"صبايات" فرقة نسائية لبنانية تواجه رداءة الحاضر بـ"الزمن الجميل"

تضم عشر فتيات من مختلف المناطق

Majalla
Majalla

"صبايات" فرقة نسائية لبنانية تواجه رداءة الحاضر بـ"الزمن الجميل"

بيروت: لم يعد أي شيء مستغرب في لبنان، خصوصا في السنوات الأخيرة أي منذ بدء الانهيار الكبير. ففي وقت تنتشر فيه الأخبار البائسة والكوارث السياسية والاقتصادية والطائفية عن هذا البلد الصغير، تزهر من رحم هذه المآسي قصص نجاح مبهرة، تشع فرحا وأملا في سماء البلاد. وهكذا هنّ "صبايات"، 10 شابات من مناطق لبنانية مختلفة، اجتمعن رغم النزاعات الطائفية المقيتة وانحدار الخطاب السياسي، وفقدان الأمل في اقتصاد البلاد، على حب الموسيقى والغناء، لم يفقدن الأمل بمستقبلهن، وآمنّ بأن موهبتهن ستكون جسر عبور لقلوب الناس، وهذا بالفعل ما حصل. غنين ورقصن وصفقن وعزفن الموسيقى، وانتقين أجمل أغاني الزمن الجميل ليظهرن من خلالها أمام الجمهور، في زمن يستسهل فيه أبناء جيلهن تحقيق الشهرة عبر الظهور على منصات التواصل الاجتماعي بمحتوى يصل أحيانا إلى حدّ التفاهة والرداءة.

فمن مقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانية، وتحديدا من صفوف التربية الموسيقية بدأت قصة 10 شابات بفيديو عفوي نشر على منصة "تيك توك"، وحصد أكثر من 3 ملايين مشاهدة. في الساعات الأولى لم يلقَ تفاعلا لافتا على صفحة إحدى الصبايا، ولكن في اليوم التالي استفاقت الشابة إيلينا ندور على نصف مليون مشاهدة وتفاعل كبير من المتابعين. الجميع عبّر عن جمال ما يسمع. على الرغم من العفوية التي ظهرت في الفيديو، من تصفيق، وإطلاق زغاريد، إلا أنّ الغناء الصحيح والأصوات الجميلة للمشاركات في الفيديو لفتت أنظار الجميع. التفاعل الكبير دفع إيلينا إلى نشر فيديوهات غنائها وصديقاتها بشكل يومي على "تيك توك" لتحصد أرقاما عالية من المشاهدات وتفاعلا كبيرا من المتابعين.

نحن شابات صغيرات نقدّم أغاني الزمن الجميل، في حين أن أغلب أبناء جيلنا لا يفقه شيئا عن فن تلك الحقبة

هكذا باختصار، بدأت قصتهن، ليتحوّلن من زميلات دراسة في اختصاص التربية الموسيقية، إلى عضوات في فرقة أطلقن عليها اسم "صبايات" تيمنا بمقامَين في الموسيقى الشرقية هما مقام الصبا ومقام البيات، وأيضا لأن الفرقة مكوّنة من صبايا فحسب، فأطلقن صفحاتهن على منصات التواصل الاجتماعي، وبدأن المشوار نحو "العالمية" كما يحلمن.

 

"تيك توك" بوابة الشهرة

إيلينا ندور التي تحظى بدعم عائلتها منذ أن قررت تحقيق شغفها الفني، تؤكّد لـ"المجلة"، أنّها نشرت الفيديو بالمصادفة في البداية على الرغم من أنّها نشطة على منصة "تيك توك"، فلم يكن هدفها أو توقعاتها أن يلقى كل هذا التفاعل، فتقول: "أنشر يوميا مقاطع فيديو أغني فيها وتلقى تفاعلا بين المتابعين، لكن التفاعل الذي حصده هذا الفيديو بالذات كان مفاجئا بالنسبة إلي، لذلك قرّرت وزميلاتي نشر مقاطع نغني بها دائما، وكان كل فيديو ننشره يحصد خلال ساعات قليلة أكثر من نصف مليون مشاهدة، وهذا التفاعل دفعنا إلى التفكير الجدي في إطلاق 'باند صبايات'، بهدف الانتقال من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي".

Sabayat

بدورها تقول جويا عطا إحدى عضوات الفرقة "لم نخطّط لإطلاق الفرقة، ولكن بعدما لقينا تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي قررنا أن ننطلق على أرض الواقع فأسسنا صبايات، ومنها استطعنا المشاركة في عدد من المهرجانات والفعاليات، وكان هدفنا أن يتعرف الناس إيلينا بشكل مباشر، وليس فقط عبر المنصات، والجميل أن مشاركاتنا في المهرجانات والفعاليات الصيفية جعلتنا نلتمس تفاعل الجمهور بشكل مباشر، فالتصفيق والغناء والانسجام معنا تجعل فرحتنا في تلك اللحظات تفوق فرحتنا بملايين المشاهدات على التواصل الاجتماعي، حتى بعد أن ننتهي من الغناء، يتجمّع الناس حولنا ليخبرونا عن إعجابهم بنا وبما نغني وفرحتهم بنا وهذا الشعور وحده يعطينا دافعا قويا لكي نستمر". 

في وقت قصير استطاعت أولئك الفتيات اطلاق فرقتهن دون دعم أو تخطيط طويل، قررن إطلاق "صبايات" ليعرّفن الناس كما يقلن إلى ثقافتهن الموسيقية والفنية ومواهبهن المتنوعة، فالغناء والعزف من وراء شاشة الموبايل والتفاعل الكبير على منصات التواصل وملايين المشاهدات وعلامات الاعجاب لم تعد تكفي طموحهن. سهّل عليهن الطريق، القبول الشعبي والانتشار الكبير لمقاطع الفيديو التي غنين فيها أجمل أغاني الزمن الجميل، من "كان عنا طاحون"، و"لما بدا يتثنى" و "نقيلي أحلى زهرة"، وغيرها من الأغاني الجميلة التي تدغدغ ذاكرة المستمعين. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Sabayat (@sabayat.band)

 

طريق طويل

تؤكد جويا عطا صاحبة الصوت الجميل وعازفة العود التي بدأت مشوارها من الطفولة، أنّ الطريق أمام "صبايات" لا يزال طويلا، فهن يحاولن إثبات موهبتهن في مهنة تزدحم بالمواهب المتنوعة ولا تخلو من المصاعب. تقول: "على الرغم من كل المصاعب نحن نؤمن أننا نستطيع أن ننطلق أينما كنا، علما أنّ كل ما نفعله حتى الآن هو بمجهود فردي، فنحن 10 فتيات من مناطق لبنانية مختلفة ونواجه العديد من التحديات، أبسطها في الوقت الحالي أن نجتمع ونتدرب معا، وهذا ليس بالأمر السهل خصوصا أن لكل واحدة منّا عملها الخاص وظروفها الخاصة، لذلك أحيانا إذا كان لدينا مثلا حفلة مشتركة نتفق على تقسيم الأدوار وكل صبية تتدرّب منفردة، هذا أحد التحديات التي نواجهها حاليا".

وتقول جويا نحن أيضا لا نمتلك استوديو خاصا يجمعنا لكي نتدرب معا، لكن إدارة الجامعة اللبنانية مشكورة، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه أرسلت إيلينا رسالة مفادها أنّ أبواب الجامعة ستبقى مفتوحة أمامنا لكي نجتمع ونتدرّب في مدرجاتها على الرغم من تخرجنا.

التصفيق والغناء والانسجام معنا يجعل فرحتنا في الحفلات المباشرة تفوق فرحتنا بملايين المشاهدات على منصات التواصل الاجتماعي

ديموقراطية "صبايات"

من التحديات التي تواجه الفرق التي تتكون من عدد كبير من الأعضاء، كما حال "صبايات"، هو الاختلاف في وجهات النظر، فكيف تتفادى "صبايات" هذه المشكلة؟ تؤكد جويا: "نحن نختلف طبعا في وجهات النظر ولولا الاختلاف لما استمررنا وأنجزنا ونجحنا. اعتمدنا على طريقة التصويت في اتخاذ القرارات، وبهذه الطريقة لا يشعر أحد بالظلم أو أن شخصا فرض عليه رأيه، ونتبع نظام التصويت للفكرة ومصلحة الفريق، لا لمصلحة الفرد، وحتى الآن نجحنا في هذه الطريقة".

ولكن ما الذي يميّز "صبايات" عن غيرها من الفرق، خصوصا أنّ التفاعل مع كل مقطع فيديو ينشر لـ "صبايات" يكون لافتا على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنهن لم ينجررن إلى الفن المبتذل الذي يلقى رواجا كبيرا في وقتنا الحالي، فهل اشتاق الجمهور إلى الماضي الجميل بفنّه وأغانيه، ولذلك نجد فرقة "صبايات" حاضرة في عدد كبير من المهرجانات والفعاليات هذا الصيف رغم عمرها القصير فنيا؟

Sabayat

تقول إيلينا ندور: "في اعتقادنا أن الناس أحبّوا ثقافتنا الموسيقية، فنحن شابات صغيرات نقدّم أغاني الزمن الجميل، وأغاني لبنانية تراثية، في حين أن أغلب أبناء جيلنا لا يفقهون شيئا عن فن تلك الحقبة، نحن نعطي الفن حقه ونعطي الأغاني القديمة ما تستحقه من اهتمام، وأعتقد أن هذا سبب من أسباب تفاعل الناس معنا وحبهم لتجربتنا".

وعن نوعية الأغاني التي يخترنها، تقول إيلينا "نحن نغني التراث اللبناني، فيروزيات ورحبانيات، إضافة إلى أغاني نصري شمس الدين، وإذا قررنا أن نغني أغاني جديدة فنتجه صوب ملحم بركات، كما ننتقي القليل من الأغاني الجديدة ذات القيمة الفنية العالية". 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Sabayat (@sabayat.band)

ولكن هل تلقى هذه الأغاني تفاعلا لدى أبناء جيلهن تحديدا؟

تؤكد جويا: "لمسنا هذا التفاعل في المهرجانات حيث يلتقي الناس من كل الأعمار والأجيال، نجد الجميع يتفاعل معنا دون استثناء، حتى على منصات التواصل الاجتماعي، ونحن سعيدات لأننا نعرّف الأجيال الصاعدة إلى التراث الفني اللبناني".

هل من خطط مستقبلية أو أغاني خاصة تحضر لها "صبايات"؟

تؤكد جويا أنّ "تركيز الفرقة حاليا ينصب على التدريبات، والتألق في المهرجانات، كما التسويق للفرقة الصاعدة، وطبعا حلمنا جميعا أن يكون لدينا أغاني خاصة بنا، ولكن في الوقت المناسب، وحتى اليوم لم يأت هذا الوقت، ولكن طبعا من خططنا المستقبلية أن يكون لنا أغانينا الخاصة".

font change

مقالات ذات صلة