صيف 1982: إسرائيل تحاصر بيروت وترحّل ياسر عرفات

في بداية سنة 1982 دخلت بيروت روتينا سياسيا مملا، لكنه مزدهر ماليا. المتنقلون بين شطريها لم يكن يشغل بالهم سوى ما يتكبدونه على حواجز التشبيح المسلح

Getty Images
Getty Images
ياسر عرفات في زيارة لفصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت، يوليو 1982

صيف 1982: إسرائيل تحاصر بيروت وترحّل ياسر عرفات

مضت 41 سنة على ذلك الصيف، صيف حصار الجيش الإسرائيلي بيروت واحتلاله أول عاصمة عربية. كان ذلك سنة 1982، لكن صيفها ظل كأنه البارحة. حتى ما جرى في حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 "المجيدة"، أو رمضان، انطفأ في ذاكرتي. فالمآسي تحفر عميقا في الصدر والذهن، أما أشباه الانتصارات فتتبدد لحظة انقشاع النتائج الصفرية.

في بداية سنة 1982 دخلت بيروت روتينا سياسيا مملا، لكنه مزدهر ماليا. المتنقلون بين شطريها لم يكن يشغل بالهم سوى ما يتكبدونه على حواجز التشبيح المسلح.

كنت على موعد مع عيد زواجي الذي بدأت أحتفل به بعد شفائي من إصابتي في معارك فنادق بيروت في بدايات حروب لبنان الأهلية سنة 1976. وسنوات كانت قد مرت على امتهاني عملا جديدا تعلمته من قراءة سريعة لعلوم الكهرباء المغناطيسية والمحولات وتثبيت التيار المتردد. وسرعان ما أنشأت مشغلا للكهرباء المغناطيسية، وصناعة المحولات ومنظمات الطاقة، وسجلته في غرفة التجارة والصناعة ببيروت.

نجحت سريعا في عملي الجديد، ما وفر لي مردودا شهريا يزيد حينها على 10 آلاف دولار، جعلتني مستقلا في رأيي السياسي وثبتت عدم تبعيتي لأحد. وطابت لي الحياة مدمنا على تدخين "روميو وجولييت" صبحا وظهرا ومساء وإلى آخر الليل. أما سجائر "الروثمن" فللضيافة. وكانت مطربتي المفضلة صوتا وصورة الشحرورة صباح، خصوصا وهي تغني: "ضحكتلك وردات الدار وقالتلك أهلا وسهلا".

بيارتة الثمانينيات

كانت قد مرت قرابة خمس سنوات على تركي العمل في السفارة الليبية. وعلاقتي بالحركة الوطنية اللبنانية تقتصر على حضور اجتماعات مجلسها السياسي المركزي الذي كان يترأسه محسن إبراهيم. وكمندوب لتنظيم بيروتي ناصري في حي العرب، كنت أحضر مجلس مدينة بيروت الذي جعل منه ياسر عرفات واجهة لبنانية سماها الحركة اللبنانية المساندة للثورة الفلسطينية. والتنظيمات الناصرية البيروتية كانت تنظيمات أحياء. أعضاؤها يتامى الناصرية، فاحتضنهم عرفات وترك أيديهم طليقة: يد تمتد إليه بصفته أمين القومية العربية وثورتها الفلسطينية، ولتحصل منه على قطع سلاح وبعض المصاريف، ويد تمتد إلى البعث العراقي لتقبض المال.

وظهرت تبايتات داخل الحركة الوطنية اللبنانية اليسارية، موضوعها الإدارة المحلية لبيروت. وقف بيارتة الحركة قائلين: منظمة العمل الشيوعي والحزبان الشيوعي والتقدمي يتمتعون بالفوائد المالية ويسمعوننا أغنية مارسيل خليفة "ياعلي نحن أهل الجنوب حفاة المدن".

AFP
جنود إسرائيليون على متن دبابة في بيروت، 1 يوليو 1982

وكان أولئك البيارتة يؤيدون عراق صدام حسين ضد إيران، سواء كانت شاهنشاهية أم تلبست عمامة. وشماتة البيارتة كانت كبيرة بطأطأة النظام السوري رأسه، بعدما طردت قوات بشير الجميل اللبنانية جيشه من مناطق بيروت الشرقية المسيحية سنة 1978. وحتى في معارك حصار زحلة سنة 1981 كان هوانا البيروتي مع القوات اللبنانية لا مع النظام السوري. كنا متعاطفين مع مدينة زحلة التي حاصرها جيش النظام السوري، لا لكتائبيتها بل لمواجهتها نظام حافظ الأسد.

معارك فنادق بيروت وقصص الخطف والموت إعداما جماعيا في السبت الأسود، 6 سبتمر/أيلول 1975، كانت قد صارت خلفنا سنة 1982. وبقيت للبيارتة ثوابت ثلاثة: فلسطين ولبنانيتهم وعراق صدام حسين.

في بداية سنة 1982 دخلت بيروت روتينا سياسيا مملا، لكنه مزدهر ماليا. المتنقلون بين شطريها لم يكن يشغل بالهم سوى ما يتكبدونه على حواجز التشبيح المسلح


عراضة بيروتية.. إنها الحرب

اتخذت إسرائيل قرار دخول لبنان والوصول إلى بيروت لإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والجيش السوري، بعد اغتيال سفيرها في لندن يوم الخميس 3 يونيو/حزيران 1982. يوم السبت 5 يونيو/حزيران نصب أحمد جبريل- القيادة العامة في الجنوب عددا من المدافع وراجمات الصواريخ وبدأ يقصف الحدود الإسرائيلية. كان قصفه مزايدة سورية على ياسر عرفات الذي كان خارج لبنان يلاحق حجز النظام السوري أسلحة أرسلتها له واحدة من دول المعسكر السوفياتي إلى ميناء اللاذقية، وفيها مدرعات شليكا المزودة برشاش رباعي عيار 14 ونصف ومفيدة ضد الطوافات.

نحن كبيارتة كنا ضد إسرائيل في هدفها الأول، ومسرورين بهدفها الثاني. وضحى الأحد 6 يونيو/حزيران 1982 مرت على علو منخفض طائرتا "إف-16" إسرائيليتين فوق البناية التي أسكنها على جسر سليم سلام ببيروت، وكل طائرة قصفت بصاروخين المدينة الرياضية القريبة.

إنها الحرب.

انتهى مشروع ذهابي مع العائلة إلى البحر. السيارات تنطلق مسرعة في الشوارع مطلقة العنان لمنبهاتها، والناس يهرولون في كل اتجاه... أين راديو الترانزستور؟ أقلِّب إبرته بين الموجات. أناشيد حماسية في إذاعة "صوت الشيغلة" و"صوت لبنان العربي" المحليتين. دعك منهما. أدير الإبرة إلى إذاعة "مونت كارلو". أسمع المذيعة تتحدث عن اجتياح وعبور 400 دبابة إسرائيلية حدود لبنان من الناقورة واقترابها من مخيم الرشيدية الفلسطيني في صور. إذاعة دمشق بدأت قواتها السورية تتصدى لأرتال المدرعات الإسرائيلية وتبيدها. صوت لبنان الكتائبية مندمجة مع الهجوم الإسرائيلي.

اتخذت إسرائيل قرار دخول لبنان والوصول إلى بيروت لإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والجيش السوري، بعد اغتيال سفيرها في لندن يوم الخميس 3 يونيو/حزيران 1982


فجأة يناديني من وسط الشارع صوت سائق الأخ أبو عارف (عصام العرب، المنشق عن تنظيم إبراهيم قليلات الناصري ومؤسس منظمة ناصرية أخرى): "ريس أبو توفيق، أبو عارف بدو ياك (يريد أن يراك) الحرب بلشت (بدأت)"، قال السائق الفلسطيني الجنسية.

كانت التنظيمات الناصرية في بيروت شِلل أحياء. لكل محلة تنظيمها الناصري. وحده تنظيم إبراهيم قليلات (المرابطون) كان منتشرا في بيروت. وقليلات تمرد على صائب سلام بعيد ثورة 1958 الناصرية ضد كميل شمعون. وفي مطلع السبعينات كانت السفارة الليبية ببيروت مقفلة في وجهه. 

في حي العرب بالطريق الجديد، كان عصام العرب مسؤول التنظيم، يقف وسط الشارع وتجمهر حوله أبناء محلته بسلاحهم. يحمل مرافقوه قواذف "بي-7" مع صواريخها في الجعب. بعضهم يصعد إلى عربات الدوشكا وينزل منها، فيما هي مصطفة أمام المقر تغلق الشارع.

وفي مكتبه قال لي العرب، بعدما أغلق الباب خلفه، إن الشباب سيقومون بجولة في أحياء بيروت الغربية، وقرب معبر المتحف  المؤدي إلى الشرقية، ويستكملون الجولة نحو نزلة الرملة البيضاء على شاطئ الغربية، وسأكون معهم لضبطهم. ما إن باشرنا السير بدأ سائقو المحمولات يتدافعون. بعضهم لقّم الدوشكا. آخرون أطلقوا زمور الخطر. نزلت من المحمولة الأولى متذمرا من تصرفهم. على شاطئ الرملة البيضاء كانت العائلات البيروتية تغادر مستعجلة. التقينا موكبا مماثلا يضم شباب تنظيم ناصري في محلة عين المريسة. وكان الأخ منير الصياد مسؤولهم يرافق الموكب.

مكتب مرابطي رأس بيروت أخرج آلياته من "البورة" خلف المكتب إلى وسط الشارع. تعودت على وصف مقرهم بـ"القن"، لكثرة أقفاص الدجاج على سطحة وفي غرفه. هو بيت قديم واسع من طبقتين ويعود إلى الأربعينيات. اشترته عائلة عراقية مسيحية غادرت لبنان أواخر الستينيات.

AFP
جنود سوريون يسيرون باتجاه شاحناتهم خلال مراسم وداع في مطار للجيش اللبناني، 26 أبريل 2005

 

في البورة خلف المبنى أقام مسؤولا القن مصلحة: شبه معمل لصب أحجار البناء وبيعها. وأنا اقتطعت مساحة واسعة من البورة، وأقمت عليها مشغلا لصناعة علب المنظمات الكهربائية. عندما وصل جنود إسرائيليون إلى البورة نهاية ذلك الصيف، ظنوا أن المشغل مصنع قاذفات ولتجهيز السيارات، فخلعوا بابه ودخلوا إليه.

نقلت وسائل الإعلام مشاهد عبور الجيش الإسرائيلي النبطية والصرفند. كانت مشاهد نثر الأرز على الإسرائيليين والتهليل لهم جنوبا لافتة. وبدأت معركة صيدا


الجيران الذين كانوا يكتمون انزعاجاتهم من ضجيج المشغل، اصطفوا على شرفات المباني المطلة على البورة يتفرجون شامتين. كانت علاقتي بـ"القن" والبورة تحكمها القرابة والعلاقات المحلية والمصلحة وتبادل الدعم. كنت دائم الاشتباك مع مقر مرابطي المصيطبة- علي عليوان. لم تكن أسماء المكاتب الحزبية في بيروت تحمل أسماء الأحياء إلا لدى الجاهلين. كانت تحمل أسماء مؤسسيها والقائمين عليها ومدبري حاجاتها. في إحدى هجمات عناصر مكتب عليوان على مكتبنا،  أردينا قنصا أحد عناصره. كان يهم بإطلاق قذيفة "بي-7" نحونا. وعليوان أمي، سائق عمومي سابق، يتعاطى الحشيش. ورث بغضا لبيت جدي جمعة العيتاني وبيت الدامرجي. بغض يعود إلى خمسينيات القرن العشرين. باعثه تنافس على تزعم حي اللجا الشيعي البيروتي.

رستم غزالي 

ظهيرة الأحد 6 يونيو/حزيران توقفنا، نحن ومرابطو رأس بيروت وسط الطريق ربع ساعة. تفاهمنا على لفة مشتركة، سرنا بآلياتنا معا باتجاه حديقة الصنائع، والتفافا من غرفة التجارة في اتجاه وزارة الداخلية. توقفنا قبالة المصرف المركزي، أمام مكتب المخابرات السورية. عناصر المكتب هربوا إلى الداخل. وقف رئيسهم النقيب رستم غزالي (حاكم بيروت ولبنان، لاحقا في عهود ما يسمى الوصاية السورية) أمام درج مكتبه يحدق فينا. لما رآه صهري- كان معنا في العراضة المسلحة ويعرف غزالي- ناداه: "شو يا غزالي يا انعزالي عامل حالك أسد بلبنان؟!". فيما بعد، حين عادت المخابرات إلى بيروت سنة 1987، كلفت تلك الكلمات قائلها سنوات سجن في صيدنايا، بعد حفلات تعذيب أعطبته في مقر غزالة في عنجر.

انتهت العراضة المسلحة أمام مطعم بربر في شارع متفرع من الحمراء، دخلناه صعودا عكس اتجاه السير. كانت الحركة في الشوارع قد اختفت تقريبا. شاهدنا بعضا من المصورين والصحافيين الغربيين يدورون في الشوارع الخاوية، فأشبعوا عراضتنا صورا.

الزحف الإسرائيلي

سهرت الليلة الأولى من الغزو في مكتب عصام العرب الذي جاء قبيل منتصف الليل. كان في جولة لقاءات، وقال: العملية محدودة. 40 كلم من حدود لبنان الجنوبية. صرح بيغن بذلك وأكده معظم من التقاهم العرب من قادة الأحزاب.

في بيتي قبل أن أنام، قالت زوجتي: العملية محدودة. صهرها- الموظف في المقاصد، وزوجته مديرة إحدى مدارسها، والمقرب من صائب سلام ويلازم يوميا دارته- نقل إليها ما سمعه في منزل الزعيم البيروتي.

صباح اليوم الثاني مررت إلى مكتب "الأرض المحتلة" في منطقة الجامعة العربية، عاصمة فلسطين في بيروت آنذاك. فتح مسؤول المكتب الباب محمر العينين. قال: "أمس طوق الجيش الإسرائيلي (مخيمي) البص والرشيدية (قرب صور). القصف شديد، بحري وجوي وبري. باشروا الاشتباك مع قلعة الشقيف.

ظهيرة اليوم الثاني نقلت وسائل الإعلام مشاهد عبور الجيش الإسرائيلي النبطية والصرفند. كانت مشاهد نثر الأرز على الإسرائيليين والتهليل لهم جنوبا لافتة. وبدأت معركة صيدا. محاولة اقتحام من جنوبها، وثانية نزولا من الجبل، وثالثة بإنزال على جسر نهر الأولي شمالها. مجازر في المدينة. أبناء المخيمين الفلسطينيين، عين الحلوة والمية ومية، ومعهم أبناء صيدا، يقاتلون: كلاشينكوف، بنطلون جينز، جعبة، أسبدرين، وقفز بين الأنقاض وقنص الآليات بـ"بي-7". صيدا أول مدينة تشتبك مع الغزاة.

معركة الدامور في اليوم الثالث، ومقتل نائب رئيس الأركان الإسرائيلي. المرابطون في الناعمة ومعهم الاتحاد الاشتراكي العربي. وشبان دربتهم فتح ومنشقون عن حركة أمل يقاتلون قرب مدينة الزهراء. اتصلت معركتهم بمعركة مثلث خلدة الدامية. الجنود السوريون لم يكن لديهم أمر بالقتال. هربت مجموعة مخابرات سورية كانت في عرمون. فصيل أو فصيلان قرر رجالهما القتال. تدمير سبع أو ثماني آليات نقل مجنزرة للعدو.

صورة آرييل شارون مع رئيس الجمهورية إلياس سركيس في القصر الجمهوري، لم تعجب البيارتة الذين كفوا عن نقمتهم على المنظمات المسلحة


الميركافا لا تؤثر فيها قذائف "بي-7" إلا إذا أصابتها في جنزيرها، فتتوقف. لكن مدفعها يستدير ويحرق المكان الذي انطلقت منه القذيفة، ومعه مطلقها. لا يستطيع الطيران التدخل. فالمعركة تلاحم وتداخل.

حركة أمل في الضاحية غيرها في الجنوب. مع شيعة الضاحية لا أرز يرش ترحيبا بالعدو الذي تسلك قواته طريق صيدا القديمة الفاصلة بين الضاحية والجبل. قوات إسرائيلية تعبر بلا اشتباكات مناطقَ الجبل المطلة على بيروت ويسيطر عليها دروز وليد جنبلاط. تقيم حواجز تدقيق وتفتيش عن "المخربين" وتصل إلى بعبدا ونزولا إلى المتحف.

شارون وعرفات

صورة آرييل شارون مع رئيس الجمهورية إلياس سركيس في القصر الجمهوري، لم تعجب البيارتة الذين كفوا عن نقمتهم على المنظمات المسلحة. أبو عمار يلتقي القادة العسكريين لأحزاب الحركة الوطنية في مكتبه خلف بناية رحمة قرب كاراج درويش فيما كان يسمى جمهورية الفاكهاني. صورة لأبي عمار ولنا من الخلف. استمر اللقاء دقائق. أكد فيه عرفات أن المقاومة ستصمد وبيروت ستصمد.

Getty Images
ياسر عرفات في زيارة لفصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت، يوليو 1982

 

 

خرج مسرعا يسبقه فتحي، يده اليمنى وكاتم أسراره والمسؤول الفعلي عن حمايته (بعد أوسلو وعودة أبو عمار إلى جزء من فلسطين، هرّب فتحي فور اعتراض إسرائيل باخرة أسلحة عبرت قناة السويس وتوقفت في المياه الدولية مقابل غزة لتفرغ حمولتها في قوارب صيد. وتوفي فتحي في الإمارات العربية).

خرجنا مبتعدين من كاراج درويش. دقائق ووصلت الـ"إف-16" آتية من الجنوب. المبنى الذي لا يمكن إصابته إلا من زاوية محددة أحالته ركاما. وبدأت تصل إلى رأس بيروت عائلات هاربة من الضاحية الجنوبية والطريق الجديد. أطفال عيونهم فارغة. نساء بوجوه شاحبة وعيون ذاهلة لم تنم منذ أيام. قذائف 155 تنهمر على بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية. قصف طيران عنيف على المدينة الرياضية. تدمير شبه كامل لشارع عفيف الطيبي قرب جامعة بيروت العربية التي قصفت طائرة مبناها الجديد.

مبيت أبو عمار

اختفت المعلبات من المتاجر، شراء ونهبا. محطات الوقود رفعت خراطيمها. خزانات المازوت على سطوح المباني أفرغت، تجنبا لاحتراقها بالقصف، واستُعمل ما تحتويه للمولدات والأفران والآليات. المحظوظ من المصابين يصل إلى مستشفى. نقص كبير في الأوكسجين والبنج. مشهد ثلاثة أو أربعة جيران ينقلون مصابا مقطوع اليدين لا يزال في ذاكرتي. يدخل المصاب وينتظر دوره على الحمالة ويتوجه من أوصلوه للتبرع بالدم. معرفتنا بما يجري خارج بيروت محدودة، بل صفر تقريبا. ملجأ بناية سكننا على سليم سلام فتحته بإطلاق النار على قفله. تدافع الجيران إلى داخله. أتيت بأمي وشقيقتي وطفليها من بيتهم في الزيدانية. معظم سكان البناية في الملجأ.

مر أسبوعان والمواقع ثابتة حول بيروت المحاصرة. أعلنت إسرائيل أنها ستفتح للبيارتة طريقا يخرجون عبره من بيروت. فرغ الملجأ وأقفلتُ بابه. أنا وجاري العجوز من آل سنو باقيان، وكذلك أولاد الرفاعي المقاتلون (جبهة التحرير العربية- البعث العراقي). حي اللجا الشيعي قربنا اختفى تقريبا. صاروا في بلداتهم وقراهم في الجنوب. 

اختفت المعلبات من المتاجر، شراء ونهبا. محطات الوقود رفعت خراطيمها. خزانات المازوت على سطوح المباني أفرغت، تجنبا لاحتراقها بالقصف، واستُعمل ما تحتويه للمولدات والأفران والآليات


كان شهر يونيو/حزيران طويلا على بيروت: ارتفعت السواتر الترابية العالية على جميع خطوط التماس، من المرفأ إلى الجامعة اللبنانية قيد الإنشاء في الحدث. حصرت المعابر بين شطري  بيروت بعدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. خصص معبر المتحف لتنقل الصحافيين والمراسلين الأجانب والسياسيين المضمونة سلامتهم، كرئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزان والسياسيين الدبلوماسيين ورسل التفاوض. وخصص معبر المرفأ للشاحنات، وتحولت واجهة بيروت البحرية إلى مرتفعات من سواتر رملية تحمي من قصف الزوارق الإسرائيلية.

منذ يونيو/حزيران أمسى أبو عمار يبيت كل ليلة في مكان. فتحي البحري سكرتيره هو المعني المباشر بترتيب مبيته. مثلا هذا المشهد: الواحدة ليلا بالضبط وفي عتمة حالكة تتوقف سيارة (في كل ليلة سيارة مختلفة) ينزلق منها أبو عمار وحارس واحد وتكمل السيارة طريقها. يصعد الثلاثة إلى بيت الحاج مصطفى الترك. يدخل أبو عمار غرفة النوم ومعه حارسه الذي يظل مستيقظا. يخرج الترك من الغرفة. يظل مستيقظا وسلاحه بيده يحدق في الشارع ويرهف سمعه نحو الدرج. في الموعد المقرر صباحا يخرج أبو عمار من الغرفة بعدما يوقظه مرافقاه. ينزل الثلاثة إلى المدخل. تمر السيارة يقفز أبو عمار ومرافقاه إلى داخلها. في ليلة أخرى قد يبيت في شقة باحث فلسطيني في شارع المقدسي، أو داخل حرم الجامعة الأميركية، أو في سيارة مقفلة تقف في بورة برأس بيروت.

معظم العائلات البيروتية لجأت مؤقتا للعيش بعيدا عن القصف والحصار. ولكن بعض الرجال القادرين كانوا يزورون عائلاتهم ويعودون للقتال في بيروت. لو شك لحظة بهم جنود الحواجز الإسرائيلية والقوات اللبنانية التي يعبرونها، لكانت نهايتهم على أبشع ما يكون. لم أفكر بأنهم قد يشكون بي أو يعتقلونني على حاجز. حرصت على أن لا تكون لي صورة، وأن أحمل بطاقة موظف تصليحات (كهرباء وما شابه) في مدارس جمعية المقاصد، مع شهادة تعريف بي موقعة باسم دولة الرئيس صائب سلام. وألصقت شعار جمعية المقاصد على أعلى زجاج سيارتي الأمامي.

مشهد ثلاثة أو أربعة جيران ينقلون مصابا مقطوع اليدين لا يزال في ذاكرتي. يدخل المصاب وينتظر دوره على الحمالة ويتوجه من أوصلوه للتبرع بالدم


معركة المتحف

في 4 أغسطس/آب صيف 82، وبغطاء من قصف مدفعي شديد ومن الطائرات، اندفعت دبابات إسرائيلية عبر جدار فتحته في الحائط الشرقي لميدان سباق الخيل. اندفعت المدرعات يحجبها الجدار وتجنبت طريق المتحف- البربير الرئيس وألغامه وكمائنه. هدفها الوصول إلى أوتوستراد رأس النبع والسيطرة النارية المباشرة عليه، والوصول إلى منطقة رأس النبع. لكن عبقرية القائد سعد صايل تنبهت لخطة العدو. وقبيل انبلاج ضوء نهار الأربعاء 4 أغسطس/آب، دفع العميد صايل عشرات من خيرة مقاتلي فتح حاملين كلهم "بي-7"، فتسللوا وكمنوا في مواجهة مرمح سباق الخيل من جهته الجنوبية.

كان صايل يتابع المشهد من طابق علوي من مبنى مقابل منزل السفير الفرنسي. مرمح السباق مكشوف لناظريه. لما وصلت طليعة رتل الدبابات إلى نهاية المرمح، انطلقت قذائف جهنم على الرتل كله من آخر دبابة إلى الأولى. حسمت تلك المعركة خلال ربع ساعة وجن جنون وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون الذي كان يتابعها من فندق ألكسندر في طلعة مديرية الأمن العام.

كان نهارا بدأ صباحا وتوقف مع الغروب. طائرات "إف-16" التي كانت تمطر قنابلها على كل ما تلمحه يتحرك، عبثا حاولت تأمين سحب آليات الرتل وحماية جنوده، بسبب تداخل القتال. سحبت فتح من مرمح السباق ما عجز شارون عن سحبه من جثث جنوده.

كانت هذه آخر معركة هامة وقعت أثناء حصار بيروت. بعدها خضعت إسرائيل لضغط روسي- سعودي على الرئيس الأميركي ريغان الذي أقال وزير خارجيته ألكسندر هيك، وأمر إسرائيل بوقف تماديها والرضوخ لشرط خروج منظمة التحرير من بيروت خروجا مشرفا، ورسميا كجيش شرعي بسلاحه الفردي.

ترحيل الجيش السوري

شاهدنا جنود اللواء السوري 85 يفجرون مدافعه في محلتي الإيدن روك والرمل العالي، خضوعا لشرط إسرائيل لانسحابه بشاحناته فقط. ما إن كانت الشاحنات السورية تعبر آخر حاجز إسرائيلي في صوفر، حتى وصلت سيارات مدنية تابعة لأجهزة أمنية سورية، وتسلم جنود الشاحنات المكسورون صور الرئيس حافظ الأسد وأعلاما سورية ولافتات تشيد ببطولاته وبطولات جيشه.

في الطريق من عالية إلى صوفر كان يصطف أهالي الجبل الدروز غالبا، لمشاهدة الشاحنات السورية وتوديع جيش التحرير الفلسطيني.

العمال السوريون الذين كانو يعملون معنا في معمل الحجارة، اصطحبناهم إلى مدرسة الراهبات الكرمليات في أول شارع فردان (مكان المدرسة اليوم مجمع  ABCالتجاري). قابَلَنا مقدم سوري بازدراء، فمرّرنا له ازدراء مماثلا، فيما كنا نطالبه بأن يتدبر أمر انسحاب العمال السوريين الأربعة، حفاظا على حياتهم. نظر المقدم متأففا إلى العمال السوريين المدنيين الأربعة وسألهم: "من وين انتو ولاه؟". رد بعضهم وكانوا من ريف حمص وحلب. هز المقدم برأسه رافضا أخذهم معه. كان عدد من الجنود السوريين قد وقفوا حولنا يتابعون ما يحصل. بدا القلق على وجوه العمال وانقلبت نظرة الرجاء والتمني والفرح بالنجاة في عيونهم إلى شعور بالخيبة. ما إن خرجنا من البوابة الرئيسة حتى لحق بنا بعض الجنود، فانتحوا بنا جانبا وخاطبوا أبناء بلدهم: ارجعوا بعد ساعة. نعطيكم ألبسة عسكرية.

وغدا صباحا تدخلون بيننا وتطلعون إلى الشاحنات. البسوا تحت الثياب العسكرية ثيابا مدنية، وبعدما نعبر صوفر اقفزوا من الشاحنة واخلعوا الثياب العسكرية وتدبروا أموركم.

كان شهر يونيو/حزيران طويلا على بيروت: ارتفعت السواتر الترابية العالية على جميع خطوط التماس، من المرفأ إلى الجامعة اللبنانية قيد الإنشاء


وداع الفلسطينيين

في 20 أغسطس/آب بدأت عملية رحيل قوات منظمة التحرير من بيروت عبر المرفأ والمعابر، وبسفن غربية وحماية بحرية أميركية- فرنسية.

انتشر بائعو حقائب السفر على أرصفة شارع الحمراء والشوارع المتفرعة منه. لا أعلم من أين تدفقت على بيروت الغربية ألوف الحقائب.

دخلت شاحنات الجيش اللبناني إلى أماكن تجمع المغادرين في ملعب بيروت البلدي، لتنقل دفعة أولى من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى مرفأ بيروت. من جمهورية الفاكهاني أفرجت منظمة التحرير عن طيار إسرائيلي أسير لديها مع جثة مساعده، بعدما كانت قد أسقطت طوافتهما فوق بيروت. وسلمت الصليب الأحمر جثث عدد من قتلى إسرائيليين على محاور بيروت التي فشلوا في اقتحامها.

ما إن كانت تتحرك قافلة شاحنات الجيش اللبناني من الملعب إلى المرفأ وفيها الراحلون الفلسطينيون، حتى تواكبها مسيرة أهاليهم المودعين التي يشارك فيها أهالي بيروت. كانت الدموع تنهمر من العيون، فيما الرصاص الغزير يخترق الهواء.

طوال أيام ظل يتكرر مشهد الوداع: فلسطينيون ولبنانيون وبيارته من مؤيدي الثورة الفلسطينية يتدفقون صباحا إلى ساحة الملعب البلدي يخالطون الراحلين وعائلاتهم. عناقهم ينطوي على فرحة الخروج منتصرين وألم الفراق وانتهاء مرحلة بيروت التي حضنت الفلسطينيين وثورتهم كما لم تحضنهم عاصمة عربية أخرى.

فور خروج شاحنات الجيش اللبناني من بوابة الملعب البلدي رافعة العلم اللبناني وفيها سائق ومعاونان من الجيش، يبدأ نواح الأمهات والزوجات والأخوات والأهل. دموع قهر تنساب صامتة من العيون. تحاول الأمهات لمس أبنائهن الراحلين ورفاقهم. فعلاقات القربى والجوار وبلد النزوح منذ 1974 لا تزال حية بين أهالي المخيمات الفلسطينية وتشد المقاتلين، إلى جانب المنظمة أو الفرع الذي ينتمون إليه. وتكاثرت حالات إغماء أمهات من ساحة الملعب إلى الكولا.

ويلعلع رصاص المودعين في الشوارع والأحياء التي عاش فيها الراحلون وكبروا.

تتحرك الشاحنات بطيئا من الملعب البلدي نزولا إلى مستديرة الكولا لتنعطف نحو طريق سليم سلام باتجاه إلى القاعدة البحرية اللبناية شبه المهجورة في المرفأ، حيث تقف سفن تفصل بينها وبين باقي أرصفة الميناء حواجز المستوعبات الحديد المليئة بالحجارة والسواتر العالية التي أقيمت هناك في بدايات الحرب.

وداع أبو عمار

في 30 أغسطس/آب حل موعد مغادرة وارث القضية من الحاج أمين الحسيني المدفون في بيروت، وصاحب القرار الفلسطيني المستقل المتمسك بوطن تناتشه العدو الإسرائيلي وأمسكت بقراره أنظمة عربية ودول ولدت مع النكبة الأولى، نكبة سايكس بيكو ومتلازمها وعد بلفور، فنكبة 1948.

ابتدأ موكب رحيل أبو عمار من الفاكهاني. سار الموكب متمهلا إلى الملعب البلدي. التف نزولا إلى الكولا فكورنيش المزرعة إلى غرفة عمليات رقم 5 خلف ثكنة الحلو. عشر دقائق هناك، قبلات وعناق، ومنها إلى منزل وليد جنبلاط حيث ودعه قادة الحركة الوطنية والتنظيمات الناصرية والبيروتية التي أمضت مع الثورة عقدا ونصف العقد.

انتقل أبو عمار بسيارة رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزان المصفحة السوداء وعليها العلمان اللبناني والفلسطيني. من غرفة خلف بيت وليد جنبلاط، وقفتُ أتفرج. الزحمة شديدة، واحتمال تفجير كبير قد تكون أعدت له إسرائيل وارد. لمحت عن بعد رأس الحاج مصطفى الترك (مؤسس أنصار الثورة) يعانق أبو عمار. مشى أبو عمار وسط الشارع إلى مار إلياس. خلفه جموع المودعين وعن يمينه وليد جنبلاط وعن يساره نبيه بري الذي حاصر تنظيمه العسكري (أمل) المخيمات الفلسطينية بعد سنتين. الأول تجاوز دم أبيه ونام عند حافظ الأسد، والثاني تجاوز دم موسى الصدر ونام عند حليف من أدخل الصدر في "الغيبة الكبرى".

منذ يونيو/حزيران أمسى أبو عمار يبيت كل ليلة في مكان.. فتحي البحري سكرتيره هو المعني المباشر بترتيب مبيته


الورثة يتربصون

يرحل أبو عمار من بيروت ويودعه خليفتاه الوصيان الجدد على بيروت (جنبلاط، وبري). أين إبراهيم قليلات رئيس التنظيم الناصري (المرابطون)؟ لماذا ليس في وداع أبو عمار؟

كانت العلاقة بين الرجلين متوترة دوما، وعلاقة قليلات بالثورة الفلسطينية كانت محصورة بأبو إياد (صلاح خلف). فأبو عمار يعلم أن علاقته الرسمية بلبنان تمر عبر الزعامات السنية ورئاسة الحكومة السنية، وفع مستوى علاقته بإبراهيم قليلات تزعج هذه الزعامات الفاعلة في بيروت. وهو يعلم أيضا أن تضخم تنظيم "المرابطون" على بعد أمتار من "جمهورية الفاكهاني" يعني مشاركة قليلات في القرار الفلسطيني، أقله الشعبي. أما قيادات الحركة الوطنية اللبنانية، على تقدميتهم وإيمانهم بالقضية، فهم من خارج بيروت.

ثم إن قليلات قرر أن يتميز عن سائر قيادات الحركة الوطنية، ويودع عرفات في المرفأ، لا في بيت وليد جنبلاط. وقرر أيضا الخروج للوداع من جامع عبد الناصر بآليات عسكرية ومدافع ميدان، ليسير الموكب في كورنيش المزرعة فالروشة فالحمام العسكري وعين المريسة، وصولا إلى بوابة المرفأ حيث يستقبله أبو إياد.

انطلق موكب "المرابطون" العسكري من جامع عبد الناصر بطيئا. جلس قليلات في عربة شليكا روسية مدرعة. خلفه ملالات وراجمات صواريخ. كان سير الموكب البطيء يشي بأن سلاح "المرابطون"  سينتزع من التنظيم في اليوم التالي.

توقفت الشليكا أمام بوابة المرفأ. من بابها الأيسر، ترجل قليلات بلبساس عسكري ولحية، وراح يبتسم للكاميرا. كان في تلك اللحظة يتمثل صورة معلقة أمامه على جدار في مكتبه: صورة عبد الناصر يترجل من سيارة بعيد العدوان الثلاثي سنة 1956. المتأمل في الفيديو يلاحظ تطابقا كاملا بين حركة نزول قليلات ونظرته إلى الكاميرا، لا إلى مستقبله، والصورة المعروفة لنزول عبد الناصر من السيارة.

لم يلتق أبو شاكر بياسر عرفات. الآليات الثقيلة أثارت طلبا إسرائيليا فوريا: ترحيل "المرابطون" من بيروت.

في لحظة وداع عرفات الأخيرة على بوابة المرفأ، وقف جانبا مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقائدها التاريخي جورج حبش. بشاربيه الكثيفين وقامته التي بدت عليها سمنة زائدة، وقف جانبا كأنه يقول إنه يرفض مغادرة منظمة التحرير بيروت، وهو وباق فيها ولن يخرج منها.

ولم يشاهد يقترب من عرفات. وفي سيارة رئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزان وصل أبو عمار إلى مسافة قريبة من سلم الباخرة اليونانية المصفحة، ثم صعد السلم ودخل فيها واختفى عن أنظار المودعين.

معظم العائلات البيروتية لجأت مؤقتا للعيش بعيدا عن القصف والحصار. ولكن بعض الرجال القادرين كانوا يزورون عائلاتهم ويعودون للقتال في بيروت


حبش يسبق عرفات

قبل عقد ونيف تعرفت إلى شاب عشريني بيروتي من محلة قريطم. كان يهوى الرسم وقامت بيننا صداقة، فروى لي عن جورج حبش الرواية التالية:

كان حبش طوال صيف 82 مقيما إقامة سرية في منزلهم بمحلة قريطم. والدته خريجة الجامعة الأميركية في بيروت، ومن جيل جورج وكانت إلى جانبه في الأيام الأولى لـ"شباب الثار" وحركة القوميين العرب ثم الجبهة الشعبية في الخمسينيات والستينيات.

طوال أيام الاجتياح الإسرائيلي صيف 1982 كانت أمه تنتقل بسيارتها في بيروت وتلتقي المسؤول الثاني في الجبهة الشعبية، فتسلمه تقارير وتعليمات من حبش. وغاليا ما كان يتم اللقاء عرضا في شارع الحمراء، ويمكث كل منهما في سيارته. 

وأضاف ابن قريطم أن حبش خرج من بيتهم إلى مرفأ بيروت للمرة الأولى منذ بداية الاجتياح. بعد عودته من المرفأ، حلق شاربيه وارتدى بذلة مكوية وحمل أخراج قيد لبناني باسم عائلة قريطم وعليه صورته، إضافة إلى بطاقة عضوية طبيب في نقابة الأطباء، وأخرى تفيد بأنه طبيب في الجامعة الأميركية.

وجلس الحكيم جورج حبش في المقعد الأمامي من سيارة زوجته الافتراضية، والدة الراوي الذي كان حينها في الخامسة من عمره، وجلس على مقعد السيارة الخلفي إلى جانب شقيقته الكبرى، وأفهموه أن يتنبه جيدا وينادي الحكيم باسم بابا. غفا الراوي في حضن شقيقته واستيقظ أو أيقظوه بعد تجاوزهم الحاجز الإسرائيلي في صوفر. خرج جورج حبش من السيارة، ربما قبل خروج باخرة ياسر عرفات من المياه الإقليمية اللبنانية.

وربما قبل أن تخرج الباخرة اليونانية من مرفأ بيروت حاملة صاحب القرار الوطني الفلسطيني المستقل، كان جورج حبش يدخل البقاع اللبناني الذي تسيطر عليه القوات السورية ويسلم قراره لسوريا الأسد.

font change

مقالات ذات صلة