ناجون يبحثون عن ناجين... وطوابير من الجثث

موفدة "المجلة" الى هاتاي تتحدث الى اقارب ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا

أ ف ب
أ ف ب
طفل ناج في مدينة اعزاز السورية

ناجون يبحثون عن ناجين... وطوابير من الجثث

صورة اليد التي ارسلها عاصم زيدان الى مجموعات الاصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي تروي جزءاً من حكاية انقاذ شهدها حي أكإيفلير في مدينة هاتاي التركية. يد منبسطة خرجت وحدها من تحت ركام مبنى من 4 طبقات انهال على من فيه إثر زلزالين مدمرين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا ولبنان فجر الاثنين الماضي وخلّفا أكثر من 8 الاف قتيل ونحو 50 الف جريح ومصاب في تركيا وحدها بحسب هيئة إدارة الكوارث. الجزء الآخر من الحكاية ترويه يدا عاصم وأظافره المهشمة والمدماة وقد استعان بهما فقط لنبش الارض ودحر طبقات الباطون المهدم.

في اتصال هاتفي مع "المجلة" يروي عاصم ما عايشه في الساعات الاولى للزلزال وهو المقيم على بعد 4 أحياء سكنية فقط من سكن أخيه وابن خاله، يقول "مع أول هزة هرعنا الى الخارج ووضعت اسرتي في السيارة واخذتهم الى منطقة مفتوحة تركتهم فيها وعدت اتفقد أخي وابن خالي. المسافة التي لا تبعد الا بضعة دقائق مشيا على القدمين استغرقتني أكثر من ساعة لشدة الدمار والركام. لم أتعرف على الحي. كان قد سوي بالارض تماماً. تعرفت على المبنى بفضل شجرة ليمون بقيت صامدة عند المدخل. اقتربت ورحت أناديهما بالاسم. عشر دقائق كاملة وربما أكثر وأنا اصرخ باسميهما". يلتقط عاصم أنفاسه قبل ان يكمل "سمعت اصواتاً كثيرة من تحت الركام خصوصاً انه لم يكن قد مضى على الزازال اكثر من 3 او 4 ساعات. ولكنها لم تكن لأخي او ابن خالي. تملكتني حيرة هائلة. هل أبدأ بانقاذ الناس قبل أن أقطع الامل منهما؟ فجأة رأيت تلك اليد تتحرك ورافقها صوت خفيض بعيد, عرفت انه احمد ابن خالي".

بدأ عاصم الحفر بيديه العاريتين لاحداث فجوة قد تساعد في سحب الجسم وبقي على هذا المنوال عدة ساعات الى ان وصل شباب آخرون بينهم خالد أخوه الذي سبق وأنقذ نفسه وعاد بالبقية. هكذا التفتت المجموعة الى مصدر بقية الأصوات لانقاذ من يمكن انقاذه.

كان ذلك في وقت لم تصل فيه بعد فرق الانقاذ الى أحياء المدينة وهو ما لم يحدث عملياً حتى اليوم الثالث من الكارثة التي ألمت بعشر مدن جنوبية, هاتاي واحدة منها. وعلى رغم ذلك, لا تزال هناك حتى الساعة مناطق بكاملها لم يصلها فريق انقاذ او اسعاف وسط تضاؤل الامل بخروج احياء. حالة من الرعب والصدمة جعلت فرق الانقاذ المحلية تتوجه الى الاماكن الاقرب اليها, فيما المستشفى الجديد الذي لم تمض سنتان على تشغيله خرج عن الخدمة بشكل كلي بسبب الاضرار التي المت به والمستشفى الاكاديمي (الحكومي) بقي يعمل بنصف الطاقة.

الاعتماد في الانقاذ كان بشكل كبير على المبادرات الفردية التي قام بها ناجون بحثاً عن ناجين من عائلاتهم ومعارفهم. ويقول هادي الحاصودي, وهو أحد الشباب الذين شاركوا بعمليات الانقاذ "الدمار أكبر من اي قدرة حكومية أو أهلية على استيعابه على الفور. المشافي الميدانية والنقاط الطبية عبارة عن مساحات تجتمع فيها العائلات الناجية والجثث والجرحى جنباً الى جنب. الممرات ممتلئة بجثث وضعت داخل اكياس وليس من يتعرف عليها لليوم الثالث على التوالي".

ويوضح هادي إنه تم ايفاد قاض وممثلين عن الشرطة الى حيث الجثث ليقوم من يتعرف على فقيد له بتسجيله علماً أن اليومين الأولين شهدا سحب جثث من دون اي اجراءات قانونية أو تسجيل رسمي بالاعتماد فقط على تعرف الاهل. ويقول "كان على البعض معاينة عشرات الجثث قبل التعرف على فقيدهم، فيأخذونه ولكن المشكلة الاخرى انه ليس من مدافن".

وكشف الحاصودي الذي فقد 3 من افراد عائلته ولا يزال اخرون منها ضمن قوائم المفقودين، إن فتح معبر باب الهوى ساهم في ارسال اكثر من 100 متوف الى داخل سوريا علماً ان المعبر فتح حالياً للجنازات فقط وتصطف فيه السيارات الخاصة المحملة بالجثث على جنب السائق وفي المقعد الخلفي والصندوق، في طوابير مزدحمة.

وكان الحاصودي المقيم في بلدة الريحانية التي تبعد مسافة 40 دقيقة بالسيارة عن مدينة هاتاي، توجه مع شباب من المنطقة لتفقد الاضرار وتقديم المساعدة ويقول "استغرقتنا الطريق أكثر من 3 ساعات ونصف عبرنا خلالها اراض زراعية لان الطرق الرئيسية والجسور كلها متصدعة ومهدمة من دون ان نتمكن من الاتصال بأحد لانقطاع الكهرباء والاتصالات واعتمدنا على معرفتنا بالاحياء ومن يقطنها. لعل تجربتنا السورية في الحرب منحتنا بعض الخبرة في الاستجابة السريعة والمبادرة الذاتية".

 

كشف الحاصودي الذي فقد 3 من افراد عائلته ولا يزال اخرون منها ضمن قوائم المفقودين، إن فتح معبر باب الهوى ساهم في ارسال اكثر من 100 متوف الى داخل سوريا علماً ان المعبر فتح حالياً للجنازات فقط وتصطف فيه السيارات الخاصة المحملة بالجثث على جنب السائق وفي المقعد الخلفي والصندوق، في طوابير مزدحمة

 

فيصل الاسود مدير مكتب غازيعنتاب لفريق ملهم التطوعي، احد اكبر الجمعيات السورية العاملة على في الداخل السوري وفي تركيا، قال لـ "المجلة" "نقوم بالتنسيق مع كافة المبادرات المحلية والجمعيات عبر غرفة طوارىء مشتركة والعمل في تركيا مفتوح للجميع ولا يقتصر على جنسية معينة. لكن الكارثة في سوريا كبيرة وتحتاج دولاً للمساعدة". وبلغت التبرعات لفريق ملهم في اليومين الاولين ضمن الاستجابة السريعة أكثر من 2 مليون دولار بحسب الاسود الذي اعتبر ان التحدي الاكبر الان هو في البحث عن المفقودين وربط افراد الاسر ببعضها البعض في ظروف جوية سيئة جداً وقدرة تواصل شبه منعدمة. 


وإلى كارثة الزلزال والعاصفة الثلجية عاشت تلك المناطق المنكوبة أيضاً انقاطاعاً تاماً للاتصالات الخلوية والانترنت والكهرباء فيما لم تجد كثيراً محاولات وضع اعمدة تغطية مؤقتة الا في مناطق ضيقة جداً. وفي المقابل عمدت شركة توركسيل المحلية المخدمة للخليوي الى فتح الاتصالات مجاناً وتمديد مهل تسديد الرسوم للمتأخرين عنها اسبوعاً كاملاً إضافة الى حزمة من الرسائل والانترنت المجاني. كذلك قامت شركة الخطوط الجوية التركية بفتح الرحلات المجانية للمواطنين من المدن العشرة المنكوبة في محاولة لتسهيل خروج الناجين نحو عائلاتهم او معارفهم في مدن أخرى. وعرضت على موقعها الالكتروني التركي كيفية التواصل واقامة الحجوزات.

ولكن ذلك بدوره أثار غضباً كبيراً لدى غير المواطنين المقيمين في تلك المدن وخصوصاً من السوريين وهم الاغلبية في تلك المناطق والذين لا يمكنهم الاستفادة من هذا العرض. وبدأ منذ اليوم تسيير حافلات للسفر البري عبر الولايات القابلة للوصول اليها سواء بشكل مجاني/ اسعافي أو بأسعار تذاكر مخفضة جداً.  


وكشف حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له هذه المدن وكيفية سقوط الابنية فيها حيث مال بعضها بشكل جانبي وسقط عامودياً فيما بعضها الاخر انهارت فيه الطوابق العليا على السفلى كشف طريقة البناء وعدم مراعاة كثير من الابنية لقانون العام 1999 الذي وضع عقب زلزال ازميت المدمر وراح ضحيته آنذاك نحو 17 الف شخص. 


ومنذ ذلك العام، تجدد تركياً دورياً قوانين البناء ويفترض انها تتشدد في تطبيقها وخصوصاً في المناطق المعرضة للزلالزل وابرزها اسطنبول. واعيد اليوم فتح نقاش قديم متجدد حول الفورة العمرانية الهائلة التي تشهدها مدن كثيرة والاعتماد الاقتصادي المفرط على القطاع العقاري من دون مراعاة شروط السلامة بالاضافة الى عدم التشدد في منح تراخيص البناء او في مراقبة تطبيقها. 


وتعود صلاحيات مراقبة الابنية الى البلديات ولكن السكان احياناً يستعينون بلجان خبراء لتقييم ابنيتهم ورفع التقارير الى البلديات من اجل وضعها على لوائح الابنية التي يجب ان تحظى بأولوية التدعيم او اعادة  البناء. ولكن يبقى إن اسطنبول تحظى بحصة الاسد من المتابعة والجهوزية والميزانيات والدورات التدريبية المتاحة مجاناً وعلى الانترنت على كيفية الاستجابة للزلازل والتعامل معها بالاضافة الى الاليات القانونية المرافقة لها. وأحد ابرز تلك المشاريع, الى جانب وحدة ادراة الكوارث (AFAD), هو "مشروع اسطنبول للتخفيف من مخاطر الزلازل والتأهب للطوارئ (ISMEP) " (2006-2025) الذي يعمل بتمويل من البنك الدولي والاتحاد الاوربي وجهات دولية بميزانية تبلغ 1,5 مليون يورو, يهدف الى فحص المباني ومراقبتها وكيفية تطبيق كود الزلازل وساتراج التراخيص الى جانب اعداد المواطنين للاستجابة السريعة حيث بلغ عدد المتدربين عبر هذا البرنامج مليون و600 الف شخص. 
 

font change