حسن الصلهبي: الشعر عندي فرح وافر

يتنقل بين الكتابة والترجمة والمسؤولية الثقافية

Majalla
Majalla

حسن الصلهبي: الشعر عندي فرح وافر

لا يقف الشاعر والمترجم السعودي حسن الصلهبي عند حدود الإبداع الأدبي، بل يتعداه إلى المسؤولية الثقافية، كونه يشغل منصب رئيس نادي جازان الأدبي منذ العام 2014، ومن خلاله قدّم الكثير من الفعاليات التي واكبت المشهد الثقافي السعودي وأثرته. يقول: "أثناء رئاستي لنادي جازان الأدبي أحاول دعم الإبداع في شتى صوره شعرا ونثرا ودراسات نقدية وترجمة ومسرحا وفنونا تشكيلية وتصويرا ضوئيا وخلافه مما يتصل بالثقافة والأدب والفنون. أنجزنا على سبيل المثل مشروعا كبيرا في دعم القصة القصيرة والسرد من خلال برنامج ’رشفات سردية’ الذي استضفنا فيه نخبة من الكتاب في مقدّمهم الروائي الكبير عبده خال، وفي الشعر برنامج ’دفء الشعر’ وفيه استضفنا عددا كبيرا من الشعراء المبدعين ولم نهمل التراث".

يضيف الصلهبي: "في مجال الطباعة أصدر نادي جازان الأدبي عددا كبيرا من الدواوين الشعرية والروايات والدراسات الأدبية والنقد إثراء للمساحة الأدبية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي بشكل عام، وفي الترجمة كانت لنا تجربة مهمة في ترجمة القصة القصيرة إلى اللغة الإنكليزية وصدر عن ’الدار العربية للعلوم ناشرون’ كتاب Everything is Reduced to Ashes".

أصدر حسن الصلهبي مجموعته الشعرية الأولى، "عزف على أوتار مهترئة"، في العام 2002 لتتوالى من بعدها الإصدارات، التي تدلّ على سعي الشاعر إلى صنع تجربته الخاصة. يقول عن هذه التجربة: "الشعر تجربة جميلة على الرغم من صعوبتها ومعاناتها وقد قالت العرب قديما "الشعر صعب وطويل سلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه". والشعر عندي فرح وافر وبعض حزن أتقي كتمه يعبرني فأرتجي غيثه وأرتمي في حضنه عاشقا، وعلى مدار سنوات طويلة غشتني القصيدة فكنت لها المتيم، وتهجرني فأبحث عنها في كل مكان لا أفق يحيطني ولا قيود تمنعني عن التحليق".

ويضيف: "منذ أول ديوان والقصيدة رفيقتي الحميمة تأتيني فأرتّبها وأضعها وردة تجمّل أيامي ونجمة تضيء لياليّ، وأذكر حين اتخذت أول قرار بإصدار ديوان أنني تردّدت كثيرا ولكن كثيرا من المحبّين حولي دفعوني إلى هذه المغامرة اللذيذة ثم بعد ذلك نضجت الفكرة واتضح المسار وكان كلّ ديوان مرتبطا بقصة من حياتي أرويها شعريا، فيها الحب والشغف والجنون أحيانا وفي بعضها كشف للمخبوء من عوالمي".

كتبت قصائد عمودية ونشرتها على شكل الأسطر والجمل الشعرية لظني أن إيقاعها الشعري في التلقي السماعي يختلف تماما عن تلقيها البصري


في هذه العوالم الشعرية تتشابه لحظة اقتناص العنوان مع لحظة تدفّق القصيدة، لتواجه الجمهور على غلاف الدواوين التي شكلت رصيد حسن الصلهبي الشعري مثل "خائنة الشبه" و"بين يدي امرئ القيس" و"لا سواي يليق بك" و"المخبوء في خد القنديل" وغيرها: "اختيار العناوين للقصائد والدواوين يأتي عادة مع انسكاب اللحظة الشعرية وقد يتغير في بعض القصائد".

يسير التدفّق هادئا وبثقة كبيرة ليحدّد مساره دون استئذان، ويختار قالبه الشعري، وهذا ما دفع بالصلهبي إلى كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة: "الحالة الشعرية هي التي تختار قالبها الشعري، ووجهة نظري هذه أقولها من خلال التجربة ذاتها، وليس مجرد تنظير، وقد كتبت قصائد عمودية ونشرتها على شكل الأسطر والجمل الشعرية لظني أن إيقاعها الشعري في التلقي السماعي يختلف تماما عن تلقيها البصري ومنها على سبيل المثل قصيدة 'شهوة النار':

تأتي التآويه،

موج الريح مصطفقة،

تكاد تفرغ ما في جوفها الورقة.

ومن أمثلة ذلك قصيدة 'بين يدي امرئ القيس' التي جاءت في ثوبها العمودي على بحر الطويل لكي تتناسب مع الأجواء الشعرية في ثناياها وتليق بمقام الأب الروحي الكبير للشاعر العربي امرئ القيس. أما قصيدة 'أجنحة الحلم' فاختارت الشكل التفعيلي لكي تتوشّح اللحظة الحميمية التي تغشاها. وفي قصيدة 'السندباد في سديم الإفك' كان الشكل التفعيلي المدور علامة بارزة لطول الرحلات وما يتخللها من صراعات والأمثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها جميعا".

هذا المسار الشعري على تنوّعه، أهّل الصلهبي للحصول على الكثير من الجوائز من بينها "جائزة الأمير فيصل بن فهد للإبداع الشعري الأول، وجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم فرع الشعر الفصيح من دولة الإمارات العربية المتحدة، وجائزة وزارة الإعلام للكتاب فرع الشعر": "الجوائز الشعرية يستفيد منها الشاعر في تسليط الضوء على تجربته وتحفزه للمزيد من الإبداع لكنها في ذاتها لا تؤثر على مستوى الكتابة وعمقها وتفردها".

 

غواية الترجمة

لا تقتصر تجربة حسن الصلهبي على كتابة الشعر، بل ترجم العديد من الأعمال الأدبية إلى العربية، كما ترجم الشعر في أعمال مثل "كيف سقط قوس على قلبي: مختارات من الشعر الأميركي الحديث" و"قصائد ت. س. إليوت". ترجمة الشعر لها خصوصيتها وشروطها التي لا يمتلكها كل من خاض تجربة هذا المجال الإبداعي. يقول: "الترجمة هواية وغواية لذيذة، منها يطلع الشاعر على التجارب الإنسانية المختلفة والثقافات المتنوعة وترجمة الشعر صعبة ومرهقة ومخاطرة كبيرة، فالذي يتصدّى لترجمة الشعر لا بد أن يكون شاعرا متعمّقا في اللغتين المترجم منها وإليها ولا بد أن يكون ناقدا من الطراز الأول لكي يستطيع النفاذ إلى أعماق النص وفهمه بطريقة شعرية تقترب كثيرا من رؤية الشاعر الأصلي وذلك لكي يتماهى مع النص ويتقمص روح شاعره فيخرج شعرا جديدا، لأن كثيرا من الترجمات الشعرية التي يترجمها غير الشعراء تأتي باهتة وتفقد حسها الشعري، ومع ذلك فالترجمة الشعرية خيانة للنص مهما بلغ إبداعها".

أسّس الصلهبي لجنة الترجمة في نادي جازان الأدبي وأشرف عليها. يقول: "لجنة الترجمة بنادي جازان الأدبي كان لها الأثر الكبير في جمع عدد من مبدعي الترجمة والتعاون في ما بينهم لفتح نوافذ على الآخر وأيضا نشر الأدب العربي بلغات مختلفة حتى يطلع الآخرون على ما وصلت إليه الثقافة العربية وكنا نحاول أن نختار ما يعزّز هذا التوجه".

ينتقل الصلهبي للتحدّث عن ميزات الحركة الشعرية في السعودية من وحي تجربته وعلاقته مع الشعراء واطلاعه على كل جديد في هذا المجال. يقول: "لا ينكر أحد أن بدايات نهضة المشهد الشعري السعودي كانت امتدادا للنهضة الشعرية العربية التي برز فيها محمود درويش ونزار قباني وأحمد شوقي وعبدالله البردوني وغيرهم من الشعراء العرب الكبار، لكن الشعر السعودي اليوم يقف شامخا وقد تشكلت ملامحه واتسمت بسمات الأرض والروح القوية للشعب السعودي وهو ينافس الآن في المحافل العربية".

font change

مقالات ذات صلة