قمة العشرين: خيبة أمل جديدة

قمة العشرين: خيبة أمل جديدة

لا يسع المرء، وهو يرى حاجة العالم الماسة إلى إظهار وحدة الهدف في مواجهة التحديات العالمية الرئيسة، إلا أن يعبر عن خيبة أمله في اختتام قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند.

يقف العالم في مواجهة قضايا تهدد الأمن العالمي، من تغير المناخ إلى الحرب في أوكرانيا، ومن الفقر العالمي إلى التهديد المتزايد لانتشار السلاح النووي، وهو في أمسّ الحاجة لكي يرى زعماءه يعملون على توفير نوع من الأرضية المشتركة لحلها.

ومع ذلك، إذا تأملنا البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين الذي صدر نهاية الأسبوع الماضي في دلهي، لتبدت لنا بوضوح الانقسامات بين زعماء بعض الدول القيادية في العالم أعمق من أي وقت مضى.

ولم يكن فشلهم في الإدراك العميق لما يفرضه الصراع المستمر في أوكرانيا من تحدٍ على الأمن العالمي، هو السبب الوحيد الذي جعل نتائج القمة محبطة للغاية. فقد أظهرت المناقشات الثنائية العديدة التي انعقدت على هامش القمة، شرخا يزداد عمقا بين الديمقراطيات الغربية والقوى الجديدة الناشئة، التي يبدو أن طموحها النهائي هو إنهاء الهيمنة الأميركية التي دامت طويلا على الشؤون العالمية.

وتجلت هذه الانقسامات المتصاعدة على نحو أوضح في صياغة بيان القمة الختامي، إذ إن الجدل الدبلوماسي على الكلمات المستخدمة للإشارة إلى الصراع الأوكراني احتد في لحظة معينة حتى بات من المحتمل فعلا أن يرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحول قمته الرائعة لتكون أول قمة على الإطلاق تنتهي دون إصدار بيان مشترك متفق عليه.

ومركز الخلاف على الصياغة النهائية للبيان هو: هل ينبغي تكرار المشاعر التي أعربت عنها قمة العام الماضي في جزيرة بالي الإندونيسية، وأدانت روسيا بشدة بسبب غزوها لأوكرانيا، ودعتها إلى سحب قواتها.

وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتمكن من حضور قمة هذا العام، لأنه يواجه الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن موسكو كانت مصممة على منع ظهور أي إدانة لها في بيان هذا العام لتورطها في الصراع. وقد سهل عدم مشاركة أوكرانيا في القمة هذه الخطوة كثيرا.

تجلت الانقسامات المتصاعدة على نحو أوضح في صياغة بيان القمة الختامي، إذ إن الجدل الدبلوماسي على الكلمات المستخدمة للإشارة إلى الصراع الأوكراني احتد في لحظة معينة حتى بات من المحتمل فعلا أن يرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحول قمته الرائعة لتكون أول قمة على الإطلاق تنتهي دون إصدار بيان مشترك متفق عليه

تأسست مجموعة العشرين عام 1999 لتعزيز الاستقرار المالي العالمي، ومنذ الانهيار المالي عام 2008، أعلنت مجموعة العشرين نفسها التجمع الرئيس للتعاون الاقتصادي والمالي الدولي.
وبما أن كل دولة عضو في مجموعة العشرين تتمتع بحق النقض ضد البيان الذي أجمع عليه الزعماء فليس مستغربا أن تتمكن روسيا من منع أي محاولة تلقي باللوم عليها في الصراع الأوكراني.
ونتيجة لذلك، اكتفت الوثيقة التي صدرت عن قمة دلهي بالأسف على "معاناة" الشعب الأوكراني، بينما أغفلت الإشارة إلى العدوان الروسي، ناهيك عن إدانة غزوها لدولة ذات سيادة.
ويمكن للمرء أن يقول بيسر إن هذا البيان، وهو واحد من أكثر البيانات غير الملزمة الصادرة عن منتدى عالمي في الآونة الأخيرة، اكتفى بالإشارة فقط إلى "التأثير السلبي للحروب والصراعات في جميع أنحاء العالم"، وتعهد "بدعم السلام الشامل والعادل والدائم".
ولم يكن مفاجئا أن تستقبل كييف هذا البيان باستياء شديد، فوصفه متحدث باسم الحكومة بأنه "ليس أمرا يدعو إلى الفخر" بسبب فشل البيان في تسمية روسيا بالمعتدي.
وعلق المسؤول قائلا: "من الواضح أن مشاركة الجانب الأوكراني كانت ستمكن المشاركين من فهم الوضع على نحو أفضل".
ولكن في إشارة إلى الانقسامات المتفاقمة التي تساعد على تفاقم التوترات في الشؤون العالمية، ادعى سيرغي لافروف، وزير خارجية موسكو المتشدد، أن نتائج القمة كانت نصرا دبلوماسيا، وهو نصر تحقق بفضل دعم كبير من الصين، التي برزت كداعم رئيس لموسكو في الصراع الأوكراني.

اختتام القمة بدلا من أن يساعد في تحسين العلاقات بين الدول القيادية في العالم، لم يسفر إلا عن تأكيد الانقسامات المتفاقمة بين زعماء العالم، وهي انقسامات يبدو أنها ستزداد عمقا في الأعوام المقبلة

ومن وجهة نظر لافروف فإن البيان الختامي كان انتصارا لجميع تلك البلدان التي سعت إلى إحباط مساعي الغرب لإضفاء الطابع الأوكراني على جدول عمل القمة.
علاوة على ذلك، رأى الدبلوماسي الروسي اختتام قمة مجموعة العشرين، التي استضافتها الهند، على أنها تأييد واضح للنفوذ المتزايد لمجموعة البريكس، مجموعة القوى الجديدة الناشئة، التي تضم حاليا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ومن المقرر أن تخضع لتوسعة كبيرة عام 2024 وذلك بإضافة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران.
وأشاد لافروف بالهند لأنها أخذت في حسبانها وجهة نظر دول البريكس، التي تجنبت إلى حد كبير حتى الآن الانحياز إلى أي من طرفي الصراع الأوكراني، فضلا عن إدماج وجهات نظر الجنوب العالمي، وهي خطوة يعود الفضل فيها إلى مودي، الذي يطمح على المدى الطويل إلى جعل دلهي "صوتا للجنوب العالمي"، كما أنه أمّن الاتفاق على حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد دائم في مؤتمرات قمة مجموعة العشرين في المستقبل.
وقال لافروف: "لقد تمكنت رئاسة الهند بالفعل من توحيد أعضاء مجموعة العشرين من الجنوب العالمي".
وعلى هذا فإن اختتام القمة بدلا من أن يساعد في تحسين العلاقات بين الدول القيادية في العالم، لم يسفر إلا عن تأكيد الانقسامات المتفاقمة بين زعماء العالم، وهي انقسامات يبدو أنها ستزداد عمقا في الأعوام المقبلة.
على سبيل المثال، ها هو الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، الذي من المقرر أن يترأس قمة مجموعة العشرين المقبلة في ريو دي جانيرو عام 2024، يعلن بوضوح أن حضور بوتين في القمة المقبلة سيكون موضع ترحيب، ولن يخضع لمذكرة الاعتقال الدولية بتهمة ارتكابه جرائم حرب في أوكرانيا.
كما دعم داسيلفا مرارا نية الصين في "نزع الدولار" في التعاملات بين الدول النامية، حيث تأمل بكين في استبدال الدولار بالرنمينبي في التجارة عبر الجنوب العالمي.
علاوة على ذلك، ومع انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين في القمة المقبلة، فمن المرجح أن يكون اختلال التوازن بين الديمقراطيات الغربية الراسخة والقوى الجديدة الناشئة أكثر وضوحا، وهو تطور من المرجح أن ينتج عنه مزيد من الاحتكاك في الشؤون العالمية، وليس الإقلال منه.
 

font change