السعودية والمسؤولية العربية

وزير الخارجية السعودي خلال كلمته بالأمم المتحدة

السعودية والمسؤولية العربية

باكو:وساطات دولية ومساعدات إنسانية ورؤى تنموية وجهود سلمية، كل ذلك من أجل الإنسانية وسلامها وأمنها واستقرارها، هذا عنوان الدور السعودي المتميز عالميًا وإقليميًا وعربيًا وإسلاميًا، إذ أثبت التاريخ أن ثمة دولا لا يمكن الاستغناء عنها أـو تجاوز أدوارها أو تجاهل مكانتها، ومن بين أهم هذه الدول تأتي المملكة العربية السعودية التي تبذل جهودًا مستمرة في سبيل الخروج من أزمات عاصفة ومشكلات عاصية وصراعات دامية. وإذا كان هذا هو الموقف السعودي منذ قيام الدولة على يد المؤسس الأول الملك عبد العزيز آل سعود، فإنه هو النهج ذاته التي سارت عليه الأجيال المتعاقبة من أبنائه وصولا إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث تنطلق المملكة في سياستها الخارجية من ثوابت راسخة ومنطلقات واضحة ترفض التدخلات الخارجية والتهديدات المستمرة التي تمارسها بعض الفواعل الإقليمية حيال محيطها الجغرافي على غرار التهديد الذي تمثله إيران سواء على مستوى سياستها الخارجية وتدخلاتها الإقليمية ومخاطرها النووية أو على مستوى وكلائها المنتشرين في بعض دول جوارها العربي على غرار ما هو موجود في العراق ولبنان واليمن، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ مواقف حاسمة وتبني سياسات صارمة رافضة للسياسات الإيرانية وتدخلاتها، مؤكدة في الوقت ذاته أن أمن الجوار العربي واستقراره يأتي ضمن المسؤولية الإنسانية التي تتحملها المملكة في الدفاع عن سيادة الدول العربية واستقلالها ورفض التدخل في شؤونها، معبرة عن هذا الموقف بعديد السياسات؛ بدءا من تقديم المساعدات والدعم، مرورًا باستقبال اللاجئين والمشردين، وصولًا إلى طرح المبادرات والحلول السياسية والأمنية الهادفة إلى تمكين الدولة الوطنية بحكومتها الشرعية من إدارة مقدراتها والحفاظ على ثرواتها وتوظيف مواردها على النحو الذي يعود بالنفع على أبناء الأمة العربية.


ومن هذا المنطلق، يأتي الحديث عن الجهد السعودي المتميز الذي بذلته المملكة على مدار الأيام القليلة الماضية في الساحة الأممية على هامش انعقاد القمة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أثمرت المشاركة السعودية الفاعلة سواء في الكلمة الرئيسية أو الجهود المضنية في بناء التوافقات دوليًا وإقليميًا حيال عديد القضايا والأزمات الدولية والإقليمية بل والوطنية كذلك، كما عبر عن ذلك الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الجاري (2022)، إذ أكد على أن: «المنطقة في أمسّ الحاجة إلى تضافر الجهود من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار، وتوفير مستقبل أفضل يلبي تطلعات الشعوب في التنمية والازدهار»، وهو ما تجسد بشكل جلي في جهود المملكة العربية السعودية في ملفين رئيسيين، هما: الملف اللبناني والملف اليمني، وذلك عبر عقد لقاءات مع الأطراف الفاعلة في الملفين بهدف الخروج برؤى إقليمية ودولية تُسهم في معاونة الأطراف الوطنية في البلدين (لبنان واليمن) على إيجاد حلول وشيكة لأزماتهما المعقدة، وهو ما يستعرضه التقرير من خلال محورين على النحو الآتي:

حظي لبنان بدعم سياسي وإنساني منذ عقود من المملكة العربية السعودية

لبنان.. بيان ثلاثي يدعم الدولة الوطنية في مواجهة ميليشيا حزب الله
«رسالة البيان السعودي الأميركي الفرنسي المشترك، هي اتفاق الطائف الذي هو المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي في لبنان»، بهذه العبارة المقتضبة عبر وليد بخارى السفير السعودي في لبنان في تغريد على حسابه عبر «تويتر»، عما خرج به لقاء دولي ثلاثي جمع وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك لمناقشة الملف اللبناني، حيث تضمنت العبارة مقطعا من البيان الصادر عن هذا اللقاء والتعبير عن رؤية الفاعلين الدوليين الأكثر انغماسًا في الأزمة اللبنانية مع الفاعل الإقليمي الأكثر تفاعلا ودعمًا للشعب والدولة اللبنانية، حيث اتفق البيان مع توجهات السياسة الخارجية السعودية تجاه لبنان والتي أشار إليها بشكل واضح الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية في كلمته السابق الإشارة إليها، حيث أكد على: «أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واتفاق الطائف»، وهو ما جاء معه البيان في تأكيد أطرافه الثلاثة على دعم بلادهم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، مطالبين الأطراف اللبنانية من أجل عبور الأزمة التي تكاد تعصف بمستقبل دولتهم، العمل على ما يأتي:
أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وفق الدستور اللبناني، وانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية.
تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية اللازمة لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية، وتحديداً الإصلاحات الضرورية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
الدعم الكامل للبنان لتنفيذ كافة الإصلاحات الأساسية التي تعد حاسمة لمستقبل الاستقرار والازدهار والأمن.
التأكيد على دور القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي اللبناني المسؤولين عن حفظ سيادة لبنان واستقراره، مع أهمية استمرارهما بالقيام بدور أساسي في حماية الشعب اللبناني.
التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680)، و(2650) والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، مع أهمية الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.

السعودية أكبر داعم للعمل الإنساني في اليمن

اليمن.. بيان رباعي يؤكد على الشرعية السياسية في مواجهة الهيمنة الحوثية
«المجموعة الرباعية» وصف جديد لجمع دولي تشكل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر (أيلول) 2022 لمناقشة الوضع في اليمن ومستقبل الدولة اليمنية في ظل إرهاب حوثي تتزايد وتيرته ويتسع حجم خطره، ضمت المجموعة فاعلين دوليين (الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة) وآخرين إقليميين (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، صدر عنها بيان مهم تضمن حزمة من الحقائق المعبرة عن مواقف الدول الأكثر فعالية في الأزمة اليمنية وتطوراتها، إذ اتسقت مفردات البيان مع مفردات السياسة السعودية حيال الأزمة اليمنية والتي عبر عنها الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية في كلمته السابق الإشارة إليها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أكد على التزام المملكة بدعم كافة الجهود الرامية لتثبيت الهدنة وتمكين مجلس القيادة الرئاسي من أداء أدواره، وصولا إلى تحقيق السلام المستدام بين الأشقاء في اليمن على أساس المرجعيات الثلاث ومنها قرار مجلس الأمن 2216، وأن المملكة تستمر في دورها القيادي كأكبر داعم لتلبية الحاجات الإنسانية والتنموية للأشقاء في اليمن، وهو ما تضمنه البيان فيما ورد فيه من التزامات تعهدت بها الأطراف كافة، وهي: الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، الوقوف إلى جانب الشعب اليمني من خلال الجهود المبذولة لإنهاء الصراع ووضع حد للأزمة الإنسانية المستمرة، دعم مجلس القيادة الرئاسي لضمان تماسكه ونجاحه في استمراره للعمل على تحسين الخدمات الأساسية والاستقرار الاقتصادي. هذا إلى جانب ترحيب البيان بما حصده الشعب اليمني منذ بدء الهدنة بين الأطراف المتصارعة في الثانى من أبريل 2022، مؤكدا على أهمية دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبرغ الرامية إلى تمديد الهدنة وتوسيع نطاقها في 2 أكتوبر (تشرين الأول) القادم (2022)، مع التنفيذ الكامل لكافة شروط الهدنة، وأن يكون وقف إطلاق النار الدائم والتسوية السياسية الدائمة تحت رعاية الأمم المتحدة، على أن تستند هذه التسوية إلى المراجع المتفق عليها وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.


وفي السياق ذاته، طالب البيان جماعة الحوثي بأهمية تنفيذ تدابير بناء الثقة المتفق عليها مع الحكومة اليمنية، بما في ذلك تسهيل تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة، واستئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه، وفتح الطرق الرئيسية حول تعز والاتفاق على آلية مشتركة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، رافضين في الوقت ذاته الاستفزازات التي تقوم بها جماعة الحوثي، سواء تلك المتعلقة بتعزيزاتها العسكرية على غرار العرض العسكري الأخير في الحديدة والذي انتهك اتفاق الحديدة، أو هجماتها العسكرية التي من شأنها عرقلة تنفيذ الهدنة الموقعة مع الحكومة الشرعية. مؤكدة في ختام بيانها على ضرورة الاجتماع بشكل دوري ومنتظم لمناقشة قضايا اليمن بصفة خاصة وتهديدات الأمن الإقليمي الأوسع على وجه العموم.
جدوى القول إن المملكة العربية السعودية هي الفاعل الإقليمي الرئيسي الذي لا يمكن تجاهله في إدارة ملفات دول المنطقة وقضاياها، فالمكانة السياسية والقيمة الاقتصادية والرمزية الدينية التي تحظى بها المملكة على مدى تاريخها، أهلتها لأن تصبح لاعبا إقليميا مهما في مختلف القضايا والأزمات التي تشهدها المنطقة ودولها، بما يجعل من مقاربتها حيال هذه الأزمات والمشكلات أقرب المقاربات الواقعية التي تتفهم حقائق الماضى وأحداثه، وتعالج قضايا الحاضر وصراعاته، وتستقرئ مسارات المستقبل ومآلاته. فالسعودية تقف اليوم في مقدمة الدول القادرة على النظر برؤية فاحصة وعين متعمقة لما يمكن أن يؤول إليه مستقبل دول المنطقة في عالم مليء بالتحولات والتقلبات والتغيرات، بما يجعل من السياسة السعودية هاديًا نحو الأمن والاستقرار.

font change