لبنان على عتبة «الفراغ».. وخوف من الفوضى

أيام قليلة ويدخل لبنان في فراغ رئاسي

لبنان على عتبة «الفراغ».. وخوف من الفوضى

بيروت: بين «شبح التعطيل» و«حكم الفراغ» يدخل لبنان على عتبة نهاية عهد مع انقضاء المهلة الدستورية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) والتي يتحوّل معها المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة، في مرحلة مترافقة مع مؤشرات توحي بأن إخفاقات الأطراف السياسية تُمهّد لدخول البلاد في  سيناريو بات ملازماً للاستحقاقين الرئاسي والحكومي، ما لم يكن التوافق وتقاسم الحصص قد أنضج تسوية تُخرجه من نفق فوضى تلوح في الأفق، بحكم الوضع المعيشي الهشّ وغياب الحلول بفعل شروط تحول دون ولادة حكومة كما انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
جلسات تلو الأخرى في المجلس النيابي لم تفلح في بلورة صورة الرئيس العتيد بحكم اللاتوافق الذي يحول دون اكتمال نصاب الإنتخاب في البرلمان ويطيح بأمل يبدو أنه بعيد، في مشهد يتماهى مع عرقلة مستمرة منذ قرابة 3 أشهر في موضوع تأليف حكومة تم تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي بتشكيلها، إلا أن شروط الفريق الحاكم تُكبّل ولادتها، على الرغم من اللقاءات المتتالية والمفاوضات المستمرة بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يزال متمسكاً بمعايير تضمن لصهر العهد جبران باسيل ما يريده ليحكم بالوزارة مع حلفائه، وهذا ما لم يقبله الرئيس المكلّف حتى الآن.
لا تزال مواقف القوى السياسية على حالها في الملفين، مما يؤشر إلى أن الحكم سيكون لحكومة تصريف الأعمال، وهذا يعني وفقًا للدستور اللبناني، لا سيما المادة 64 أنها حكومة لا تستطيع أن تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وهو ما فسره مجلس شورى الدولة على أنه كل ما هو مُلحّ أو يرتبط بمهل دستورية أو قانونية وكل ما لا يلقي أعباء مالية جديدة على الدولة، كالأعمال العادية بطبيعتها، أي القرارات اليومية الروتينيّة التي تعدّها المراجع الوزارية المختصة والتي يوقّعها الوزير ببساطة بعد الاطّلاع عليها، والأعمال المهمة أي القرارات التي لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال اتخاذها إلا في حالات الطوارئ، لكن مع ضرورة خضوع هذه القرارات إلى الرقابة القضائية لمجلس شورى الدولة.
مفهوم تصريف الأعمال لاحظته الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني في معرض الحديث عن صلاحيات رئيس الحكومة، إذ جاء فيها: «يجري رئيس الوزراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس الوزراء ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة 30 يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال»، إلا أن المادة لم تتطرق إلى مفهوم تصريف الأعمال الذي يبدأ مساره مع إعلان رئيس الجمهورية قبول استقالة الحكومة ورئيسها، ويستمر في ظل عدم وجود مُهل لحث الرؤساء على القيام بواجباتهم الدستورية، ما يؤدي باستمرار إلى أزمات دستورية وفراغ، فهل ستتولى حكومة تصريف الأعمال سدّة الحكم لفترة طويلة؟!

حكومة تصريف الأعمال ستدير البلد.. وتخوّف من فوضى!
وسط حركة دبلوماسية لافتة ومواقف خارجية حازمة داعية إلى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، تتكثّف الاتصالات للتوصل إلى تحديد من سيكون الرئيس التوافقي، إلا أن الدخان الأبيض لم يتصاعد بعد ليزيل الضبابية عن الأجواء الملبّدة، بدليل ما أفرزته جلسات انتخاب الرئيس الأخيرة، ما يُعبّد الطريق أمام الفراغ ليكون «سيد القصر» في بعبدا في المرحلة المقبلة، كما أن أسهم تأليف الحكومة قبل نهاية العهد ليست مرتفعة إلا إذا حصلت «معجزة» في الساعات الأخيرة، ما يعني قيام حكومة تصريف الأعمال بأعباء إدارة الدولة في حال الفراغ ، إذ إنه من غير المنطقي الرضوخ لمفهوم الفراغ المطلق في السلطة والقبول به لحين تشكيل حكومة جديدة، لا سيما في ظل انعدام الاستقرار اجتماعياً واقتصادياً كما سياسياً وأمنياً، وفي الإطار أكد الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب لـ«المجلة» على أن «البلد حكماً سيصل بعد أسبوعين إلى الفراغ الرئاسي، كما الاستمرار بالفراغ الحكومي، طالما لا يوجد أفق لتشكيلها بسبب الشروط العونية العالية السقف التي يقدمها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل».
ولفت إلى أنه «بعد 31 أكتوبر، فإن صلاحيات رئاسة الجمهورية ستؤول حكماً إلى رئاسة الحكومة، ولو كانت حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة ميقاتي».
وقال: «المؤسسات بحكم الدستور لا تعرف الفراغ، وهذه الحكومة هي التي ستدير البلد إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتُجرى استشارات نيابية ملزمة وتُشكّل حكومة جديدة»، لافتاً إلى أنه «من الواضح اليوم أن كل المساعي التي تُبذل من أجل تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية عهد ميشال عون باءت بالفشل».

يوسف دياب


وشدد دياب على أن «الرهان هو على ما بعد الفراغين الرئاسي والحكومي، في أن تكون هناك اتصالات داخلية وخارجية متسارعة كي لا يطول أمد الفراغ الرئاسي وأن يُنتخب رئيساً للجمهورية بتوافق داخلي وغطاء إقليمي ودولي، وهذا ما يُعمل عليه في هذه المرحلة، وبحسب كل التوقعات فإن مسألة الفراغ الرئاسي لن تطول لأشهر طويلة، وبغضون شهر أو شهرين كحد أقصى يُمكن أن يُتفق على رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل، وبالتالي تكون البلاد أمام مرحلة جديدة مع عهد جديد وحكومة جديدة لها شروطها، وكذلك أمام عهد جديد خالٍ من التعطيل كما حصل في السنوات الست الماضية، وحكومة جديدة خارج تأثير جبران باسيل وتعطيله الذي كان سمة المرحلة الماضية».
واعتبر أن «البلد سيكون أمام منعطفات عدّة، وثمّة من يعمل على ضبط الوضع بالحد الأدنى كي لا نذهب نحو فوضى اجتماعية ومن ثم أخرى أمنية، وأن لا تستغل بعض الأطراف أو من يصطادون في الماء العكر داخلياً وخارجياً هذا الفراغ لإثارة فوضى بالبلد، وبالتالي أزمة الفراغ لن تكون طويلة، واليوم مؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية تتحضر لهذه المرحلة التي ستكون صعبة ويُرجّح أن تكون على قدر المسؤولية».

«مناكفات» لن تلغي الإطار الدستوري الوحيد الذي يُمثّل السلطة
يعيش لبنان حالة من الترقب في ظل التعثّر في الملف الحكومي، إلا أن كل الاحتمالات لا تزال مفتوحة، فولادة الحكومة قد لا تحصل قبل نهاية العهد على الرغم من المساعي لتذليل العقبات وفتح باب التسوية، والأمور تُطبخ على نار هادئة للوصول إلى فك عقدة من العقدتين المستحكمتين في البلاد بفعل سلطة تسعى لتقسيم الحصص بما يتناسب مع مصالحها، غير آبهة بمعاناة شعب يرزح تحت أتون أزمات على مختلف المستويات، ووفق ما أوضحه  الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة لـ«المجلة» فإن «مجريات الأمور تشير إلى أن حكم الفراغ هو شبه أكيد ويمكن أن يكون لوقت طويل، على الرغم من أن حزب الله الذي يشكل الحكومات في لبنان سيسعى وفقاً لحساباته داخلياً إلى تشكيل الحكومة قبل 31 أكتوبر تاريخ نهاية ولاية ميشال عون، وبالتالي إذا لم ينجح بتشكيل هذه الحكومة فهو سيتفرغ لمعالجة الإشكالات بين حلفائه أي بين عون وباسيل من جهة، وميقاتي وبرّي من جهة ثانية للملمة الخلافات الموجودة بين الطرفين الحليفين الحريصين على عدم تخطي الخطوط الحمراء في العلاقة معه»، مشيراً إلى أنه «في موضوع الرئاسة يبدو أنه لم يحن أوانها بعد بالنسبة للحزب الذي يريد أن يفرض رئيساً بحكم الفراغ والتعطيل، أي رئيساً يتعهد بالحفاظ على السلاح، وبالتالي فإن مشروع حزب الله لهذا الفراغ سيكون أمده طويلاً».

أسعد بشارة


وعن مهام حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ المرتقب، لفت بشارة إلى أن «هناك طرفا واحدا اسمه التيار العوني سيثير بعض المشاكل حول دستورية أو عدم دستورية هذه الحكومة، لكن لن يستطيع أي طرف أن يقول إلا أن تلك الحكومة الحالية، بحكم الفراغ الموجود، هي الإطار الدستوري الوحيد الذي يمثل السلطة في لبنان، وبالتالي سيترافق ذلك مع بعض المناكفات في هذا الموضوع، ولكن ستبقى هذه الحكومة بمثابة حكومة أمر واقع، بغض النظر عن الرأي الدستوري بأنها تصلح حكومة تصريف الأعمال أو لا تصلح لكي تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية، ولكنها حكماً ستكون موجودة ومستمرة».
وشدد بشارة على أن «الوضع الأمني مضبوط بالحد المقبول أي إن مؤسسة الجيش قادرة حتى الآن على احتواء الوضع الأمني ولكن ذلك لن يكون إلى وقت طويل، فمنحنى الانهيار يتزايد وآثار الكارثة على اللبنانيين تزداد، وبالتالي هناك احتمال كبير في أن تشهد البلاد حالات تفلّت أمنية حقيقية وليست بقليلة»، مشيراً إلى أن «الأوضاع حتى الآن تحت السيطرة بحكم الثقة المرتبطة بمصداقية الجيش وقيادته في الاستمرار بالإمساك بالوضع الأمني إلى الحد المقبول الذي يحول دون تفلت الأمور».
وعلى وقع بدء العد العكسي لانتهاء العهد، تتجه المجريات إلى تسلّم حكومة تصريف الأعمال الحالية «سدّة الحكم»، إلا إذا نجح ما يجري خلف الكواليس في الوصول إلى «إخراج» تركيبة حكومية في اللحظة ما قبل الأخيرة، تُخفّف من وطأة الشغور الرئاسي الذي تتعامل معه غالبية القوى الداخلية بأنه حاصل لا محالة.

 

font change