اسرائيل: الصراع حول طبيعة الدولة وليس وجودها

إسرائيل تواجه تهديدا من الداخل

Reuters
Reuters
إسرائيليون يحملون لافتات وأعلام دولتهم خلال مظاهرة في تل أبيب مناوئة للحكومة وتعديلاتها القضائية. 25 مارس/آذار 2023.

اسرائيل: الصراع حول طبيعة الدولة وليس وجودها

تبدو إسرائيل عند مفترق طرق في ظل الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي على خلفية محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقويض مكانة السلطة القضائية (المحكمة العليا) لصالح السلطة التشريعية التي يسيطر عليها ائتلافه الحكومي (ليكود + الأحزاب الدينية)، الأمر الذي ينجم عنه إعلاء شأن يهودية الدولة على نظامها الديمقراطي، وتغليب طابعها الديني على طابعها العلماني.

إذا استثنينا مناصري نتنياهو وأحزاب الائتلاف الحكومي، فإن معظم الإسرائيليين يرون في تلك الخطوة محاولة لانقلاب سياسي ولتسيّد نظام من الديكتاتورية والفاشية و"الأبارتايد"، ما يهدد بنشوب نوع من حرب أهلية، بدليل التظاهرات العارمة والمستمرة والصاخبة التي شهدتها المدن الإسرائيلية في الأسابيع الماضية وتخللتها اشتباكات مع الشرطة ومع جماعات من المتطرفين الإسرائيليين المتدينين والقوميين.

أهمية التوصيف بالديكتاتورية والانقلاب والأبارتايد والفاشية أنه لم يعد يصدر عن جهات فلسطينية فقط، إذ بات ذلك يشمل شخصيات وجهات إسرائيلية حتى من بين تلك المحسوبة على اليمين. بل إن حال إسرائيل، في ظل حكومة المتطرفين من مثل وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش ووزير الأمن ايتمار بن غفير ونتنياهو نفسه، باتت مبعث قلق أيضا لحلفاء إسرائيل الإستراتيجيين والتاريخيين، في الغرب، بخاصة الولايات المتحدة.

بداية، يفترض التنبيه هنا إلى أن الأزمة الراهنة في إسرائيل تدور أساسا تحت سقف البيت، بمعنى أنها تخصّ علاقات اليهود في إسرائيل بعضهم ببعض، ورؤيتهم لذاتهم وعلاقاتهم في العالم ولا تخص علاقة إسرائيل بالفلسطينيين (في كل أماكن وجودهم) ولا علاقتها بمحيطها، إلا بما يؤثر عليها أو يمسّ بها، وبصورتها في العالم. لكن ذلك لا ينفي وجود أصوات إسرائيلية تقرن بين المسألتين، وتعتبر التطرف، أو التحول، نحو تقليص هامش الديمقراطية والليبيرالية امتدادا للتطرف في السياسة الاستعمارية والعنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

أهمية التوصيف بالديكتاتورية والانقلاب والأبارتايد والفاشية أنه لم يعد يصدر عن جهات فلسطينية، فقط، إذ بات ذلك يشمل شخصيات وجهات إسرائيلية حتى من بين تلك المحسوبة على اليمين.

تناقضات إسرائيل قديمة وجديدة

وكانت إسرائيل، منذ قيامها (1948)، عرفت التناقضات بين الغربيين والشرقيين والعلمانيين والمتدينين واليسار واليمين. إلا أن التناقض العلماني ـ الديني ظل الأكثر تأثيرا، بحكم أنها بررت إقامتها بالدين، وفقا لمعتقدات يهودية عن الوعد الإلهي ("أرض الميعاد")، لاستقطاب يهود العالم، وبحكم أن الصهيونية كحركة سياسية علمانية اعتبرت اليهودية بمثابة قومية، ما شكل علامة ضعف وتشويش في المكوّن العلماني للإسرائيليين، وقوة مضافة للمكوّن الديني عندهم.

وقد تفاقم ذلك الأمر بتداخل البعد الديني بالبعد الإثني، إذ انضوت غالبية الجمهور الاشكينازي (اليهود الغربيين) في الأحزاب اليمينية الوسطية والأقرب إلى اليسار (بالمفهوم الإسرائيلي)، بينما انضوت غالبية الجمهور السفاردي (اليهود الشرقيين) في الأحزاب الدينية والقومية اليمينية.

المهم أن ذلك التناقض ظل في إسرائيل منذ إقامتها، طوال 75 عاما، لكنه توسع باستيلائها على باقي فلسطين في الضفة وغزة (في حرب يونيو/حزيران 1967)، باعتبار أن التيارات اليهودية الدينية والقومية حققت حلمها في ما تعتبره "أرض إسرائيل الكاملة"، و"أرض الميعاد".

EPA
متظاهرون يرفعون صورا لنتنياهو تحمل شعار"لن ننسى، لن نسامح" خلال مسيرة ضد خطط الحكومة لتغيير النظام القضائي. تل أبيب، 25 مارس/آذار 2023.

نجم عن ذلك ظهور تناقض آخر، بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، أو بين دعاة "تكامل الأرض"، الرافضين لأي تنازل للفلسطينيين (ليكود ومن معه)، والمطالبين بالاستيطان في كل شبر في الضفة والقدس، وبين دعاة "وحدانية الشعب"، الذين يعطون الأولوية لهوية الدولة ونقائها، كدولة يهودية، تحسبا من خطر "القنبلة الديموغرافية" (الفلسطينية)، ومن خطر الاحتلال والضم، الذي يؤدي إلى إقامة دولة ثنائية القومية، وإثارة شبهات حول إسرائيل بوصمها بالعنصرية (أبارتايد)، والذي يشكك في نظامها الديمقراطي.

يقول المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند: "الديمقراطية اليهودية" تشبه دول شرق أوروبا من ناحية المركزية العرقية، إذا كانت الدولة اليهودية بين 1948 و1967 قد ميزت ضد الأقلية العربية، فإنها منذ 1967 سيطرت على شعب كامل منزوع السيادة الذاتية ومحروم من الحقوق الأساسية، المدنية والسياسية. الاحتلال سمم قواعد الأخلاق الصهيونية التي كانت هشّة من البداية." ("هآرتس"، 11/3/2023).

خصخصة إسرائيل ونظامها السياسي

والحال، فإن التناقض ظل يتعمق مع الزمن، في المجتمع الإسرائيلي، بالتضافر مع تطورات أخرى خارجية (العولمة ـ انتهاء زمن الحرب الباردة، انحسار الصراع العربي الإسرائيلي، عقد اتفاق أوسلو)، وداخلية، ناجمة عن موجة الخصخصة وتراجع المؤسسات العامة (الهستدروت، الكيبوتزات، الموشاف، القطاع العام)، وانحسار دور الدولة لصالح الشركات، وهو ما تم التعبير عنه بإزاحة حزب العمل (الماباي سابقا) الذي أسس الدولة، لصالح حزب ليكود والأحزاب اليمينية القومية والدينية المتطرفة، وهو المسار الذي ترسخ أكثر منذ ما بعد الانتفاضة الثانية (2000)، وتقويض اتفاق أوسلو.

يلخص ابراهام بورغ (من قادة حزب العمل ورئيس الكنيست سابقاً)، ذلك بقوله: "في إسرائيل ثلاثة حروب باردة وهي الصراع بين الاستقلال اليهودي والنكبة الفلسطينية، والتوتر البنيوي بين السيادة الحاخامية والديمقراطية، والحرب بين المحافظة الراسخة والليبيرالية المنفتحة، وجدّ هنا تفوق عرقي، احتلال فاسد، ديانة يهودية... ومبدأ "شعب الله المختار"، الذي يناقض مبدأ الديموقراطية" ("هآرتس"، 17/12/2022).

"الديمقراطية اليهودية" تشبه دول شرق أوروبا من ناحية المركزية العرقية، إذا كانت الدولة اليهودية بين 1948 و1967 قد ميزت ضد الأقلية العربية، فإنها منذ 1967 سيطرت على شعب كامل منزوع السيادة الذاتية ومحروم من الحقوق الأساسية، المدنية والسياسية. الاحتلال سمم قواعد الأخلاق الصهيونية التي كانت هشّة من البداية.

المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند

بديهي أن تكون نتائج الانتخابات للكنيست الخامس والعشرين (نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، التي رجحت كفة الليكود والأحزاب الدينية، بزعامة نتنياهو، بعد جمود سياسي وخمسة انتخابات متوالية (بين 2019 و2022)، شجعت نتنياهو وحليفيه سيمتريتش وبن غفير للمضي في انقلاب سياسي يستهدف، في آن واحد، زعزعة السلطة القضائية وتغليب يهودية الدولة والتخلص من فكرة التسوية مع الفلسطينيين، باعتبار أن لإسرائيل حقا في كل الأرض من النهر إلى البحر.

فقد جرى التأكيد في وثيقة الخطوط العريضة للائتلاف الحاكم حاليا، أن "للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتقويض على كل مناطق أرض إسرائيل. ستدفع الحكومة الاستيطان وتطوره في كل أنحاء أرض إسرائيل، في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

وجاء في تلك الخطوط أيضا أن "الحكومة ستنفذ خطوات من أجل ضمان القدرة على الحكم وإعادة التوازن اللائق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية"؛ كمحاولة للحد من السلطة القضائية (المحكمة العليا)، التي تتهم أنها صرح للعلمانية، لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ديمقراطية وديكتاتورية... علمانية ودينية!

في المحصلة، أثار ذلك التوجهُ النصفَ الثاني من المجتمع الإسرائيلي، وهو يشكل النصف فعلا (وفقا لإحصائيات الانتخابات)، وللضغط على حكومة نتنياهو إلى حد أن رئيسي حكومة سابقين طرحا شعارات من نوع: "يجب إسقاط هذه الحكومة قبل فوات الأوان"، "فلنخرج، جميعاً، ضد هذه الحكومة قبل انهيار الديمقراطية"، الأول أتى من يائير لابيد، رئيس الحكومة السابق، وزعيم حزب "يش عيتيد" ("هناك مستقبل")، ثاني الأحزاب الإسرائيلية (24 من 120 مقعداً في الكنيست).

يقول لابيد "إذا لم تسقط هذه الحكومة، فلن يكون في إمكان إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية ليبرالية. سنحاربهم بكل الوسائل. سنصرخ ونتظاهر ونقاتل. هذه الطريقة الوحيدة للانتصار" ("هآرتس"، 14/1/2023).

EPA
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحضر جلسة تصويت على مشروع قانون الإصلاح القضائي في الكنيست، في القدس. 22 مارس/آذار 2023.

أما الشعار الثاني فطرحه إيهود باراك (رئيس الحكومة الأسبق 1999 ـ 2001)، وهو الذي قضى على اتفاق أوسلو، من موقعه آنذاك في زعامة حزب العمل ورئاسة الحكومة. يقول باراك: "هذا حلف فاسدين مع عنصريين. واجب كل مواطن الكفاح في سبيل الوطن وفي سبيل المساواة، وفي سبيل أخوة الإنسان، كرامته، حقوقه، وحريته" ("يديعوت"، 13/1/2023).

بدوره حذّر الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ من المسار الذي تشقه حكومة نتنياهو، بقوله: من يعتقد أن حربا أهلية حقيقية هي حد لن نصل إليه، فهو لا يفهم" (16/3/2023).

للتوضيح هنا، فإن برنامج نتنياهو هو ذاته برنامج الأحزاب الدينية، وهو ما حاول تمريره مذ تبوأ منصب رئيس الحكومة، في ثلاث حقب، الأولى من 1996 ـ 1999، وفي تلك الحقبة تم تقويض اتفاق أوسلو ومشروع "النظام الشرق الأوسطي الجديد"، والثانية من 2009 ـ 2021 وفيها تم إقرار قانون أن إسرائيل دولة قومية لليهود حصرا (2018)، والثالثة الحالية من أواخر 2022.

في هذا المجال ترجم نتنياهو عقيدته السياسية التي تتمحور حول إسرائيل الكبرى، القائمة على التلاقح بين اليمين القومي والديني، وأمن الدولة اليهودية أولاً، وإبقاء السلطة الفلسطينية في حدود الحكم الذاتي المقيّد، وعند مشروع "السلام الاقتصادي" الذي يعضد فكرته عن الليبرالية الاقتصادية المتوحشة. يقول الصحافي والكاتب الإسرائيلي بن كسبيت: "إسرائيل في سياقات تفكك متسارعة، ونتنياهو هو المفكك الرسمي، وبن غفير وسموتريتش هما مساعداه الناشطان في المجال الأمني... التفكك سريع وجذري. إن عصبة المنفلتين التي أودعنا الحلم الصهيوني في أيديها لا تترك حجراً واحداً لا تقلبه." ("معاريف"، 13/3/2023).

في إسرائيل ثلاثة حروب باردة وهي الصراع بين الاستقلال اليهودي والنكبة الفلسطينية، والتوتر البنيوي بين السيادة الحاخامية والديمقراطية، والحرب بين المحافظة الراسخة والليبرالية المنفتحة. وجدّ هنا تفوق عرقي، احتلال فاسد، ديانة يهودية ومبدأ "شعب الله المختار"، الذي يناقض مبدأ الديمقراطية

ابراهام بورغ - قيادي في حزب العمل ورئيس الكنيست سابقاً

هكذا بدا نتنياهو وحلفاؤه، لدى عديد من أصحاب الرأي في إسرائيل، بمثابة خطر على الإسرائيليين، إذ يقول تسفي بارئيل: "لخصت نتائج الانتخابات الرؤية التي صيغت بتصميم ودقة، وكان الهدف منها القضاء على العلاقة الكاذبة بين "اليهودية" و"الديمقراطية"، وصوغ وحش إثني – فاشيّ" ("هآرتس"، 2/11/2022).

أما يوسي هدار، ففي رأيه أن "إسرائيل آخذة في التفكك. لم يعد الحديث يدور فقط عن التوترات بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، المركز والمحيط. هذه المرة يدور الحديث عن كانتونات حقيقية، في غياب حوكمة وفقدان سيادة. تعيش إسرائيل منذ نشأتها تهديدات لا تتوقف من الخارج. التهديد الأخطر هذه المرة، هو التهديد الوجودي، هو من الداخل" ("معاريف"، 23/12/2022).

ما حصل هو في نظر ناحوم برنياع بمثابة "ثورة، انعطافة تاريخية ستغير وجه الدولة بداية النهاية لعصر الصهيونية الليبرالية والعلمانية الإسرائيلية" ("يديعوت"، 5/11).

لعل ما يفاقم مشكلة إسرائيل أن ذلك يحصل والعالم يتغير من حولها، إذ لم تعد تلك الدولة المدللة تماما كما كانت في الغرب (وضمنه الولايات المتحدة)، وانتهى احتكارها صورة الضحية، بانكشافها كدولة استعمارية وكمعادية للتسوية، وتستخدم القوة، والقوانين العنصرية، لقمع الفلسطينيين ووأد حقوقهم المشروعة، حتى التي اعترف لهم العالم بها.

Reuters
وزير المالية الإسرائيلي وزعيم الحزب الديني الصهيوني بتسلئيل سموتريتش أثناء وصوله مقر الحكومة لحضور الاجتماع الأسبوعي في مكتب رئيس الوزراء في القدس. 5 مارس/آذار 2023.

ديموقراطية لليهود وعنصرية إزاء الأغيار!

لكن ذلك لا يغطي على مشكلة أخرى، ومفادها أن ضعف إدراكات معارضي نتنياهو إلى أن التطرف والكراهية إزاء الآخر (الفلسطينيين)، يرتدان عليهم، إذ إن تقلص هامش الديموقراطية والليبيرالية في المجتمع الإسرائيلي ذاته سينقل عدواه إلى علاقة التيارات الإسرائيلية بعضها ببعض، مع إدراك تعذر معالجة الوجه الأول، الخاص بالتأزم بين إسرائيل العلمانية والدينية، أو بين إسرائيل اليهودية (التمييزية أو العنصرية) وإسرائيل الديموقراطية  التي يفترض أنها دولة مواطنين، من دون إيجاد معالجة مناسبة للوجه الثاني، المتمثل في طبيعة إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية، تسيطر على شعب آخر، حتى وفق تعريفات منظمات دولية، وحتى بحسب تعريفات صادرة عن شخصيات إسرائيلية.

هذا ما يؤكده شلومو ساند، ففي رأيه "لن تقوم قائمة للديموقراطية الليبيرالية المستقرة بدون دمج فعال ومساواتي للفلسطينيين في كل إطار سياسي في المستقبل. إذا بدأنا في الموافقة على هذا الدمج فربما لن يكون ذلك مجرد حلم" ("هآرتس"، 11/3/200023).

ويعبر عن ذلك جدعون ليفي، بشجاعته الأخلاقية، بقوله: "لا ديموقراطية يعيش فيها خمسة ملايين شخص من دون مواطنة ودون حقوق... إسرائيل لم تعد ديموقراطية... الاحتلال تحول إلى جزء لا يتجزأ منها" ("هآرتس"، 16/1/2023).

وعليه، فإن خطاب الانتفاض الإسرائيلي ضد حكومة نتنياهو هو خطاب قاصر، لأنه لا يرى إلا جزءاً من المشكلة، أي الجزء الخاص به، إذ هو لا يرى الاحتلال ولا الاستيطان ولا العدوان على شعب آخر، يمثل نصف البشر الموجودين بين النهر والبحر، في الضفة وغزة والقدس ومن "مواطني" إسرائيل المفترضين (فلسطينيي 48).

لن تقوم قائمة للديمقراطية الليبرالية المستقرة في إسرائيل بدون دمج فعال ومساواتي للفلسطينيين في كل إطار سياسي في المستقبل. إذا بدأنا في الموافقة على هذا الدمج فربما لن يكون ذلك مجرد حلم.

المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند

تفسير ذلك أن كل الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية والحاكمة لا تعترف، أصلاً، لا بالحقوق الفردية ولا الجمعية، لا المدنية ولا الوطنية، لهؤلاء الفلسطينيين، إذ كلها سكتت عن قانون أساس (2018) باعتبار إسرائيل دولة قومية لليهود، حصراً، الذي يجعل الفلسطينيين، حتى من مواطنيها، في منزلة أدنى.

وكلها تعتبر فلسطين "أرض الميعاد"، من النهر إلى البحر، وأن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ليس لهم حق تقرير المصير، حتى حق السكن، والحق في مياه الشرب، وفي التنقل، هو محسوب ومقنن ومقيد، وهو منة من إسرائيل لهم.

Reuters
مظاهرة في تل أبيب للتنديد بالتغييرات القضائية التي يرغب نتنياهو وحلفاؤه في تمريرها. 25 مارس/آذار 2023.

هذا هو واقع إسرائيل بتناقضاتها، مع نتنياهو ومن دونه، إذ لا يمكنها أن تكون استثناءً، في كونها ديمقراطية وتسيطر على شعب آخر، أو حداثية وتستبد بها جماعات ظلامية ومتطرفة، كما لا يمكنها الادعاء أنها دولة مواطنين وتحكمها قوانين تمييزية.

هذا ما يؤكده جدعون ليفي بقوله: "الاحتلال والمستوطنات هزما دولة إسرائيل... هذا جذر كل شر، فيه تكمن بذور السم... وصل إلى صميم قلب الدولة واستوطن فيها... وأفسدها... لو لم يكن هناك احتلال لما كانت هناك مستوطنات. ولو لم تكن هناك مستوطنات لما كان سموتريتش وبن غفير" ("هآرتس"، 13/3/2023).

بل إن ليفي يفضح انفصام، أو قصور، معارضي نتنياهو، الذين لم يضعوا مناهضة الاحتلال وحقوق الفلسطينيين في أجندتهم، ففي رأيه: "لا يوجد خطر على النظام في إسرائيل مثل تحوله ديمقراطيا... في إسرائيل الشعب، صاحب السيادة، يعارض الديمقراطية... لمعظم الإسرائيليين فإن الديمقراطية الحقيقية تعني تدمير إسرائيل. هم على حق. ديمقراطية حقيقية ستؤدي إلى نهاية التفوق اليهودي الذي يسمونه صهيونية، ونهاية لدولة يسمونها يهودية وديمقراطية.. إذا اتبعت هنا ديمقراطية في دولة كل مواطنيها فستحل النهاية على الديمقراطية الوهمية... ليس هناك نضال من أجل الديمقراطية يتجاهل استبدادية الدولة في الساحة الخلفية.. أنتم لا تحاربون من أجل الديمقراطية، أنتم تحاربون من أجل حكومة أفضل في نظركم." ("هآرتس"، 23/3/2023).

font change

مقالات ذات صلة