هل ينبغي على السعودية أن تفكر بإطلاق نظام البطاقات الائتمانية الخاص بها؟

تضرر الاقتصاد الروسي يثير المخاوف حول حجب الخدمات المصرفية

البنك المركزي السعودي ساما

هل ينبغي على السعودية أن تفكر بإطلاق نظام البطاقات الائتمانية الخاص بها؟

جدة: مفهوم الائتمان واسع للغاية، فهو الاسم المحسّن للقروض وإدارتها وبيعها وضمان وصول المدفوعات إلى فئات مختلفة من المستفيدين، بين دول وأفراد ومؤسسات وغيرها. إن أحد أهم تطبيقات الائتمان في العالم الحديث هي البطاقات الائتمانية. وقد يشيع اسم «كريدت كارد» (Credit Card) أكثر. تصدر تلك البطاقات شركات معروفة منذ عقود، تحتكر حصصاً متزايدة من المستخدمين حول العالم، في أغلبها الأعظم أميركية المنشأ أو الملكية أو كليهما، تشمل الثلاثي العملاق «ماستر كارد»، و«فيزا»، و«أمكس».

لكن يبدو أن البطاقات الائتمانية تحولت عن دورها الأساسي في تسهيل إقراض المستخدمين لفترة قصيرة الأجل، ثم السداد لاحقاً، وتطوير أساليب الحياة إلى أداة للعقوبات، إذ ظهر ذلك مؤخراً بعد حجب خدمات البطاقات الائتمانية من جانب الثلاثي الأميركي العملاق في روسيا، وقبلها في كوبا وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية وإيران وأفغانستان والعراق والسودان.

لكن في لحظة تأمل فيما يدور من مناقشات الخبراء والباحثين والصحافيين السعوديين على فضاءات «تويتر» حول أثر العقوبات على روسيا ومدى تضرر الاقتصاد الروسي وحجب الخدمات المصرفية والبطاقات الائتمانية وغيرها ضمن حزمة عقوبات مشدّدة وغير مسبوقة، يبرز سؤال عما يحصل من مقاطعة تجارية وعقوبات: هل ينبغي أن تفكر السعودية بإنشاء نظام خاص بعلامة وهوية تجارية مستقلة لإصدار بطاقات ائتمانية معتمدة حول العالم؟

 

ماذا يدور؟

أبلغت البنوك الروسية عملاءها أنها سوف تستبدل بطاقات الائتمان الصادرة عن «فيزا»، و«ماستركارد» ببطاقات صادرة عن شركة البطاقات الائتمانية الصينية سريعة النمو «UnionPay» التي تغطي القارات الخمس؛ حتى السعودية نفسها بأكثر من 60 ألف نقطة بيع وإمكانية السحب من نصف الصرافات الآلية في المملكة.

لقد تغير العالم كثيراً، وصار لدى حاملي البطاقات الائتمانية خيارات متنوعة لإصدار بطاقات ائتمانية من شركات آسيوية، تضاف إلى الشركات الأميركية. ويبدو أن الخطوة الروسية بإصدار بطاقات «UnionPay» توضح أن الشبكة الائتمانية الصينية، بديل متوفر في حال حصول طارئ أو حدث ما.

لقد ظهرت مقاطع فيديو من المدن الروسية، توضع تزاحم المتسوقين عند منافذ الدفع بسبب حجب خدمة Apple Pay للدفع عبر هواتف آبل الذكية. كل ذلك يوحي بأن أي دولة في العالم، ينبغي أن يكون لديها بدائل محلية فورية جاهزة للاستخدام. وليس بالضرورة أن يكون هناك حالة طارئة أو حرب لأخذ التحوط، بل قد تحصل تحولات أو تغيرات داخل الدول التي تمتلك شركات لإصدار البطاقات الائتمانية. لذا تبرز فكرة أن يكون لدى السعودية علامة تجارية محلية وإصدار البطاقات الائتمانية التي يمكن استخدامها حول العالم، بل المنافسة في الأسواق الخليجية والعربية والآسيوية والأوروبية والأميركية وغيرها.

 

بنية تحتية رقمية متينة

تتمتع السعودية ببنية تحتية رقمية قوية مسخرة لخدمة التقنية المالية (FinTech) وابتكار المنتجات المالية، ومنها الائتمانية. ومنذ عقود، تمتلك السعودية شركة وطنية لتسهيل أعمال المقاصة بين البنوك تحت اسم «المدفوعات السعودية»، إذ إن جميع نقاط البيع والصرافات الآلية، تقبل جميع بطاقات السحب المباشر والائتمان مهما كان البنك الذي يصدرها.

إن الخبرة السعودية في إدارة التسويات وعمليات المقاصة، هو في صلب عمل البطاقات الائتمانية، وكذلك خبرة الربط عبر «الشبكة الخليجية»، مع دول مجلس التعاون، كلها أمور مشجعة على تحقيق «الاستقلال الائتماني» المحلي في ظل وجود الخبرة والأموال الباحثة عن الاستثمار، بما يرسخ مكانة المملكة كوجهة دولية قادرة على إصدار منتج ائتماني مميز، يغطي السوق المحلية وينطلق إلى ما حولها ونحو العالم.

وحتى مع وجود بطاقات ائتمانية تابعة للشركات العالمية، فإن العلامة التجارية السعودية، ستكون قادرة على المنافسة وإثبات نفسها، فيما يمكن للبنوك والمصارف والمؤسسات المالية السعودية الدخول في شراكات مع الصين أو الهند التي طورت نظام إصدار البطاقات الائتمانية الخاص عبر «RuPay» الذي بدأ بالتوسع خارج الهند، بعد مرور نحو 10 سنوات على إطلاقه.

 

السعودية ضمن أكبر الأسواق نمواً في التجارة الإلكترونية

 

الخبرة التشريعية

بدأت السعودية بقبول البطاقات الائتمانية كأحد خيارات الدفع أواخر ثمانينات القرن الماضي. ومع التوسع في المدفوعات الرقمية، أصبحت البطاقات الائتمانية منتجاً أساسياً لدى البنوك السعودية بالتعاون مع الشركات العالمية. وتتمتع تلك البطاقات ببيئة تشريعية، تتيح للبنوك وحاملي البطاقات غطاءً قانونياً لأعمالهم.

يقول الخبير الاقتصادي والمحاسبي عبد الرحمن الأحمد في اتصال مع «المجلة»: «البيئة التشريعية المالية السعودية قوية ومتماسكة. وأرى أنه لا يوجد مانع تشريعي لتأسيس شركة مصدرة للبطاقات الائتمانية على غرار ماستركارد، وفيزا، وغيرهما. يمكن أن يقوم تحالف مصرفي سعودي بهذه الخطوة الكبيرة. لكن الموضوع لا يتوقف على السعودية وحدها، فالعلامة التجارية الجديدة للبطاقات الائتمانية، ينبغي أن تحظى باعتراف إقليمي ودولي، إلى جانب عقد اتفاقيات إصدار مع مجموعات أكبر من البنوك حول العالم وقبول أكثر لدى نقاط البيع وتوسيع نطاق التغطية الجغرافية مع عقد شراكات طويلة الأمد ضمن المؤسسات المالية المحلية والإقليمية والعالمية».

ويضيف: «إن نجاح تلك الفكرة محلياً وتعميمها داخل السعودية وضمن البنوك السعودية نفسها، هو ما سيفتح المجال أمام التوسع والانطلاق. وقد يأخذ الأمر سنوات، لكن الفكرة تستحق العمل عليها. الشركات المصدرة للبطاقات الائتمانية، ليست هي من يقوم بالإقراض المباشر، بل البنوك هي من تفعل ذلك، علماً بأن العلامات التجارية المتخصصة بالبطاقات الائتمانية، تقتطع نسبة محددة عن كل عملية بيع وكذلك البنك المصدر للبطاقات. كما أن القروض مؤمنة في حال التخلف عن السداد مع وجود التشريعات اللازمة لملاحقة المتخلفين عن السداد».

ويوضح الأحمد أن أساس عمل شركات البطاقات الائتمانية هو جعلها مقبولة أكثر وأكثر حول العالم، وليس أن تقدم قروضاً لحامليها، فهذه مهمة البنوك.

 

تنويع خيارات المستهلك

لا تقوم أي من البنوك والمصارف السعودية، بإصدار بطاقات ائتمانية خارج علامتي فيزا، وماستركارد؛ رغم قبول بطاقات «JCB» اليابانية و«Union Pay» الصينية. ولعل إحدى خطوات تنويع سوق البطاقات الائتمانية، هي البدء بإصدار بطاقات تحمل هوية وعلامة تجارية يابانية أو صينية، وبخاصة مع تحول دول الشرق الآسيوي، إلى شركاء تجاريين وسياحيين معتبرين.

إن ربط الشبكات الائتمانية مع الدول الآسيوية وتفعيل مزيد من الخيارات للمستهلكين، يرفع حدة المنافسة بين مزودي الخدمات على نقاط البيع أو الأفراد والمؤسسات المستخدمة للبطاقات الائتمانية، بما ينعكس إيجاباً على المستهلكين، فشركات البطاقات الائتمانية تجني أرباحها من اقتطاع نسبة من أي عملية شرائية، إلى جانب البنوك المصدرة للبطاقات التي تقتطع أيضاً نسبتها من العمليات الشرائية من التاجر.

وإضافة إلى منافع المنافسة، فإنها تخفف من هيمنة أية شركة على سوق البطاقات الائتمانية، بما يخفف حالات التعرض (exposure) عند حصول ظروف مفاجئة أو أعطال تقنية أو هجومات سيبرانية.

ويقول عضو لجنة الأوراق المالية في غرفة جدة فهد الشيخ: «إن التفكير خارج الصندوق عبر الابتكار وتعزيز المنافسة، والدخول إلى مناطق جديدة، هو ما سيفتح الباب واسعاً أمام اعتماد المنتجات الائتمانية السعودية، ومنها شركات إصدار البطاقات الائتمانية؛ لتكون السوق السعودية أكثر مرونة وتقبلاً في ظل توجه حكومي نحو تعزيز المحتوى المحلي».

ويضيف أن الأفكار الكبرى عندما تجتاز الاختبار المحلي وتصبح قوية في الداخل، فإنه يصبح لديها إمكانية الانتشار مثلما يحصل مع العلامتين الصاعدتين في عالم البطاقات الائتمانية الصينية (UnionPay) والهندية (RuPay).

 

علامة تجارية سعودية

لا تكف السعودية عن محاولاتها المستمرة لتقديم بدائل وطنية لمعظم السلع الاستهلاكية، إلى جانب تكثيف تصدير المنتجات تحت شعار «صنع في السعودية». ومن الجدير بالذكر أن السعودية تمتلك تطبيقاً محلياً لإجراء الدفع اللاتلامسي أو الدفع القريب عبر الهواتف الذكية، التي تعتمد على نظام أندرويد، وينتظر توسيعه ليشمل أنظمة تشغيلية أخرى للهواتف الذكية.

إن إيجاد شركة عربية سعودية لإصدار البطاقات الائتمانية، يفيد في تعزيز البدائل والخيارات المحلية، مثل البدائل الاستهلاكية الأخرى، وهي خطوة متقدمة في تعزيز قائمة العلامات التجارية السعودية ذات الشهرة المحلية والعالمية، بما ينعكس على صورة المملكة كبلد يقوم على الابتكار وتعزيز المنافسة وتوفير حلول مالية بأعلى مستوى، والأهم من ذلك تحقيق «الاستقلال الائتماني»، بعيداً عن احتكار صناعة البطاقات الائتمانية مع اقتطاع حصة من سوق يتجاوز حجمها 4 تريليون دولار، وفقاً لإحصاءات 2019.

 

font change

مقالات ذات صلة