القصة الكاملة لـ"الممر الأميركي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا

يبقى الممر تصورا سياسيا غربيا لتحقيق التوازن في نظام بات متعدد الأقطاب

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

القصة الكاملة لـ"الممر الأميركي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا

خلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر/أيلول، تعاونت الهند، باعتبارها الدولة المضيفة، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بصياغة مذكرة تفاهم رسمية، تمثل اتفاقا غير ملزم للعمل بشكل مشترك لتطوير "ممرين" متميزين، يشكلان رابطا سياسيا مفاهيميا مدعوما بمجموعة من البنى التحتية المادية، سواء تلك المشيدة حديثا أو الموجودة مسبقا.

أحد الممرين (الشرقي) يهدف إلى ربط الهند بالخليج العربي، بينما يسعى الممر الشمالي إلى ربط الخليج العربي بأوروبا. وأبرز مشروع للبنية التحتية ضمن هذه الممرات هو نظام السكك الحديدية التقليدي المصمم لتسهيل الحركة الفعالة للسلع والخدمات بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا من خلال شبكة عبور تتألف من السفن والسكك الحديدية.

غير أن أهمية هذه المبادرة تتجاوز السكك الحديدية نفسها، لأن المشروع يشمل إلى ذلك تركيب كابلات الطاقة والاتصال الرقمي على طول خط السكة الحديد، بالإضافة إلى إنشاء قناة لتصدير الهيدروجين النظيف من الخليج إلى أوروبا.

كان الهدف السياسي الأهم وراء هذه المبادرة هو إبراز الولايات المتحدة وأوروبا لقدرتهما على توليد أفكار جديدة لتعزيز الاتصال. وبعبارة أقل دبلوماسية، فقد كانوا يهدفون إلى منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية أو تجاوزها. ومع ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة توصلت إلى مفهوم تطوير البنية التحتية واستخدام الدبلوماسية لتعزيز نفوذها في وقت متأخر نسبيا، بعد أن حققت بعض البلدان المنضمة إلى ممرات الاتصال هذه بالفعل تقدما كبيرا في جهودها الرامية إلى تحقيق التكامل الاقتصادي. أما بالنسبة لأوروبا، فإن احتمال تأمين النقل وإنشاء البنية التحتية للمساعدة في بناء سوق للهيدروجين الأخضر يبدو أكثر أهمية لها من إظهار أجندة التنمية الاقتصادية الإقليمية. ومن المهم التأكيد أن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يفتقدان القدرة أو المصلحة في تمويل هذا الممر بالطريقة التي اعتمدت بها الصين تقليديا على قطاع البنوك المحلية لتوسيع بنيتها التحتية وقدرتها على الاتصال بالأسواق الناشئة الجديدة.

يعد الممر الهندي إلى الشرق الأوسط وأوروبا جزءا من تعاون أوسع يشمل حكومات مجموعة السبع والمؤسسات المالية الدولية

ويعد الممر الهندي إلى الشرق الأوسط وأوروبا جزءا من تعاون أوسع يشمل حكومات مجموعة السبع والمؤسسات المالية الدولية ومستثمري البنية التحتية الخاصة، ومعظمهم من الأميركيين. وكانت الحكومة الأميركية وشركاؤها في مجموعة السبع قد قدموا– كرد على مبادرة الحزام والطريق الصينية– شراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) في مايو/أيار 2023، بهدف أساسي هو توفير الدعم السياسي لحلول التمويل المختلط في مجالات مثل الطاقة النظيفة والنقل والرعاية الصحية والبنية التحتية القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وتعتمد هذه البلدان عادة، في المشاريع واسعة النطاق، على قروض ذات فائدة أعلى من البنوك الخاصة والتمويل الميسر من مؤسسات مثل البنك الدولي أو مؤسسة التمويل الدولية. وقد قدمت مبادرة الحزام والطريق الصينية تاريخيا التمويل وشركات المقاولات لمثل هذه المساعي.

ويمثل نهج القطاع الخاص ذي التمويل متعدد الأطراف التزاما سياسيا بتوجيه الأموال المتاحة من بنوك ووكالات التنمية القائمة نحو إقامة شراكات مع مستثمري القطاع الخاص. وتقدم بعض ضمانات المخاطر في حالة التخلف عن السداد أو انخفاض قيمة العملة. ومع أن هذا النهج مبتكر وضروري، فإن محطات الطاقة أو البنية التحتية الرئيسة لا تبنى بين عشية وضحاها، ويعود السبب في عرقلة هذه المشاريع إلى اللوائح وأنظمة الحكم المحلي في كثير من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ومع ذلك، ينبغي النظر إلى المشاريع المعلن عنها في إطار المبادرة باعتبارها قصص نجاح محتملة، مع الاعتراف بأن الظروف السياسية والاقتصادية الفريدة لكل بلد سوف تفرض تحديات واختيارات متميزة.

اقرأ أيضا: تساؤلات على طريق التوابل الأميركي

ولكن ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا لا يتوافق بدقة مع أهداف مبادرات البنية التحتية العالمية والاستثمار، فمن جانب، هو لا يعمل في المقام الأول على تسريع تمويل الطاقة النظيفة، ومن جانب آخر لا تعتبر البلدان التي يرتبط بعضها ببعض بلدانا ذات دخل منخفض أو متوسط. ومع ذلك، يخدم الممر أهدافا أوسع لأمن الطاقة للدول الأوروبية ويسمح للولايات المتحدة بتعزيز هدف أمنها القومي المتمثل في دعم التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال ربط شركائها الاستراتيجيين، إسرائيل والمملكة العربية السعودية، على الأقل من خلال الاتصال بالسكك الحديدية.

ويبقى الممر تصورا سياسيا غربيا لتحقيق التوازن في نظام بات متعدد الأقطاب، حيث يقوم بشكل رئيس بإضافة الدول إلى جانبه في حساب الربح والخسارة إذا ما نشب صراع مستقبلي مع الصين. وفي الواقع، يوفر الممر شيئا للجميع ولا ينسى حتى الصين، ذلك أن الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، هي بالفعل أهم مصدر لإعادة تصدير البضائع الصينية في المنطقة. ومن شأن وجود ممر إضافي بري أن يسهل تلك القدرة الحالية من جبل علي.

يدور السؤال الحاسم حول ما إذا كان هذا الطريق الجديد يوفر مزايا من حيث السرعة أو فعالية التكلفة أو السلامة، مقارنة مع الطرق البحري الحالي

يدور السؤال الحاسم حول ما إذا كان هذا الطريق الجديد يوفر مزايا من حيث السرعة أو فعالية التكلفة أو السلامة، مقارنة مع الطرق البحري الحالي. ومن الجدير بالذكر أن هذا الطريق لا يزال يتطلب المرور عبر مضيق هرمز ويعتمد على موقع حساس آخر، وهو ميناء حيفا في إسرائيل، الذي تديره حاليا مجموعة هندية بدعم من استثمارات الدولة الإماراتية. ومن المتوقع أن تحقق دولة الإمارات العربية المتحدة أقصى استفادة من تعزيز علاقاتها التجارية مع الهند وتوسيع الاستثمارات الجديدة في أصول البنية التحتية الاستراتيجية التي تمتد عبر إسرائيل وشرق البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى أوروبا.

خيارات اتصالات متعددة

لمفهوم الاتصال المعزز، كما بينه إعلان ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا، جذوره في منطقة الخليج، وقد سبق مشاركة الولايات المتحدة وأوروبا. وبدلا من أن تكون القوى الغربية وحدها هي من يحرك دول الخليج، أكدت دول الخليج منذ فترة طويلة على الترابط كموضوع رئيس في رؤيتها الوطنية وأهدافها الاستراتيجية. ويتجلى هذا التركيز المتجدد على الربط البيني في تنشيط المبادرات السابقة للتكامل داخل مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك تطوير شبكة السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي.

وتزداد أهمية نقاط الاتصال لجميع دول الخليج ازديادا كبيرا، سواء بواسطة السكك الحديدية أو الخطوط الجوية أو البحرية، حيث تشكل هذه الروابط ضرورة فائقة لتحقيق أجندات التنويع، خاصة فيما يتعلق بتصدير منتجات الطاقة المختلفة (بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة والهيدروكربونات)، وتطوير صناعات جديدة مثل التعدين، وضمان إمدادات غذائية يمكن الاعتماد عليها.

Nash Weerasekera

ويشمل الاتصال، في هذا السياق، أبعادا جغرافية ومتعددة الوسائط ويحمل أهمية سياسية. ومن المفهوم إذن أن لا ترغب أي من دول الخليج في الوقوف إلى جانب أي طرف في أي نزاعات غربية مع الصين، بل تركز اهتمامها الأساسي على تأمين اتفاقات التجارة الحرة والشراكات الاقتصادية الشاملة للربط مع المراكز الاقتصادية القائمة بالفعل. وتميل أولوياتهم نحو التواصل مع الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا، بدلا من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتبارات سلسلة التوريد لمنتجات الطاقة المتجددة، بما في ذلك المعادن مثل النحاس والكوبالت، وكذلك الفوسفات للأسمدة، تدفع دول الخليج إلى الاستثمار في الأصول في أميركا اللاتينية وأفريقيا. ولعب الأمن الغذائي أيضا دورا حاسما في الشراكات، والتي تدعم الكثير من الاتفاقات بين الهند والإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك الشراكة الرباعية (الهند والولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة).

مشروع السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي قيد المناقشة لأكثر من عقد من الزمان

وكان مشروع السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي قيد المناقشة لأكثر من عقد من الزمان، وجرت الموافقة مبدئيا على مشروع سكة حديد الخليج في القمة الثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي بمدينة الكويت في ديسمبر/كانون الأول 2009، مع تحديد تاريخ الانتهاء منه عام 2018، بيد أن انخفاض أسعار النفط عام 2016 كان السبب وراء التأخير الأول في تمويل المشروع، تلا ذلك نزاع دول مجلس التعاون الخليجي (رسميا بين يونيو/حزيران 2017، ويناير/كانون الثاني 2021) بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، الذي تسبب أيضا في تعطيل جميع فرص التكامل الاقتصادي الإقليمي. ومع اتفاق العلا، أعادت أمانة مجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني 2021 تشغيل المشروع بشكل فعال. وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء الست تمر بمراحل مختلفة من المناقصات والإرساءات الجديدة، وافق قادة دول مجلس التعاون الخليجي على إنشاء هيئة السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني 2022.

اقرأ أيضا: الصين تنافس الهيمنة العسكرية الأميركية

وفي العام نفسه، أنشأت سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة شركة "عمان- الاتحاد" للقطارات لتنفيذ شبكة بطول 303 كيلومترات، بدعم من شركة "مبادلة للاستثمار". وتهدف شبكة السكك الحديدية هذه في المقام الأول إلى نقل سلاسل توريد الطاقة والخدمات اللوجستية، وليس لنقل الركاب أو المنتجات الاستهلاكية.

كما وقعت شركة الاتحاد للقطارات العمانية مذكرة تفاهم مع شركة التعدين البرازيلية فالي، لاستكشاف خيارات النقل بالسكك الحديدية لخام الحديد ومشتقاته بين سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، لربط مجمع فالي الصناعي في ميناء صحار ومنطقته الحرة في سلطنة عمان بمركز مخطط له في أبوظبي. يشار إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة التعدين الحكومية، معادن، استحوذا على حصة تبلغ عشرة في المئة في شركة فالي.

وتخطط عُمان والمملكة العربية السعودية لإنشاء خط سكة حديد يربط الدقم بالرياض عبر ولاية "عِبري". ويهدف هذا المشروع إلى خدمة منطقة اقتصادية مخططة في منطقة الظاهرة. وعلى الرغم من إحياء خطة شبكة السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن عمان ليست من الدول الموقعة على مذكرة تفاهم ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا، ولذلك فإن تطوير ميناء عمان الجديد على بحر العرب في الدقم، وهو أقرب بكثير إلى الهند، لن يكون جزءا من مشروع الممر.

يشكل التعدين ركنا أساسيا في رؤية السعودية 2030، أو ما يسمى "الركيزة الثالثة" لاستراتيجية التنويع.

يشكل التعدين ركنا أساسيا في رؤية السعودية 2030، أو ما يسمى "الركيزة الثالثة" لاستراتيجية التنويع. وفي حين يتحدث الكثير عن النفقات المالية في عقود لاعبي كرة القدم والاستثمار الرياضي، فإن التزام الإنفاق الحكومي الحقيقي يكمن في التعدين والمشاريع الضخمة، باستثمارات متوقعة تبلغ حوالي 850 مليار دولار. ومن المفترض أن يصبح التعدين أكبر صناعة بعد النفط والغاز، مع إمكانية توفير فرص عمل لما يصل إلى ربع مليون شخص والمساهمة بحوالي 75 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول عام 2030. ومن خلال عمليات التعدين والتكرير المحلية والتصنيع المحلي، هناك إمكانية للاستحواذ على بعض حصة السوق من الصين، خاصة في تصنيع البطاريات، على الرغم من أنه لن يصل بالضرورة إلى مستوى المنافسة المباشرة معها.

SPA
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يسير إلى جانب وزير الخارجية الصيني السابق تشين قانغ في بكين في 6 أبريل 2023

وفي سياق الجهود الأوروبية والأميركية للحد من المخاطر في استثماراتها، تبدو هذه القدرة التعدينية وشبكة التوزيع بمثابة فرصة استثمارية واعدة، حتى لو لم تصل إلى نطاق عمليات التعدين نفسه ومعالجة المعادن في الصين. ومع ذلك، في إطار ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا، لا يزال من غير الواضح كيف سيربط نظام السكك الحديدية الحالي في المملكة العربية السعودية بالمشاريع الضخمة الجديدة ومبادرات التعدين، وأين تكمن النقطة الأكثر كفاءة للمعالجة والتصدير المحتمل.

تصور مستقبل الطاقة المستدامة

تتمحور استراتيجية ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا (IMEC) لتحصين المستقبل حول ضمان أمن الطاقة من خلال إنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف، الذي يُنظر إليه باعتباره مصدر طاقة مستقبليا واعدا ذا انبعاثات كربونية منخفضة أو معدومة، وتهدف دول الخليج إلى تصديره لأوروبا لتلبية احتياجاتها في مجال أمن الطاقة، ولكن وجهة التصدير لا تقتصر على أوروبا وحدها.

وبينما يمكن للسكك الحديدية أن تسهل حركة السلع الثقيلة مثل الفولاذ، فإن نقل الغاز، وخاصة الهيدروجين، له أهمية قصوى. ومع ذلك، فإننا لسنا مجهزين بالكامل بعد لنقل أو تخزين أو تداول الهيدروجين بالحجم المطلوب لأغراض الطاقة. قد يكون إنشاء خطوط أنابيب للهيدروجين مكلفا بشكل خاص، كما أن إعادة استخدام خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الحالية لنقل الهيدروجين أمر معقد وقد لا يكون بالضرورة أكثر فعالية من حيث التكلفة من بناء خطوط جديدة. وبالنظر إلى أن ممرا بين الهند وأوروبا يشمل خطوط السكك الحديدية والبحرية معا، فإن نقل الهيدروجين سوف يستلزم تطوير البنية التحتية في البر وتحت سطح البحر، وتحسين مرافق النقل.

وبالنسبة للهند، يمكن للممر أن يخدم غرضا مزدوجا؛ ففي عام 2022، توصل البلدان إلى اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند والإمارات لعام 2022 (India-UAE Cepa)، والذي يهدف إلى توفير إمدادات طاقة آمنة وبأسعار معقولة للاقتصاد الهندي. علاوة على ذلك، تم إنشاء فريق عمل مشترك للهيدروجين لتوسيع نطاق التقنيات، مع التركيز بشكل خاص على إنتاج الهيدروجين الأخضر. وتصنف دولة الإمارات العربية المتحدة كثالث أكبر شريك تجاري للهند، ومن المتوقع أن تصل قيمة التجارة الثنائية بينهما بحلول عام 2027 إلى 100 مليار دولار. ويمثل اتفاق الشراكة بين الهند والإمارات أول اتفاق تجاري ثنائي للهند في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تشهد سوق الاستثمار العالمي للهيدروجين الأخضر تطورا كبيرا، مدفوعا جزئيا بالسياسات الصناعية الأميركية الجديدة والحوافز الضريبية

وهنالك خطط ومذكرات تفاهم مختلفة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وعمان ومصر والمغرب وموريتانيا. ومع ذلك، فقد ثبت أن تأمين اتفاقات شراء طويلة الأجل لشراء الهيدروجين الأخضر يمثل تحديا. وعلى وجه الخصوص، في المملكة العربية السعودية، حقق إنتاج الأمونيا الخضراء من الهيدروجين الأخضر في نيوم، في مشروع مشترك بين شركة "إير برودكتس"، باعتبارها المتعهد، وشركة "أكوا باور"، نجاحا كبيرا بسبب الوصول التفضيلي إلى قروض البنوك المحلية والدعم الحكومي القوي.

في الوقت نفسه، تشهد سوق الاستثمار العالمي للهيدروجين الأخضر تطورا كبيرا، مدفوعا جزئيا بالسياسات الصناعية الأميركية الجديدة والحوافز الضريبية بموجب قانون الحد من التضخم. وقد يؤدي هذا إلى زيادة المنافسة بين المنتجين في الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أسواق التصدير في أوروبا في العقد المقبل، أو قد يؤدي إلى بناء مرافق إنتاج في الولايات المتحدة قبل الآخرين الذين يقومون بمواءمة اتفاقات التمويل والشراء.

تجارة بسيطة ودبلوماسية معقدة

تعود جذور اتفاق التجارة الثنائية لعام 2022 بين الإمارات والهند إلى سعي الهند لتحقيق أمن الطاقة ورغبة الإمارات في إيجاد سوق قوية لصادراتها. ومع ذلك، وبعيدا عن هذه الدوافع، توجد روابط تجارية أكثر جوهرية بين الهند والخليج، خاصة في مجال تجارة المواد الغذائية. وحتى قبل التوقيع على اتفاق الممر بين الهند وأوروبا كان هناك اتفاق مهم آخر وقع عام 2022 وهو اتفاق "I2U2" الذي يضم إسرائيل والهند والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

وكما أكد مايكل تانشوم، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الممر الغذائي بين الهند والشرق الأوسط باعتباره مبادرة مناهضة للصين أو مبادرة جديدة، بل إن الفكرة كانت تتطور في الحقيقة دون أي تدخل أميركي على الإطلاق، وهي تتماشى مع التقدم في التكنولوجيا الزراعية التي تقدمها إسرائيل وتَبني على اتفاقات أبراهام لعام 2020 التي تربط المصالح الاستثمارية والتعاون التكنولوجي بين الإمارات وإسرائيل، مع الهند كموقع للإنتاج والاستثمار المشترك.

AFP
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلوح للصحفيين على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، في 10 سبتمبر 2023

وبينما تتزايد التدفقات التجارية والمالية بين الولايات المتحدة والهند، والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وفيما تتوقع المملكة العربية السعودية تحقيق مكاسب من صادراتها من التعدين والطاقة، فليس هناك في الواقع أدلة كثيرة على وجود فرص تجارية واستثمارية متنامية للأردن مثلا، بل إن دولا أخرى في مجلس التعاون الخليجي، مثل عُمان، هي خارج المشروع برمته، ولا يوجد ما يؤكد أن البنية التحتية الحالية لموانئها في الدقم وصحار ستكون في وضع أفضل. ولا يتم استخدام السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي على الوجه الأكمل في هذا الممر.

لا يوجد مسار واحد، وخاصة في التجارة البحرية، للوصول إلى دول الخليج من آسيا، على الرغم من وجود الكثير من الموانئ العاملة الآن

ومن جانب آخر، لا يوجد مسار واحد، وخاصة في التجارة البحرية، للوصول إلى دول الخليج من آسيا، على الرغم من وجود الكثير من الموانئ العاملة الآن على طول ساحل عمان، وفي قطر، وأيضا في أبوظبي ودبي، بينما سيظل ممر البحر الأحمر ممرا حيويا وموقعا لتطوير الموانئ السعودية الجديدة. وثمة أمر آخر: إذا كانت السكك الحديدية من المملكة العربية السعودية عبر الأردن إلى ميناء حيفا تتضمن بالفعل قناة للهيدروجين، فقد يشكل ذلك بعض التحديات، لأن منشأة الهيدروجين في نيوم تقع بالقرب من ساحل البحر الأحمر، وليس على طول الطريق الداخلي. أخيرا، يبدو أن ثمة قرارا بتجنب منشآت إنتاج الهيدروجين التي يمكن تطويرها في مصر على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط أو عدم استخدامها، إما لأن ذلك سيكون زيادة عن الحاجة، أو لأن المشروع يتعمد ذلك.

وبالإضافة إلى التجارة التي تشمل السلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية، تلعب صناعة الغاز الطبيعي الحالية دورا مركزيا في تشكيل علاقات التصدير مع أوروبا. ومع التوسع السريع لاستثمارات دول الخليج في مشاريع الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط في دول مثل إسرائيل ولبنان، إلى جانب الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها شركة قطر للطاقة، وأرامكو، وأدنوك، لتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي في الداخل، فإن تصدير الغاز الطبيعي المسال سيكون عاملا محفزا لدفع تطوير اتصالات الموانئ في المستقبل المنظور.

ومع أن أوروبا هي إحدى الوجهات الرئيسة لصادرات الغاز الطبيعي المسال، فإن هذا الارتباط سيكون ضروريا أيضا للتجارة مع أفريقيا وآسيا.

باختصار، تعمل دول الخليج على تحقيق رؤية شاملة للتواصل السياسي والمادي من خلال وسائل النقل المختلفة وتطوير البنية التحتية. ويعمل ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا (IMEC) كإطار مفاهيمي قيم يعالج احتياجات أمن الطاقة في أوروبا ويعزز الشراكات الأميركية. ولكن المهم هنا إدراك أن هذا الممر لا يغني عن الحل الكامل للتكامل الاقتصادي.

font change

مقالات ذات صلة