قضايا متنوعة في أفلام سعودية شبابية جديدة

في الدورة التاسعة من "مهرجان أفلام السعودية"

الدورة التاسعة من مهرجان أفلام السعودية

قضايا متنوعة في أفلام سعودية شبابية جديدة

أقامت جمعية السينما بالشراكة مع مركز إثراء الثقافي وبدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية الدورة التاسعة من "مهرجان أفلام السعودية" من 4 إلى 11 مايو/ أيار. ويعدّ المهرجان الذي دشّن عام 2008 من أبرز المنصات الترويجية للأفلام السعودية. لكن ما بين الدورة الأولى والتاسعة عدة اختلافات، أهمها الاحترافية والضخامة اللتان وصل إليهما المهرجان والجوائز المتعددة التي يقدّمها بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من صناع الأفلام.

تندرج جوائز المهرجان ضمن أربعة أقسام كبرى هي "الفيلم الروائي" و"الأفلام الوثائقية" و"أفلام الطلبة" و"السيناريو غير المنفذ" وهذا الأخير يهدف إلى تشجيع كتابة النصوص السينمائية ودعم المهارات الجديدة في هذا المجال.

وتشتمل الجوائز الفرعية على جميع الاختصاصات والمهارات السينمائية من إخراج وتصوير وتأليف، إلى تصميم الصوت والمونتاج والأزياء وغيرها، بما يدعم مختلف الجوانب الفنية للفيلم، ويعكس القناعة بأن الفيلم هو عمل تكاملي يتعدّى وجود سيناريو ومخرج وممثلين، على أهمية هذه العناصر. ولعلّ من الملامح الإيجابية الجديدة في صناعة السينما السعودية تخطّي قوالب السرد المغرقة في التجريد والبدء بمحاولات جادّة لسرد قصص مثيرة للاهتمام بأبطال واقعيين وملموسين.

تقاسم فيلما "أغنية الغراب" لمحمد السلمان و"عبد" لمنصور أسد أغلب الجوائز في فئة الفيلم الطويل. فاستطاع "أغنية الغراب" الظفر بجوائز أفضل تصوير سينمائي وجائزة لجنة التحكيم، كما حصل الممثل عصام عواد على جائزة أفضل ممثل. في حين حصد فيلم "عبد" جوائز أفضل فلم طويل وأفضل سيناريو منفذ وأفضل مونتاج. كما استطاع فيلم "كبريت" تحقيق جائزة عبدالله المحيسن للفيلم الأول، وحقق فيلم "ترياق" جائزتي أفضل فيلم قصير وأفضل تصوير سينمائي. وتمكن فيلم "زبرجد" لحسين المطلق من حصد جائزتي أفضل ممثلة لفاطمة الشريف وجائزة لجنة التحكيم.

في ما يلي عرض سريع لعدد من الأفلام القصيرة التي قُدّمت خلال الدورة الأخيرة من المهرجان، وهي تمثّل عينة صغيرة من عشرات التجارب الجديدة والمواضيع المطروحة التي يناقشها صناع السينما في المملكة، والتي يعدّ "مهرجان أفلام السعودية" منصة مثالية لها.

ما بين الدورة الأولى والتاسعة من المهرجان عدة اختلافات، أهمها الاحترافية والضخامة اللتان وصل إليهما المهرجان والجوائز المتعددة التي يقدّمها بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من صناع الأفلام

"شدة ممتدة" ومحاولات النوم اليائسة

يتمحور فيلم "شدة ممتدة" حول شخصية سامر الذي يصل متأخرا إلى منزله في ساعات الفجر المبكرة، وهو يعاني من نعاس عميق، وكل ما يحتاج إليه هو أن يغلق عينيه ويغفو. لكن المهمة تبدو أصعب من ذلك، إذ تتوالى العقبات أمام سامر ويستمر الناس من حوله بإيقاظه في كل مرة يستسلم فيها للنوم. 

فكرة الفيلم بسيطة ومباشرة جدا، وقد استطاع المخرج سلطان ربيع كسب تعاطف المشاهد مع شخصية سامر، فالهدف البسيط المتمثّل في محاولة النوم بعد سهرة طويلة مع الأصدقاء تستهلك كل طاقة سامر ومخزونه العقلي والنفسي، يجعلنا نقف في صف الشخصية، وهو أمر يصعب على العديد من الأفلام الروائية الطويلة تحقيقه، إذ تجد نفسك خاليا من أي مشاعر تجاه أبطالها بعد مشاهدة كامل الفيلم.

لم يحاول الفيلم تضمين رسائل عميقة أو حوارات فلسفية في مدة عرضه القصيرة، بل إن جميع الحوارات تتمحور حول إيقاظ سامر من نومه العميق، لكن الهدف البريء الذي يتلخّص في محاولة النوم يبدو كافيا لحمل الفيلم، ففي كل مرة يوقظ أحدهم فيها سامر لا تستطيع منع نفسك من الشعور بالإحباط، لأن الفيلم يذكرك بكل نوم هانئ قطعه أحدهم عليك بصورة مفاجئة.

 

"المدرسة القديمة" وقلق التغيير

فيلم "المدرسة القديمة" من إخراج عبدالله الخميس يتحدث عن الموظف بتال الذي يغيب عن مقر عمله في القطاع الخاص لعدة أشهر، وبعد عودته يكتشف الاختلاف الجذري الذي حصل في بيئة العمل. اللغة الإنكليزية أصبحت مطلبا لا غنى عنه، النساء صرن يشاركن الرجال مكاتبهم في بيئة عمل مختلطة، ولسبب ما يبدو أن الجميع لديه تحفظات على برج الأسد.

يبدو سيناريو "المدرسة القديمة" من النصوص القليلة التي يسهل رؤية قابلية نجاحها في التحول إلى فيلم طويل، فالمحتوى مكثّف ويحتمل عدّة أبعاد تتخطّى الفكرة المبدئية لموظف يخشى التغييرات الجديدة. القلق الذي يصاحب أي تغيير أمر طبيعي للغاية، لكنه قد يتحول إلى فزع كامل ويشعر الشخص بأنه فريسة له. 

يجد بتال نفسه أمام تحدّ شبه مستحيل في إحراز درجة عالية في اختبار "الآيلتس" وهو لا يمتلك مخزونا لغويا جيدا في الأساس، وفي الوقت نفسه يجد صعوبة كبيرة في بيئته الوظيفية الجديدة وكيف يتجنّب المواقف المحرجة مع زميلاته في العمل.

ينجح الفيلم في تصوير الاختلافات الاجتماعية في بيئة العمل بين النساء والرجال، وكيف يصبح الموضوع معقدا بالنسبة إلى الرجال الذين تعودوا على مصافحة بعضهم البعض في كل يوم على سبيل المثال. بتال يواجه كل ذلك وهو مقبل على تحدّ كبير يكمن في تقديم العرض في الاجتماع المقبل باللغة الإنكليزية بالكامل.

بتال الذي يأتي من بيئة محافظة ويحب الاستماع للشيلات ويقود سيارة فورد قديمة الطرز، يبدو أنه لا ينتمي إلى هذه البيئة ويعاني باستمرار لكي يتأقلم معها، يعتقد أنه يغرق في هذه البيئة الجديدة تدريجيا لكنه لا يكتشف إلا متأخرا أنه غرق بالكامل في اليوم الذي قرر فيه العودة إلى الشركة.

 

"كبريت".. رمزية مفرطة

يبدأ فيلم "كبريت" للمخرجة سلمى مراد، الحائز على جائزة عبدالله المحيسن للفيلم الأول، بحوار بين شاب والصورة المتخيّلة لمن يبدو أنه طبيبه النفسي، حيث ينصت هذا الأخير باهتمام لكلامه وذكرياته. مع الوقت يتضح أن هذه هي الصورة المثالية التي يتخيلها الشاب عن نفسه، في بدلة رسمية ونظارة أنيقة، يشعل سجائره بأعواد الكبريت وكأنه رجل خارج من حقبة كلاسيكية لا يستخدم فيها المدخنون الولاعات.

إدارة التصوير في الفيلم لافتة في براعتها، وتسهم الديكورات في أن تعكس الحالة النفسية التي وصل إليها البطل، والذي يفترض المشاهد أنه يعاني من اكتئاب حادّ بسبب تكراره لفكرة أنه لا يشعر بشيء. ويبدو التطرّق إلى مسألة الاكتئاب في الفيلم موفقا، إذ أنه من المواضيع النادرة في السينما السعودية والعربية ويستحق تسليط الضوء عليه والنقاش حوله، لكنّ الحوارات جاءت متكلفة بعض الشيء، ولا يبدو أن هناك اهتماما فعليا بتماسك ما تقوله الشخصيات في تلك الحوارات بقدر الاهتمام بمظهرها.

مع مرور الوقت واحتدام النقاش تتضح الطبيعة السوداوية لصورة البطل المثالية عن نفسه، ونرى إلى أي درجة قد يصل كره الذات بمن يعانون مثل هذه الحالة النفسية.

لم يحاول "شدة ممتدة" تضمين رسائل عميقة أو حوارات فلسفية في مدة عرضه القصيرة، بل إن جميع الحوارات تتمحور حول إيقاظ سامر من نومه العميق، لكن الهدف البريء الذي يتلخّص في محاولة النوم يبدو كافيا لحمل الفيلم

"ترياق" ومرحلة "الصحوة"

يتحدث فيلم "ترياق" للمخرج حسن سعيد ومن تأليف علي سعيد، وهو الفيلم الفائز بجائزة النخلة الذهبية للفيلم الروائي القصير، عن فنان شعبي يعاني في ممارسة مهنة الغناء التي يعشقها، بسبب عملية في الحنجرة، وفي الوقت نفسه يواجه مجتمعا يدين هذه المهنة وابنا يشعر بالعار منه.

اعتدنا أن نشاهد موضوع الخجل والعار من منظور الأب، خصوصا في سياق المحافظة المجتمعية حينما يكون للابن توجهات فنية لا توافقها طبيعة الأب المحافظة دينيا. لكن أن يكون الأب هو صاحب النزعة الفنية والابن هو من يخجل من هذه التوجهات فذلك أعطى الفيلم نوعا من الابتكار في السرد. القصة تمتلك القابلية لتحويلها إلى فيلم طويل بسبب عمق الموضوع وإمكانية دراسته من عدة جوانب، فمن جهة نجد علاقة الأب وابنه الغير مستقرة بسبب هذه المهنة، وما التضحيات التي يجب على الطرفين القيام بها لإنجاح هذه العلاقة. ومن جهة أخرى هناك علاقة الفنان بزوجته وإمكانية إعطاء مساحة في القصة لهذه العلاقة وكيف تكون نظرة المجتمع الصحوي لزوجة فنان محكوم عليه بالعار. هناك مادة أدبية دسمة تستحق الاستكشاف في خضم هذا الفيلم.

موضوع الصحوة تم استهلاكه بدرجة كبيرة في السينما والتلفزيون، لذلك حينما يتم تقديمه يجب أن يكون هذا التقديم مغايرا وفريدا من نوعه حتى لا يصيب المشاهدين بالملل، خصوصا أن هذه الحقبة تبدو بعيدة بسبب التغير الجذري الذي حصل خلال سنوات قليلة ولن يشعر الجيل الجديد بالارتباط بها بسبب أنهم لم يعيشوا خلالها إطلاقا. ومما يؤخذ على الفيلم أنه لم يستطع مواكبة فكرته الفريدة، وقدمت الصحوة بشكل مكرر. يضع الابن عود والده في كيس قمامة أسود قبل خروجه من المنزل بلحظات، ليواجه الفنان جاره المدخن والذي يسمع الأغاني علنا -في تجسيد حرفي لكل ما ينافي الصحوة- خارج المنزل ويضطر إلى رمي كيس القمامة الأسود لأنه ليس خجلا من مهنته. 

لكن الفيلم، من جهة أخرى، استطاع الاحتفاء بالفن الشعبي بشكل جميل في مشاهد الغناء، خصوصا في أول هذه المشاهد حينما يكون التصوير في إضاءة ساطعة وأجواء حالمة. لكن هناك مبالغة في استخدام مشاهد الغناء لأن الفيلم بوصفه قصيرا لا يمتلك رفاهية الاستغراق في هذه المشاهد من دون تطوير القصة والشخصيات بشكل كاف. وفي ظني أن الفيلم كان يمكنه الإفادة على نحو أكبر من طريقة سرد تهتم بعلاقة الشخصيات في حيز الوقت الضيق عوضا عن الطبيعة التأملية التي تنتج زوايا تصوير جميلة في حين وعشوائية في حين آخر.

يذكر أن حسن سعيد عرض له مع شقيقه علي سعيد فيلم آخر في المهرجان وهو "قصة ملك الصحافة" الذي يستعرض سيرة ومسيرة الصحافي الكبير الراحل تركي السديري، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية.

يبدو سيناريو "المدرسة القديمة" من النصوص القليلة التي يسهل رؤية قابلية نجاحها في التحول إلى فيلم طويل، فالمحتوى مكثف ويحتمل عدة أبعاد تتخطى الفكرة المبدئية لموظف يخشى التغييرات الجديدة


"زبرجد".. رحلة مزدوجة

استطاع حسين المطلق في فيلمه القصير "زبرجد" الحاصل على جائزة لجنة التحكيم، أن يعرض عدة قضايا في وقت قصير وفي قالب مشوّق لا يخلو من الغموض. الفيلم يفتتح مع يحي الذي يقود سيارته عائدا إلى منزل والديه بعدما قرر ترك حياته الجامعية إلى الأبد، مقررا أنه اكتفى من الدراسة الجامعية ومفضلا العودة إلى حضن منزل طفولته ورعاية والديه عوضا عن الانطلاق في رحلته الخاصة.

هذه الفكرة تحديدا مثيرة للاهتمام وتستحق الاستكشاف، لأن يحي ليس أول شخص يُفضل خوض معارك والديه عوضا عن معاركه الخاصة، هناك نوع خاص من الأمان النفسي الذي نجده في الاهتمام بالوالدين ومشكلاتهما مهما بلغت تلك المشكلات من التعقيد، لأن الرضا الذي نستشعره يفوق أي شعور آخر، كما أن هذه الرحلة خالية من الضغوط الناجمة عن القلق من الفشل لأنها ليست رحلتنا الخاصة، بل سوف ينظر إلينا الجميع نظرة تقدير وتعاطف لأننا نضحي بوقتنا وطموحنا في سبيل الوالدين.

يهرب يحي من تعقيد كتبه الدراسية وحياة المدينة إلى بساطة الضاحية وحياة الوالدين الرتيبة، يجد أمانا خالصا في مشاهدة وجه والدته كل صباح ومساء والاعتناء بكل احتياجات والده الذي يعاني من الخرف. لكن الفيلم لا يتوقف عند هذا الحدّ ويضيف عناصر أخرى إلى القصة ليضفي عليها لمسة من الغموض الذي يجذب المشاهدين، ويصبح الفيلم خليطا رائعا من الدراسة الدرامية لشخصية يحي الذي يرفض بداية رحلته في هذه الحياة، وبين الغموض الذي تكتنفه جدران منزل والديه.

شاب الفيلم بعض الضعف في الحوارات التي لم تكن في بعض المشاهد على قدر كاف من النضج القادر على إكسابها درجة أعلى من الواقعية، أي أنها لم تُكسب الشخصيات صوتها الخاص وبدا وجودها مقحما في المشهد. لكن ذلك لم يمنع أبطال الفيلم، وتحديدا فيصل الأحمري وفاطمة الشريف التي حصلت على جائزة أفضل ممثلة في هذه الفئة عن هذا الدور، من الصدوح بصوتهما الخاص من خلال أداء ممتاز ومعبر ومتجانس تخطى حدود الحوارات التي كان من الممكن أن تقيده.

font change

مقالات ذات صلة