حال الفرح تتراجع في ايران

حصة الترفيه والبرامج الثقافية لا تتخطى 1,6 في المئة من إنفاق الأسر

EPA
EPA
ممثلون إيرانيون خلال عرض لمسرحية "هفت خان اسفنديار" الموسيقية في قاعة Vahdat في طهران، 27 يونيو/ حزيران 2023.

حال الفرح تتراجع في ايران

نشرت صحيفة "خراسان" في عددها الصادر في 27 يونيو/حزيران 2023 الماضي تقريرا يفيد بأن حصة "الترفيه" و"الأنشطة التي تؤدي إلى حال من الفرح" في سلة إنفاق الأسر الإيرانية في انخفاض مستمر منذ عام 2017 الى اليوم، وتراجعت هذه الحصة من 2,9 في المئة في 2017 إلى أقل من واحد في المئة في 2023، وانخفضت حصة الأنشطة الثقافية من نحو 3 في المئة في 2017 إلى 1,6 في المئة في 2021.

وتتوافق هذه الأرقام مع إحصاء آخر لموقع "إكو إيران" الاقتصادي عن الوضع المعيشي ومعدل إنفاق الأسرة خلال العام المنصرم. اذ يشير الى تدهور "الترفيه" بشكل مستمر خلال الأعوام الخمسة المنصرمة، حيث قلص المواطنون إنفاقهم على البرامج الترفيهية والثقافية بشكل ملحوظ، وتنعكس نتائج هذه الإحصاءات عن حصة "البرامج الترفيهية" في سلة إنفاق العائلة على مستوى حيوية المجتمع وتمتعه بالطاقة الإيجابية إلى حد كبير.

ويوضح تقرير "إكو إيران" أن هذه الإحصاءات تشمل فقط العائلات في المدن ولا تغطي القرى حيث من المتوقع أن تكون حصة البرامج الترفيهية والثقافية أقل من المدن بنحو 0,3 في المئة.

وصف 12 في المئة من الايرانيين أنفسهم بأنهم سعداء و50,9 في المئة يعتقدون أنهم سعداء إلى حد ما، و13,6 في المئة قالوا إنهم ليسوا سعداء كثيرا، و23,5 في المئة يعتقدون أنهم ليسوا سعداء بتاتا

السعادة المفقودة

تطرقت صحيفة "خراسان" في تقريرها إلى مؤشر السعادة العالمي وقالت إن إيران احتلت المركز العاشر بعد المئة من بين 146 دولة في "تقرير السعادة العالمي" الصادر في 2022، وقالت: "ناهيك بوضع الترفيه والنشاط والبرامج التي تراهن على الفرح والتفكير الإيجابي في البلاد، فإن نتائج الإحصاء الذي أجراه مركز "إيسبا" للاستطلاعات والرأي العام الإيراني في 2021، كشف عن حقيقة نعلمها جميعا. هذه النتائج لم تفاجئنا بل كلنا نعلم ما هي الظروف (في إيران)".

وشمل تقرير "إيسبا" مجموعة من الأسئلة لمواطنين فوق 18 عاما عن تقييمهم الفردي لحالتهم النفسية نظرا إلى الظروف الراهنة. وجاءت الأجوبة كالآتي: "وصف 12 في المئة أنفسهم بأنهم سعداء للغاية و50,9 في المئة يعتقدون أنهم سعداء إلى حد ما، و13,6 في المئة قالوا إنهم ليسوا سعداء كثيرا، و23,5 في المئة يعتقدون أنهم ليسوا سعداء بتاتا".

AFP
امرأة تتصفح الكتب في معرض طهران الدولي للكتاب الرابع والثلاثين، 14 مايو/ أيار 2023.

رأى الدكتور أردشير كراوند، وهو عالم اجتماع إيراني، في حواره مع صحيفة "خراسان"، أن "السكينة وراحة البال تؤديان إلى نوع من البهجة والفرح. بعبارة أخرى، فإن العائلة تسودها حال من الهدوء والسكينة والسعادة عندما تستطيع أن توفر احتياجاتها من السكن والغذاء والصحة والعلاج، وأن تدخر 15 في المئة من إيراداتها. هذا يعني الحصول على الحد الأدنى من مقومات المعيشة الذي يجلب للعائلة السكينة ويجنبها الاضطرابات الاقتصادية". وسأل كراوند "هل تسود مثل هذه الظروف في مجتمعنا؟"، مشيرا إلى أن المواطنين يعانون من الصعوبات المعيشية وغياب الاستقرار الاقتصادي في البلاد، إلى جانب مشاكل اجتماعية مثل الإدمان والطلاق والكآبة.

وتابع كراوند "إذا نظرنا إلى كل هذه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، يبدو أن السعادة تفقد معناها. إن الشعور بالبهجة والرضا ليس أمرا مستداما، بل يمكن صناعة البهجة والنشاط المجتمعي من خلال سياسات وبرامج استراتيجية حكومية، حيث على المسؤولين أولا، تهيئة الظروف التي تمكن المواطنين من توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة ثم ننتقل إلى مسألة توفير الأرضية للترفيه والسعادة والبهجة في المجتمع".

"الشعور بالعجز" هو السبب الأهم في غياب السعادة الاجتماعية في إيران. التشاؤم من المستقبل والعجز أديا إلى وجود حال من اليأس والكآبة في المجتمع الإيراني

مهدي ملك محمد، الاختصاصي في الطب النفسي

الإيرانيون محبطون من عجز السلطة

وكان موقع "فرارو" تطرق في تقرير له عام 2018 بعنوان "لماذا الإيرانيون غير سعداء؟" إلى حال اليأس والكآبة التي تسود المجتمع أثناء الظروف الصعبة والكوارث الطبيعية، وأشار إلى أن إيران احتلت المرتبة الخامسة بعد المئة بين 157 دولة في تقرير مؤشر السعادة العالمي الصادر في 2016. وقال الموقع إن نتائج التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية بعنوان "استشراف المستقبل في إيران 2017"، أشارت إلى أن 75 في المئة من المواطنين يعانون من اليأس والإحباط.

AFP
امرأة إيرانية تؤدي رقصة تقليدية خلال المعرض الدولي السادس عشر للسياحة والصناعات المرتبطة بها في طهران في7 فبراير/ شباط 2023.

ويلعب التعاضد والدعم الاجتماعي دورا حاسما في إيجاد النشاط والسعادة الاجتماعية، وذلك بحسب رأي رحماني خليلي، الخبير في علم الاجتماع الاقتصادي والتنمية، في حواره مع موقع "فرارو". 

ويقول خليلي أن ترسيخ دعائم الثقة والصدق وشعور السلطة الحاكمة بالمسؤولية إزاء قراراتها، هو الحل لمواجهة حال الإحباط السائدة في المجتمع، فقد وصل المجتمع الإيراني إلى قناعة مفادها أنه عاجز عن إيجاد حلول للأزمات والتحديات، وهذا الأمر مرتبط إلى حد كبير بسوء الإدارة في البلاد على المستويات كافة خلال العقود الأخيرة، ومثلا في وقت يرتفع الدولار نحو 20 ألف تومان خلال عام واحد، لا تتخذ الحكومة سياسات للحد من تدهور الوضع بل تتعامل مع الموقف على أنها عاجزة عن السيطرة عليه.

وأوضح مهدي ملك محمد، الاختصاصي في الطب النفسي، للموقع نفسه، أن "الشعور بالعجز" هو السبب الأهم في غياب السعادة الاجتماعية في إيران، وأن "التشاؤم إزاء المستقبل والعجز عن التغلب على الظروف التي تؤدي إلى التوتر والاضطرابات أديا إلى وجود حال من اليأس والكآبة في المجتمع الإيراني".

وأضاف "يعود تفاقم حال الإحباط واليأس في المجتمع إلى سوء الإدارة، وأيضا إلى إقدام السلطة الحاكمة على الإدلاء بروايات غير حقيقية خلال الأعوام الماضية عن أسباب العديد من الكوارث والأزمات، وتسترت على الأسباب الحقيقية التي انكشفت لاحقا في ملفات عديدة مثل ملف الاختلاسات. نلاحظ أن ملفات فساد واختلاسات عديدة كانت موجودة خلال كل الفترات الرئاسية، لكنها تنكشف بعد أن يتسلم الحزب المنافس مقاليد الأمور. ان المواطنين عاشوا ولا يزالون يعيشون هذه التجربة طوال سنوات عديدة، وبالتالي لم يعودوا يصدقون الروايات التي تقدمها السلطة وهم يفقدون ثقتهم بالسلطة الحاكمة التي لا تريد أن تعترف بمسؤوليتها وبتقصيرها على المستويات كافة".

أدى الحصول على وسائل التواصل الجديدة ومعرفة التطورات الدولية إلى موجة واسعة وعميقة من الدعوة إلى التغيير في المجتمع. الأنظمة غير الديموقراطية والضعيفة لا تفهم طبيعة هذه الدعوات

بؤس متجذر منذ 40 عاما

لماذا المواطنون في إيران يفتقدون السعادة؟ سؤال حاولت مجلة "الدراسات الاستراتيجية" ربع السنوية التابعة لوزارة العلوم الإيرانية الإجابة عنه في عددها الصادر في صيف 2022، حيث وجهت المجلة في هذا التقرير انتقادات ضمنية إلى سياسات النظام الإيراني ودعت إلى إعادة النظر في السياسات الأمنية.

وجاء في التقرير أن "السياسات الأمنية الراهنة تؤثر سلبا على الشعور بالسعادة والكرامة لدى المواطنين الذين ينتقدون هذه السياسات بأشكال مختلفة، وأدى الحصول على وسائل التواصل الجديدة ومعرفة التطورات الدولية إلى موجة واسعة وعميقة من الدعوة إلى التغيير في المجتمع. الأنظمة غير الديموقراطية والضعيفة لا تفهم طبيعة هذه الدعوات، وإذا أدركت ذلك وبدأت بإصلاح الأمور فإن تنظيم الإصلاحات وسن قوانين مساندة للإصلاح يستغرق وقتا طويلا، وخلال ذلك، سيحصل شرخ عميق بين السلطة والمجتمع وقد يشكل هذا الشرخ مصدر تهديد للنظام".

وتابع التقرير الذي لم يذكر اسم "الجمهورية الإسلامية" قائلا، إن "هذا الشرخ سيؤدي إلى أزمات ومتاعب للنظام على غرار التمرد على السياسات الكلية للبلاد وتدهور وضع رأس المال الاجتماعي وزيادة الحركات الاجتماعية الداعية الى التغيير وارتفاع نسبة الاحتجاجات العنيفة وحتى اتساع الحركات الثورية".

وأشار إلى عوامل تؤثر في ارتفاع منسوب السعادة بين المواطنين، منها اعتماد سياسة تتبنى الديبلوماسية والعلاقات البناءة والثقافة مما يعزز شعور المواطنين بالاحترام والقبول على الصعيد الدولي.

ويصنف جواز السفر الإيراني من ضمن الأسوأ في العالم، وتضع السلطات قيودا على دخول التجهيزات الطبية المتطورة التي تدعم النظام الصحي وتحسين الخدمات في المستشفيات، وتفرض القيود على القطاع العلمي والجامعات والباحثين والأساتذة، وكذلك تعتمد سياسات تمنع دخول الاستثمارات الأجنبية لتحسين ظروف العمل وكسب رضا المواطنين، وتحسين عجز السلطات عن تقديم خدمات صحية ومياه للشرب والحد من تلوث البيئة.

كل ذلك يشكل أسبابا تحد من إمكان ارتقاء مستوى حياة المواطنين والوصول إلى الأمن الغذائي، والأهم من ذلك أنها تفاقم الشعور بالعجز وعدم السعادة بين المواطنين بحسب التقرير.

اللافت أن كل هذه العوامل التي تزيد حال الإحباط والعجز بين المواطنين متوافرة في إيران اليوم، نتيجة للسياسات التي اعتمدها مسؤولو الجمهورية الإسلامية خلال أكثر من 40 عاما، أدت إلى ظهور مثل هذا البؤس في المجتمع الإيراني.

font change

مقالات ذات صلة