جو بايدن وحسابات دعم إسرائيل المطلق في حرب غزة

بايدن ونتنياهو وبينهما إيران 

Reuters
Reuters

جو بايدن وحسابات دعم إسرائيل المطلق في حرب غزة

اعتبرت الإدارة الأميركية أن حرب إسرائيل- غزة تمثل نقطة انعطاف في سياق المعركة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في العالم، في تشبيه اصطناعي وربط بين مسرحي العمليات في أوكرانيا وإسرائيل. وأتت زيارة الرئيس جو بايدن لتل أبيب في لحظة حرجة، لتبرهن أن الولايات المتحدة تبقى دوما الحليف الأكثر ولاء والتزاما لإسرائيل، بالرغم من الخلافات بين إدارة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو.

ولا يعفي احتضان واشنطن لحليفها من مواجهة الواقع المعقد في الشرق الأوسط الملتهب؛ فمقابل دعمها المطلق وحمايتها لإسرائيل، تضغط الولايات المتحدة على القيادة الإسرائيلية من أجل تجنب توسيع الجبهات والدخول في حرب إقليمية. وتبدو هذه المهمة دقيقة وحساسة، لأن السيناريوهات تبقى مفتوحة ولأن إسرائيل كما حماس وقوى المحور الإيراني تعتبر هذه المعركة وجودية.

إنه باختصار اختبار كبير لصدقية إدارة بايدن في مناخ من الاحتجاج العربي على الالتزام الأميركي الأحادي الجانب بدعم إسرائيل، ومن التنافسية الدولية في الإقليم، ومن تحدي التجاذب الأميركي الملتبس مع إيران وكذلك أحيانا من التباين مع إسرائيل.

فشل السياسة الأميركية

في مطلق الأحوال، هذه الحرب الجديدة حول غزة (بعد حلقات 2008- 2014- 2021) لم تندلع فقط بسبب هجوم "حماس" أو بسبب مواقف وممارسات حكومة بنيامين نتنياهو والمؤسسة الإسرائيلية، بل بسبب التغاضي الدولي وامتناع الدول الكبرى عن تحمل مسؤولياتها في متابعة النزاع الإقليمي الأقدم في العالم، ومما لا شك فيه أن إهمال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين أسهم في تهميش القضية الفلسطينية والوصول إلى الانفجار.

بيد أن المسؤولية الأميركية أساسية، فمنذ حرب الخليج الأولى عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة القوة الخارجية التي لا منازع لها في شؤون الشرق الأوسط، خاصة مع محاولات بناء نظام إقليمي يخدم مصالحه، وذلك عبر كثير من المحطات: اتفاق أوسلو عام 1993، اعتداء 11 سبتمبر/أيلول، حرب العراق، الاتفاق النووي مع إيران، اتفاقات أبراهام.

وخلال الرعاية الأحادية لمسار السلام ومفاوضاته، فشلت واشنطن في إرساء الاستقرار والسلام بسبب غياب السياسة المتوازنة ومنح إسرائيل دعما واسع النطاق أيا كان ساكن البيت الأبيض. لم يشذ بايدن الرئيس السادس والأربعون عن هذه القاعدة وكان أحد السياسيين الأكثر صراحة في دعمه لإسرائيل، إذ قال عام 1986 إنه "لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الأميركية أن تخلق إسرائيل لحماية مصالحنا في المنطقة".

AFP
الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لافتة مكتوب عليها "شركاء في الجريمة" خلال مسيرة تضامنية مع الفلسطينيين في قطاع غزة في عمان في 27 أكتوبر 2023

كان هناك استثمار في حماية إسرائيل ولم يكن هناك استثمار سياسي مواز في الشرق الأوسط. ويتكرر الأمر بعد عملية "طوفان الأقصى"، حيث أعطت واشنطن الحرية الكاملة لإسرائيل في ردها العسكري، من دون التنبه لمصير المدنيين في غزة وتصور الأفق السياسي في اليوم التالي للحرب.

ولهذه الأسباب برز تباعد أميركي- عربي، وانقسام عربي- غربي، خلال "قمة القاهرة للسلام" في 21 أكتوبر/تشرين الأول. وللتذكير قادت واشنطن العملية السلمية منذ أوسلو ولم تسفر عن أي نتيجة واعدة. واكتفت واشنطن بتكرار الكلام عن حل الدولتين الذي بات رهانا بعيد المنال، إن لم يكن سرابا بسبب حجم الاستيطان ووضع القدس وفرض الأمر الواقع.

في المقابل، لا تعد مهمة الولايات المتحدة سهلة تماما مع حليفها الإسرائيلي بسبب الموقف من إيران.

الحرب الجديدة لم تندلع فقط بسبب هجوم حماس أو بسبب مواقف وممارسات حكومة بنيامين نتنياهو والمؤسسة الإسرائيلية، بل بسبب التغاضي الدولي وامتناع الدول الكبرى عن تحمل مسؤولياتها

بايدن ونتنياهو وبينهما إيران 

تجاوز جو بايدن مقاطعته بنيامين نتنياهو لما اعتبره لحظة مصيرية بالنسبة لإسرائيل والصلة الأميركية-الإسرائيلية، لكنه حرص في الوقت نفسه على ضبط مسار ردة الفعل وعدم توسيع إطار الحرب، وذلك من أجل الاستفراد بقطاع غزة من جهة وعدم الوصول إلى الاشتباك مع إيران من جهة ثانية.

تبين خلال لقاءات بايدن أن الإدارة الأميركية تتدخل بشكل أو بآخر بشأن التوقيت والاستراتيجية من أجل فهم الأهداف، خشية الفشل أو ضخامة الخسائر الميدانية، مع عدم المصادقة على ضربات استباقية ضد "حزب الله" وكل ما سماه وزير الخارجية الروسي "استفزاز إيران". وعلى الموجة نفسها، ركزت واشنطن على تبرئة إيران من التخطيط لعملية "حماس"، إلا أن بايدن في إحدى مداخلاته طمأن الجانب الإسرائيلي واعتبر أنه سيعمل ضد إيران التي "دعمت روسيا في أوكرانيا وتدعم حركة حماس".

من الناحية العملية، كانت مسألة التعامل مع ما تعتبره إسرائيل "التهديد الإيراني" مثار خلاف في التقييم والأساليب بين إدارتي أوباما وبايدن من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. وحسب مصادر مطلعة كان التصدي للبرنامج النووي الإيراني محور التباين بين الجانبين، وازداد التباعد مع الاستثمار الإيراني في دعم "حزب الله" وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

كان هناك استثمار في حماية إسرائيل ولم يكن هناك استثمار سياسي مواز في الشرق الأوسط

وحسب مصادر مطلعة، قامت واشنطن مرارا بمنع إسرائيل منذ 2010 من القيام بأي هجوم ضد البرنامج النووي الإيراني، وحجبت عنها التغطية والعتاد اللازم لذلك. ودوما كانت واشنطن إلى جانب الخيار السياسي لاحتواء إيران، باستثناء سياسة "الضغط الأقصى" إبان إدارة ترمب. بيد أن الجانب الإسرائيلي غالبا ما أبدى تأففه من مقاربة الفريق الدبلوماسي الأميركي الخاص بإيران إبان إدارة أوباما، والذي تولى أعلى المسؤوليات في إدارة بايدن (وليام بيرنز مدير المخابرات المركزية، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي، وأنتوني بلينكن وزير الخارجية، ومساعدته ويندي شيرمان، والممثل الخاص لشؤون إيران روبرت مالي الذي تم إبعاده مؤقتا لأسباب أمنية).

Reuters
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث لوسائل الإعلام، بعد زيارة معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة 20 أكتوبر 2023

لا تزال واشنطن تراهن على إبرام صفقة مع النظام الإيراني والدليل كان اتفاق تبادل الأسرى بوساطة قطرية، وأتت الحرب الأخيرة لتضع كل هذه الاستراتيجية الأميركية على المحك. ولذا أسرعت واشنطن لإرسال حاملتي طائرات واستعراض قوتها علها تردع إمكانية تدخل المحور الإيراني، وبالتالي تتجنب احتمال التدخل إلى جانب إسرائيل. 

تسلم إسرائيل خلال هذه الحقبة بالأولويات الأميركية، لكن كل ذلك سيتوقف على مسار الحرب ومدتها وتدحرج الوضع الميداني وحسابات طهران في الربح والخسارة. وبعد أسبوعين من بدء المواجهات، لا يبدو للوهلة الأولى أن إيران ستضحي بمكاسبها من أجل نجدة قطاع غزة في ظل شبه اتفاق دولي على "تقويض حركة حماس". 

لا تزال واشنطن تراهن على إبرام صفقة مع النظام الإيراني والدليل كان اتفاق تبادل الأسرى بوساطة قطرية

خيارات بايدن ومعركته الانتخابية

أخذت مواجهة الشرق الأوسط الملتهب تمثل اختبارا إضافيا لإدارة بايدن، إلى جانب حرب أوكرانيا، ويبدو أن الرجل الثمانيني لا يتردد، ويتباهى بأن "بلاده منارة العالم"، وهو الذي قال غداة هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إن "الولايات المتحدة الأميركية أقوى دولة (...) في تاريخ العالم، ويمكننا الاهتمام بأوكرانيا وإسرائيل معا".

وبعد عودته من إسرائيل طالب بايدن الكونغرس بمليارات الدولارات من المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل. وهكذا ينطبق عليه وصف "محارب أميركا السعيد" الذي أُطلق عليه عند انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. لكن الأهم سيكون في كيفية دخول جو بايدن التاريخ وليس كسب معركته الانتخابية. على الأرجح، كان الرئيس الأميركي يأمل في أن يقدم إنجاز التطبيع العربي مع إسرائيل كسلاح في السباق الانتخابي، وربما يأمل اليوم من خلال "حروبه" ودعمه لإسرائيل أن يمدد إقامته في البيت الأبيض.

وفي المقابل، يمكن أن تؤدي تداعيات حرب غزة إلى نشوء مسرح جديد للصراع الدولي، ولذا من الأجدى للجميع عدم ترك غزة في الجحيم وعدم تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في موازاة البحث عن سبل الاستقرار والتنمية والسلام.

font change

مقالات ذات صلة