الظواهر الكروية من ماجد عبدالله إلى رونالدو ونيمار

كيف ينظر كتّاب سعوديون إلى الأثر الاجتماعي؟

Ewan White
Ewan White

الظواهر الكروية من ماجد عبدالله إلى رونالدو ونيمار

الرياض: من منّا لا يعرف ماجد عبد الله؟ لو سألت أصغر المهتمين بالشأن الرياضي، أو أي مشجع سعودي أو عربي، فسيخبرك في الحال عن هذه الظاهرة الكروية التي بزغ نجمها عام 1977 ولعب لصالح "النصر" السعودي. ومنه اختير للمنتخب، وظلّ يمتّع عشاق الساحرة المستديرة لمدة تربو على 22 عاما، حتى بات بحق ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل. وهو ما فعله الناقد السعودي طامي السميري في كتابه "ماجد عبد الله: "قراءة وتأمل في أسطورة الكرة السعودية"، الذي يعدّ اليوم تأريخا أمينا وصادقا لهذه الظاهرة الكروية التي لامست وجدان الملايين من عشاق الكرة، وغرست القيم الكبرى في عقول متابعيه ولا تزال.

الواقع أن كتاب السميري يستدعينا اليوم لاستحضاره كشاهدٍ على دراسة الظواهر المؤثرة في المجتمعات وتحولاتها، وسيظل وثيقة مهمة في قراءة مثل هذه التحولات.

صدر هذا الكتاب في توقيت مهم في الكرة السعودية، وجيلها الذهبي الذي أنجز ما جعل الكرة السعودية تتصدّر الكرة العربية، والرقم الصعب في كأس العالم 1994، الذي نظمته الولايات المتحدة الأميركية. وأمام مسيرة لاعب مثل ماجد عبدالله، نتساءل: ماذا لو كان هذا الأخير موجودا في عصر منصات التواصل الاجتماعي والفضائيات الرياضية المتخصصة؟ ترى كيف ستكون شعبيته في العالم العربي، أو حتى في الرياضة العالمية؟

أكاد أزعم أنه لو أتيحت للكابتن ماجد عبد الله، كل هذه الموارد الرياضية المتاحة في وقتنا هذا، فإنه بلا شك كان سيستخدمها لإبراز مكانة وطنه على خريطة العالم، ولتوجيه أنظار ملايين البشر إلى ما حققته بلاده في المجال الرياضي بصفة خاصة، وما أنجزته من خططها التنمويّة الشاملة في وجه عام.

عانينا لسنوات مضت من قليلي الخبرة، ومن انعدام الثقة في المدرب الأجنبي الذي لم يدرس تاريخ الكرة السعودية، ولا يعرف شيئا عن ظواهرها أو ملاعبها

فالفرد الظاهرة، قد يغدو – عن عَمْدٍ منه، أو بصورة عَفْوِيّة- الوكالة الإعلامية التي تتحدث عن موهبته، وتوجّه أنظار المهتمّين بتلك الموهبة إلى بلده، فيغدو الجميع مهتما بمسقط رأسه، ومما لا شك فيه لو أن ماجدا وُجِدَ في عصرنا هذا لبزّ نيمار أو رونالدو شهرة.
وأنت ترى ما حققه بيليه للبرازيل في مجال كرة القدم، إذ أنه وعلى الرغم من فقر الإعلام وقتها (حيث لم يتعدّ التلفزيون والصحف)، إلا أنه صار صورة ترويجية نموذجية لبلده.

AFP
كريستيانو رونالدو

ثم ها هو ماجد عبد الله الذي كان معشوق الجماهير في عصره، قد اعتلى ذروة المجد، وغدا – وقتها – قدوة لكل صبي، أو شاب سعودي وعربي يتمنى أن يصبح ماجدا آخر.

 

أساطير

ثم إننا عندما نقفز بالزمن إلى عصرنا الحالي، سنجد على أرضه كلّا من الأسطورتين اللّتين حققتا ما لم يحققه غير العمالقة والأفذاذ في المجال الرياضي، وكرة القدم على وجه الخصوص، فرونالدو ونيمار حديثا، وماجد عبد الله رمز الكرة السعودية، هم بمثابة ظواهر رياضية واجتماعية وثقافية اجتمعت حولها القلوب والعقول.

حين ننظر إلى هؤلاء الثلاثة، نجد أن مهاراتهم الكروية تؤهّلهم لأن يكونوا سفراء غير رسميين للسعودية التي تقدّم نفسها للعالم، كونها ثقل العرب، وقائدة العالم الإسلامي. إن الدولة التي دعمت النوادي السعودية برموز من النجوم في العالم كما يحدث اليوم من طريق حضور كبار اللاعبين المهرة واندماجهم في الوسط الرياضي السعودي، وبين عامة الناس، لهي حريصة على نشر الفرحة في نفوس عشاق الكرة وجماهيرها السعودية والعربية والعالمية، وما من شك في أن لذلك تأثيره على صعد شتى. إنها حالة تواصلية حديثة تتشكّل في المجتمع السعودي، وتقرّبه من العالمية بوصفها فضاء واسعا، مثلما يرى الكاتب يحيى العلكمي.

ماجد عبدالله

لا شك في أن اللاعب السعودي سيستفيد من اختلاط الكرة السعودية بالبرازيلية والأوروبية، ولن نحتاج لاستجلاب مدربين في "مرحلة التجريب"، وقد عانينا لسنوات مضت من قليلي الخبرة، ومن انعدام الثقة في المدرب الأجنبي الذي لم يدرس تاريخ الكرة السعودية، ولا يعرف شيئا عن ظواهرها أو ملاعبها، فكان الضرر أكثر من النفع، فخسرت الدولة أموالا طائلة، نتيجة الاعتماد على قليلي الكفاءة أو معدوميها الذين عجزوا عن تحقيق الإنجاز.

كيف ينظر نقّاد وكتّاب إلى تأثيرات الظواهر الكروية على المجال الثقافي والاجتماعي؟ نحاول تبيّن ملامح هذه النظرة مع القاص ناصر الجاسم، والقاص والكاتب المسرحي يحيى العلكمي، والناقد الأدبي نزار عبد الحميد.

الموهبة الكروية الفذة تحصد إجماعا يُقطف من ملايين الناس ممن ليسوا على دين واحد، ولا يتكلمون لغة واحدة، ولا يعيشون في وطن واحد، وألوانهم شتى، وطبقاتهم الاجتماعية التي ينتمون إليها متباينة أشد التباين

ناصر الجاسم

ناصر الجاسم: ثقافة ناعمة

إن اللاعبين الأسطوريين مثل ماجد عبد الله ورونالدو ونيمار وغيرهم، يمثلون ظواهر كروية تجتمع حولها ملايين القلوب، فهم القوة الناعمة التي تنشدها الدول الحكيمة، حينما يكون أثر المهارات الكروية والفنون الأدائية لكل لاعب منهم، ملهما ومبهجا يزرع الابتسامة على الوجوه.
والموهبة الكروية الفذة تحصد إجماعا يُقطف من ملايين الناس ممن ليسوا على دين واحد، ولا يتكلمون لغة واحدة، ولا يعيشون في وطن واحد، وألوانهم شتى، وطبقاتهم الاجتماعية التي ينتمون إليها متباينة أشد التباين، هذا الإجماع يتأتّى بقناعة شخصية دون أدنى ممارسة لضغوط أو إرهاب أو تهديد، إنه لا يكلف كثيرا من المال كما يحدث في الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة في بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية، إنه يكلف هدفا إعجازيّا أو جميلا أو حاسما في مباراة كرة قدم لهدف يكون بالرأس أو بالقدم، والمتذوق لا يقبض ثمنا ملموسا، بل يحصل على الفرح والسعادة الوقتيين، اللّذَيْن قد يتحولان إلى فرح وسعادة خالدين، ذلك أن استرجاع تاريخ الأهداف سواء أكانت لماجد أو لنيمار أو لرونالدو هو استدعاء واسترجاع للتاريخ الجميل، وللحظات الحلوة. إن أمثال هؤلاء اللاعبين هم سحرةٌ يغرسون ثقافة حب كرة القدم أكثر فأكثر، ونحن في السعودية عشاق لهذه اللعبة، وقد بدأ شغفنا بها مع إبداعات ماجد عبد الله، وحينما نرى اليوم إبداعات رونالدو ونيمار وبنزيما وغيرهم على أرضنا، فإن ذلك يزيد شغفنا بكرة القدم.

كرة القدم تمثل أيضا فعلا تنمويّا خلَّاقا إذا ما أُحْسِنَ استثمارُها، وقوة ناعمة تظهر طاقات المجتمع، فما بالك إذا دعمت برموز من النجوم العالميين كما يحدث اليوم

يحيى العلكمي

يحيى العلكمي: فعل تنمويّ

يشكل المجتمع حضور كرة القدم الفعّال، خاصة في أوساط الشباب، ونحن نلحظ ذلك مع بدء المواسم الرياضية المختصة باللعبة، وقد تجنح هذه العلاقة إلى سلوكيات غير محمودة عبر التعصّب الذي يفقد الموضوعية في الرأي، الأمر الذي يحدث كثيرا مع التأجيج الإعلامي. لكن كرة القدم تمثل أيضا فعلا تنمويّا خلَّاقا إذا ما أُحْسِنَ استثمارُها، وقوة ناعمة تظهر طاقات المجتمع، فما بالك إذا دعمت برموز من النجوم العالميين، كما يحدث اليوم من طريق حضور كبار اللاعبين المهرة واندماجهم في الوسط الرياضي السعودي وبين عامة الناس؟

AFP
نيمار

ما من شك في أن لذلك تأثيره على صعد شتى، منها ما يرفد الاحترافية الرياضية، ومنها ما يرقّي الحراك الرياضي وقيمه السامية. إنها حالة تواصلية حديثة تتشكل في مجتمعنا السعودي، تقربه من العالمية بوصفها فضاء واسعا.

لا يمكننا إغفال تطوّر مستوى اللاعب الوطني من خلال لعبه بجوار لاعبين عالميين، وجعله على قدر من الكفاءة العالية التي ستصل مستقبلا بالمنتخب الوطني السعودي إلى مصافّ العالمية

نزار عبد الحميد

نزار عبد الحميد: إشعاع حضاري

دائما ما ترتبط النهضة المجتمعية بإرادة فاعلة تتصدّرها قيادات طموحة عقدت العزم على تحقيق المكتسبات بمشروعٍ يستند على رؤيةٍ واضحةٍ وأهدافٍ وطنية أوضح. وقد تكون تلك الرؤى جزئية تحاول معالجة ظاهرة ما تشكل هاجسا مهما لتلك القيادات.
وفي النظر إلى اللعبة الشعبية الأولى عالميّا، سنجدها قد أصبحت ظاهرة اجتماعية وثقافية في آن واحد، وقد صار الشباب السعودي اليوم أكثر توقا إلى خلق إبداعيٍ جديد تجسده القيادة الطموحة التي دائما ما تكون على مستوى الحدث وهو ما نراه متجسدا خير تجسيد في رؤية 2030، التي باتت طموحا منقطع النظير، ساهم رياضيا في وضع أسس مميزة وفريدة لجعل الرياضة السعودية والدوري السعودي في مصافِ الدوريات العالمية، مما ينعكس بدوره على جوانب عديدة في الحياة الاجتماعية السعودية، ومنها السير في ركب حياةٍ عصريةٍ تساهم في نشر الصورة البراقة والمميزة للمجتمع السعودي، علاوة على الجانب الاقتصادي بتفعيل  الصفقات العالمية واستقطابها، وما سيدرّه ذلك من تحويل أنظار العالم إلى مركز الإشعاع الحضاري في بلاد الحرمين. فالمكاسب الإنسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لا تعدّ ولا تحصى في إطار هذا المشروع الوطني الطموح. إضافة إلى أنه لا يمكننا إغفال تطوّر مستوى اللاعب الوطني من خلال لعبه في جوار لاعبين عالميين، وجعله على قدر من الكفاءة العالية التي ستصل مستقبلا بالمنتخب الوطني السعودي إلى مصافّ العالمية.

AFP
بنزيما

فمن خلال احتكاك اللاعب السعودي بتلك المواهب والخبرات على أرضه، سيتطوّر مستواه حتما. وقد أثبت اللعب السعودي أنه من النوعية المميزة التي يمكن البناء عليها ليصل إلى مراكز متقدمة تخوّله حصد البطولات. ختاما لا يخامرني أدنى شك بأن القيادة السعودية الطموحة والحكيمة، وما تحمله من فكرٍ متقدٍ نيّرٍ ستقود هذه البلاد العظيمة نحو نهضة شاملة توازي رغبات شعبها وتطلعاته.

font change

مقالات ذات صلة