"سطّار" نجاح تجاري يطرح سؤال القيمة الفنية

بين مَن يراه عاديا ومَن يعتبره خطوة مهمة

netflix
netflix
ابراهيم الخيرالله في "سطّار"

"سطّار" نجاح تجاري يطرح سؤال القيمة الفنية

الرياض: إذا كان يصعب تصوّر وقائع الحياة الحديثة للإنسان بمعزل عن صياغة موازية لها في الإبداع السينمائي الذي لم يعد مجرد ترف ترفيهي، بقدر ما بات منظومة صناعة وإبداع تختبر عبر الخيال وجوها مختلفة لتمثيلات الواقع، فإن السينما في المملكة العربية السعودية تظهر يوما بعد يوم أنها تحفل بإمكانات واعدة للتعبير عن الكثير من صور الحياة وحكاياتها، لا سيما في ظل تجربة الانفتاح والتحديث التي يخوضها المجتمع السعودي. وهو ما تتطلع إليه أعمال مختلفة لمبدعين سينمائيين سعوديين شباب راهنوا على تقديم حالة سينمائية قد تكون أكثر تعبيرا عن مزاج الهوية والحياة في المملكة.

في هذا السياق يأتي الفيلم الكوميدي السعودي، "سطار: عودة المخمس الأسطوري"، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة في دروته الثانية (ديسمبر/كانون الأول 2022)، من بطولة إبراهيم الحجاج، وعبد العزيز الشهري، وإبراهيم الخير الله، وإخراج الكويتي عبد الله العراك، كتجربة سينمائية لافتة لاقت نجاحا تجاريا وجماهيريا بعد عرض الفيلم في صالات السينما بالمملكة العربية السعودية، خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ثم عرضه في دول الخليج منذ 19 من الشهر نفسه، وصولا إلى العرض المرتقب للفيلم عبر منصة "نتفليكس" اليوم في 24 أغسطس/آب الجاري، هذا إلى جانب عرض الفيلم في بعض الدول الغربية كبريطانيا.

اختيار نمط الفيلم ذي النزعة الكوميدية الاجتماعية، عبَّر عن ذكاء فريق العمل، إذ بدا الحرص على أن تكون المشاهدة العائلية في صلب الرهان الذي استقطب شرائح مختلفة من المجتمع السعودي

تبدو مهمة تلك الجديَّة التي صاحبت الإعداد للفيلم، سواء عبر ورشة الكتابة المشتركة للنص، أم من خلال الاستعداد التدريبي للدور الوظيفي للبطولة "المصارعة" (حيث تدرب بطل الفيلم إبراهيم الحجاج لأربعة أشهر على يد فريق سعودي محترف للمصارعة الحرة). إلى جانب أن الفريق السينمائي الذي شارك في صناعة الفيلم من وجوه مختلفة، هو فريق منصة قناة "تلفاز" على "يوتيوب" (أصبحت في ما بعد شركة استوديو تلفاز11) الذي ظل يقدم تجارب رائدة على مدى سنوات طويلة لنخبة من ممثلين سعوديين شباب ذوي ثقافة سينمائية مرموقة أبدعوا أعمالا سينائية تجريبية، وراهنوا منذ زمن مبكر (2012) عبر منصة "تلفاز" على لعب دور كبير في تلمس هوية سينمائية سعودية متميزة ومثابرة، ليأتي النجاح التجاري الذي حصده فيلم "سطار" في ظل المناخ الكبير للانفتاح على صناعة السينما، استحقاقا مقدرا لثمرة تلك الجهود الرائدة.

 

اختيار ذكي

كما أن اختيار نمط الفيلم ذي النزعة الكوميدية الاجتماعية، عبَّر عن ذكاء فريق العمل، إذ بدا الحرص على أن تكون المشاهدة العائلية في صلب الرهان الذي استقطب شرائح مختلفة من المجتمع السعودي (جمهور الأسرة)، هذا فضلا عن تميز الفيلم بأغاني لاقت نجاحا في تفاعل الجمهور معها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

netflix

قصة الفيلم التي صيغت في قالب كوميدي، تدور حول بطل محبط يعاني فشلا مهنيا وعاطفيا، لكن لحظة الفشل هذه كانت هي ذاتها بداية النجاح عبر شخصية علي هوغن، مدير أعمال المصارعين، الذي كان نقطة تحول إيجابية في حياة البطل.

حقق فيلم "سطار" أعلى مبيعات في تاريخ الأفلام السعودية في أول 10 أيام من تاريخ عرضه. وهي تعتبر إيرادات قياسية في شباك التذاكر، نظرا إلى طبيعة موضوعه الذي عكس أداء كوميديا بدا قريبا من مفردات حياة اجتماعية مألوفة في السعودية. لذلك لقي الفيلم تفاعلا كبيرا من الجمهور السعودي، وهو ما بدا جليا من خلال تعليقات متابعي منصات التواصل.

مما شاهدته في فيلم "سطار"، أرى أنه فوّت الكثير من الفرص عبر الأنماط الجاهزة، بالتالي لا يتبقى من هوية الفيلم إلا الوجود النمطي للأبطال، الذين سبق تقديمهم على يوتيوب

عبدالله العقيبي

وفي محاولة للإيهام بالواقع، كان حرص الفريق على تقديم إطار بصري لافت في الفيلم لملامح البيوت والمكاتب من خلال ديكور الفيلم وإكسسواراته، مما ضخ مزيدا من مزاج الألفة الذي اندمج فيه المشاهدون مع أجواء الفيلم، لا سيما أن الموضوع المختار (المصارعة) يدخل في سياق الموضوعات العائلية المناسبة لفئات المجتمع كافة.   

 

الرؤية الإبداعية  

إلا أن النجاح الجماهيري للفيلم، لا يعني إجماعا نقديا حوله. فبالنظر إلى هوية الفيلم الكوميدية وما إذا كان "سطار" قد توفر على رؤية ابداعية من داخل النسق الكوميدي الذي عبّر عنه، يقول الناقد السعودي الدكتور عبد الله العقيبي لـ"المجلة": "أعتقد أن هناك فروقا كبيرة وجوهرية بين كوميديا الموقف بغرض الإضحاك من جهة، وترسيخ الأنماط الهزلية السائدة من جهة أخرى. الفيلم استثمر الصورة النمطية التي سبق أن ظهر بها ممثلو العمل في مقاطع يوتيوب (عبد العزيز الشهري، إبراهيم الخير الله) وفي حلقات مسلسلات رمضانية (إبراهيم حجاج). من هنا، فمما شاهدته في فيلم "سطار"، أرى أنه فوّت الكثير من الفرص عبر الأنماط الجاهزة، بالتالي لا يتبقى من هوية الفيلم إلا الوجود النمطي للأبطال، الذين سبق تقديمهم على يوتيوب" .

عهود حجازي

في حين ترى الناقدة السينمائية السعودية عهود حجازي أن الفيلم "نجح في تقديم نفسه كفيلم كوميدي، بدءا من ملصقه الذي عبّر عن هوية الفيلم باختيار صورة باعثة على فهم تصنيفه، وليس انتهاء بدفع الجماهير الى الضحك والهتافات، مما يعني تحقيقه لهدفه الذي افترضه وهو تقديم فيلم كوميدي بتفاصيل اجتماعية دقيقة يفهمها ابن البيئة السعودية ويتفاعل معها، وهذا في حدّ ذاته تجديد داخل النسق الكوميدي نفسه، أعني الاكتفاء بالثقافة المحلية في خلق الكوميديا".

 

تجاري أم فني؟

حيال نجاح الفيلم وما إذا كان النجاح الذي حققه نجاحا تجاريا أم فنيا، يرى عبد الله العقيبي أن "النجاح الذي حققه الفيلم مفهوم جدا، وأستطيع أن أحيله على سببين، الأول التصنيف العمري، الذي مكّن العائلات من الدخول مع أطفالهم، وهذا الفعل يحقق رقما مضاعفا بطبيعة الحال، والسبب الآخر هو جماهيرية الممثلين السابقة على يوتيوب، والمسلسلات الرمضانية، وكلا السببين لا علاقة له بالجانب الفني، ربما لو قلنا التقني سنكون قد طرحنا السؤال الصحيح، فنوعية المشاهدات لدى الفئات السنية الصغيرة تتنبّه إلى الجانب التقني، وقد ظهر الفيلم تقنيا بشكل مرض لهذه الفئة". وفي خصوص ما أضافه الفيلم إلى السينما السعودية يستطرد العقيبي: "الجميع يفهم واقع السينما السعودية اليوم، فهي سينما واعدة ومستعدّة لتجريب أي منتج، مهما كان مستواه، كنوع من اختبار السوق، وهذا يفسر التفاوت بين المنتجات التي تعرض، إنها لحظة مربكة إلى حد كبير، لا يستطيع أحد التكهن إلى أي مسار فني ستتجه، وهذا طبيعي بحكم الظرف التاريخي، لكن بالنظر إلى الفيلم الذي عرض مع "سطار" في اللحظة نفسها، وهو الفيلم الرائع "الهامور ح.ع"، أظن أن 'سطار' لم يشكل إضافة حقيقية إلى السينما السعودية، لأنني أفهم أن الإضافة لا بد أن تأتي من ناحية فنية، وفي رأيي أن الفيلم لم يقدّم شيئا في هذه الناحية".

 حقق الفيلم الهدف الذي افترضه وهو تقديم فيلم كوميدي بتفاصيل اجتماعية دقيقة يفهمها ابن البيئة السعودية ويتفاعل معها، وهذا في حدّ ذاته تجديد داخل النسق الكوميدي نفسه

أما عهود حجازي فتخالف هذا الرأي، قائلة: "بصورة عامة، قدّم 'سطار' فيلما متكاملا فنيا، بغضّ النظر عن بعض الانتقادات، لكنّ الوصول إلى رقم عال على شباك التذاكر من مختلف الفئات العمرية يجعل النجاح حقيقيا. فـ'سطار'، كفيلم كوميدي طويل، فتح الباب لتقديم أفلام نوعية ومركزة، واستطاع تقديم رؤية لما يتطلبه اجتذاب الجمهور الشغوف بارتياد الجديد ودعم الإبداع المحلّي".

د. عبد الله العقيبي

أما في ما يتصل بالدور الذي يمكن أن تلعبه قنوات "يوتيوب" الخاصة في رفد الحركة السينمائية السعودية الواعدة، فيقول عبد الله العقيبي: "ينظر كثر من صانعي مشاهد أو مقاطع يوتيوب إلى تلك المرحلة التي سبقت ظهور السينما السعودية بصورة تجارية بعين الريبة، فالكثير منهم انسحب من يوتيوب، وتحول إلى إنتاج السينما التجارية، صحيح أن يوتيوب هو الذي فرش لهم السجادة الحمراء، لكنهم تخلوا عنه تماما اليوم، وتظلّ  منصة يوتيوب مساحة رحبة لصانعي مقاطع ألعاب الفيديو (Gamers)، أما دوره كرافد للسينما فلم يعد واقعيا".

أما عهود حجازي فترى أن "انتقال القوة الدعائية إلى المنصات الاجتماعية، وضع على تلك المنصات مسؤولية فنية، إلى جانب النفعية، تكمن في دعم الفيلم السعودي الذي يفتح نافذة على مجتمعنا المتنوّع بثقافته وأفكاره، فتلك المنصات بوصفها مساحات حرة للتعبير وإبداع المواهب عبر الإنترنت لطالما لعبت دورا كبيرا في رفد السوق الواعد للسينما السعودية".

 

إشكالية التعبير

وأخيرا حيال مكمن إشكالية التعبير السينمائي السعودي في محتوى الأفلام السعودية الجديدة، يقول الناقد العقيبي: "التعبير السينمائي موضوع معقد، ويحتاج، بالإضافة إلى الإمكانات المادية والبيئة المناسبة، إلى رؤى نقدية ومعرفية، وهذا سيتكون مع الوقت. المشكلة تكمن في تعطش الجمهور السعودي واستعجاله لرؤية السينما السعودية كواقع ملموس ويومي، وهذا التعطش في التلقي عبّر عن حالة الارتباك الحاصلة. اليوم، من الصعوبة بمكان في ظل هذا الوضع المرتبك، السؤال عن التعبير السينمائي، الذي سيأتي لا محالة مع التراكم، ولعل هذه الحالة الحاصلة تعتبر طبيعية بسبب السينما نفسها كفن قابل للاستهلاك التجاري، لكن لحظة الفرز الفني آتية، وهي التي ستحدّد ما يمكن وصفه بالتعبير السينمائي أو الاستهلاك السينمائي".

netflix
أبو ربيعة وابراهيم الحجاج في فيلم "سطار"

بدورها، تؤكد الناقدة السينمائية عهود حجازي أنه لا يمكن إثبات مكمن الإشكالية راهنا في التعبير السينمائي السعودي لأن ذلك يحتاج إلى وقت وفرز، مع ذلك يمكن القول إننا تجاوزنا المرحلة الانتقالية، وأصبح لدينا منتج سينمائي سعودي، مما يجعل تحدي الفرز هو عنوان المرحلة المقبلة، سيما مع وجود دعم كبير تحت مظلة موثوق بها".

font change

مقالات ذات صلة