الانتخابات الرئاسية في كازاخستان... انتقال هادئ للسلطة

توقاييف رئيسًا للجمهورية الكازاخية الثانية

الانتخابات الرئاسية في كازاخستان... انتقال هادئ للسلطة

* الانتخابات الرئاسية التي شهدتها كازاخستان تكاد تكون الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخها المعاصر ما بعد الاستقلال، بل ربما الأهم في تاريخ الانتخابات جمعيها التي شهدتها كازاخستان
* لم تسفر نتيجة الانتخابات عن أي مستجدات أو مفاجآت لم تكن متوقعة، فجاءت النتيجة بفوز الرئيس المؤقت قاسم توقاييف، بفارق كبير عن جميع المرشحين
* علاقة كازاخستان ما بعد الاستقلال مع الولايات المتحدة والتي شهدت انفتاحا كبيرا في ظل تعاظم الدور الأميركي في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية عالميا، وهو ما يعني أن ثمة صعوبة في فك الارتباط الذي جرى على مدار العقود الثلاثة الماضية
* الموقع الجغرافي لكازاخستان على حدود مباشرة مع روسيا والصين جعلها في قلب الصراع. وهو ما يتطلب من الرئيس المنتخب أن يدير سياسة خارجية ثلاثية الأبعاد دوليا، ومتعددة الأبعاد إقليميا

أستانا – كازاخستان:«أقسم أن أخدم شعب كازاخستان بالأمانة وأحترم الدستور والقوانين لجمهورية كازاخستان وأرعى حقوق وحريات المواطنين وأقوم بمهامي كرئيس للجمهورية بكل إخلاص»، بهذه الكلمات التي أداها «قاسم جومرت توقاييف» أصبح رئيسا للجمهورية الثانية في عمر دولة كازاخستان المستقلة في أوائل تسعينات القرن المنصرم، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في التاسع من يونيو (حزيران) 2019. وفقا لما أعلنته اللجنة المركزية للانتخابات الكازاخية بحصوله على نسبة 70.76 في المائة من الأصوات المشاركة التي بلغت نسبتها 77.4 في المائة ممن لهم حق التصويت البالغ عددهم 11 مليونا و814 ألف ناخب.
وفي ضوء قراءة تحليلية لهذه الانتخابات، يستعرض هذا التقرير دور الرئيس في النظام السياسي الكازاخي، وما شهدته هذه الانتخابات من منافسات وما أفرزته من نتائج وما يواجه الرئيس المنتخب من تحديات، وذلك من خلال عدة محاور على النحو الآتي:
 
أولا - رئيس الجمهورية في بنية النظام السياسي الكازاخي
عرفت كازاخستان الحياة الدستورية منذ عشرينات القرن المنصرم، وذلك مع صدور أول دستور عام 1926، ثم تلاه دستور عام 1937 ثم دستور عام 1978 وذلك قبل الاستقلال. ليصدر دستورها الدائم عقب الاستقلال في 28 يناير (كانون الثاني) 1993 والذي أُقر في استفتاء شعبي في 30 أغسطس (آب) 1995. وقد حدد الدستور طبيعة نظام الحكم في كازاخستان بأنه نظام رئاسي بمعنى أن الرئيس هو السلطة الأعلى في البلاد، حيث يتولى حق اقتراح التعديلات على الدستور، وتعيين وعزل أعضاء الحكومة، وحل البرلمان، واقتراح الاستفتاء، وتعيين وعزل الحكام الإداريين، وتعيين رؤساء وأعضاء المحكمة الدستورية والمحكمة العليا ومحكمة التحكيم العليا والنائب العام ورئيس البنك المركزي، كما أن له حق إعلان الطوارئ.
ويذكر أن هذا الدستور عرف إجراء كثير من التعديلات، كان آخرها التعديل الذي جرى في مارس (آذار) 2017، حيث هدف إلى توسيع صلاحيات البرلمان والحكومة من خلال نقل بعض صلاحيات رئيس الدولة في المجالين المالي والإداري إلى البرلمان والحكومة، وإن ظل الرئيس مسؤولا عن الملفات المهمة مثل حماية الدستور، والأمن والدفاع، والسياسة الداخلية والخارجية.


 
ثانيا - الانتخابات الكازاخية... منافسة محمومة ونتائج محسومة
من غير مبالغة القول إن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها كازاخستان تكاد تكون الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخها المعاصر ما بعد الاستقلال، بل ربما الأهم في تاريخ الانتخابات جمعيها التي شهدتها كازاخستان، إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها إجراء انتخابات رئاسية تنافسية بين 7 مرشحين.
ولذا، فقد أولت الدولة اهتماما كبيرا بهذه الانتخابات رغم أن نتائجها قد تكون محسومة مسبقا إلا أنه نظرا لأهمية هذه التجربة، حرصت الدولة على أن تتم هذه الانتخابات في جو من الشفافية والنزاهة من خلال اعتماد 125 مراقبا دوليا لمراقبة الانتخابات بما في ذلك 22 مراقبا طويل الأجل من بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE). كما كانت هناك تغطية إعلامية واسعة من قبل وسائل الإعلام الدولية إذ بلغ عدد المراسلين كما أعلنته وزارة الخارجية الكازاخية 227 مراسلا أجنبيا من 40 دولة، وهو ما كان موضع إشادة من بعض المراقبين المشاركين على غرار ما جاء على لسان جوسمان ميخائيل نائب أول وكالة الأنباء الروسية (تاس) وعضو الوفد الروسي الذي ضم تسعة مراقبين للانتخابات وممثلا لرابطة الدول المستقلة وذلك بقوله: «الانتخابات الرئاسية في كازاخستان جرت وفقا لأعلى المعايير الدولية، حيث وفرت السلطات الكازاخية المختصة كافة التسهيلات، وأن عمل لجنة الانتخابات المركزية تميز بالاحترافية... وأن العملية الانتخابية اتسمت بالنزاهة والشفافية وكانت منظمة، حيث وفر المنظمون المعلومات اللازمة للناخبين، ولم يتم تسجيل أي انتهاكات».
وكما سبقت الإشارة، شارك في هذه الانتخابات سبعة مرشحين من بينهم سيدة لأول مرة، وهم: قاسم جومارت توكاييف من حزب نور أوتان، وسعدي بيك توغل ممثلا عن الحركة الجمهورية «أولي دالا»، وأمانجيلدي تاسبيخوف، ممثلا عن اتحاد نقابات العمال الكازاخية، ودانيا إيسباييف، من حزب أكهول كازاخستان الديمقراطي، وتولوتاي رحيمبيكوف، من حزب أويل الاجتماعي الديمقراطي، وزامبيل أحمد بكوف، من حزب الشعب الشيوعي، وأميرزان كوسانوف ممثلا عن حركة الت تاجديري الوطنية.
وقد تنوعت البرامج الانتخابية لهؤلاء المرشحين من حيث القضايا موضع الاهتمام والأولوية، فنجد أن تولوتاي رحيمبيكوف، مرشح حزب أويل الاجتماعي الديمقراطي، يؤكد على أهمية دور الزراعة في تشكيل مستقبل كازاخستان، وأن المواد الخام تميل إلى الزوال، وأنه من المحتمل أن لا تقدر البلاد على التنافس مع الدول الصناعية. ويرى رحيمبيكوف أن 99.9 في المائة من الذين يشتغلون في أعمال خاصة بهم والعاطلين عن العمل لا يحتاجون إلى المعرفة للتخطيط في الأعمال وتطوير النماذج المالية، وإنما يحتاجون إلى معرفة مهارات رعاية الحيوانات وزراعة المحاصيل الزراعية.
في حين ركز البرنامج الانتخابي لسعدي بيك توغل عن الحركة الجمهورية على الآيديولوجيا الاجتماعية لكازاخستان والقيم الوطنية والملكية والقضايا الاجتماعية، حاملا شعار «العدالة والمساواة والحرية»، في مسعى نحو تحويل كازاخستان إلى الأفضل، مقترحا إصلاح النظام السياسي وتقديم مسودة دستور جديدة للاستفتاء وانتخاب رؤساء البلديات والمحافظين على جميع المستويات؛ وإلغاء الامتيازات والحصانات الخاصة بالمسؤولين والنواب، وإنشاء برلمان مؤلف من مجلس واحد، كما اقترح تطبيق عقوبة الإعدام على الأطفال وعناصر الفساد.. مطالبا بتأميم ممتلكات الأجانب في البلاد وتزويد كل مواطن بدخل سنوي إضافي من الموارد الطبيعية. وركز برنامج زامبيل أحمد بكوف مرشح حزب الشعب الشيوعي على الحقوق العمالية والسياسية وحريات المواطنين ضد «التعريفات المفترسة» للمرافق، وزيادة أسعار السلع والخدمات، وأنه لا بد من القضاء على البطالة ودعم حرية التعبير واستقلال وسائل الإعلام والمعارضة والمنظمات والحريات الديمقراطية، مطالبا بتغير جذري في قانون الانتخابات الحالي لضمان إضفاء الطابع الديمقراطي على جميع مراحل العملية الانتخابية، واستقلالية اللجان الانتخابية، وشفافية عملية التصويت، مشددا على ضرورة حصول المواطن على التعليم والرعاية الصحية وتأمين سن الشيخوخة وضمان حق العمل والراحة والسكن. أما النائبة دانيا إيسباييف مرشحة حزب أكهول كازاخستان الديمقراطي أشارت إلى أن برنامجها يسعى إلى تطوير المجتمع من خلال إقامة المشروعات ودعم اقتصاد السوق، فضلا عن العمل على الحد من القروض التي تكلف الدولة كثيرا، وتوفير التمويل لإقامة المشروعات، والحد من الإجراءات الحكومية الصارمة بحق المواطنين الذين ارتكبوا أخطاء ضريبية صغيرة.
أما الرئيس المؤقت والمرشح الذي كان أكثر حظًا في الفوز قاسم توقاييف فقد أعلن أن برنامجه يشمل خمسة إجراءات تمثلت فيما يأتي: إدخال إصلاحات على جهاز الدولة بهدف تحديثه، تعديل القانون المتعلق بحماية الأملاك الخاصة وضمان الاستثمار، تحقيق نمو اقتصادي يقوم على الصناعة الأمر الذي سيعزز نمو الطبقة المتوسطة، تعزيز الهوية الكازاخية.
ولم تسفر نتيجة الانتخابات عن أي مستجدات أو مفاجآت لم تكن متوقعة، فجاءت النتيجة بفوز الرئيس المؤقت قاسم توقاييف، بفارق كبير عن جميع المرشحين، على النحو الذي يوضحه الجدول الآتي: 
 
 

 
 
 
ثالثا - توقاييف الرئيس الفائز... خلفية ثقافية وخبرات سياسية
ولد «توقاييف» في 17 مايو (أيار) 1953 في مدينة ألماتي، يدعى والده كمال توقاييف (1923 - 1986)، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية، وأيضا كاتب معروف وله إبداعات في الأدب الكازاخي، أما والدته فهي تورار شابارباييفا (1931 - 2000)، وقد عملت في معهد ألماتي لتدريب المعلمين للغات الأجنبية. تخرج توقاييف من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO) عام 1957. وأنهى دراسته الأكاديمية بوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي عام 1992. ويتحدث إلى جانب اللغة الكازاخية أربع لغات: الروسية والإنجليزية والصينية والفرنسية. نال درجة الدكتوراه في العلوم التاريخية عام 1998 وكان عنوان الرسالة: «دول آسيا والمحيط الهادي في السياسة الخارجية لكازاخستان» كما نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 2001 وكان موضوع الرسالة: السياسة الخارجية لجمهورية كازاخستان في تشكيل نظام عالمي جديد (2001).
وتنوعت خبراته العملية بين العمل في السلك الدبلوماسي والبرلمان، حيث عمل في كثير من الدول والمناطق مما أكسبه معارف متنوعة وخبرات متعددة كما تولى أعلى منصب برلماني في البلاد، فقد بدأ توقاييف حياته العملية عام 1975 كموظف في وزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد السوفياتي، وموظف دبلوماسي في سفارة الاتحاد السوفياتي في سنغافورة حتى عام 1979 ليصبح ملحقا دبلوماسيا بدرجة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية في الاتحاد السوفياتي حتى عام 1985 والذي تلقى خلاله تدريبا في معهد بكين الصيني، ليصبح سكرتيرا أول بسفارة الاتحاد السوفياتي في بكين خلال الفترة (1985 - 1991) ليعود بعدها إلى وزارة الخارجية الكازاخية عقب الاستقلال متوليا منصب نائب وزير الخارجية الكازاخي خلال عامي (1993 - 1994) ليصبح وزيرا للخارجية الكازاخية خلال الفترة (1994 - 1999) ثم نائبا لرئيس مجلس الوزراء الكازاخي عام 1999 ثم رئيسا للوزراء بالإنابة ثم رئيسا للوزراء خلال الفترة (2002 - 2003). 
ونظرا لخبراته الواسعة في المجال الخارجي عاد ليتولى منصب وزير الخارجية خلال الفترة (2002 - 2007) لينتقل بعدها إلى العمل البرلماني نائبا في مجلس الشيوخ الكازاخي، بل تولى رئاسة المجلس خلال الدورة الثالثة الممتدة (2007 - 2011) وخلال هذه الفترة وتحديدا عام 2008. تم انتخابه نائبا لرئيس الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا كرئيس للغرفة العليا في البرلمان الكازاخستاني، ليعود إلى العمل الدبلوماسي ولكن على مستوى دولي، حيث تولى منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المكتب الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف خلال الفترة (2011 - 2013) وهو ما أكسبه خبرات واسعة في مجال العلاقات الدولية حيث عمل ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر نزع السلاح، بل تولى منصب الأمين العام لمؤتمر نزع السلاح. ليعود بعدها إلى العمل البرلماني رئيسا لمجلس الشيوخ في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ويعاد انتخابه مرة أخرى لذات المنصب في 14 سبتمبر (أيلول) 2017 ويظل فيه حتى تم نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إليه بحكم الدستور في 20 مارس 2019 عقب استقالة الرئيس نزارباييف، في 19 مارس 2019. وخلال رئاسته المؤقتة للبلاد دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 9 يونيو 2019. حقق فيها فوزا ساحقا ليصبح أول رئيس للبلاد بعد «أبو الأمة» نور سلطان نزارباييف.
وجدير بالإشارة أن خبرات الرئيس توقاييف لا تقتصر على المجال السياسي فحسب، وإنما نشأته الثقافية كان لها دور في اهتمامه بالنواحي الأكاديمية كذلك، حيث ألف كثيرا من الكتب في مجال العلاقات الدولية، كما اكتسب عضوية كثير من المؤسسات البحثية والأكاديمية، منها عضوية الأكاديمية العالمية للعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، وعضوية مجلس الحكماء في مؤتمر ميونيخ الأمني، والأستاذية الفخرية بجامعة شنتشن(PRC) والأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية في الاتحاد الروسي، والرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في كازاخستان، والعميد الفخري لكلية جنيف للدبلوماسية والعلاقات الدولية. وقد حصل على كثير من الجوائز الحكومية في كازاخستان والدول الأجنبية، فضلاً عن الميداليات التذكارية، كان أخرها جائزة «رجل العام 2018» من جمعية السيرة الروسية.


 
رابعا- كازاخستان وبداية الجمهورية الثانية... تحديات داخلية وخارجية
في ظل حجم التحولات التي يشهدها العالم بصفة عامة ومنطقة آسيا الوسطى على وجه الخصوص، يواجه الرئيس توقاييف كثيرا من التحديات داخليا وخارجيا. على المستوى الداخلي، لا تزال بصمات الرئيس المؤسس نزارباييف هي الأكثر وضوحا بل والأكثر تأثيرا سواء بحكم خبراته السياسية الواسعة ونجاحاته التي حققها لبلاده على مدار الثلاثين عاما التي قضاها في الحكم منذ استقلال الجمهورية في أوائل تسعينات القرن المنصرم، أو بحكم دوره في السلطة فيما بعد استقالته الاختيارية كرئيس لمجلس الأمن وزعيم للحزب الحاكم وغيرها من السلطات التي أشار إليها الرئيس توقاييف عقب إدلائه بصوته في تلك الانتخابات بقوله باللغة الإنجليزية: «إن نزارباييف لا يزال في السلطة كرئيس لمجلس الأمن... ولديه صلاحيات أخرى أيضًا»، وهو ما يعني أن ملء الفراغ الذي تركه نزارباييف يجعل من مهمة خلفه مهمة صعبة. صحيح أن نزارباييف أشار خلال مؤتمر لحزب نور أوتان (نور الوطن) الحاكم في أبريل (نيسان) 2018 مع إعلانه اسم خلفه توقاييف، إلى أنه: «متأكد من أنه سيكون قائدًا نزيهًا»، وهو ما يعني دعما واسعا له وأنه لن يكن رئيسا رمزيا للبلاد، إلا أنه من الصحيح كذلك أن احتفاظ نزارباييف بمهام بارزة ستجعله محتفظا بمكانة أساسية في صنع السياسة الكازاخية داخليا وخارجيا، الأمر الذي جعل البعض يطالب الرئيس المنتخب بأن الفوز الذي حققه يعني أن يكون له دور بارز يعكس توجهاته ورؤيته في كيفية استكمال مسيرة التنمية، دون أن يعني ذلك خروجا عما وضعه نزارباييف من أسس ومرتكزات، إذ إن طبيعة المرحلة وتحدياتها تفرض على من يتولى الحكم أن يدير وفقا لآليات ووسائل ربما تختلف في التفاصيل عن النحو الذي كان يدير به الرئيس السابق وإن ظل ملتزما بالضوابط والأسس العامة، يؤكد على ذلك ما واجهته كازاخستان من تحديات اقتصادية في أواخر فترة الرئيس السابق نزارباييف مع تراجع أسعار النفط مما أثر على مداخيلها القومية التي تعتمد عليه بصورة رئيسية وهو ما يستوجب التحول من الاقتصاد الأحادي النشاط (الاقتصاد النفطي) إلى اقتصاد متعدد الأنشطة. 



على الجانب الآخر، يواجه الرئيس المنتخب أيضا تحديا ديمقراطيا يتمثل في كيفية إدارة ملف الخلافة السياسية في جمهورية لم تشهد انتقالا للسلطة منذ استقلالها قبل ثلاثين عاما، وهو ما يعني أن ما شهدته هذه الانتخابات من منافسة بين سبعة مرشحين، صحيح أنهم لم يكونوا على المستوى ذاته من المنافسة فمعظمهم لم يكن له تواجد مشهود في الشارع الكازاخي، وإنما تمثل هذه الانتخابات بداية لما ستشهده أي استحقاقات قادمة من منافسات أكثر اتساعا وديمقراطية وبما قد يصاحبها من خروقات للقانون على غرار ما شهدته هذه الانتخابات الأخيرة من مظاهرات لبعض المعارضين وإن كانت محدودة (تم التحقيق مع عدد لم يتجاوز 500 شخص على خلفية هذه المظاهرات سرعان ما تم إطلاق سراحهم) في ظل التواجد الشرطي الواسع وفقا لما جاء في بيان وزارة الداخلية الكازاخية بتواجد نحو 19 ألف شرطي شاركوا في الحفاظ على النظام أثناء الانتخابات، وهو ما يلقي بالمسؤولية على الرئيس المنتخب في كيفية إدارة ملف استكمال استحقاقات التحول الديمقراطي في البلاد.
أما على المستوى الخارجي، فيواجه الرئيس المنتخب تحديات تتعلق بكيفية إدارة ملف سياستها الخارجية في خضم الصراع المحتدم بين الأقطاب الثلاثة المتنافسة عالميا؛ قطب يحاول الاحتفاظ بقيادته للنظام الدولي (الولايات المتحدة الأميركية) وقطب يسعى لاستعادة مكانته في هذا النظام (روسيا الاتحادية العائدة بقوة إلى الساحة الدولية) وقطب يطمح في الوصول إلى قمة هذا النظام (جمهورية الصين). وإذا كان هذا التحدي لا تقتصر مواجهته على كازاخستان فحسب بل هو تحد يواجه كثيرا من دول العالم، إلا أنه أكثر وضوحا في حالة كازاخستان، وذلك لعاملين: 
الأول، علاقة كازاخستان ما بعد الاستقلال مع الولايات المتحدة والتي شهدت انفتاحا كبيرا في ظل تعاظم الدور الأميركي في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية عالميا، وهو ما يعني أن ثمة صعوبة في فك الارتباط الذي جرى على مدار العقود الثلاثة الماضية. 
الثاني، الموقع الجغرافي لكازاخستان على حدود مباشرة مع القطبين الآخرين (شمالا روسيا وشرقا الصين) الأمر الذي يجعلها في قلب الصراع. وهو ما يتطلب من الرئيس المنتخب أن يدير سياسة خارجية ثلاثية الأبعاد دوليا، ومتعددة الأبعاد إقليميا، وهو ما حرص على تأكيده رومان فاسيلينكو نائب وزير الخارجية في جمهورية كازاخستان خلال مؤتمر صحافي بمقر الوزارة في العاصمة نور سلطان قبيل البدء في الانتخابات، وذلك بقوله إن علاقات بلاده مع الجيران الصين وروسيا «سوف تزداد قوة في حين سيتم تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأميركا بعد الانتخابات»، وذلك في رسالة تطمينية للجميع إلا أن الأمر ليس مجرد خطاب وإنما يحتاج إلى رؤى وسياسات وإجراءات قد تواجه صعوبات عملية تتطلب جهودا غير تقليدية لمواجهتها.

font change