المذيعة السعودية.. بين الحرية والمجتمع

المذيعة السعودية.. بين الحرية والمجتمع

[caption id="attachment_55240549" align="aligncenter" width="620"]المذيعة ميساء العمودي المذيعة ميساء العمودي[/caption]


حرمان المرأة السعودية من دراسة الإعلام في الجامعات السعودية سابقاً، ودخوله حديثاً في بعض الجامعات، يعتبره الكثيرون من أهل الاختصاص في مجال الإعلام المرئي، العامل الرئيس في تأخر دخول المرأة السعودية لهذا المجال، وافتقارها لأساسيات الإعلام ونظرياته العلمية، وبالتالي انعكس بوضوح على أدائها المهني. بينما المعنيات بالأمر من المذيعات يلقين اللوم على المجتمع، الذي جعل المذيعة السعودية تحت المجهر دائما، مقيدة بشروط العرف الاجتماعي، تقاومه حيناً وتتمرد عليه حيناً آخر.
المجلة حاولت أن تتعرف على وجهات نظر بعض الإعلاميات السعوديات، اللواتي كانت لهن بصمة واضحة في هذا المجال، نستكشف آرائهن وشجونهن، ونطرح عليهن أسئلة التحدي.



الحرية.. التحدي الأول





غياب الحرية، واستقلالية المرأة السعودية، هو التحدي الأول الذي يواجه المذيعة السعودية، هكذا ترى الإعلامية والمذيعة بثينة النصر التي عملت في كل من التلفزيون السعودي وقناة الحرة، حيث تقول: "العوائق النمطية التي تواجه كل سيّدة سعودية هي ذاتها، انها في ميزان مجتمع لا يزال يراها ناقصة، يتطلّب ذلك منها الكثير من التحدّي".

وتؤكد النصر أن السعودية سواء كانت ممرضة أو موظفة في بنك أو بائعة "البسطة" على الرصيف يواجهن ذات التحدي فـ"كلنا في الهوا سواء، لكن تختلف تفاصيل الصعوبات نوعيا بحكم اختلاف المهنة.. فنجد المذيعة السعودية في تحدّ مستمر وصراع لم تخترعه مع عقليات بدائية، سواء في مؤسسة العمل أو ضمن جموع الجماهير.. لا يبصرون.. أو للدقة لا يريدون أن يبصروا أنها كزميلها الرجل، تتوق للكرامة الوظيفية التي تتجلّى فيها حقوقها المهنية وتعطشها للارتقاء والرغبة بالقليل من حرية التعبير!".

لكن من جانبها الإعلامية نادين البدير - تقدم برنامجا تلفزيونيا أسبوعيا على قناة "روتانا خليجية" - حملّت الإعلام مسؤولية غياب الحرية، حيث تقول: "الإعلام يعاني من شح الحريات، ومن التضييق على الفكر ومحاولة خنقه. لكني لا ألتزم بالقواعد وأضرب بالحدود عرض الحائط، لذا لا أفكر كثيرا في الصعوبات، إنما بتحقيق النجاحات، لأني أتعامل مع القيود على أنها عدو أحاربه، ولا أنظر لها أبدا بصفتها سلطة تحكمني".


[caption id="attachment_55240550" align="alignleft" width="250"]حليمة مظفر حليمة مظفر[/caption]

وتؤكد البدير أنه إذا "لم تكن الصحافية على قدر من الشجاعة والجرأة لتحمل المسؤولية، ومواجهة الجهات المسؤولة ومواجهة المجتمع، فمن الأفضل لها البحث عن مهنة أخرى مريحة، لا تتعبها وترهقها على مدار اليوم. المواجهة والصدامات بنود أساسية في حياة الصحافي الحقيقي، تدفعه لتكريس يومه كله لأجلها، وهو أمر متعب ومرهق أشعر به ويؤلمني أحياناً، لكنه ألم ممتع جداً لا أستغني عنه. فعلت أشياء مشاغبة كثيرة لأحيا بحرية، ولأفكر بصوت حر، لكن كما أخبرتك شغب محبب، وتحتاجه مجتمعاتنا العربية التي كتب على أدمغتها القيد، تحت شعارات كثيرة".



المجتمع والأسرة.. رقابة قلقة





تؤكد الإعلامية ميساء العمودي ـ مذيعة في روتانا خليجية، وعملت مذيعة سابقا في قناة الحرة ـ أن المذيعة السعودية مضطرة دائما للتفكير في مدى تقبل أسرتها ومجتمعها، والتعامل مع نوعية انتقاداتهم، التي غالبا ما تناقش حجابها وزيها أكثر من فكرها.
وهذا أيضا ما اتفقت معه الكاتبة السعودية حليمة مظفر، التي أشارت إلى أنها تواجه "نظرة حادة كونها خرجت عن تقليدية المجتمع إلى الفضاء المرئي، وهذا يتطلب منها شجاعة وقوة أن تتجاوزها"، لكن مظفر تستدرك وتؤكد أن هذه النظرة في الآونة الأخيرة تقل حدتها، لكن حتى الآن لم تنته. فـ"النظرة الدونية ومحاولة الاستنقاص من مهنيتها حين تنتقل لفضاء إعلامي عربي، وتعمل مع غيرها من الجنسيات العربية الأخرى".



الجنسية.. أم الكفاءة؟





نظراً لقلة المذيعات السعوديات، وكثافة الجمهور السعودي المتلقي والمهتم بالبرامج التي تناقش همومه وقضاياه، هناك من يرى بأن المذيعة السعودية أصبحت تمتلك عامل اقتحامها للفضاء من خلال "جنسيتها"، فهل أضر هذا بمهنيتها وكفاءتها؟


[caption id="attachment_55240551" align="alignright" width="250"]بثينة النصر بثينة النصر[/caption]

هذا ما تلاحظه بوضوح الإعلامية بثينة النصر، التي قالت: "حين أكون كسعودية مغيّبة عن الشأن العام والعالم، أتحول كرتا مشوّقا وجذّابا للمشاهدة!! لكني لست مجرد فرجة وأداة، ففي الوقت الذي يتاح فيه للفتيات الأخريات كل السبل للتخصص في هكذا مجال.. كنت أنا ومثيلاتي نحفر الصخر، وننحت الكتب، فنحن من حرمن لفترة لا يستهان بها من دراسة الإعلام، أو حتى التخصص في العلوم السياسية.. المحظوظة منّا تلك المثابرة التي تهيأت لها سبل النفاذ لتلقّي علم الصحافة بحرفية في الخارج.. لترتقي بنفسها وتثبت ذاتها.. لكنّي سعيدة اليوم بتبنّي بعض جامعاتنا تخصص الإعلام للسيدات".

أما الكاتبة حليمة مظفر فتؤكد أن المذيعة التي تعتمد على مظهرها وهويتها كسعودية، فإنها ستنتهي وتسقط سريعا، لكنها أضافت" لكن من دون شك فإن من يمارس هذه المهنة، يعرف جيدا أن خلف المذيعة والمذيع فريق من الإعداد متمكن، يحول في كثير من الأحيان بعض المذيعات والمذيعين إلى مؤدين فقط. حتما الجيد سيفرض نفسه على المشاهد".



السياسة أم قضايا المرأة؟




[caption id="attachment_55241216" align="alignleft" width="300"]نادين البدير نادين البدير[/caption]


في ظهورها الإعلامي، هل انحصر دور المذيعة السعودية في مناقشة قضايا بني جنسها، هل استطعت أن تقتحم عالم السياسة وتفرض حضورها؟
تجيب عن هذا السؤال ميساء العمودي والتي كانت لها تجربة سابقة في تقديم برنامج سياسي على قناة الحرة، استضافت فيه ناشطات وحقوقيات من العالم العربي، وأخيراً برنامج اجتماعي عن المرأة وقضايا المجتمع تقول: "الإعلامية السعودية جزء أساسي من المجتمع وانعكاس لواقعه، لذا من المجحف لومها لعدم براعتها في إدارة الحوارات السياسية، حقيقة قلة من السعوديات مطلعات بشكل دقيق وواسع على السياسة، أما المجتمع فأعتقد أن الإعلاميات وحتى المتحدثات تفوقن بشكل ملحوظ في القضايا الاجتماعية".

وتضيف: "نحن نناقش قضايا المرأة وقضايا المجتمع، وأحيانا الاقتصاد والسياسة، أما الرجل فيستثنى من قضايا المرأة، فالطبيعي أن برامج المرأة وحقوقها لا تناقشها إلا امرأة، وهذا ما يجعل البعض يعتقد أننا لا نفقه سوى في قضايانا! المرأة مستهلك أساسي في البرامج والشاشات، وتخصيص وقت لها أمر مهم لأي محطة. وفيما يتعلق بالسياسة فالمرأة السعودية أيضا لم تدرس السياسة في الجامعات السعودية ولم تمارس السياسة لا في مجلس الشوري ولا في السفارات".

لكن نادين البدير تختلف معها بناء على تجربتها الشخصية، فتقول: "حقيقة لا أتابع سوى نفسي. أزعم أني حققت جزءا كبيرا من النجاح، لأني أعد وأقدم برنامجا سياسيا، ويناقش أيضا قضايا حياتية حساسة".

وبلغة واثقة وحاسمة تتساءل البدير: "ما الخارق الذي قام به الرجل ولم أقدمه أنا؟! أنا تفوقت على كثير منهم وتجاوزتهم بمراحل، لست متكبرة، لكنها الحقيقة، نعم أنا أكثر حرفية من عشرات الصحافيين الرجال الذين لا يعلمون معنى مهنة الصحافة وأوجاعها وهمومها ومغامراتها".
font change