الملك عبدالعزيز... ونهضة الأمل العربي

في اليوم الوطني السعودي 93

الملك عبدالعزيز

الملك عبدالعزيز... ونهضة الأمل العربي

كان الخامس من شوال عام 1319ه، الموافق الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 1902م، لحظة مفصلية تغير معها تاريخ الجزيرة العربية، وتاريخ العرب الحديث، حين قام الشاب اليافع حينذاك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع عدد قليل من رجاله بالتوجه إلى الرياض يحدوه الأمل في استعادة ملك آبائه وأجداده، وما إن بزغ نور الصباح حتى نادى المنادي من فوق قصر المصمك: "الحكم لله ثم لابن سعود".

حقّق الملك عبدالعزيز ملحمة أسطورية مذهلة في توحيد شبه الجزيرة العربية، تلك الأرض المترامية الأطراف التي بقيت قرونا طويلة تعاني من التفرّق والتمزّق والتشتّت والفاقة، لكن مع الملك عبدالعزيز فُتحت صفحة جديدة في التاريخ، فغدت السعودية عملاق الجزيرة العربية وعاصمة العرب والمسلمين، كما يقول المؤرّخ قدري قلعجي: "ابن سعود ذلك الملك الذي يصفه جان بونيه بـ "نابليون العرب" خلّف مملكة شاسعة تعدل مساحتها نصف أوروبا، بعد ملحمة مدوية ونصف قرن من الجولات الخيالية، استطاع أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة". هي علامة فارقة في التاريخ حقا، يصفها حافظ وهبة بأنها "قصة أسطورية، تشبه قصص أبطال اليونان، وترينا عِظم الأخطار التي كانت تحيط بابن سعود".

  ابن سعود ذلك الملك الذي يصفه جان بونيه بـ "نابليون العرب" خلّف مملكة شاسعة تعدل مساحتها نصف أوروبا، بعد ملحمة مدوية ونصف قرن من الجولات الخيالية، استطاع أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة


قدري قلعجي

 كانت تلك اللحظة ملهمة لكافة الشعوب العربية، أحيت فيهم الأمل وبثّت روح النهوض والتحرّك نحو إصلاح البلاد العربية واستعادتها، ولهذا يقول الكاتب الأميركي إدوارد بكنج: "لكي نفهم سر يقظة الشعوب العربية لابد أن نبحث عن شخصية ابن سعود، فهذا الرجل الذي ظهر في الجزيرة، وحد العرب وأثار فيهم الحركة والنشاط. إن كل نهضة تقوم في مصر وسوريا وفلسطين سنجد فيها صوته.. ففي كل الآذان العربية يدوي صوت عبدالعزيز آل سعود".

 ومن الأحداث التي تشير إلى أثر شخصية الملك عبدالعزيز ومشروع توحيد المملكة في نفوس العرب وإحياء الأمل في نهوض البلاد العربية ما يشير إليه الباحث قاسم الرويس في كتابه "سوانح الأفكار لأمير البيان" حيث تطرق إلى واقعة تاريخية فريدة حين تقدم رموز "الكتلة الوطنية السورية" وهم من أبرز فصائل الثورة السورية إلى الملك عبدالعزيز بطلب مساعدته في تحرير سوريا من الاستعمار، وتعيين نجله سعود ملكا عليها.

Getty Images
رجال الملك عبد العزيز في طريقهم لاستعادة الرياض، المملكة العربية السعودية، 1910.

كانت نجد والحجاز تحتل مكانة عميقة وقوية في نفوس الثوار العرب المناضلين ضد الاستعمار الأجنبي فترة العشرينات من القرن الماضي. إذ إنها تكاد تكون البلاد العربية الوحيدة المستقلة التي لم تستعمرها القوى الأجنبية في المنطقة، ولذا كان الملك عبدالعزيز حريصا غاية الحرص على استقلال بقية الدول العربية ومؤيدا لكل عمل يضمن لها حريتها ويحفظ كيانها، ولم يأل جهدا في المساعدة والدعم لجميع البلاد العربية على كافة المستويات.

 

صيانة الاستقلال

وفي ذلك يقول عنه شكيب أرسلان: "ثم إنني بعد ذلك اطلعت على بعض مراسلات سرية أكدت لي أن ابن سعود لا يفرط في حقوق العرب وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ الأجنبي في الجزيرة".

وقال أيضا في عام 1930: "ولولا أن قيض الله عبدالعزيز بن سعود لصيانة الاستقلال العربي في قلب الجزيرة العربية لكانت سيوف الإفرنج تعمل الآن في رقاب العرب.. لقد وجدت فيه الملك الأشم الأصيد الذي تلوح سيماء البطولة على وجهه، والعاهل الصنديد الأنجد الذي كأنما قدّ ثوب استقلال العرب الحقيقي على قدّه، فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني سمعت، وتفاءلت خيرا بمستقبل هذه الأمة".

يؤكد الباحث الرويس في مراجعاته حول علاقة الملك عبدالعزيز بالثورة العربية السورية: "لقد أبدى الملك عبدالعزيز اهتماما بأحداث الثورة السورية الكبرى التي تفجرت في منتصف العشرينات وخاصة بعد أن أدّى تضييق الفرنسيين وضغطهم على قوات الثورة إلى اضطرار المجموعات الثورية وقياداتها وعلى رأسها سلطان الأطرش إلى الخروج من الأراضي السورية واللجوء في بادئ الأمر إلى شرق الأردن قبل رحيلهم بضغط من السلطات البريطانية إلى الأراضي السعودية". يشير إلى ذلك المؤرخ السوري أمين سعيد في كتابه "تاريخ الدولة السعودية" عن الملك عبدالعزيز: "نالت ثورة سوريا الكبرى سنة 1925-1927 على فرنسا الكثير من مساعداته المادية وفتح أبواب بلاده الشرقية والقريبة من الحدود وهي الجوف وسكاكا وقريات الملح للمجاهدين السوريين فنزلوها آمنين".

لقد وجدت فيه الملك الأشم الأصيد الذي تلوح سيماء البطولة على وجهه، والعاهل الصنديد الأنجد الذي كأنما قدّ ثوب استقلال العرب الحقيقي على قدّه

شكيب أرسلان

وهذا ما يؤكده شكيب أرسلان ذاكرا موقف ابن سعود وشاكرا، حيث يقول: "لما أنذر الإنكليز الثوار السوريين بمغادرة الأزرق أو أن يستسلموا إلى الفرنسيين اضطر نحو ألف نسمة إلى الاستسلام، ولكن شقيقي عادل وسلطان باشا الأطرش وغيرهما من القواد أبوا الاستسلام وقالوا للإنكليز: نحن قاصدون إلى أرض ابن سعود فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك وليس لكم في أرض ابن سعود أدنى يد علينا. فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في ظلال تلك الراية العربية الحقيقية، وكانوا نحو ألف وخمسمائة نسمة. ولولا ظل ابن سعود لما قدروا أن يستقروا في مكان، ولضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فلا يقدرون أن يدخلوا سوريا إلا إذا طلبوا الأمان من الفرنسيين، ولا فلسطين ولا شرق الأردن ولا العراق تقدر أن تقبلهم، وليس لهم سبيل إلى اليمن".

الملك عبدالعزيز

يقول الرويس: "كان الوطنيون السوريون (الكتلة الوطنية) يطمحون لرؤية سوريا مستقلة بمساعدة مؤثرة وفعالة من ابن سعود، ويورد تقرير فرنسي أن تاريخ العلاقة بين الوطنيين السوريين وابن سعود تعود إلى عام 1926، ولكنهم توجهوا إليه مرة أخرى عندما تعلق عمل الجمعية التأسيسية وقطعت المفاوضات مع المفوضية العليا سنة 1928، ثم أشار التقرير إلى مغادرة شكيب أرسلان جنيف في أبريل/ نيسان 1929 إلى مكة للحج، وكان ينوي التوقف في فلسطين لرئاسة مؤتمر يتبنى إعلان المملكة السورية وتعيين نجل ابن سعود ملكا لها، ولكن ذلك أجهض بسبب منع البريطانيين دخوله لفلسطين".

وأشار التقرير الفرنسي إلى أنه خلال إقامة شكيب المطولة في الحجاز حشد الحاشية المقربة لابن سعود أمثال خالد الحكيم ويوسف ياسين وفؤاد حمزة وغيرهم حول أطروحات الوطنيين، وأن ابن سعود حينما فاتحه شكيب أشار بتأجيل الموضوع. ولكن شكيب كتب إلى فوزي غازي بذلك في 18 مايو/ أيار 1929، فعقدت الكتلة الوطنية اجتماعا في بعلبك وكتبت إلى ابن سعود تخبره بقرار إعلان الملكية في سوريا وترشيح نجله سعود لها.

نالت ثورة سوريا الكبرى سنة 1925-1927 على فرنسا الكثير من مساعداته المادية وفتح أبواب بلاده الشرقية والقريبة من الحدود وهي الجوف وسكاكا وقريات الملح للمجاهدين السوريين فنزلوها آمنين

أمين سعيد

طرحت الفكرة مجددا بعد عودة الحكيم إلى دمشق في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1929 وسافر منها للأحساء ليؤكد لابن سعود -الذي كان هناك- المسألة. وباقتراح من الحكيم استقدم ابن سعود فوزي القاوقجي لتنظيم قواته وتعاقد مع عدد من الضباط السوريين. وقامت حملات في مصر وفلسطين بأن ابن سعود سيحقّق الوحدة العربية. وفي يناير/ كانون الثاني 1930 أرسلت البرقيات بمناسبة إعلان مملكته في نجد.

بعد نهاية الثورة السورية الكبرى دعت فرنسا الشعب السوري إلى انتخاب جمعية وطنية لإقرار نظام الحكم، فحضر الشيخ كامل قصاب مستعجلا مستنجدا بالسعودية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ سوريا، فاقترح على الملك أن يتولى مهمة تحرير سوريا فينقذها ويجلس على عرشها وينال شكرها، لكن الملك اعتذر بشدة وقال: "إن تقاليدنا القومية والدينية تحول دون قبولي عرشا تحت حماية الأجانب".

font change

مقالات ذات صلة