تتار القرم يتطلعون لاستعادة موطنهم

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
القيادي البارز بين تتار القرم مصطفى جميليف

تتار القرم يتطلعون لاستعادة موطنهم

كييف – "يمكنا استعادة شبه جزيرة القرم بسرعة، ولكن فقط إذا حصلنا على الأسلحة اللازمة" قال مصطفى جميليف، المعروف أيضا باسم "ابن القرم"، لـ "المجلة" إن "الحديث عن تحرير شبه الجزيرة يفترض الخوض في الحاجة إلى أسلحة أجنبية،" نظرا لوجود "حوالي 145 هدفا عسكريا" روسياً في شبه الجزيرة، ولأن "أوكرانيا لا تستطيع التعامل مع هذا النوع من المعركة بدون تلك الأسلحة".

ومساء العشرين من مارس / آذار اعلنت وزارة الدفاع الاوكرانية ان ضربة دمرت صواريخ "كاليبر" الروسية الجوالة في شبه جزيرة القرم من دون ان توضح من نفّذ الهجوم. أضافت الوزارة ان الصواريخ الروسية كانت تُنقل على متن قطار في بلدة دجانكوي حيث يقع واحد من اهم مطارين عسكريين روسيين، وفقا لمصادر وزارة الدفاع البريطانية.

وقال القيادي البارز بين تتار القرم: "لقد أصبحت شبه جزيرة القرم نوعا ما قاعدة عسكرية بوجود كمية هائلة من الأسلحة"، بل إن مصادره تخبره "أن فيها أسلحة نووية أيضا." وأوضح أن "أوكرانيا قد حررت بالفعل خيرسون، وهي أقرب مدينة إلى شبه جزيرة القرم" وبالتالي فإن عملية استعادة شبه الجزيرة يمكن أن تبدأ قريبا.

وشدّد على أن "دول (حلف شمال الاطلسي) الناتو تمتلك هذه الأنواع من الأسلحة"، لكنها "تخشى أن تهاجم أوكرانيا الأراضي الروسية، ما قد يؤدّي إلى اندلاع حرب عالمية جديدة".

من جانبه، قال الرئيس الحالي لمجلس تتار القرم، وممثل الجماعة في كييف، رفعت تشوباروف، لـ "المجلة" إن "القرم هي أداة للنفوذ الروسي على البحر الأسود وما وبعده، بما في ذلك سوريا،" وإن استعادتها ستكون مهمة لأوكرانيا ككل.

وتابع جميليف، الذي يُعتبر على نطاق واسع الزعيم الأعلى لتتار القرم، إن أوكرانيا بحاجة إلى "صواريخ يتراوح مداها بين 300 و350 كيلومترا".

القرم هي أداة للنفوذ الروسي على البحر الأسود وما وبعده، بما في ذلك سوريا، وإن استعادتها ستكون مهمة لأوكرانيا ككل.

الرئيس الحالي لمجلس تتار القرم، وممثل الجماعة في كييف، رفعت تشوباروف

"الأسطورة الحية" وهواية جمع الأسلحة

وجلس جميليف لأكثر من ساعة في أواخر فبراير/شباط مع "المجلة" في مكتبه لإجراء حوار موسّع حول الهجوم المستقبلي لاستعادة شبه جزيرة القرم.

وتطرّق إلى المناقشات التي أجراها مع كل من الرئيسين الروسي والتركي، معبّرا عن شعوره كمسلم، من ناحية، وحبه للبنادق والأسلحة الأخرى، من ناحية أخرى – وإن سارع للتأكيد أنه لم يستخدمها أبدا ضدّ أي شخص.

وكان وزيرا الدفاع والداخلية الأوكرانيان قدّما لجميليف أسلحة كهدايا في السنوات الأخيرة مع مستند يؤكّد أن تلك الأسلحة هي "لحماية حقوق الإنسان،" وابتسم وهو يضيف في حديثه لـ "المجلة" أن الكثير من الأوكرانيين يعرفون ولعه بالأسلحة.

يبلغ جميليف 79 عاما، ويعتبر أسطورة حية، فهو الرئيس السابق لمجلس شعب تتار القرم – الذي صنفته روسيا كمنظمة متطرفة – وعضو البرلمان الأوكراني منذ عام 1998.

يُعتبِر التتار المسلمون السنّة الناطقون بإحدى لغات المجموعة التركية شبه جزيرة القرم وطنهم، وهي تتمتع بمكانة استراتيجية مرتفعة، وقد حاربت إمبراطوريات مختلفة لعدة قرون في سبيل السيطرة عليها.

في عام 1783، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم مستولية عليها من الإمبراطورية العثمانية. فيما ارتبطت الحرب التي عرفت باسم حرب القرم (1853-1856) وقتها بالتقدم التكنولوجي في الحرب بما في ذلك الانتاج الواسع للبنادق وبناء خطوط السكك الحديدية لنقل الإمدادات.

وضمت روسيا شبه جزيرة القرم مجددا في عام 2014 في مستهل الصراع بينها وبين أوكرانيا الذي شهد تصعيدا هائلاً في فبراير/شباط من العام الماضي عندما غزت روسيا الأراضي الأوكرانية.

وقد عانى التتار مثل جميليف منذ فترة طويلة من الاضطهاد. ونتيجة لعمليات الترحيل الجماعي لمئات الآلاف منهم في عهد زعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين، لم يبق من تتار القرم في شبه الجزيرة أكثر من 12 ٪ من السكان، في العام 2014.

وكانت عائلة جميليف من بين أولئك الذين تم ترحيلهم عام 1944 إلى الأراضي التي تقع حاليا في أوزبكستان، وكان عمره في حينها عاما واحدا فقط. وأمضى فيما بعد 15 عاما من حياته في السجون نتيجة لنشاطه السياسي.

شيلي كيتلسون
القيادي البارز بين تتار القرم مصطفى جميليف

التفكير في قنوات الهجوم الوشيك على القرم

رأى جميليف أن هناك طريقتين عسكريتين محتملتين لبدء تحرير شبه جزيرة القرم. تتطلّب الأولى، كما قال، "هجومًا عبر خيرسون [التي احتلتها روسيا في مارس/آذار 2022 لكن أوكرانيا استعادت السيطرة عليها في نوفمبر/تشرين الثاني]، لكن هذا الخيار يستدعي عبور نهر واسع وسيكلف آلاف الخسائر بين الجنود الأوكرانيين، والحكومة الأوكرانية تثمّن حياة البشر عاليا".

أما الثانية فستكون، برأي جميليف "عبر مدينة ماريوبول [المحتلّة حاليًا من روسيا]."وأردف أن "القائد العام للقوات المسلحة هو من سيتخذ القرار بالطبع، ولكنني أعتقد أن الهجوم سيبدأ من كلا الاتجاهين في نفس الوقت".

وفقًا لمسح أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع (KIIS) بين 22 فبراير/شباط و6 مارس/آذار، "يعتقد غالبية المشاركين في الاستطلاع – 64٪ – أن أوكرانيا يجب أن تحاول تحرير الإقليم بأكمله، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، حتى وإن تسبب ذلك في خطر انخفاض الدعم من الغرب وخطر استمرار الحرب مدة أطول".

عانى التتار مثل جميليف منذ فترة طويلة من الاضطهاد. ونتيجة لعمليات الترحيل الجماعي لمئات الآلاف منهم في عهد زعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين، لم يبق من تتار القرم في شبه الجزيرة أكثر من 12 ٪ من السكان، في العام 2014

الحديث مع تركيا وروسيا

عندما بدأ الصراع بين روسيا وأوكرانيا في عام 2014، كانت الخطوة الأولى من قبل روسيا هي ضمّ شبه جزيرة القرم قبل الانتقال إلى أجزاء من منطقة دونباس.

وقال جميليف لـ "المجلة" إنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الهاتف لأكثر من 45 دقيقة في ذلك العام.ووفق جميليف: "قال بوتين إن مشاكل شبه جزيرة القرم ستحل لأن روسيا دولة غنية"، وإنه يريد أن تصبح شبه جزيرة القرم جزءا من الاتحاد الروسي.

فردّ عليه جميليف: "إذا كنت تريد أن تفعل شيئا جيدا، فعليك أن تسحب جنودك،" مضيفا: "إذا كانت روسيا ترغب فعلا في حلّ هذه المسألة فعليها أن تتحدث إلى الحكومة الأوكرانية."

وعندما شنّت روسيا غزوها واسع النطاق عل أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022، قال جميليف إنه عُهِد إليه بالسفر إلى تركيا لمدة شهر وإنه شارك في مفاوضات لتزويد أوكرانيا بالأسلحة.

الطائرات بدون طيار والإسلام

وقال جميليف إن بعض المفاوضات التي أجراها في تركيا في أوائل عام 2022 كانت مع مسؤولين تنفيذيين من شركة "بيرقدار" التركية، التي تشتهر بإنتاج الطائرات بدون طيار (درون).

وتحظى طائرات بيرقدار TB2بدون طيار بشعبية كبيرة في أوكرانيا، بسبب دورها في تدمير أنظمة المدفعية والعربات المدرعة الروسية. بل إنها، حسبما ذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية في أوائل مارس/آذار من هذا العام، صارت موضوعا لأغنية وطنية انتشرت بسرعة في أوكرانيا تسخر من القوات الروسية، مع جوقة تردد "بيرقدار، بيرقدار."

وقال جميليف لـ "المجلة" إنه أجرى نقاشاً مع مالك شركة بيرقدار العام الفائت حول كمية طائرات بيرقدار بدون طيار التي يمكن تأمينها لأوكرانيا، موضحا أن المالك "اتصل بمديره العام وطلب منه الاتصال بوزارة الدفاع التركية لإخبارهم بتزويد أوكرانيا بما يحتاجون إليه".

ووفق جميليف، رفض المالك الخوض في دفع ثمن الطائرات، وحين سمع أن "الأوكرانيين لم يدفعوا ثمن طائرات بيرقدار التي تسلموها سابقا، أكد المالك عبر الهاتف: "لا تتحدث عن المال رجاء. الناس يموتون. سنتحدث عن المال عندما تنتهي الحرب." أضاف مبتسماً "بالنسبة لي، هذا هو الإسلام الحقيقي." وشدّد على ذلك بقوله: "قد لا أعرف كل شيء عن الإسلام ، لكنني أعرف ذلك: عندما يكون هناك صراع بين مجرم وضحية أو بين الشر والخير، لا يمكن للمسلم أن يكون محايدا."

شيلي كيتلسون
الرئيس الحالي لمجلس تتار القرم وممثل الجماعة في كييف رفعت تشوباروف 

الرئيس الحالي لمجلس تتار القرم

أما الرئيس الحالي لمجلس تتار القرم، تشوباروف، فقد أمضى بدوره جزءا كبيرا من طفولته في أوزبكستان. وقال في حوار مع "المجلة" في كييف إنه خدم في وقت لاحق في الجيش السوفياتي، حيث يتذكر أنه لم يكن يتناول كفايته من الأكل لشهور طويلة، لأنه كان يتجنّب لحم الخنزير الذي يقول إنه كان يقدم عادة للجنود باعتباره الخيار الوحيد، وذلك التزاما بتعاليم عقيدته الإسلامية.

وأشار إلى أنه حتى قبل ستالين، حاولت الإمبراطورية الروسية "تدمير تتار القرم" وهذا هو سبب وجود عدد كبير من الشتات. وزعم أن "عدد تتار القرم في تركيا وحدها يتراوح بين 3 و5 ملايين."

في عام 2016، صنّفت روسيا المجلس منظمة متطرفة بسبب ما وصفته "استخدام الدعاية العدوانية والكراهية تجاه روسيا، والتحريض على القومية العرقية والتطرف في المجتمع".

 وقال تشوباروف لـ "المجلة": "إن روسيا مستمرّة في اعتبارنا إرهابيين" على الرغم من الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2017.

تشكّلت في القرم وحدات متطوعين من المقاتلين في عام 2014، وحاول مجتمع تتار القرم تكوين وحدة عسكرية بين شبه جزيرة القرم وخيرسون. ولكن السلطات الأوكرانية لم تأذن بذلك وقتذاك، لأنها كانت تخشى بدء حرب أكبر


مصطفى جميليف

ابن القرم يأسف لقرار أوكرانيا عدم مقاومة روسيا في 2014

وقال جميليف لـ"المجلة": "كنت أعتقد أن أوكرانيا ستطلب من مواطنيها مقاومة الغزو الروسي منذ أن أن ضمت الأخيرة شبه الجزيرة في عام 2014. وكان تتار القرم مستعدين لذلك، لكن هذا القرار لم يتخذ".

وأوضح أن "الكثير من السفارات وممثلي الدول الغربية اتصلوا وطلبوا منهم عدم المقاومة، قائلين إن احتلال القرم ستجري تسويته سلميا. ولكن بعد سنوات عديدة ... يمكنك أن ترى أن الأمر ليس كذلك." وأضاف أن زعماء تتار القرم طلبوا من أفراد مجتمعهم عدم مغادرة شبه الجزيرة بعد احتلالها، لكن عشرات الآلاف قدموا على أي حال إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.

شيلي كيتلسون
أكياس رمل مكدسة بالقرب من مبنى عام في لفيف، أوكرانيا. 1 مارس 2023.

وقال: "تشكّلت في القرم وحدات متطوعين من المقاتلين في عام 2014، وحاول مجتمع تتار القرم تكوين وحدة عسكرية بين شبه جزيرة القرم وخيرسون. ولكن السلطات الأوكرانية لم تأذن بذلك وقتذاك، لأنها كانت تخشى بدء حرب أكبر."

وأصدر قائد الوحدة بيانا مفاده أنه إذا بدأت روسيا التطهير العرقي في شبه جزيرة القرم، فسوف يعبرون الحدود من جديد. وضمت هذه الوحدة مقاتلين راغبين في تنفيذ هجمات انتحارية.

لكن جميليف بيّن أن هذا الأمر "كان يخيف الحكومة الأوكرانية في ذلك الوقت."

على الرغم من أن جميليف معروف بدعمه المبكر للأعنف، إلا أنه قال لـ "المجلة": "يمكنك استخدام أساليب اللاعنف وطرقه من أجل الحقوق المدنية داخل أي بلد. ولكن إذا غزت دولة أجنبية أراضي بلدك، فإن من واجب أي مدني حمل السلاح والرد على ذلك."

font change

مقالات ذات صلة