فقهاء مصريون يدعون إلى تغيرات تشريعية تستعيد الشراكة بين الشعوب دون تفرقة

هل دفعت جائحة كورونا علماء الدين للتوسع في باب الرخص؟

صورة من فعاليات المؤتمر العالمى للأخوة الإنسانية الذي عقد العام الماضي بدولة الإمارات برعاية الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس،بابا الفاتيكان، وبمشاركة واسعة من رجال الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي(غيتي)

فقهاء مصريون يدعون إلى تغيرات تشريعية تستعيد الشراكة بين الشعوب دون تفرقة

* عضو في مجمع البحوث الإسلامية: جائحة كورونا العالمية ستعيد وحدة الإنسانية، وستؤكد أنه لا فرق بين شرقي وغربي أو عربي وعبري 
* الأزمة فتحت المجال لعلماء الدين لإعادة النظر في العلاقات والحقوق كاملة بين الفرد والمجتمع في كافة المجالات

القاهرة: خلال الفترة التي يعيشها العالم في ظل أزمة كورونا خاصة في شهر رمضان زادت تساؤلات عدد كبير من المسلمين عن مدى إمكانية الأخذ بالرُخص الدينية، وهل تلك الأزمة فتحت الباب أمام علماء الدين للتوسع في باب الرخص أمام المسلمين في ظل هذه الظروف الاستثنائية خاصة في الدول ذات الغالبية المسلمة، حيث إن الشعائر الدينية تأثرت بانتشار العدوى ووباء كورونا عالميًا؟
ويرى كثير من علماء الدين أن أزمة كورونا ستعيد صياغة العلاقة بين الأفراد ومجتمعاتهم وبين الشرق والغرب، مؤكدين أن جائحة كورونا التي طالت، ونالت من العالم كله، لأول مرة تجمع جميع دول العالم على قلب رجل واحد وأسس وقواعد إنسانية ستنعكس بشكل كبير على التشريعات الفقهية وستعيد تجديد القوانين الدولية والمسائل الدينية لكي تتناسب مع ما يشبه أزمة كورونا.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية أن أزمة كورونا ستعيد صياغة الفقه والقانون والنظم التشريعية في العالم، مؤكداً أن أسس التشريع في الشريعة والقوانين الوضعية مبنية على الحقوق للأفراد والمجتمعات، مشيراً إلى أن الحقين تداخلا مع بعضهما البعض، وأن الجميع كان لديهم استهتار في حق المجتمع.
وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية في تصريحات لـ«المجلة» أن مبدأ البحث عن الحقوق الشخصية لا يجوز أن يستمر في ظل أزمة كورونا الحالية، مؤكداً أن القوانين ستتغير بسبب هذه الجائحة، موضحا أن الشريعة نظمت الحقوق العامة في المجتمع ووضعتها لتكون منفعة للعالم والمجتمع لخدمة جموع الناس، مؤكداً أن أزمة كورونا رسخت هذا الأمر وبدأت في تطبيقه وتغيير نظرة أولي الأمر في العالم لترسيخه وإعلاء قيمه الإنسانية.
وتابع عضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر أن أزمة كورونا فتحت المجال لعلماء الدين لإعادة النظر لتجديد صياغة العلاقات والحقوق كاملة بين الفرد والمجتمع في كافة المجالات، موضحا أنها ستتسبب في ثورة تشريعية عالمية كبيرة خلال الفترة المقبلة وتغيير نظرة العالم إلى فروض العبادة والحكم على ممارسيها من الذين كانوا يهرولون في إقامة الموائد للفقراء والهرولة إلى بيوت الله ليتيقن للجميع أن العبادة ليست تصدقا من المخلوق بقدر ما هي منة من الخالق، مؤكدا أن جائحة كورونا العالمية ستعيد وحدة الإنسان، وستؤكد أنه لا فرق بين شرقي وغربي أو عربي وعبري، مؤكدا أن وحدة الإنسانية واحدة أمام الله. 
من جانبه، أكد الدكتور محمود الصاوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن لكل مجال مصطلحاته الخاصة به التي اتفق عليها أصحاب الشأن في هذا المجال، موضحا أن للإعلاميين لغتهم وللاقتصاديين لغتهم، وللأطباء لغتهم، وللقانونيين لغتهم، وللشعراء لغتهم، وكذلك للدعاة وعلماء الشريعة والفقهاء لغتهم، مشيرا إلى أن مصطلح «التسهيلات» هذا جديد وكان يسمع في البنوك والعقارات، لكن لأول مرة يسمع فيما يخص الشأن الديني أو الخطاب الديني بالأحرى.
وأضاف الأستاذ بجامعة الأزهر أن لعلماء الشريعة مصطلحاتهم الخاصة بهم في هذا الشأن كالأحكام التكليفية الخمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم، مشيرا إلى أنه في باب التكاليف الشرعية يتكلمون عن مصطلح «الرخص والعزائم» وأنه مما حفظه علماء المسلمين من الموروث الديني: «إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه»، وأيضاً: «إن الرخصة صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».

 


د. محمود الصاوي لـ«المجلة»: في النوازل العامة والجوائح الكبيرة مثل كورونا وغيرها قضية التشريع في الدين غاية في الانضباط
 


 
وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر في تصريحاته لـ«المجلة» أنه في النوازل العامة والجوائح الكبيرة مثل كورونا وغيرها كانت قضية التشريع في الإسلام في غاية الانضباط وليست كلاما مباحا لكل شخص بشكل عام، حتى الفقهاء يدخلون إليها بمنتهي الحذر والحيطة وتحكمهم جملة ضوابط ومحاذير وتعليمات صارمة وردت في النصوص المؤسسة للإسلام في القرآن والسنة، موضحا أنه إذا رجعنا إلى منظومة الأحكام الشرعية نجدها تدور على نوعين: 
أولا: أحكام شرعية وضعها المشرع للظروف الطبيعية والتي يطلق عليها العزائم والتي تعني أنه يجب على المكلف الأخذ بها. 
ثانياً: وضعها المشرع للظروف الاستثنائية كالتي نعيشها الآن وتسمي الرخص.
وتابع الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن المسلم يجب عليه أن يمتثل لأمر الله في كل حال، سواء أحواله الطبيعية أو أحواله الاستثنائية فإن كان مقيما فعليه الصوم، وإن كان مسافرا السفر الذي تقصر به الصلاة، أو مريضا، فله حق الفطر بتوجيه الأطباء الثقات، مشيرا إلى أنه على المسلم لله عز وجل عبودية في منشطه ومكرهه في عسره ويسره في غناه وفقره في صحته ومرضه.
وأكد الأستاذ بجامعة الازهر في تصريحاته التي اختص بها «المجلة» أن الفقه هو «الرخصة من ثقة، لأن التشدد يحسنه كل أحد» مؤكدا أنها عبارة تكتب بماء الذهب لو عقلها المسلمون، متسائلا: هل الأخذ بالرخصة في حق المسلم يعد نوعا من التهاون والتقصير في الالتزام بالدين؟ ليجيب أن كل إنسان أمين على دينه، وإن كان المقصود الأخذ بالرخصة الشرعية التي شرعها الله عز وجل وبينها رسوله صلي الله عليه وسلم كمسافر أفطر في رمضان أو مريض مرض مرضا يزيد بالصيام أو يتأخر الشفاء منه مثلا بسبب الصيام، فهنا يفطر ويكون مأجورا نظرا لأنه التزم بالحكم الشرعي المسموح له به والمرخص له فيه من المشرع.
وتابع الأستاذ بجامعة الأزهر أن المفطر إن كان صحيحا سليمًا معافى ليس عنده طروف طارئة لكنه يتنقل بين المذاهب ويتخير الأسهل الذي يتفق مع هواه وشهواته أو يتحايل مثلا على الشرع مثل شخص وجبت عليه الزكاة مثلا لأن عنده مايساوي 85 غراما من الذهب وحان وقت إخراج الزكاة فيبدأ في توزيع هذا المال: جزء لزوجته، وجزء لأولاده، بتعمد هذا وقت الزكاة، فإذا مضى وقتها يسترد هذا المال مرة أخرى منهم، مؤكدا أن هذا تحايل على الشرع وخداع لنفسه، موضحا أنه لن يخدع ربه.
وأكد الأستاذ بجامعة الأزهر أن المشكة التي نعيشها الآن المتمثلة في جائحة كورونا ليست مشكلة فردية أو شخصية بل مشكلة أو مصيبة أو بلاء عام عم البشرية كلها وهنا وجب في مثل تلك الأمور العودة إلى المرجعيات الكبري في الأمة والمؤسسات العلمية الكبري والمجامع الفقهية كمجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمجامع الفقهية المعتبرة في الأمة وليس لاجتهادات فردية شاذة هنا أو هناك.

font change