الاقتصاد الكويتي يتكئ على العقار وسوق المال

قصور في البيانات ومطلوب تشريعيات لإعادة هيكلة الاقتصاد بما يعزز التنوع

الاقتصاد الكويتي يتكئ على العقار وسوق المال

اتسم أداء القطاعات الاقتصادية في الكويت خلال الأشهر الماضية بعدم الوضوح، وافتقر إلى المؤشرات المقنعة أو على الأقل المطمئنة. تشير التقارير الصادرة عن المصارف والمؤسسات المتخصصة إلى تراجع التداول العقاري وانخفاض معدلات النمو في التسهيلات الائتمانية. كيف يمكن تفسير هذه الأوضاع في وقت ترتفع مخصصات الإنفاق الرأسمالي في الموازنة العامة للدولة؟

ارتفع الانفاق على المشاريع خلال الربع الأول من هذا العام إلى 527 مليون دينار (1,7 مليار دولار)، بنمو 332 في المئة عن مستواه في الربع الأول من عام 2022. شملت هذه المشاريع قطاع الكهرباء والماء ومشاريع الربط الكهربائي لدول الخليج وقطاع النقل والمواصلات. إلا أن التسهيلات المصرفية بلغت 52,4 مليار دينار (170,6 مليار دولار)، منخفضة بشكل طفيف عن مستواها في نهاية العام المنصرم عند 52,5 مليار دينار (171 مليار دولار). وعلى الرغم من ضآلة قيمة الانخفاض، فإن ذلك يمكن أن يكون مؤشراً إلى تراجع الطلب على الائتمان خلال الأشهر المنصرمة.

قصور في البيانات

ما هي المؤشرات التي يمكن اعتمادها لتقييم أداء الاقتصاد الكويتي؟

الكويت ليست الولايات المتحدة التي تتوافر فيها بيانات مدققة إلى درجة كبيرة تصدر بانتظام، أسبوعياً أو شهرياً ودورياً وسنوياً، وتسمح بتحديد ثقة المستهلك، ومعدلات الانتاج الصناعي والزراعي، وتدفقات التمويل وأسعار المستهلك وغير ذلك من مؤشرات أساسية. في الكويت تجد قصورا في أداء الإدارة المركزية للإحصاء، تتعطل على إثره البيانات، خصوصاً الاقتصادية، مما دفع العديد من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى الشكوى من تأخير إصدار البيانات أو انعدامها.

الكويت ليست الولايات المتحدة التي تتوافر فيها بيانات مدققة تصدر بانتظام، أسبوعياً أو شهرياً ودورياً وسنوياً، وتسمح بتحديد ثقة المستهلك، ومعدلات الانتاج الصناعي والزراعي، وتدفقات التمويل وأسعار المستهلك وغير ذلك من مؤشرات أساسية

من جهة أخرى، يمكن الاعتداد ببيانات البنك المركزي للتعرف إلى مؤشرات التمويل للقطاعات الاقتصادية الأساسية مثل القطاع العقاري وقطاع التجارة والتسهيلات الشخصية. فالقطاع العقاري يعتبر من أهم القطاعات غير النفطية ويمكن أن تعكس بياناته مدى حيوية الاقتصاد الوطني أو ركوده. كذلك، يعتبر سوق الكويت للأوراق المالية من أهم قنوات الاقتصاد في الكويت حيث تحدد مستويات السيولة المتداولة مدى ثقة المستثمرين في الاقتصاد والسياسات الحكومية ذات الصلة.

Shutterstock
مشهد أفقي لمعالم ومباني العاصمة الكويت

القطاع العقاري بين تراجع ونمو

تعد بيانات القطاع العقاري مفيدة في هذا السياق، حيث أشار تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، ونشر في 16 مايو/أيار 2023، إلى أن قيمة المبيعات العقارية تراجعت إلى 714 مليون دينار (2,3 مليار دولار)، في الربع الأول من السنة الجارية، وهي تعد الأدنى منذ الربع الثاني من عام 2020، عندما كانت البلاد تعاني من حصار جائحة كوفيد-19. 

أضاف التقرير أن مؤشر أسعار قطاع السكن تباطأ بما نسبته 8,4 في المئة على أساس سنوي. أما قطاع العقار الاستثماري، فانخفضت مبيعاته إلى 254 مليون دينار (827 دولار).

وعزا ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإقراض وبطء انتعاش سوق الإيجارات على الرغم من ارتفاع أعداد الوافدين في عام 2022 بعد انحسار إجراءات الحظر الناتجة من الجائحة. لكن أعداد الوافدين ظلت أقل بنسبة 3,7 في المئة عما كانت عليه في عام 2019 قبل إجراءات الحظر.

وتشير بيانات بنك الكويت المركزي إلى أن قيمة التسهيلات الائتمانية التي منحت للقطاع العقاري حتى نهاية مارس/آذار 2023، بلغت 9,5 مليار دينار (31 مليار دولار)، وهي تمثل 20 في المئة من التسهيلات الائتمانية الإجمالية في الفترة نفسها.

لكن يبدو أن الشركات العقارية الأساسية المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية حققت نتائج طيبة في الربع الأول من السنة الجارية، إذ أظهر إحصاء أعدته جريدة "الجريدة" ونشرته في 18 مايو/أيار الماضي، أن الإيرادات التشغيلية الإجمالية للشركات العقارية المدرجة بلغت 120,2 مليون دينار (391 مليون دولار) في نهاية مارس/آذار من السنة الجارية. وكانت إيرادات الشركات المذكورة في الربع الأول من العام المنصرم 104,2 ملايين دينار (339 مليون دولار)، أي أن الشركات حققت نمواً  بمعدل 15,9 في المئة. 

مؤشر أسعار قطاع السكن تباطأ بنسبة 8,4 في المئة على أساس سنوي، أما قطاع العقار الاستثماري، فانخفضت مبيعاته إلى 827 دولار، بسبب ارتفاع تكاليف الإقراض وبطء انتعاش سوق الإيجارات 

تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني في 16 مايو 2023

تعد الشركات العقارية ذات أهمية في الاقتصاد الكويتي حيث طورت خلال السنوات المنصرمة العديد من المجمعات التجارية والسكنية ومباني المكاتب في مختلف مناطق البلاد، وأحيت عمليات التسويق وجعلتها عصرية ومتنوعة، حيث تشمل المجمعات الجديدة متاجر لمختلف السلع والمطاعم والمقاهي ودور السينما. 

واستفادت هذه الشركات من التسهيلات الحكومية من خلال حصولها على الأراضي بموجب عقود الانتفاع الطويل الأجل (BOT)، في مقابل قيام الشركات بتشييد المباني عليها وإدارتها لأجل طويل قد يمتد إلى عشرين عاماً، لتعيد الأراضي والمباني المقامة عليها بعدها إلى الدولة أو تجدد عقود الانتفاع متى ما توافقت الدولة مع المطورين لصالح المنفعة العامة.

توقعات إيجابية لسوق الأسهم 

لا يزال الاقتصاد الكويتي بعيداً عن الأداء المثالي، نظراً إلى عدم حسم ملفات الاصلاح الاقتصادي وتعثر الحياة السياسية خلال السنوات الماضية. ويعتبر أداء سوق الكويت للأوراق المالية في الربع الأول من السنة الجارية من أهم المؤشرات. فقد شهد السوق انخفاضاً في قيمة تداولات الأسهم المدرجــة بنسبة 38 في المئة، مقارنة مع الربع الأخير من عام 2022، وسجلت 2,64 مليار دينار (8,6 مليار دولار)، مقارنة بـ4,15 مليار دينار (13,5 مليون دولار). 

وانخفض معدل التداول اليومي إلى 43,3  مليون دينار (141 مليون دولار)، مقارنة بـ68 مليون دينار (221 مليون دولار) في الفترة نفسها من العام المنصرم. 

أ.ف.ب.
متداولون وتجار يتابعون حركة أسعار الأسهم في البورصة، في سوق الكويت للأوراق المالية.

بلغت القيمة السوقية الإجمالية للأسهم المدرجة 42,1 مليار دينار (137 مليار دولار)، منخفضة عن مستواها في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022 البالغ 43,6 مليار دينار (142 مليار دولار). إلا أن هناك امكانات لتحسن أداء السوق بعدما أعلنت المصارف نتائج جيدة خلال الربع الأول من 2023، بما يعزز الثقة في النشاط الاقتصادي ويعطي دفعا لأداء مختلف القطاعات. بيد أن الأمر يتطلب اتخاذ قرارات مفيدة وتعديلات تشريعية لصالح إعادة هيكلة الاقتصاد بما يعزز التنوع وتحسين إيرادات الدولة غير النفطية.

font change

مقالات ذات صلة