الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: الذاكرة السيئة نوع من الخيال

يعالج مواضيع قاسية ودافئة في آن معا

AFP
AFP
الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي

الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: الذاكرة السيئة نوع من الخيال

درس الطب والفلسفة والصحافة والأدب في كولومبيا، لكنه لم ينه أيا من هذه الشهادات إلا أنه نجح في دراسة اللغات الحديثة وآدابها في جامعة تورين مع مرتبة الشرف الأولى. إنه الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي أحد أكثر الكتاب حضورا في أميركا اللاتينية. بدأت رحلته مع الكتابة منذ الصغر ونال جائزته الأولى "جائزة كولومبيا الوطنية" فرع القصة القصيرة في العشرين من عمره. تلتها عدة جوائز أدبية وصحافية كما ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات من بينها اللغة العربية والإنكليزية والصينية. "المجلة" أجرت معه هذا الحوار.

"دليل الطهي للمرأة الحزينة" كتاب قدمتَ فيه نصائح ووصفات غريبة لمساعدة النساء اللاتي ينتابهنّ الحزن. كيف راودتك فكرة هذا الكتاب؟

كان خلف هذا الكتاب مصادر إلهام ووحي عديدة من الواقع الملموس أو من قراءاتي، كما يرجع الفضل لبعض نصوص خوليو كورتازار التي كنت قد قرأتها ونسيتها ثم ذكرني بها أحد الأصدقاء.أما العنوان، فجاء من الترجمة الإيطالية لكتاب من تأليف ماكس بيربوم "Storie fantastiche peruomini stanchi " أو"قصص رائعة للرجال المتعبين". كما استوحيت من ترجمة شعرية لسلسلة"فن الهوى" للشاعر الروماني القديم أوفيد.ولكن المسوغ الأكبر لتأليفي هذا الكتاب كان حزن أمي وأخواتي على مقتل والدي، وظروف الحبس في المنزل خلال فترة نقاهة طويلة. وبالتالي فإن هذا الكتاب هو نتاج مجموعة من الأسباب.

كتبتَ مذكراتك التي حملت عنوان "النسيان"بعد 20 عاما من مقتل والدك على يد القوات شبه العسكرية الكولومبية في عام 1987. ما كان شعورك أثناء كتابتها؟ ومتى راودتك الفكرة؟ وهل تعتقد أن الكتابة تساعد في تخفيف الألم المرتبط بمثل هذه الذكريات؟

لم يكن القصد من الكتاب أنانيا قط، فأنا لم أكتبه كوسيلة للشفاء أو التنفيس أو التخلص من الألم أو شيء من هذا القبيل. لم تكن الغاية من هذا الكتاب علاجية أبدا.كان الغرض الأولي منه بسيطا للغاية: أن يعرف أطفالي ويفهموا جدهم الذي سرق منهم العنف الكولومبي مسرّة معرفته، وأن يتفهموا الدافع وراء بعض من أعمق مخاوفي وأجنّ عُصاباتي.حاولت طويلا أن أكتب قصة والدي باستخدام أكثر الموارد الطبيعية وفرة لدي: الخيال. ولذلك سيجد القارئ في رواية سابقة لي أن طبيبا قد قُتل، لكن لم يبدُ لي أبدا أن هذه الشخصية الخيالية وغيرها تنصف الشخص الحقيقي.

وذات يوم فهمت أخيرا أنه كان عليّ أن أحكي قصته بطريقة مباشرة، باللغة البسيطة نفسها التي أستخدمها في المنزل، بلغة مستوحاة من قاموس العائلة، كما تقول ناتاليا غينزبرغ، وبدون كتابة أي شيء غير صحيح. كان عليّ أن أكتب الحقيقة، ليكون الكتاب بمثابة شهادة.

الشيء الوحيد الذي استطعت السماح لنفسي بفعله هو أن أنقل ذكريات الآخرين (من أصدقاء والدي أو تلاميذه أو أقاربه) وكأنها ذكرياتي الخاصة. كان هذا هو عنصر الخيال الوحيد في ذلك الكتاب: تضخيمي للذكريات، لأن ذاكرتي كثيرة الخيانة وأنسى كل شيء تقريبا.

 من المحتم أن ينظر الأدب إلى المعنى الأبعد وأن يرى القراءُ أن الرجل المقتول هو رمزٌ لجميع الرجال المقتولين، وأن فقدان قطعة صغيرة من الأرض هو ملخص عن الخسائر التي نعاني منها عندما تغرق البلاد في غَيْهَم الهمجيّ


الحقيقة هي أنه على الرغم من أن القصد من الكتاب لم يكن شفائيا، أعتقد أنني بعد كتابته أصبحت أكثر هدوءا ونضجا من ذي قبل. توقفت عن الشعور بالاستياء والغضب والرغبة في الانتقام، مع أن نيتي لم تكن ذلك. نجحت أخيرا في التصالح مع الماضي. فالفن يُلامس العقل بتأثيرات تطال أعماقه وتجلب في بعض الأحيان إحساسا غير مألوف بالراحة.

 

أفضّل الممثل الذي لعب دوري

قدم المخرج الإسباني الحائز على جائزة الأوسكار فرناندو ترويبا فيلما روائيا مقتبسا عن كتاب "النسيان"، وتُوّج الفيلم بجائزة"غويا"2021 لأفضل فيلم أيبيري. هل كان من الصعب مشاهدة ذكرياتك على الشاشة؟

كانت تجربة غريبة، وفي الوقت نفسه يمكن أن أصفها بأنها رائعة وغير واقعية، حقا غريبة.فأنت تمر بتجربةما، ثم بعد 20 عاما تحاول القبض عليها في كتاب، وبعد مرور 15 عاما آخر، يصبح هذا الكتاب (وتلك التجربة) فيلما ينقل تلك الواقعية الوحشية بأكملها من خلال اللغة السمعية البصرية.

كل شيء موجود وغير موجود في الوقت ذاته. الأمر أشبه بالجنون، مثل عدم القدرة على التمييز بين الذاكرة والخيال. أحيانا لا أعرف ما إذا كنت أتذكر والدي. أخلط بين ملامحه وملامح الممثل خافيير كامارا الذي لعب دوره.

أفضّل في بعض الأحيان أن أكون مثل الممثل الذي لعب دوري. غالبا ما تعكس الأفلام صورة أجمل من الواقع. لا أنكر أن التجربة صعبة، لكنها أيضا جميلة للغاية وغريبة للغاية. أنا ممتن للحياة لأنني استطعت أن أخوضها بكل تفاصيلها، وممتن أيضا للتجربة الجمالية التي حولتها إلى حروف رواية وصور فيلم. كان تحويل الرعب إلى جمال من أعمق مقاصد والدي.

ناقشت في روايتك "المزرعة" خطر فقدان إرثك الذي كان مزرعة جميلة. شارك الأشقاء الثلاثة ذكرياتهم الرائعة في ذاك المكان. هل "المزرعة" هي رمز للبلاد؟

لا أنظر عادة إلى الأمور الموجودة في كتبي على أنها رموز لأي شيء.ذات مرة سُئل أحد أبناء غابرييل غارسيا ماركيز في امتحان عما يرمز إليه الديك في رواية والده "لا أحد يكاتب الكولونيل". ولم يعرف الابن ماذا يجيب، فحين سأل والده أجابه الأخير: "الديك هو الديك ولا شيء سواه".

وأنا أستطيع أن أقول إن "المزرعة" هي المزرعة ولا شيء سواها. ومع ذلك، من المحتم أن ينظر الأدب إلى المعنى الأبعد وأن يرى القراءُ أن الرجل المقتول هو رمزٌ لجميع الرجال المقتولين، وأن فقدان قطعة صغيرة من الأرض هو ملخص عن الخسائر التي نعاني منها عندما تغرق البلاد في غَيْهَم الهمجيّ.

لا بأس أن ترى السحلية على أنها صورة موجزة للتمساح، فهذه الصورة تتحقق بطريقة أو بأخرى. وبهذا المعنى، لن تكون "المزرعة" رمزا لبلد ضائع، بل رمزا لما هو أكبر بكثير: رمزا للأرض بأكملها، للكوكب الذي يحترق وتلهبُ نارَه الغطرسة والغباء البشريان.

 

الإنسان نفسه في كلّ  مكان

تتطرق أعمالك دائما إلى موضوعات مثل العلاقات الأسرية والحب والموت، والحالة الإنسانية والقضايا الاجتماعية والسياسية المؤثرة في أميركا اللاتينية، من خلال الدمج بين الرقة والعنف.

أنا لست عالما عظيما ولا معلّما ولا مفكرا. عشت حياة بسيطة ولكن مليئة بالأحداث، سواء ضمن البيئة العائلية الرائعة، أو في العزلة التامة.

لقد عشت في كولومبيا والمكسيك وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وإسبانيا، وأمضيت فترات طويلة في القاهرة وفي جنوب فرنسا. لقد تمكنت أيضا من قضاء بعض الوقت في الصين واليابان. ومع كل الاختلافات الموجودة في هذه البلدان، أعتقد أن حالة الإنسان وما يهمّه وما يؤثر به هي نفسها في كل مكان.

وقد قرأت ذلك في الروايات الروسية واليابانية والأوكرانية والعربية واليهودية والنوردية والكاثوليكية والملحدة والبروتستانتية والإسلامية والشيوعية والبوذية... تنطلق كتاباتي دائما من تجربتي الخاصة، وأقوم بتصفية ما عشته من ذاكرتي السيئة، لأن الذاكرة السيئة هي نوع من الخيال، بل هي عمل من نسج الخيال.

فأنا ليس لدي خيال، بل ذاكرة سيئة. إن ذكرياتي الخاطئة هي خيالي، وهي كتبي، وهي تعبر بالفعل عن تلك الموضوعات والقضايا التي سبق أن أشرتَ إليها: الحب، والأسرة، والمرض، والعنف، والموت، والألم، والنعيم، والجنس، والوحدة، والحفلات، والاكتئاب، والحزن؛ أي كل ما يمكن أن يطبع ذاكرتي وكل ما يمكن أن تنساه ذاكرتي السيئة.

 

رحلة إلى القاهرة

كتبت عن رحلاتك لمدينة القاهرة في "الشرق يبدأ في القاهرة". هل قصدت زيارة القاهرة لتكتب عن هذه المدينة؟

قضيت شهرا كاملا في القاهرة في أربعة فنادق مختلفة لأتمكن من فهم أربعة مستويات مختلفة من المدينة وتنفسها، كان أحدها الأكثر ثراء وآخر الأكثر شعبية.

أقول في الكتاب إنني سافرت مع اثنتين من زوجاتي، ولكن في الواقع يُمنع تعدد الزوجات في ثقافتي. الحقيقة أنني سافرت مع زوجتي آنا (أ، في الكتاب) وإحدى أخواتي، كلارا (ك، في الكتاب).

يجب كتابة الروايات أيضا بحيث يمكن أن تكون لها قراءة "غير مثقفة" لغرض الاستمتاع والترفيه البحت، موجهة للأشخاص الذين لا يتمتعون بخلفيات مثقفة للغاية، وقراءة أخرى من مستوى أعلى، موجهة للأشخاص الأكثر تعمّقا في الثقافة والأدب

ولم تكن فكرة الزوجتين في الكتاب فكرتي حتى. فقد راودتني الفكرة عندما سألني تاجر من خان الخليلي عندما رأى ثلاثتنا معا عما إذا كانتا زوجتيّ وإذا كنت أرغب في بيع أي منهما مقابل مئتي جمل. كانت مزحة بالطبع، لكن المزاح مهم في الكتب. السفر ممل للغاية من دون الضحك. كنت أدون في الليل ما عشناه أنا و"زوجتيّ" كل يوم، فستّ عيون ترى أكثر من عينين. عدت منذئذ إلى القاهرة مرتين، ويؤسفني أن أقول إن المدينة قد تدهورت من نواحٍ كثيرة.

لم تعد فيها نفس البهجة والحيوية مثل المدينة التي عرفتها في العام 2000. لا يزال فيها أناس رائعون وأبطال في المجال الثقافي (منهم محرريّ على سبيل المثال).

على الرغم من أن "الكرة الفضية الصغيرة" هو كتاب للأطفال، إلا أنه يمكن قراءته من قبل جميع الأعمار، وهو يناقش الأجيال من خلال العلاقة بين الجدة وحفيدتها.

أرى أنك قد مررت حتى بأكثر التفاصيل المخفية في كتاباتي. شكرا لك.لطالما أحببت قصص الأطفال التي تحكي للأطفال شيئا وللكبار شيئا آخر حتى يمكن الاستمتاع بها بطرق مختلفة وعلى مستويات مختلفة. هذا ما كنت أرمي إليه عند كتابة قصة الأطفال تلك؛ أن تجد قراءة في مرحلة الطفولة وأخرى في مرحلة النضج وأخرى في سن الشيخوخة.

يجب كتابة الروايات أيضا - وأنا أحاول أن أفعل ذلك - بحيث يمكن أن تكون لها قراءة "غير مثقفة" لغرض الاستمتاع والترفيه البحت، موجهة للأشخاص الذين لا يتمتعون بخلفيات مثقفة للغاية، وقراءة أخرى من مستوى أعلى، موجهة للأشخاص الأكثر تعمّقا في الثقافة والأدب.

فأنا أعلم مثلا عندما أستمع إلى سوناتا من تأليف باخ أنني لا أخترق أسرارها على نفس السوية كما الموسيقي المحترف؛ ولكن هذا لا يمنعني من الاستمتاع كثيرا بهذه السوناتا على مستوى أبسط وأكثر سطحية.

 

ما عدا قلبي

"ما عدا قلبي، كل شيء على ما يرام" هي أحدث رواياتك، وتتحدث عن التغيرات في حياة كاهن يجد نفسه يلعب دور الأب. هلا حدّثنما أكثر عن هذه الرواية؟

كانت بذرة الرواية لسنوات عديدة مغروسة في ذاكرتي، حاضرة دوما، وأقرب بالنسبة إليّ إلى الهوس: كاهن يعاني من قصور حاد في القلب ولا يمكن إنقاذه إلا إذا خضع لعملية زرع قلب. ولأسباب عملية، لا يمكنه الاستمرار في الإقامة في مسكن الكهنة الذي عاش فيه طوال العشرين عاما الماضية، ولذلك يجد الملاذ في منزل فيه عائلة غير نمطية: امرأتان بلا زوج وثلاثة أطفال بلا أب.

وكما حصل مع الأب ألفاريز الذي استوحيت قصة الكتاب من قصته الحقيقية، يصبح الأب كوردوبا عن غير قصد أبا للعائلة. وعلى الرغم من أنه ليس زوجا بالضبط، فإنه يصبح نوعا ما بديلا عن الآباء الذين تخلوا عن هؤلاء النساء والأطفال.

كنت أعاني أثناء تأليف الكتاب من حالة طفيفة في القلب - نفخة قديمة رافقتني منذ الصغر - وكانت تزداد سوءا، فقد تحولت فيما بعد إلى تضيق متوسط ثم شديد في الصمام الأبهري. وحين كنت قد تجاوزت منتصف الكتاب، أجريت جراحة قلب مفتوح لاستبدال الصمام الأبهري بصمام مصنوع من التامور البقري.

الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي

وهكذا، من دون أي قصد، انغمست بشكل وثيق في الحياة الممكنة لمرضى القلب ومشاعرهم. ولذلك، وجدت نفسي حينها في الشخصية الرئيسية "غوردو" أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب تكتسب الرواية في بعض الأجزاء نبرة طبية أقرب لمسرد طبّ القلب.

على الرغم من مقاساة 50 عاما من الحرب الأهلية، يعتبر المجتمع الكولومبي من أسعد المجتمعات في العالم؛ فأنتم تقيمون الاحتفالات والكرنفالات طوال العام. ما السبب وراء ذلك؟

عندما يحدّق بك الموت من كل حدب وصوب، عندما تبدو الحياة عديمة القيمة، تجد نفسك تنظر إلى الوجود برؤية كرنفالية.كولومبيا هي البلد الأكثر صخبا في العالم – إن الضجة فيها لا تطاق تقريبا: موسيقى صاخبة في كل مكان، يرتدي الناس ملابسهم كما لو أنهم يكادون ينتهون من رقصة التعري، مفتقرين إلى ضبط النفس، وكأنه الفسوق الكامل.

يأتي ذلك من مشاعر اليأس، ويذكرنا كثيرا بتجارب العصور الوسطى: اليوم نأكل ونشرب؛ غدا سنموت. تبدو سعادة، ولكنها اليأس في الحقيقة. كل هذه الضوضاء تهدف إلى تشتيت انتباهنا وتسمح لنا بعدم التفكير في الموت المحدق بنا.

 

شهرازادات في حياتي

يرغب القارئ العربي في معرفة المزيد عنك ليس فقط ككاتب ولكن أيضا بصفتك إنسانا. على سبيل المثال، ما الذي يلهمك؟ ومن هم كتابك المفضلون؟

من أوائل الكتب التي قرأتها عندما كنت طفلا هي نسخة مختصرة من كتاب "ألف ليلة وليلة". ما يعلمنا إياه الإطار السردي لهذا الكتاب اللامتناهي هو أنه يمكن إيقاف العنف - تشتيته وتحويله بعيدا - من خلال الانغماس في التفكير الحالم للقصة، والخيال، والسرد الذي يغوي النفس أكثر من الجنس.

الاكتشاف العظيم لشهرزاد هو أنه بعد ممارسة الحب - أو قبله إذا قيلت عبارة جميلة بما فيه الكفاية، أو مثيرة للاهتمام، أو عنيفة، أو رائعة، أو مدهشة - من الممكن إيقاف العنف الحقيقي للرجل القوي الذي كان ينوي قتلها في نهاية الليل.

من أوائل الكتب التي قرأتها عندما كنت طفلا هي نسخة مختصرة من كتاب "ألف ليلة وليلة". ما يعلمنا إياه الإطار السردي لهذا الكتاب اللامتناهي هو أنه يمكن إيقاف العنف - تشتيته وتحويله بعيدا - من خلال الانغماس في التفكير الحالم للقصة، والخيال، والسرد الذي يغوي النفس

تقحمنا القصص في عالم بديل مختلف عن العالم الحقيقي، وتنقذنا من رعب العالم الحقيقي، بل هي قادرة على جعل أكثر الرجال المتعطشين للدماء ينسون القتل. وهذا بالنسبة إلي! هو صورة مثالية لما يمكن للخيال تحقيقه؛ يمكنك إنشاء عالم بديل يُهزم فيه أسوأ عدو.

سبق أن ذكرت عدة مرات أن أعظم أعمالي الأدبية من حيث التأثير كانت قصص شقيقاتي الخمس، الشهرزادات الخمس في بيتي، اللاتي غنّينَ ورقصنَ وتلونَ القصائد ودللنني وكأني دمية من لحم ودم، وقصصن عليّ طوال الوقت قصصا مذهلة لا تشوبها لحظة ملل.

لطالما أردت أن أكتب بنفس الطريقة التي تروي بها أخواتي الأشياء شفهيا. ولولاهن، لما كنت وجدت صوتي. وعلى الرغم من أنني الرجل الوحيد في المنزل، إلا أنني الأكثر خلوا من المواهب والفضائل (لا أعرف كيف أرقص، ولا أغني جيدا مثلهن، ولا أعرف كيف أسرد النكات). لا أستطيع إلا أن أكتب، وأنا محض سارق لما سمعته منهنّ.

ولكن طبعا هناك كتّاب هم في طليعة قائمتي من رواة القصص. يمكنني أن أذكر الكثير: ثيربانتس، كيبلينغ، فولتير، تولستوي، جوزيف روث... والعديد من الشعراء الذين علموني الجمع بين الكلمات موسيقيا، مثل كيفيدو، ولوبي دي فيغا، وتيريزا دي أفيلا، وماتشادو، وسان خوان دي لا كروز، وغيرهم.

font change

مقالات ذات صلة