"النصر" ورونالدو في طهران: فيض مشاعر وانتقادات للسلطات

ما سبب هذا الفيض من المشاعر الجياشة في المجتمع الإيراني؟ قد تكون الإجابة أن المجتمع الذي يغيب فيه الحوار يواجه العزلة لا محالة

"النصر" ورونالدو في طهران: فيض مشاعر وانتقادات للسلطات

انتهت مباراة فريقي "النصر" السعودي، و"برسبوليس" الإيراني، بفوز الفريق السعودي على مضيفه الإيراني على استاد آزادي (الحرية) في طهران، مساء 19 سبتمبر/أيلول، غير أن الجدل والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإيرانية لا يزال مستمرا، ليس بسبب المباراة نفسها فقط بل أيضا بسبب الزيارة المثيرة التي قام بها كريستيانو رونالدو النجم العالمي لطهران، وما رافقها من أحداث على هامشها، على غرار تصريحات مسؤولین إيرانيین بتوفير خطوط اتصال ملائمة لأعضاء فريق النصر للتمكن من الاتصال بسهولة مع عوائلهم.

هذه التصریحات أثارت غضب مستخدمي الشبكات الاجتماعية الذين انتقدوا ممارسات تمييزية حكومية بين المواطنين الإيرانيين وسياح أجانب، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه السلطات الإيرانية فرض المزيد من القيود على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

الأمر الآخر الذي انعكس في الشبكات الاجتماعية هو عدم اتخاذ السلطات تدابير أمنية ملائمة خلال استقبال الجماهير لرونالدو، وذلك في الوقت الذي كانت فيه القوات الأمنية تملأ الشوارع في طهران ومدن أخرى في الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني يوم 16 سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

ونشر موقع "إيلنا" للأنباء تقريرا يوم 20 سبتمبر/أيلول بعنوان "فضيحة أرضية استاد آزادي وتخبطات أخرى في لقاء برسبوليس والنصر". وقال التقرير إن "المباراة تأثرت بأرضية الملعب السيئة". وأضافت: "كان مستوى الأرضية كارثيا لا يليق بمباراة بهذا الحجم، وفي ظل حضور نجوم عالميين فيها، ما يعكس عدم استعداد كرة القدم الإيرانية لاستضافة المباريات الكبيرة، كما عكس صورة لا تليق بهذه المباراة".

وتابع التقرير: "لقد أقيمت هذه المباراة بعد أن شهدت زيارة كريستيانو رونالدو إلى طهران استقبالا جماهيريا حاشدا من عشاقه في البلاد وما رافق هذا الاستقبال من الركض وراء حافلة فريق النصر والتجمع الحاشد أمام الفندق الذي استضاف الفريق السعودي في طهران. غير أن هذه المشاهد غير اللائقة تأتي بسبب غياب التخطيط والتحضير والتنظيم من قبل المسؤولين المعنيين كما أن المشاكل التي حدثت للاعبي الفريقين في الملعب سببها سوء الإدارة الذي لم أسفر عن فضيحة على مستوى عالمي".

وأضاف: "يبدو أننا لم نكن سنشهد أحداثا غير طيبة إذا كانت تلك المباراة قد أقيمت على أرض محايدة... لماذا كانوا يصرون على استضافة هذه المباراة في استاد آزادي رغم أنهم لم يكونوا مستعدين لاستضافة مثل هذا الحدث الدولي الكبير؟".

وأشارت صحيفة "توسعه ايراني" في عددها الصادر 19 سبتمبر/أيلول إلى أن "قدوم نجم دولي بمستوى رونالدو إلى إيران حدث طيب، غير أن المرارة تكمن في أنه لعب في استاد فارغ من الجماهير وعشاقه في إيران. فلا شك أن مدرجات ملعب آزادي كانت ستمتلئ بحشود غفيرة من الجماهير ولكن ذلك لم يحصل بسبب تغريدة خطأ من نادي برسبوليس ومنشور على إنستغرام. واللافت أن هذا الخطأ مر مرور الكرام دون أي محاسبة أو استقالة من المعنيين وهذه كارثة لن ينساها عشاق كرة القدم الإيرانية".

ولفتت صحيفة "توسعه ايراني" إلى أحداث وقعت في دوري أبطال آسيا عام 2021، حيث قدم الاتحاد الهندي لكرة القدم آنذاك شكوى إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ضد نادي برسبوليس الإيراني بسبب منشورات "تمييزية وتشويه للسمعة" على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نشر نادي برسبوليس آنذاك تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر" تحدث فيها عن "إعادة غزو الهند ومعارك الماضي" بين البلدين. واعتبر الاتحاد الهندي هذا المنشور "سلوكا غير لائق لبرسبوليس وعدوانا غير مبرر ضد الاتحاد الهندي لكرة القدم والشعب الهندي بشكل عام وخارج عن أي أخلاقيات رياضية". وطلب الاتحاد الهندي من الاتحاد الآسيوي اتخاذ الإجراء المناسب ضد النادي". يذكر أن نادي برسبوليس قام بعد ذلك بإزالة المنشور وتقديم الاعتذار الرسمي للهند عبر الشبكات الاجتماعية.

لم تتخذ السلطات الإيرانية تدابير أمنية ملائمة خلال استقبال الجماهير لرونالدو، وذلك في الوقت الذي كانت فيه القوات الأمنية تملأ الشوارع في طهران ومدن أخرى في الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني يوم 16 سبتمبر/أيلول من العام الماضي

ويعتقد محمد صفري في صحيفة "سياسة روز" أن "الظواهر الثقافية والاجتماعية في المجتمعات لافتة للانتباه، ويجب دراستها من قبل خبراء علم السلوك وتقديم نتائجها إلى المسؤولين. وسيكون من المؤسف إذا تجاهل المسؤولون التحذيرات والحلول المقدمة لهم". 

وأشار الكاتب إلى زيارة المسؤولة السابقة للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى إيران وزيارتها للبرلمان الإيراني (أغسطس/آب 2017) ولقائها عددا من النواب، حيث أظهرتها الصور وهي محاطة بعدد من النواب الراغبين في التقاط الصور معها. وانتقد كثيرون من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي نواب البرلمان المعنيين ووصفوا تصرفاتهم بالمهينة للغاية. وبعد ذلك، اعتذر هؤلاء النواب. 

AFP
مشجعو اللاعب رونالدو امام الفندق الذي نزل فيه مع فريق "النصر" السعودي في طهران في 18 سبتمبر

وهذه أحداث قد يطويها النسيان مع الوقت غير أنها تعود للذاكرة بوقوع حادث مشابه حسب كاتب المقال الذي تابع: "قد يقول البعض إن ردة فعل الجماهير أثناء زيارة رونالدو إلى إيران كانت طبيعية وأنهم أظهروا محبتهم لنجم كرة القدم العالمي ولا يمكن انتقاد الجماهير. تعتقد هذه الفئة أن ردة فعل الجماهير خلال استقبال رونالدو لا تعتبر فقرا ثقافيا وتقليلا للذات اجتماعيا بل هو أمر طبيعي... وترى هذه الفئة أن كثيرا من عشاق رونالدو الذين كانوا في استقباله في المطار أو أمام الفندق قاموا بالتعبير عن حماسهم ومشاعرهم. كما أن هذه الحشود لا تمثل كل المجتمع. هناك فئة أخرى ترى أن سلوكيات بعض الجماهير خلال استقبال رونالدو الذي جاء ضمن فريق النصر إلى إيران شكلت فضيحة ثقافية واجتماعية للبلاد (المقصود الركض وراء حافلة فريق النصر وصعود التلال واقتحام الفندق)... ويجب أن لا ننسى أن رونالدو يلقى استقبالا جماهيريا حاشدا في أي بلد يحل فيه... وتتكون الثقافة والوعي الاجتماعي من عناصر مختلفة أهمها الشق التربوي في النظام التعليمي والذي تم تجاهله في البلاد والتركيز على الشق التعليمي... إن طلبة المدارس لديهم كمية هائلة من الكتب الدراسية منذ المرحلة الابتدائية والتي تقتصر على الرياضيات والكتابة وبقية المواد، غير أن هؤلاء الطلبة بحاجة إلى تعلم ثقافة الحوار واللعب والفضول والحصول على أجوبة لأسئلتهم حيث يجب أن يتعلموا كيفية العيش في المراحل الدراسية اللاحقة غير أن هذه المنهجية غائبة عن نظامنا التعليمي وبالتالي يجب أن لا نستغرب حصول مثل هذه التصرفات التي شهدناها أو تكرارها في المستقبل".

الظواهر الثقافية والاجتماعية في المجتمعات لافتة للانتباه، ويجب دراستها من قبل خبراء علم السلوك وتقديم نتائجها إلى المسؤولين. وسيكون من المؤسف إذا تجاهل المسؤولون التحذيرات والحلول المقدمة لهم

وتناولت صحیفة "شرق" مشهد استقبال الجماهير لفريق النصر ورونالدو في تقريرها، بقلم محمد صفري، يوم 20 سبتمبر/أيلول. وجاء في التقرير: "قد يبدو مشهد ركض آلاف المشجعين الإيرانيين خلف حافلة فريق النصر وتجمعهم أمام مقر إقامة الفريق مفاجئا للوهلة الأولى، خاصة أن هؤلاء المشجعين كانوا محرومين من فرصة رؤية رونالدو من مدرجات الملعب فحاولوا بشتى الطرق الوصول إلى نجمهم المفضل ما أثار انتقادات البعض للجماهير والمشجعين.. الحقيقة أن المراهقين والشباب (في إيران) الذين كانوا يحلمون برؤية كريستيانو رونالدو عن قرب ولا يملكون المال خلافا للبعض من أجل السفر إلى الخارج ومشاهدة إحدى مباريات رونالدو في دول أخرى لم يجدوا سبيلا آخر للتعبير عن حماسهم بالطريقة التي حصلت. هؤلاء الشباب والمراهقون لم يكن لديهم تجارب مماثلة لاستقبال مشاهير في بلادهم من قبل.. رونالدو هو أكبر نجم عالمي يزور البلاد منذ فترة العقوبات ونمو العالم الرقمي والفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي...هؤلاء الشباب بالملايين يشكلون جزءا من متابعي رونالدو في الشبكات الاجتماعية وخاصة إنستغرام. لذلك يجب أن يسأل المسؤولون- بعد انتشار صور الجماهير ومشجعي رونالدو خلال استقبالهم له- أنفسهم: هل قاموا بتعليم الشباب والمراهقين كيفية استقبال المشاهير؟". 

وأشار الكاتب إلى صور سيلفي لبرلمانيين في إيران مع موغيريني. وتابع: "الأمر بسيط جدا؛ إذا كان نواب شعب ما يحاولون بشتى الطرق التقاط صورة سيلفي مع موغيريني التي لم تصل شهرتها وشعبيتها إلى مستوى رونالدو، فهل يمكن استنكار سلوك شباب متحمسين وتوجيه الانتقادات لهم بسبب كيفية استقباله لنجمهم المفضل؟ إذا كان هناك انتقاد فيجب أن نوجه أصابع الانتقاد إلى المسؤولين أنفسهم بسبب تقاعسهم عن توفير بيئة ملائمة لمناسبة غير معقدة على غرار استقبال جماهيري لرونالدو. ألم يتوقع المسؤولون هذه الجماهير الغفيرة في استقبال رونالدو؟ فإذا لم يتوقعوا ذلك فهم ليسوا ولن يكونوا من أصحاب الكفاءة. وإذا كانوا يتوقعون هذا الاستقبال الجماهيري فلماذا لم يقوموا بتدابير فعالة في الشق التنظيمي. إن عشاق رونالدو ليسوا في إيران فقط، بل يواجه رونالدو في كل بلدان العالم هذه الشعبية والجماهيرية، غير أن المسؤولين في الدول الأخرى على مستوى المسؤولية والكفاءة".

AFP
الحافلة التي نقلت فريق "النصر" ورونالدو الى الفندق تحيط بها جماهير المشجعين في طهران في 18 سبتمبر

ورأى أوميد كوشا في مقال بعنوان "رونالدو وانعكاس صورة مجتمع بمشاعر جياشة" في جريدة "همدلي" حول موضوع الاستقبال الجماهيري لرونالدو أن هذا "يعكس صورة المجتمع الإيراني ذي المشاعر الجياشة.. وذلك في بلد مر بصعوبات كثيرة خلال الأعوام الماضية... ولكن السؤال: ما سبب هذا الفيض من المشاعر الجياشة في المجتمع الإيراني.. قد تكون الإجابة أن المجتمع الذي يغيب فيه الحوار يواجه العزلة لا محالة. العزلة الاجتماعية لا تعني تصرفات فردية بالضرورة بل تعني أن القرار الفردي يغلب على المشهد وينعكس هذا القرار الفردي لآلاف من الأشخاص على شكل حشود غفيرة على أرض الواقع مما يثير الدهشة. إن التجربة تشير إلى أن المجتمع الإيراني اتجه إلى مونولوج اجتماعي منذ 2009 مبتعدا عن الحوار ويميل للتصرف. وإن للأحداث تأثيرا على الأفراد وتسوق كل واحد منهم على حدة إلى القيام بتصرفات جماعية حماسية.. وهذا ما ظهر في الحشود الغفيرة التي كانت في استقبال رونالدو، حيث لم تكن هذه التجمعات البشرية حركة اجتماعية منظمة ومخططا لها من قبل بل كانت عبارة عن أشخاص جمعتهم حماستهم الداخلية ولهفتهم للقاء المشاهير العالميين في ظل القيود المفروضة... هذا مجتمع يقبع تحت وطأة التمييز والفساد والشرخ الطبقي بينه وبين ساكني البروج الشاهقة وأصحاب السيارات الفارهة والثراء الفاحش... إن الإحصاءات تقول إن عدد الفقراء تضاعف ثلاث مرات خلال العقد الماضي.. إن الفقر له تبعات وآثار على غرار الابتعاد عن الفكر والقراءة والاشمئزاز من الواقع الذي لم يستجب المسؤولون لاستكمال نواقصه... هذا الحماس أصبح سمة المجتمع الإيراني وهذه الهبات الشعبية تأتي وتذهب على غرار تسونامي. يستغل المجتمع المرهق من دهاليز السياسة والفارغ من الخطاب الاجتماعي والسياسي البناء أية فرصة للتعبير عن مشاعره الجياشة.. الفقر الاقتصادي والثقافي ناتج عن الممارسات التمييزية وغياب العدالة في مجتمعنا... الهيكلية الاجتماعية تواجه تراكمات كثيرة لا تجد فرصة للتعبير عنها... وتلجأ مرات عديدة إلى أسلوب حياة سرية وموازية غير مبالية بما يجري حولها ولكنها تستغل أي فرصة للتعبير عن نفسها".

يبدو مشهد ركض آلاف المشجعين الإيرانيين خلف حافلة فريق النصر وتجمعهم أمام مقر إقامة الفريق مفاجئا للوهلة الأولى، خاصة أن هؤلاء المشجعين كانوا محرومين من فرصة رؤية رونالدو من مدرجات الملعب فحاولوا بشتى الطرق الوصول إلى نجمهم المفضل

من جهتها، اعتبرت صحيفة "همشهري" في عددها الصادر يوم 19 سبتمبر/أيلول أن "استقبال الحشود الغفيرة أغضبت مناهضي الثورة الإسلامية والذين كانوا يروجون لثقافة المشاهير وصناعة النجوم حتى الأمس القريب وأصبحوا الآن يتخذون من الاستقبال الجماهيري لرونالدو وسيلة للتحقير الوطني". وتابع محسن مهديان رئيس تحرير الصحيفة في مقاله أن "الجماهير الإيرانية كانت تشعر بالسعادة الغامرة بغض النظر عن النتيجة". 

وتابع: "هل يمكن للجماعات التي تشعر بالسعادة من كسر سلطة نظام طهران في الحفاظ على الهوية الإيرانية؟ هذه الجماعات غاضبة من فرحة الجماهير، خاصة وأن الجماهير الإيرانية تجاهلت دعوات الجماعات المناهضة للثورة للاحتجاج والتجمع"، في الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني. 

font change

مقالات ذات صلة