مع دخول الحرب شهرها الثاني... نقاش في أميركا عن «إحباط الحرب»

الأميركيون يتأرجحون بين تأييد الحرب ورفضها وأحيانًا بطرق متناقضة

ضباط شرطة أوكرانيون خارج مبنى سكني تضرر من صاروخ في 25 فبراير/شباط الماضي في العاصمة كييف (غيتي)

مع دخول الحرب شهرها الثاني... نقاش في أميركا عن «إحباط الحرب»

واشنطن: يوم الثلاثاء، كتبت صحيفة «واشنطن بوست»، في افتتاحيتها الرئيسية، عن ظاهرة جديدة في الولايات المتحدة عن الحرب في أوكرانيا التي اقتربت من دخول شهرها الثاني: الإحباط النفسي (بسبب طول الحرب)، إذا لم يكن الإرهاق الجسمي (بسبب التأثيرات الاقتصادية).


وكتبت: «الإحباط مفهوم. لكن، ليس هذا هو الوقت المناسب لنتراجع».


توجد مشكلتان عن الحرب بالنسبة للأميركيين: لن تكون الحرب قصيرة. ولا أحد يعرف متى، وكيف، ستنتهي.
طبعا، ستكون النهاية واحدا من أمرين:


الأول، تنهزم روسيا هزيمة نكراء بسبب نضال الأوكرانيين، والمساعدات غير المباشرة من حلف الناتو، لكن، سيكلف ذلك كثيرا من الخسائر المادية والبشرية.


الثاني: سينتصر الروس في هجومهم الكبير والواسع النطاق. وهذا شيء «يمكن تصوره، حتى إذا صار سببا في عدم استقرار داخل روسيا»، كما قالت صحيفة «واشنطن بوست».


يبدو أن الإحباط في الولايات المتحدة يعكس الإحباط الذي كان قد بدأ فعلا في أوروبا. خاصة لأنه، قبل الحرب بوقت طويل، تساءل بعض الأوروبيين، في فرنسا وألمانيا، عن الحكمة وراء دفع روسيا لتغزو أوكرانيا. ليس سرا أن وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، في آخر اجتماع مع الروس، رفض طلبهم بتعهد مكتوب بان أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو.


توجد دائما وسط الأميركيين أقلية، خاصة وسط أساتذة الجامعات، تقول إن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الضغط على الناتو ليتوسع في أوروبا الشرقية، قريبا من حدود روسيا. لكن، ليس هذا رأي أغلبية الأميركيين الذين لا يتابعون تفاصيل السياسة الخارجية.


لكن، حتى هذه الأغلبية لا تثبت على رأي، كما قالت، في الأسبوع الماضي، مجلة «بوليتيكو». قالت إن استطلاعات الرأي خلال حروب مثل حرب فيتنام، وحرب العراق، أوضحت أن الأميركيين يتأرجحون بين تأييد ورفض، وأحيانًا بطرق متناقضة.


في الأسبوع الماضي، كان هذا هو عنوان تقرير في المجلة عن هذا الموضوع: «استطلاعات الرأي تشير إلى أن الأميركيين مستعدون للتضحية من أجل أوكرانيا، لكن التاريخ ينصح الرئيس بايدن بأن لا يصدق ذلك».


وأضافت «المجلة»: «يمكن فهم ترحيب البيت الأبيض باستطلاع وكالة (رويترز) بأن نسبة ستين في المائة من الأميركيين يقولون إنهم مستعدون لتحمل زيادة سعر البنزين من أجل أوكرانيا. لكن، دائما تقول نسبة كبيرة من الأميركيين إنهم عازمون على تخفيض أوزانهم، او على المزيد من الفاكهة بدلا من اللحوم».


وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «يتزايد الإحباط لأسباب مفهومة. منها أن كثيرا من الأميركيين والأوربيين لا يعرفون ماذا يفعلون أكثر لدعم الأوكرانيين».


فيما يلي رأيان مختلفان حول ما تسببه الحرب من إحباط، إذا لم يكن هناك إرهاق، من تغريدات كل كاتب وموقعة في الإنترنت، وكتاباته في الصحف:


في جانب: مات باي، صحافي عمل مع «نيويورك تايمز»، و«نيوزويك»، و«ياهو نيوز»، والآن «واشنطن بوست». وكان قد كتب كتاب: «الجدل: مليارديرات، وبلوقات، والنظام الديمقراطي».
في الجانب الآخر، جو سكاربورو، مقدم برنامج صباحي يومي في تلفزيون «إم إس إن بي سي»، مع مايكا بريزنسكي، زوجته، وبنت خبير الأمن القومي السابق زبيغنيو بريزنسكي، المولود في بولندا.


مات باي: متى ستنتهي أزمة أوكرانيا؟
أقول لكل من يقول إن هذه الحرب ستنتهي بهزيمة روسيا، وإعلان الرئيس بايدن أمام الكونغرس، وأمام العالم، أن الديمقراطية قد انتصرت، إن عليه دراسة تاريخ الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، حتى سقوط الاتحاد السوفياتي.


في الخلافات بين القوى النووية، قد يكون السبب واضحا وعادلا. لكن ربما ليست النتيجة...

مات باى


عند بداية غزو أوكرانيا كانت المعادلة بسيطة وواضحة: ها هي روسيا تغزو دولة ديمقراطية تريد الانضمام إلى الغرب، وها هو الغرب يقسم أن ذلك لن يحدث، وأنه سيعزل روسيا مثلما لم يعزل دولة في التاريخ.  لكن، مع مرور الزمن، تعقدت هذه المعادلة البسيطة والواضحة...


وها نحن، هنا في الولايات المتحدة، صرنا نتساءل: هل مصلحتنا هي نفس مصلحة الأوكرانيين؟ وكيف نقدر على موازنة مصالحنا مع مصالحهم؟


مثل أي رئيس في مكانه، يريد الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، صد الغزو، وهزيمة الغزاة. ويريد من الدول الصديقة مساعدته ماليا، وسياسيا، وعسكريا. لكننا، وهو، نعرف أن ما يريده سيجر حلف الناتو إلى هذه الحرب المعقدة. وسيزيدها تعقيدا...


يشير تاريخ الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة ضد المعسكر الشرقي إلى أنها كانت حريصة على تحاشي مواجهة عسكرية. خلال أربعين سنة، استعملت استراتيجيات «ديتيرانس» (الردع) و«كونتينمنت» (الاحتواء)، و«باكتز» (تحالفات عسكرية). لكن، بدون مواجهة عسكرية مباشرة.


كيف تواجه عسكريا دولة تملك أسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات تستطيع الوصول إلى أي مدينة أميركية؟


اليوم، يقول كثير من العقلاء إن على زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، قبول حل وسط غير عادل. هذا إذا كان الحل الوسط ممكنا.


اليوم، لا نسمع أي سياسي يقول علنا إن زيلينسكى لا بد أن يتنازل عن شبه جزيرة القرم، وعن شرق بلاده حيث الأغلبية الروسية. ولا بد أن ينسى الانضمام إلى حلف الناتو.


لكنني أرى أن هذا هو الحل الواقعي. أما الحل المثالي، فربما في المستقبل...

جو سكاربورو: يكفي، السيد بوتين:
قبل ثلاثة أسابيع، في استطلاعات شعبية، قالت نسبة 40 في المائة من الأميركيين إنه يجب علينا مساعدة أوكرانيا. ثم، في الأسبوع الماضي، ارتفعت النسبة إلى 60 في المائة.


يؤيد هؤلاء خطوات عسكرية حاسمة، مثل: فرض منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا. وتدفق فيضان من الأسلحة عبر الحدود لمساعدة المقاتلين الأوكرانيين. وتقديم قادة روسيا إلى محكمة دولية بتهمة جرائم الحرب...

 جو سكاربارا، وزوجته مايكا بريزنسكى


هذا حماس شعبي أميركي لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية. وهو يضع الكرة في ملعب الرئيس بايدن. لهذا، يجب على بايدن التوقف عن إخبار بوتين بما يلي:


أولاً، خطوات تجنب المواجهة العسكرية بين البلدين.
ثانيًا، الأسلحة المتطورة التي لن يرسلها إلى أوكرانيا.
ثالثًا، احتمال استخدام القوات الأميركية...


يجب أن لا يتحرك بايدن على ضوء تحركات بوتين. ويجب أن يتخذ المبادرات، لا ردود الفعل. إذا لا يوجد سبب آخر، توجد خدعة بوتين الذي يحرك المرمى من مكان إلى آخر.


في البداية، ادعى بوتين أنه غاضب بسبب توقع قبول أوكرانيا في الناتو. ثم اقترح إرسال قوات دولية لحفظ السلام في أوكرانيا. ثم حشد قواته. ثم أعلن الحرب. واستمر يحرك المرمى، وأعلن أن العقوبات حرب في حد ذاتها...


لن ينسى الأميركيون أكياس الجثث التي كانت تصل إلى قاعدة دوفر العسكرية (ولاية ديلاوير)، قادمة من أماكن بعيدة في العالم، ضحايا حروب تقف وراءها روسيا...
يكفي ما يكفي.

font change