نقاش أميركي عن دوافع بوتين: نهضة مسيحية أم على خطى كاثرين العظيمة؟

البحث في الدوافع الشخصية لغزو أوكرانيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

نقاش أميركي عن دوافع بوتين: نهضة مسيحية أم على خطى كاثرين العظيمة؟

واشنطن: ليست هذه هي المرة الأولى التي تضفي فيها وسائل الإعلام الأميركية طابعًا شخصيًا على العداوات والتدخلات الخارجية الأميركية، حيث أصبحت شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جوهر تغطية حرب أوكرانيا.


كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، من بين شخصيات أخرى، جوهر التغطية الإعلامية للتدخلات العسكرية الأميركية في دولهم.


في بحث مؤخرا في «غوغل» عن الكلمتين معا «واشنطن بوست» و«بوتين»، ظهر أكثر من ستة ملايين مرجع. ثم إن بوتين نفسه، قبل عام من غزوه أوكرانيا، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي، اشتكى من قوة الإعلام الأميركي، وقال، بدون ذكر أي اسم: «أسألكم بحق السماء، ألا يوثر هذا الاحتكار (الإعلامي) على المصلحة العامة؟».


اليوم، ها هي أميركا الرسمية وأميركا الإعلامية تتخصصان فيه، بأنه واحد من أشهر الحكام الشريرين في التاريخ. وها هي «صوت أميركا»، التي تدعمها الحكومة الأميركية، تسأل: «هل بوتين هو هتلر الجديد؟».


صار واحدا من جوانب تشخيص شخصية بوتين هو دوافعه الشخصية لغزو أوكرانيا: هل هي الوطنية؟ أم الصحوة المسيحية؟


مال ديفيد إغناتيوس، كاتب عمود مخضرم في صحيفة «واشنطن بوست»، إلى كون بوتين «مسيحيًا مولودًا من جديد». وأن ذلك عكس حياته السابقة، خاصة وظائفه في مجالات التجسس، والاستخبارات. ركز إغناتيوس على أن بوتين صار يكرر أهمية العودة إلى الأخلاق المسيحية، ليس فقط في روسيا، ولكن، أيضا، في بقية الغرب.


في الجانب الآخر، جادل الأميركي جيمس كرابفل، أستاذ التاريخ في جامعة ماكفيل  (في مونتريال، في كندا) بأن دافع بوتين الأول هو السير على خطى الإمبراطورة كاترين العظيمة (توفيت عام 1796) التي وسعت روسيا، وجعلتها واحدة من أقوى دول أوروبا.  


لكن بوتين نفسه، في خطبه الأخيرة حول أوكرانيا، لم يفصل بين إلهامه الوطني، وإلهامه الديني. أشار مرات كثيرة إلى كاثرين، وقال إنها هي، نفسها، كانت مدفوعة بالمسيحية. لكن، لا يتفق التاريخ مع بوتين في قوله هذا. لم يكن سرا أن كاثرين أهملت الأديان، ناهيك عن مغامراتها الجنسية مع عشيق بعد عشيق، استغلتهم كلهم لتوسيع إمبراطوريتها.


اليوم، بعد حوالي 200 عام، قال بوتين إن غزوه لأوكرانيا جزء من مهمة تاريخية ذات شقين: توسيع روسيا، وحماية المسيحية.
فيما يلي مقتطفات من آراء كل من إغناتيوس وكرابفل، من تغريداتهما، ومواقعهما، وكتاباتهما في الصحف.

ديفيد إغناتيوس: بوتين المسيحي
لم يركز الإعلام الغربي على أن شخصية بوتين أكثر تعقيدًا من الصورة النمطية المعتادة له كضابط سابق في الاستخبارات السوفياتية. وكحالم بإعادة الحياة إلى الاتحاد السوفياتي.


الحقيقة هي أن بوتين شيء مختلف كثيرا: إنه مسيحي أرثوذكسي متشدد. إنه ليس ملحدًا...

ديفيد إغناتيوس


في عام 2014، عندما غزا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، شدد على جذوره الدينية. وقبل أسبوعين عندما خاطب ملعبًا مليئًا بأنصاره في موسكو، تحدث عن واجبه الديني في «إنهاء معاناة هؤلاء القوم (الأوكرانيين) ». واقتبس من الكتاب المقدس: «لا يوجد حب أعظم من أن يضحي الإنسان بحياته من أجل أصدقائه».


بالنسبة لنا، نحن في الغرب، تبدو كلمات بوتين هذه مزيجا من الكفر والنفاق. أليس هو الذي يقصف المدارس، والمستشفيات، وأماكن تجمع اللاجئين؟...


لكن، صار واضحا أن بوتين يؤمن بهذه الهوية المتناقضة. ويرى فيها خلاصه الروحي هو نفسه.


حسب أكثر من كتاب عن بوتين، يكرر الإشارة إلى والدته، ماريا. ويصفها بأنها «شديدة التدين». وأنها  نجت من حصار قوات هتلر النازية مدينة لينينغراد (الآن، سانت بيترسبيرغ) خلال الحرب العالمية الثانية. وأنها مشت فوق جثث متناثرة.


وعندما ولدت ابنها فلاديمير عام 1952، عمدته مسيحيا في طقوس سرية، خوفا من جبروت الحزب الشيوعي السوفياتي...


وحسب أكثر من كتاب عن بوتين، عندما كان صبيا، كان يعلق على رقبته صليبا من الألومنيوم أعطته والدته له. لكنه لم يفعل ذلك خلال سنوات عمله في أجهزة الأمن والاستخبارات.


لكن في عام 1993، عندما زار إسرائيل مع وفد استخباراتي، علق صليبا على رقبته، وصلى عند حائط المبكى تذكارا لوالدته...


من المفارقات أن مركز شغف بوتين بالكنيسة الأرثوذكسية هو مدينة كييف، عاصمة أوكرانيا. حسب تاريخ هذه الكنيسة، أسسها، في عام 988، القديس فلاديمير، بعد أن تحول من الإلحاد إلى المسيحية. وخلال عقود من قمع المسيحيين الأرثوذكس، على أيدى الملحدين، والكاثوليك والبروتستانت، كانت مدينة كييف هي قلعتهم.


هكذا، توحدت روسيا وأوكرانيا كشقيقتين متدينتين.  


ولهذا، كرر بوتين عن الأوكرانيين: «نحن شعب واحد»، وكأنه يقول إن غزوه الدموي هو خلاص ديني...

 جيمس كرابفل: بوتين وكاثرين العظيمة
في عام 2014، في خطابه عن ضم شبه جزيرة القرم، استشهد فلاديمير بوتين بأحداث من القرن الثامن عشر. في ذلك الوقت، كانت تحكم روسيا الإمبراطورة كاثرين الثانية العظيمة (1729- 1796) التي استولت على شبه الجزيرة (كانت تابعة للخلافة العثمانية). أيضا، استولت على ما يعرف اليوم بروسيا البيضاء، والتي كانت جزءا من تحالف بين بولندا وليتوانيا.


وبعد غزوات أخرى، بعد 21 عاما، استولت على أراض تقع اليوم في روسيا البيضاء وأوكرانيا.  وبعد عامين، نجحت في فصل ليتوانيا عن بولندا. مما مهد لابتلاع ليتوانيا...

جيمس كرابفل


لم يبدأ التدخل الروسي في الانتخابات الأجنبية في عام 2016 (في الولايات المتحدة). في القرن الثامن عشر، خلال حكم كاثرين، حكمت بولندا ملكية دستورية تجرى انتخابات من وقت لآخر. بل كانت تنتخب ملوكها. وكانت كاثرين تتدخل وتؤثر على الانتخابات لصالح مرشحين حلفاء لها.
في عام 1764، كان واحد من هؤلاء المرشحين البولنديين هو ستانيسلو بوناتوفسكي، عشيقها.  تدخلت كاثرين، وفاز ملكا على بولندا.


هكذا، صارت بولندا مسرحا لغراميات وغزوات كاثرين. في وقت لاحق، تمرد عليها العشيق، وأعلن استقلال بولندا استقلالا كاملا عن روسيا.  لكن، سارعت كاثرين، ونظمت ميليشيات أغرقت بولندا في حرب أهلية استمرت عشرين عاما...
بعبارة أخرى، وعلى خطى كاثرين، يبدو أن بوتين لا يريد الاكتفاء بأوكرانيا- إنه يريد بولندا أيضا...

font change