هل يستطيع ترمب أن يفوز حقا عام 2024؟

أظهر استطلاع للرأي في سبتمبر/أيلول أن الرئيس الحالي والسابق يتمتعان بنفس الدعم

هل يستطيع ترمب أن يفوز حقا عام 2024؟

رئيس سابق مجلل بالفضائح وملاحق بالقضايا، والأمة منقسمة حوله سياسيا بحدة، ويخضع الآن للمحاكمة في أربع مدن مختلفة. ومع ذلك ثمة احتمال في أن يعود دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

لا يشعر الحزب الديمقراطي بالذعر، ولكن ينتابه القلق، ففي كل أسبوع تطفو على السطح نقاط ضعف جديدة في سياسة جو بايدن، بينما لا يبدو أن مشاكل ترمب القانونية تسبب له أذى سياسيا. يفصلنا أكثر من عام عن الانتخابات، لكن مفاجأة أخرى لترمب مثل انتخابات 2016 ليست مستحيلة.

أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي إن إن" في سبتمبر/أيلول الماضي أن ترمب وبايدن يتمتعان بالقدر نفسه من الدعم بين الناخبين. وأظهر الاستطلاع أن ترمب يتقدم على جو بايدن بنقطة واحدة، 46-47 في المئة، بينما كان استطلاع سابق لصحيفة "وول ستريت جورنال" أجرته في أغسطس/آب، وجد أن كلا من الرجلين حصل على دعم بنسبة 46 في المئة. وهذا أمر مدهش بالنظر إلى مشاكل ترمب القانونية؛ حيث يواجه أربع محاكمات هي:

محاكمة في نيويورك تبدأ في مارس/آذار 2024 بتهمة الإبلاغ الكاذب عن سجلات أعمال ترمب لإخفاء مدفوعات لممثلة أفلام إباحية بهدف شراء صمتها بشأن علاقتهما.

محاكمة في فلوريدا تبدأ أيضا في مارس/آذار 2024 بتهمة احتفاظ ترمب بشكل غير قانوني بوثائق حكومية سرية في منتجعه ومقر إقامته في مارالاغو بولاية فلوريدا.

محاكمة في واشنطن أيضا تبدأ في مارس/آذار 2024 بتهمة محاولة ترمب وقف مسار المصادقة في الكونغرس على نتائج انتخابات 2020 والتشجيع على هجوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول.

بالإضافة إلى هذه المحاكمات الثلاث، يواجه ترمب أيضا محاكمة في جورجيا حيث وجه المدعي العام في الولاية اتهاما لترمب بمحاولة تغيير نتائج الانتخابات في تلك الولاية شديدة الأهمية ولم يتم تحديد موعد البدء في هذه المحاكمة بعد.

ستبدأ الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بعد أربعة أشهر، دون أن يظهر حتى الآن أي منافس جدي لترمب، الذي رفض المشاركة في المناظرة الأولى بين المرشحين الجمهوريين التي جرت يوم 23 أغسطس/آب. ووصف بعض المراقبين المناظرة بين المرشحين الآخرين بأنها مجرد "مناظرة أولاد"

وبعد هزيمة ترمب في انتخابات 2020 ومشاكله القانونية، توقع كثير من المراقبين السياسيين أن ينافس حاكم فلوريدا رون ديسانتيس بقوة ضد ترمب. ولكن ديسانتيس أظهر، بدلا من ذلك، أنه شخص ممل ولا يتمتع بكاريزما. وفي المقابل، أثارت مرشحة جمهورية أخرى، هي السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، إعجاب بعض المراقبين لذرابة لسانها وصراحة حدیثها، وصار لديها بالتالي فرصة لكسب أصوات الناخبات الأميركيات. ومع ذلك، فهي- مثلها مثل ديسانتيس- لم تقترب من مستوى شعبية ترمب بين ناخبي الحزب الجمهوري. وستبدأ الانتخابات التمهيدية للحزب بعد أربعة أشهر، دون أن يظهر حتى الآن أي منافس جدي لترمب، الذي رفض المشاركة في المناظرة الأولى بين المرشحين الجمهوريين التي جرت يوم 23 أغسطس/آب. ووصف بعض المراقبين المناظرة بين المرشحين الآخرين بأنها مجرد "مناظرة أولاد".

شعبية ترمب الدائمة والمستدامة

في أميركا القرن الماضي، كان من شأن القضايا الجنائية كتلك التي يواجهها ترمب اليوم أن تمنع أي مرشح، جمهوري أو ديمقراطي من نيل ترشيح حزبه لخوض الانتخابات الرئاسية. لكن جزءا كبيرا من أميركا يحب دونالد ترمب بغض النظر عما يفعله. ووفقا لاستطلاعات الرأي الشهرية التي أجرتها مؤسسة إيبسوس، ظلت شعبية دونالد ترمب عند حوالي 40 في المائة خلال العامين الماضيين. ولم تنفك القاعدة الجماهيرية والداعمة القوية لترمب والتي اتخذت شعارا لها "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" عن التشكيك في حقيقة فوز جو بايدن وبنزاهة في انتخابات عام 2020.

ترفض قاعدة ترمب المكونة من الناخبين البيض ومن الطبقة العاملة، تطور أميركا إلى مجتمع متعدد الثقافات حيث يتم تسليط الضوء على هويات الأقليات في السياسة وفي هوليوود ووسائل الإعلام وأماكن العمل. وهم يريدون هدم جزء كبير من المؤسسة السياسية وبعض المؤسسات الحكومية. بل إن البعض يجادل بأن أميركا جمهورية دستورية وليست ديمقراطية! لقد تعهد ترمب دائما بأنه سيدمر المؤسسة القديمة، واليوم غدا خطابه لانتخابات عام 2024 أكثر سخونة من أي وقت مضى ضد الحكومة الفيدرالية. وعندما يتجاهل ترمب التقاليد والقواعد، فإن قاعدته تستجيب بشكل إيجابي. أربع قضايا أمام المحكمة الجنائية؟ لا توجد مشكلة كبيرة بالنسبة لقاعدته الانتخابية، بل ولا للحزب الجمهوري برمته.

بالنسبة للقاعدة الشعبية الداعمة لترمب ليس للحقائق قيمة. وبالفعل، فقد أظهر استطلاع للرأي العام الذي أجرته مجموعة "مورنينغ كونسالتنت" بداية سبتمبر/أيلول الماضي، بعد بدء محاكمة ترمب، أن 76 في المئة من الناخبين الجمهوريين لديهم انطباع إيجابي عن دونالد ترمب

على العكس، يحول ترمب الاتهامات الموجهة إليه إلى تحذيرات من أن الحزب الديمقراطي يستخدم المؤسسات الحكومية لتدمير المحافظين الوطنيين، مبررا ادعاءات الحزب الجمهوري بأنه ضحية لقمع اليسار. وبالنسبة للقاعدة الشعبية والداعمة لترمب ليس للحقائق قيمة.

وبالفعل، فقد أظهر استطلاع للرأي العام الذي أجرته مجموعة "مورنينغ كونسالتنت" بداية سبتمبر/أيلول الماضي، بعد بدء كل هذه القضايا أمام المحاكم، أن 76 في المئة من الناخبين الجمهوريين لديهم انطباع إيجابي عن دونالد ترمب؛ وفي داخل هذه الـ76 في المئة، فإن قاعدة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" التي تبلغ حوالي 40 في المئة لها انطباع إيجابي للغاية. هذه الشعبية جعلت منافسي ترمب في الحزب الجمهوري الذين شاركوا في مناظرة الأولاد حذرين من توجيه انتقادات لترمب، لأنهم إن هاجموه، فسوف تتضاءل شعبيتهم بين الناخبين الجمهوريين. وقد بدأ نائب الرئيس السابق مايك بنس أخيرا في انتقاد ترمب في سبتمبر/أيلول الماضي، فتراجعت شعبيته، وفقا لاستطلاعات الرأي.

نقاط ضعف جو بايدن

ومما يعزز فرص دونالد ترمب للفوز في انتخابات 2024 أن الرئيس بايدن لا يبدو حتى الآن مرشحا قويا. ووفقا لاستطلاع أجرته شبكة "سي إن إن" في 5 سبتمبر/أيلول، قال 39 في المئة فقط من الأميركيين الذين شاركوا في الاستطلاع إن بايدن يقوم بعمل جيد. وأظهرت استطلاعات أخرى أجرتها مؤسسة إيبسوس وصحيفة "وول ستريت جورنال" في أغسطس/آب أن حوالي 40 في المئة فقط من الأميركيين أشادوا بأداء بايدن، بينما تظهر جميع هذه الاستطلاعات أن ما بين 54 و60 في المئة عبروا عن عدم رضاهم عن أدائه. ولم تتغير هذه الأرقام كثيرا في العامين الماضيين.

عندما لا تكون أميركا في حالة حرب، يكون الاقتصاد دائما هو القضية السياسية الأولى، وحتى الآن، الأميركيون غير راضين عن بايدن. وأظهر استطلاع شبكة "سي إن إن" أن 58 في المئة من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع عبروا عن عدم رضاهم عن إدارة بايدن للاقتصاد. وقد يبدو هذا غريبا في البداية لأن نسبة البطالة منخفضة جدا، وتزداد الوظائف المعروضة في سوق العمل، وسوق الأوراق المالية في حالة جيدة جدا، كما تراجع تضخم الأسعار، الذي ارتفع بشكل قياسي خلال الثمانية عشر شهرا الماضية، وفي كل مرة نزور فيها محل بقالة، يمكننا أن نرى فرقا كبيرا عما كان عليه قبل عام أو عامين.

كل شيء نشتريه، من السيارات إلى معجون الأسنان، أغلى ثمنا. ولا ريب أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسيارات والإيجارات والمنازل يسبب ألما كبيرا وبخاصة لأسر الطبقة المتوسطة والأميركيين الأصغر سنا. ولئن توقفت الأسعار عن الارتفاع بالسرعة التي كانت عليها قبل عام، إلا أنها ترفض أن تنخفض، وبالتالي فإن الاقتصاد لا يقف في صف جو بايدن سياسيا حتى الآن.

ثمة مشكلة أخرى تواجه جو بايدن؛ هي عمره، الذي يشكل على الدوام هاجسا كبيرا، فهو أكبر الرؤساء سنا في التاريخ الأميركي. وأظهر استطلاعان منفصلان خلال الصيف أن حوالي ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أن سن بايدن أكبر من أن يسمح له بأن يكون رئيسا

وسوى الاقتصاد، ثمة مشكلة أخرى تواجه جو بايدن؛ هي عمره، الذي يشكل على الدوام هاجسا كبيرا، فهو أكبر الرؤساء سنا في التاريخ الأميركي. وأظهر استطلاعان منفصلان خلال الصيف أن حوالي ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أن سن بايدن أكبر من أن يسمح له بأن يكون رئيسا، فحين تنتهي ولايته الثانية، في حال فاز بها، سيكون عمره 86 عاما. (قبل بايدن، كان رونالد ريغان، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، أكبر الرؤساء سنا. وكان عمره 77 عاما عندما انتهت ولايته الثانية عام 1988).

تركز الثقافة الأميركية عموما على الشباب وأساليبهم وأذواقهم. ووظيفة الرئيس من حيث العمل، واتخاذ القرارات الصعبة، والمكالمات الهاتفية المستمرة والاجتماعات، والسفر والتحدث أمام الجمهور كل يوم أمر مرهق حتى بالنسبة للشباب. (ولنتذكر كيف احتل البياض شعر باراك أوباما الأسود خلال سنوات رئاسته على الرغم من أنه كان في الخامسة والخمسين فقط عندما غادر المكتب البيضاوي). وليس من السهل أن نتخيل رئيسا يبلغ من العمر 86 عاما.

 ويفضل ثلثا الناخبين الديمقراطيين عدم ترشح بايدن لإعادة انتخابه، بحسب عدة استطلاعات للرأي. ومع ذلك، فإن الخوف من عودة ترمب يساعد بايدن الذي لا يحظى بشعبية على إحباط أي تحدٍ من داخل الحزب الديمقراطي. وبدلا من ذلك، يحث السياسيون الديمقراطيون الذين كان يمكن أن يتحدّوا بايدن، مثل حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، على الوحدة الديمقراطية تحت زعامة بايدن في المنافسة الشرسة ضد الحزب الجمهوري ذي الميول اليمينية المتطرفة.

في حين يتمتع ترمب بقاعدة قوية، فإن حوالي 50 في المئة من الناخبين لديهم باستمرار انطباع سلبي عنه، وفقا لاستطلاعات الرأي الشهرية التي تجريها مؤسسة إيبسوس. وهذا يجعل الفوز أكثر صعوبة بالنسبة لترمب

ما الذي تجب مراقبته في الأشهر المقبلة؟

لا تزال الانتخابات الأميركية بعيدة المنال ويمكن أن يتغير الكثير. علاوة على ذلك، في حين يتمتع ترمب بقاعدة قوية، فإن حوالي 50 في المئة من الناخبين لديهم باستمرار انطباع سلبي عنه، وفقا لاستطلاعات الرأي الشهرية التي تجريها مؤسسة إيبسوس. وهذا يجعل الفوز أكثر صعوبة بالنسبة لترمب. وفي انتخابات 2020، اجتمع الديمقراطيون والمستقلون للتصويت لصالح بايدن بفارق ضئيل في ولايات رئيسة مثل أريزونا وجورجيا وميتشيغان ونيفادا وبنسلفانيا. إن رفض الحزب الجمهوري القوي لحق المرأة الأميركية في الإجهاض، والتهديدات المنتظمة من الجمهوريين باستخدام العنف إذا خسر ترمب عام 2024، من شأنها أن تعزز الدعم لبايدن، الذي سيكون في أمسّ الحاجة إليه.

إن التعبئة الكبيرة للناخبين الذين رفضوا ترمب هي وحدها التي مكنت بايدن من الفوز عام 2020. ونظرا لتقدمه في السن وسياساته الوسطية، فقد لا يتمكن من حشد الدعم الحماسي من الجانب اليساري للحزب الديمقراطي، وخاصة الناخبين الأصغر سنا.

Reuters
الرئيس السابق دونالد ترمب أثناء جلسة إحدى القضايا التي يحاكم فيها، مدينة نيويورك، 25 أكتوبر 2023

وقد ينتهج بايدن في العام المقبل المزيد من السياسات اليسارية لتعبئة الجانب الأصغر سنا في الحزب الديمقراطي. ولكن خطوة بايدن هذه ستكون لها مخاطر، ولا سيما من مجموعة من الجمهوريين والديمقراطيين المعتدلين الذين قد يقترحون مرشحا ثالثا في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ويخشى الديمقراطيون من أن يجذب مثل هذا المرشح الثالث المستقل ناخبي الوسط بعيدا عن بايدن بينما تظل قاعدة ترمب الجمهورية موالية لترمب. في هذه الحالة، قد يكون من الممكن أن تكون نتائج الانتخابات في بعض الولايات الرئيسة متشابهة لما يلي:

الانتخابات في بعض الولايات الرئيسة: حوالي 46 في المئة لترمب، و44 في المئة لبايدن، و10 في المئة لمرشح الطرف الثالث. ولن يفوز ترمب بأغلبية الأصوات في مثل هذه الولايات، لكنه سيحصل على أكبر عدد من الأصوات وبالتالي سيحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي في الانتخابات الرئاسية. لقد ساعد المرشحون المستقلون بيل كلينتون على الفوز عام 1992، وجورج دبليو بوش في الفوز عام 2000. ولهذا السبب، يحذر زعماء الحزب الديمقراطي والجهات المانحة المالية ساسة الوسط تحذيرا قويا من التبعات التي سوف تترتب على اقتراح ترشيح مرشح ثالث مستقل. فهل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه؟

font change

مقالات ذات صلة