عرض النصر الروسي علامة على إنهاك طرفي الحرب

بوتين يصر على مواصلة الصراع.. وأوكرانيا تستعد لـ"هجوم الربيع"

عرض النصر الروسي علامة على إنهاك طرفي الحرب

على الرغم من النكسات المهينة التي عانت منها روسيا خلال حربها التي زادت على العام في أوكرانيا، فإن ذلك لم يؤثر كثيرا على عزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على متابعة القتال لتحقيق أهدافه الحربية.

وبدا تصميم الزعيم الروسي على المضي قدما في ما يطلق عليه الكرملين اسم "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، بدا واضحا للغاية في الخطاب الذي ألقاه بوتين في استعراض عيد النصر هذا العام، إحياء لذكرى انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية.

يستخدم الكرملين هذا الاستعراض عادة كفرصة لتقديم عرض هائل للقوة العسكرية الروسية، حيث يستعرض أحدث الأسلحة الروسية في عرض عسكري يقوم به آلاف من الجنود المدربين جيدا في الساحة الحمراء.

ولكن العكس تماما هو ما جرى هذا العام، حيث قُلِّصت استعراضات الحدث بشكل كبير، فلم تُستعرض إلا دبابة واحدة من طراز T-34، وهي من مخلفات الحرب ضد ألمانيا النازية في أربعينات القرن الماضي، فكانت القطعة الوحيدة من الدروع الثقيلة التي ظهرت في مقدمة الاستعراض العسكري، بينما كانت الدبابة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، في مناسبات سابقة، تسير مصحوبة بآليات قتال أحدث. إلا أن المستوى هذه المرة كان أقل بكثير، على الرغم من عرض بعض الدروع الثقيلة، حيث شاركت 51 مركبة فقط في حدث هذا العام مقارنة بـ131 مركبة العام الماضي و197 عام 2021.

يستخدم الكرملين هذه المناسبة لتقديم عرض هائل لأحدث الأسلحة الروسية في عرض عسكري يقوم به آلاف من الجنود المدربين جيدا في الساحة الحمراء

ومع ورود أنباء عن تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة على الجبهة في أوكرانيا، من حيث الرجال والمعدات على حد سواء، فإن قدرة الكرملين على تنظيم نوع من العروض الضخمة للقوة العسكرية كما كان يحدث سابقا في عيد النصر باتت مهمة للغاية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف الأمنية كانت وراء تقليص الحدث لتسهيل منع حدوث أي أعمال تخريبية. ففي الأسبوع الماضي، اتهمت موسكو أوكرانيا بشن هجوم بطائرة مسيرة على الكرملين في محاولة اغتيال فاشلة ضد الزعيم الروسي.

ومع ذلك، فإن حماس بوتين لمواصلة الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا ما زال قويا، وبدا ذلك واضحا في اللغة الحاسمة التي استخدمها في خطابه للأمة الروسية في هذه المناسبة.

من وجهة نظر بوتين، فإن الحرب ضد أوكرانيا لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأراضي الأوكرانية: بل هي بمثابة معركة من أجل مستقبل روسيا نفسها. لذلك، حين خاطب مئات الآلاف من الأفراد العسكريين الذين تم نشرهم لدعم المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا قال: "لا يوجد شيء أهم الآن من جهدكم في المعركة. أمن الوطن اليوم يقع على عاتقكم، ومستقبل دولتنا وشعبنا يعتمد عليكم".

واستخدم بوتين أيضا خطابه، الذي استغرق 10 دقائق في الساحة الحمراء، ليكرر حجته بأن الغرب، وليس روسيا، هو المسؤول في النهاية عن اندلاع الحرب في أوكرانيا من خلال محاولاته المستمرة لتوسيع نفوذه شرقا عبر مؤسسات مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

حماس بوتين لمواصلة الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا ما زال قويا، وبدا ذلك واضحا في اللغة الحاسمة التي استخدمها في خطابه للأمة الروسية

وقال أيضا إن "حربا حقيقية شُنّت ضد روسيا"، مضيفا أن الحرب في أوكرانيا وضعت المجتمع الدولي "عند نقطة الانهيار"، في حين أن روسيا "صدت الإرهاب الدولي".

ومع عدم إبداء أي من الطرفين في الصراع أي اهتمام بالسعي إلى إنهاء القتال عبر المفاوضات، تقترب الحرب من منعطف حاسم، حيث يسعى كلا الجانبين إلى كسب المبادرة العسكرية.

وانعكس تصميم روسيا على مواصلة جهودها العسكرية في سلسلة الهجمات الصاروخية الأخيرة التي نفذتها ضد عدد من المدن الأوكرانية، بما في ذلك العاصمة كييف. وفي حين جرى إحباط معظم الهجمات- التي تضمنت أعدادا كبيرة من الطائرات المسيرة إيرانية الصنع- بواسطة الدفاعات الأوكرانية المضادة للصواريخ، إلا أنها أوضحت رغبة الكرملين في مواصلة مهاجمة البنية التحتية الأوكرانية الرئيسة.

كانت أوكرانيا أيضا منهمكة في مهاجمة أهداف روسية رئيسة قبل "هجوم الربيع" الذي طال انتظاره؛ إذ هدف الهجوم الأوكراني على مستودع نفط روسي كبير في شبه جزيرة القرم إلى تعطيل خطوط إمداد الجيش الروسي، واتُهمت أوكرانيا أيضا بتنفيذ المزيد من أعمال التخريب خلف الخطوط الروسية.


ومع ذلك، تبقى هناك تساؤلات جدية حول قدرة كلا الجانبين على تحقيق اختراق عسكري مهم يمكّنهما من إعلان النصر، وبالتالي إنهاء العمليات العدائية.

وعلى الرغم من تبجح بوتين في خطابه خلال استعراض عيد النصر هذا الأسبوع، إلا أن الجيش الروسي ما زال يصارع لإعادة بناء قوته القتالية بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها خلال العام الماضي. وتظهر التقارير الحديثة اليأس الروسي المتزايد، حيث أفادت بأن الجيش الروسي قد تحول إلى تجنيد قوات جديدة من آسيا إذ إنه يجد صعوبة متزايدة في إقناع الشباب الروس بالقتال في أوكرانيا.

وتواجه كييف أيضا صعوبة في الحفاظ على المبادرة التي اكتسبتها في نهاية العام الماضي، عندما نجح الجيش الأوكراني في تحقيق عدد من المكاسب المهمة في الشمال والجنوب، والاستيلاء على محيط مدينة خاركيف وخيرسون على التوالي. يُعتقد أن النقص الحاد في الأسلحة هو السبب في تأجيل كييف "هجوم الربيع" المضاد الذي طال انتظاره لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا في منطقة دونباس، لدرجة أن كثيرا من المعلقين العسكريين يشككون الآن علانية في قدرة كييف على تحقيق المزيد من الاختراقات.

الجيش الروسي لا زال يصارع لإعادة بناء قوته القتالية بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها خلال العام الماضي

ومع عدم قدرة أي من الجانبين- على ما يبدو- على تحقيق اختراق حاسم، تتزايد المخاوف من أن يؤدي الجمود إلى استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، وهو ما أثار خوف كثير من القادة الأوروبيين الذين يخشون أن يتسبب استمرار النزاع في أزمة طاقة أخرى في الشتاء القادم. فقد حذرت شركة "غولدمان ساكس" من أن أسعار الغاز في أوروبا قد تتضاعف ثلاث مرات تقريبا هذا الشتاء، إذا استمر النزاع.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذه النظرة القاتمة في مقابلة نشرتها صحيفة "إل باييس" الإسبانية، حيث حذر من أن مفاوضات السلام لإنهاء الصراع في أوكرانيا "ليست ممكنة في الوقت الحالي". وقال: "من الواضح أن الطرفين مستغرقان تماما في هذه الحرب"، و"مقتنعان بأنهما قادران على الانتصار".

لذلك، يحتاج قادة العالم في مثل هذه الظروف إلى التعود على فكرة أن النزاع في أوكرانيا لن ينتهي قريبا، وإلى اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان حماية مواطنيهم من أي تحديات مستقبلية قد تنشأ عن هذه الحرب الوحشية والمستمرة.

font change