الحفاظ على الروابط الاجتماعية وتقليل الشعور بالعزلة.
مؤثر الفلسطيني باسم الحبل، وهو من ذوي الإعاقة السمعية، والذي لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق الحرب في غزة بلغة الإشارة، ليصل إلى جمهور واسع من المتابعين داخل القطاع وخارجه، بتصوير نفسه في مدينة غزة في 5 أغسطس 2025
كما أتاحت التكنولوجيا فرصا جديدة للشباب، مثل العمل عن بُعد وتعلّم مهارات متنوعة من المنزل. وساهم المحتوى الرقمي في الترفيه وتخفيف الضغوط النفسية، ما جعل التكنولوجيا وسيلة لتجاوز الظروف الصعبة.
ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته التكنولوجيا في حروب غزة، حيث أسهمت في توثيق الأحداث ونقل المعاناة إلى العالم، وزيادة الوعي بما يجري على الأرض، فضلا عن تحسين التواصل بين المدنيين وفرق الإغاثة، وتسهيل وصول المساعدات إلى المتضررين.
كما كان للتكنولوجيا دور بارز في فضح الانتهاكات عبر الصور ومقاطع الفيديو، ودعم الجهود الحقوقية والإعلامية. ورغم استخدامها أحيانا كأداة في الحروب، فإنها قدّمت دعما نفسيا للمدنيين، ومنحتهم صوتا لنقل معاناتهم إلى المجتمع الدولي.
وفي الوقت الراهن، استغل كثير من الشباب، ومن بينهم زملاء صحافيون، التكنولوجيا في إنشاء محتوى توعوي أو ترفيهي، مثل الفيديوهات التعليمية، وحملات الدعم، والمنصات التي تنشر الأخبار الموثوقة، إلى جانب استخدامها كوسيلة لنشر الوعي بقضايا الصحة العامة وحقوق المدنيين وشؤون المجتمع عبر الحملات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الختام، تبقى التكنولوجيا سلاحا ذا حدّين، فقد تكون وسيلة للتقدم إذا أُحسن استخدامها، وقد تتحول إلى مصدر خطر إذا استُخدمت دون وعي. لذا يظل الوعي والتوازن وحسن الاستخدام هي الركائز الأساسية للاستفادة من التكنولوجيا، دون أن نفقد إنسانيتنا.
ماذا يعني أن تكون من "الجيل زد" في عام 2025
القاهرة - كاميلا أوليفييري
العالم يمر بلحظة اضطراب: العلاقات الدولية في حالة تغير دائم وإعادة تفاوض. أزمة المناخ تلوح بظلالها الثقيلة والقِمم العالمية تبدو عاجزة. كثير من الاقتصادات ما تزال تكافح للخروج من ظل جائحة كورونا الطويل. طفرة الذكاء الاصطناعي تحمل من التهديدات بقدر ما تقدم من الفرص. الخبراء يخبروننا بأن الآفاق المستقبلية قاتمة، ونحن نصدقهم.
اعتقلت قوات الأمن المغربية متظاهراً خلال مظاهرة قادها الشباب للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين قطاعي الصحة العامة والتعليم، أمام مبنى البرلمان في الرباط في 27 سبتمبر 2025
يقع عبء هذا الاضطراب بشكل غير متناسب على عاتق شباب العالم، الذين يُجبرون على التطلع إلى مستقبل يبدو أكثر هشاشة يوما بعد يوم. نحن جيل ممزق بين الخوف والطموح، بين الاستسلام للأسوأ والتعلق الخجول بالأمل. وكما هو الحال مع كل الأجيال، يتحدد جيلنا بالظروف التي نشأنا فيها. نحن المولودون بين عامَي 1997 و2012، أول من نشأ في عصر الإنترنت، وأول من احتضن وسائل التواصل الاجتماعي، وأول من استخدم الذكاء الاصطناعي في المدرسة. نشأنا في زمن يعج بالارتباك والاضطراب، وصاغتنا عوامل لم يكن لنا يد في تشكيلها.
نُقابَل أحيانا بالشفقة، وأحيانا بالاستخفاف، وفي أحيان أخرى بالمديح. لكن دائما وفق صور جاهزة يفرضها الآخرون. يقال إن أبناء "الجيل زد" يعيشون على الإنترنت ولا يستطيعون التواصل وجها لوجه، إنهم غارقون في الوحدة والقلق رغم اتصالهم الدائم، إنهم كسالى ومدللون، أفسدتهم سهولة الوصول إلى المعلومات. إنهم مرنون ومبدعون وعمليون لكن قدرتهم على التركيز ضئيلة، إنهم مصابون بالهشاشة وعاطفيون ولا يعرفون كيف يعتنون بأنفسهم، يضيعون أياما كاملة في التصفح المحبط، إنهم قلقون بشأن المستقبل. هذه التعريفات المفروضة جعلت من "الجيل زد" وصفا منفرا.
نُقابَل أحيانا بالشفقة، وأحيانا بالاستخفاف، وفي أحيان أخرى بالمديح. لكن دائما وفق صور جاهزة يفرضها الآخرون
لكن ذلك بدأ يتغير حديثا. ومع تقدم جيلنا في العمر، وانتقالنا من المراهقة إلى العشرينات والثلاثينات، بدأنا نستعيد تعريف ما يعنيه الانتماء إلى "الجيل زد" في عالم ينحدر نحو الفوضى من حولنا. من موجات التضامن العالمية مع الفلسطينيين، إلى عشرات الحركات الوطنية- في بنغلادش وكينيا والمكسيك ونيبال والمغرب وبيرو وغيرها- التي تحتج على الظلم المحلي والفساد والبطالة: شهد العامان الماضيان شبابا يطرحون أجنداتهم الخاصة بشهية جديدة للتغيير. لكن من المؤكد أن معنى أن تكون من "الجيل زد" لا يمكن أن ينحصر في شيء واحد.
هذه الصور النمطية تخفي تنوعا واسعا لا يستطيع مصطلح "الجيل زد" احتواءه. ولأنه مصطلح غربي يُلقى على واقع مختلف تماما من بلد لآخر. فكونك شابا في بيروت ليس ككونك شابا في برلين أو بكين أو برازيليا. المشاكل التي نواجهها عالمية، لكن فهمنا لها ينكسر على زجاج السياق المحلي. عندما تصل بطالة الشباب الإقليمية إلى مستوى غير مسبوق، فمن الطبيعي أن يقلق الشباب العرب بشأن الاستقرار المستقبلي- إيجاد وظيفة، إغراءات الهجرة، أسعار المنازل، الزواج، الأطفال- أكثر من قلقهم بشأن ارتفاع مستوى البحار أو حرارة الصيف. ومن الطبيعي أن يقلق الشباب في الاقتصادات الليبرالية من الاستقطاب السياسي وصعود اليمين المتطرف، ولكن من الطبيعي بالقدر ذاته أن تكون الأولوية في الأنظمة الشمولية هي القدرة على التعبير عن رأي سياسي في المقام الأول.
ومع ذلك، لم يمنع اختلاف معنى النشاط السياسي بين القاهرة ونيويورك شباب المدينتين من الاحتجاج على الحرب الوحشية في غزة بكل الوسائل المتاحة لهم. ولم يمنع اختلاف الدوافع وراء حركة "الجيل زد 212" في المغرب عن تلك التي أشعلت احتجاجات نيبال بعد حجب الحكومة للإنترنت من أن يرفع المحتجون في كلا البلدين علم "ون بيس"- رمز المقاومة المستمد من رسوم إنمي اليابانية- تعبيرا عن التضامن. ما يوحدنا ليس مخاوفنا، بل إصرارنا على مواجهتها.
أرى هذا العام لحظة استعادة للمصطلحات. لم يكن "الجيل زد" تصنيفا محبوبا ولا مفيدا في معظم الأحيان. لكن عندما بدأت احتجاجات الشباب العالمية تتصدر عناوين الصحف، بدأ هذا المصطلح يُرتدى بفخر. يبدو أننا تذكرنا أننا نمثل ما يقرب من ربع سكان العالم، وأن في عددنا قوة. ويبدو أننا أدركنا أننا قد نستفيد من ذلك، وأنه ربما لا يزال هناك بصيص أمل.
هذا التحول، بالنسبة لي، فرض ضغطا جديدا على أبناء "الجيل زد" الأصغر سنا: ضغط مجاراة المعايير التي يضعها أولئك الذين يحتجون على الفساد الحكومي، وتقاعس المناخ، والفظائع الحربية في مختلف أنحاء العالم. أظن أنه ضغط ينبغي أن نرحب به.