ما بعد بعد فلسطين بين خطابي هنية ونصرالله

الخط الأحمر بالنسبة لإيران وحلفائها هو "حماس"

ما بعد بعد فلسطين بين خطابي هنية ونصرالله

بعد نحو شهر على عملية "طوفان الأقصى" وبدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تكلم الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، ولكنه لم يعلن توسيع رقعة الحرب. ألقى كلمة سبقتها حملة إعلانية فنية أشبه بالإعلان عن فيلم جديد أو مسرحية. اكتفى بما يحصل على الحدود بين مقاتلي الحزب وبعض الفصائل الفلسطينية من جهة وبين الجيش الإسرائيلي من جهة ثانية، واعتبر ذلك مساهمة منه في تخفيف العدوان الإسرائيلي على غزة. إلا أنه لم يتخطَّ قواعد الاشتباك المعمول بها منذ تفاهم أبريل/نيسان 1996 مع توسيع رقعتها أحيانا. أكد ما تقوله إيران منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ هم لم يعلموا بالعملية قبل حدوثها، "حماس" لم تستشرهم وهم حلفاؤها، إيران "بريئة" من عملية "طوفان الأقصى".

لم يكن موقف نصرالله مفاجئا، بغض النظر عن الصراخ والتنديد، لكن عمليا لبنان حتى اللحظة لن يدخل الحرب، ليس لأن الوضع اللبناني لا يحتمل، وليس لأن غالبية اللبنانيين لا يريدون الحرب ويرفضونها، بل لأن نصرالله فهم كما فهمت إيران أن البوارج وحاملات الطائرات الأميركية في المنطقة ستدخل المعركة إن قررت إيران دخول الحرب عبر "حزب الله". الرد الأميركي سيكون هذه المرة في إيران، ناهيك عن الرد على لبنان.

الغريب أن يعتبر البعض أن نصرالله إن قرر دخول الحرب، فهذا سيكون بمثابة صك غفران له

أن يكون المحرك الأول لنصرالله هو مصلحة إيران فهذا ليس بالأمر الجديد ولا المستغرب، ألم يعادِ العرب جميعا ويقاتل اللبنانيين والسوريين والعراقيين وحتى الفلسطينيين من أجل مشروع إيران التوسعي في المنطقة؟ ولكن الغريب أن يستغرب البعض أولويات "حزب الله"، الغريب أن يعتبر البعض أن نصرالله، إن قرر دخول الحرب دفاعا عن غزة، فهذا سيكون بمثابة صك غفران له على ما ارتكبه بحق معظم الدول العربية.
إذن مرة جديدة يثبت "حزب الله" أن سلاحه وعتاده وحروبه ومعاركه كلها أولويتها المشروع الإيراني، أما فلسطين فليست سوى قضية للمتاجرة ولاستدرار تعاطف جماهير لا تزال تحركها العاطفة، ولو عاد أحمد سعيد حيا لإذاعة "صوت العرب" لصدقوا ما يقول وصفقوا له واحتفلوا.
أما قول نصرالله إن "كل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات"، فمن البديهي القول إنه مرتبط حصرا بنتائج المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة وإيران، بالمباشر أو غير المباشر.
ستدخل ايران في المعركة إن شعرت بأن مصالحها مهددة، وحتى اللحظة مصالحها في مأمن عن أي تهديد. إسرائيل دخلت بريا إلى غزة، وهو ما كانوا يقولون إنه الخط الأحمر ليدخل "محور إيران" في الحرب. ولكن الخط الأحمر ليس غزة ولا حياة ملايين الفلسطينين، إنما الخط الأحمر هو "حماس"، كما يقول أحد المقربين من مسؤولين إيرانيين ونافذين في "حزب الله".

يبدو أن إيران تريد أن تفاوض على جميع الملفات، وأن تكون على جميع الطاولات

وهذا أيضا ما يفسر غياب (الرئيس السوري) بشار الأسد بصورة تامة منذ عملية "طوفان الأقصى"، ويقول المصدر نفسه ويؤكد على كلامه دبلوماسي أوروبي، إن بشار الأسد غادر قصره في دمشق بعيد عملية "طوفان الأقصى"، وهناك مخاوف من محاولة اغتياله لتوسيع رقعة الحرب.
"حماس"، بشار الأسد، بعض الشخصيات العراقية، وطبعا "حزب الله"، هذه هي خطوط إيران الحمراء، وهذه هي أدوات مشروعها التوسعي في المنطقة، والذي عملت عليه منذ اللحظة الأولى لسيطرة الملالي على الحكم في طهران، ما عدا ذلك فإن إسرائيل لها مطلق الحرية في إبادة ما تشاء من الفلسطينيين، طالما أن لهذه الحرب نهاية، وهذه النهاية رسمها (رئيس المكتب السياسي لـ"حماس") إسماعيل هنية، في خطابه قبل أيام: مفاوضات وصولا الى دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
حل لطالما كانت "حماس" ترفضه، لكنه كان طرحا عربيا في مبادرة عربية، أما اليوم فالأمر تبدل، ويبدو أن إيران تريد أن تفاوض على جميع الملفات، وأن تكون على جميع الطاولات، لتتفرغ لما بعد بعد فلسطين في مشروعها الخطير.

font change