بيان القمة العربية- الإسلامية: اختبار حرج للنوايا الأميركية

Reuters
Reuters

بيان القمة العربية- الإسلامية: اختبار حرج للنوايا الأميركية

احتضنت الرياض القمة العربية الإسلامية المشتركة في الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بحضور قادة وممثلي 57 دولة لمناقشة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من شهر. وبالتزامن مع اجتماع الرياض كانت القوات الإسرائيلية تمعن في التوغل، في محاولة لاحتلال جزء من شمال القطاع بطول 10 كيلومترات تقريبا نحو الجنوب، بما في ذلك وسط مدينة غزة.

وتقف القوات الإسرائيلية أمام مجمع الشفاء، وهو المجمع الطبي الرئيس بعد أن طوقته بشكل كامل وقطعت عنه كل مقومات الحياة. وتهدف القوات الإسرائيلية إلى إخراج آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا إلى المجمع وإفراغه من الطواقم الطبية والمرضى تمهيدا لدخوله وإعلان السيطرة على شمال القطاع. هذا في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل أن الهدن الإنسانية التي توافق عليها إنما هي مخصصة لتسهيل تهجير الفلسطينيين من الشمال نحو الجنوب وليس لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، هذا وقد أكدت البيانات الإسرائيلية مغادرة 150 ألفا من سكان الشمال خلال الأيام الثلاثة المنصرمة.

تحتاج القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل لتسجيل انتصار ميداني يسهم في تخفيف وطأة الخسائر البشرية التي تكبدتها الوحدات العسكرية، كما يسهم في تعويم القيادة السياسية، والحد من حالة الاعتراض اليومي لعائلات الأسرى التي تتهم نتنياهو بعدم إعطاء الأولوية لهذه المسألة، وتطالبه باللجوء إلى التفاوض لا سيما بعد ورود معلومات عن وفاة عدد منهم جراء القصف الإسرائيلي. من جهة أخرى، يؤكد الإمعان الأميركي في رفض الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار إعطاءها المزيد من الوقت لتحقيق مكسب ميداني ربما أضحت تحتاجه الولايات المتحدة بما يوازي أو يفوق حاجة تل أبيب إليه.

الانتصار المأمول سيعيد المبادرة إلى واشنطن للبحث مجددا في المدة المتاحة أمام إسرائيل للبقاء في القطاع، وبعدها البحث عن الإطار المناسب لتسليم السلطة وضمان عدم عودة "حماس" أو نشوء أي تنظيم مسلح آخر وبعدها البحث في مستقبل القطاع، في محاولة لكسب الوقت وتشتيت الجهد بعيدا عن كل ما يمت للعودة إلى مفاوضات سلام حقيقي تفضي إلى حل الدولتين.

وفي المقابل سيؤدي انتصار إسرائيل في المرحلة الأولى إلى إفراغ شمال القطاع وتهجير الفلسطينيين نحو الجنوب، كما سيتيح لها لاحقا إعادة طرح نقل الفلسطينيين إلى سيناء تحت ذريعة استكمال ملاحقة حركة "حماس" في جنوب القطاع، حيث ستطبق إسرائيل القواعد نفسها التي اعتمدت في الشمال، بمعنى آخر تدمير الجنوب وجعله غير قابل للحياة تمهيدا لإفراغه.

لم تمضِ ساعات قليلة على صدور بيان القمة حتى خرج نتنياهو في أول تعبير عن تعنت إسرائيل وإمعانها في العدوان ليؤكد أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار دون عودة المخطوفين، داعيا العرب للوقوف في وجه "حماس"

لقد وضع البيان الختامي للقمة الدول العربية والإسلامية المشاركة أمام مجموعة من التحديات على المستوى الإجرائي: 
أولا: كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية بشكل فوري.
ثانيا: دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف. 
ثالثا: مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار حاسم وملزم يفرض وقف العدوان. 
رابعا: تكليف وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية التي تتولى رئاسة القمة العربية (32) والإسلامية، والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وأية دول أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين (جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي) ببدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.

AFP
رجلان امام الدمار في غزة


لم تمضِ ساعات قليلة على صدور بيان القمة حتى خرج نتنياهو في أول تعبير عن تعنت إسرائيل وإمعانها في العدوان ليؤكد أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار دون عودة المخطوفين، داعيا العرب للوقوف في وجه "حماس"، ومؤكدا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وعلى واجب العالم الحر في قتال "حماس"، وأن أية ضغوط لن تغير قناعات الإسرائيليين وأن غزة ستكون منزوعة السلاح وتحت السيطرة الأمنية للجيش التي لن توافق حكومته على التخلي عنها.
أمام هذا الموقف الإسرائيلي الذي لا بد أنه يتمتع بغطاء أميركي تُطرح جملة من التساؤلات، ما الفرص المتاحة؟ وما الإمكانيات المتوفرة لدى الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت في الرياض لتجاوز التقييدات الأميركية والإسرائيلية؟ وما البدائل المتاحة في حال الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في العدوان؟ وما المخاطر المترتبة على ذلك؟ 
إن دمج القمتين العربية والإسلامية يعبر دون شك عن حراجة الموقف على المستويين العربي والإسلامي حيال الإبادة التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وعن استعداد للمواجهة بعد أن بذلت المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والأردن جهودا حثيثة لوقفها دون جدوى. 
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن القدرات الاقتصادية والسياسية الوازنة لدى الدول المكلفة بالتحرك الدولي لوقف الحرب على غزة، ستمكنها من التأثير في محيطها وعلى المستوى الدولي مما قد يفضي إلى إنضاج موقف وازن وقادر على مواجهة الموقف الأميركي وتعديل الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل. 

يطرح الصدام المفترض بين بيان القمة العربية الإسلامية والمواقف الإسرائيلية والأميركية جملة من التساؤلات حول ماهية الإجراءات التي ستؤدي إلى كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية بشكل فوري

وفي هذا السياق، يبرز الموقف المتقدم للرئيس الفرنسي في مقابلة مع "بي بي سي"، إذ قال: "يتم قصف المدنيين... هؤلاء الأطفال هؤلاء النساء هؤلاء المسنون يتعرضون للقصف والقتل، ليس هناك مبرر لذلك ولا شرعية، وندعو إسرائيل لوقف إطلاق النار". ويضيف متراجعا عن موقفه السابق الداعم لردة الفعل الإسرائيلية: "إن ما سميته ردة الفعل يجب أن يكون وفقا للقواعد الدولية للحرب والقانون الإنساني الدولي". هذا بالإضافة أن هناك موقفا متميزا من المنتظر أن يصدر عن الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعه غدا الاثنين لمناقشة بيان القمة العربية الإسلامية والذي يبدو أنه سيتراجع عن موقفه السابق حول مستقبل غزة بعد الحرب، لصالح التأكيد على أولوية وقف إطلاق النار وبما يتجاوب مع المظاهرات الحاشدة التي تعم المدن الأوروبية. هذا دون أن ننسى أن كلا من الصين وروسيا قد تجد في هذا الإجماع الإسلامي والعربي، وفي الموقف الأوروبي المستجد فرصة ثمينة لتجديد علاقاتها التي اضطربت مع بعض الدول الأفريقية والآسيوية وتعزيز موقعها في مواجهة الولايات المتحدة والغرب عموما. 

AFP
دفن جندي اسرائيلي قتل في المعارك في غزة في 13 نوفمبر


يطرح الصدام المفترض بين بيان القمة العربية الإسلامية والمواقف الإسرائيلية والأميركية جملة من التساؤلات حول ماهية الإجراءات التي ستؤدي إلى كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية بشكل فوري، وفقا لما جاء في البيان، وما هي حدود الدعم المتاح لكل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الغاشم على غزة، وماذا يعني إسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف؟ 
لا شك أن غزة تقع في صلب منطقة التأثير على الأمن القومي المصري، ولكن الموقف المصري الحازم الذي حال حتى الآن دون ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء لا يدعو إلى الاستكانة والاطمئنان مع استمرار العدوان وقبل التوصل إلى اتفاق لإعادة إطلاق عملية السلام. كما أن تمكين إسرائيل من اقتطاع الجزء الشمالي من غزة وفشل القمة العربية الإسلامية في إلزام المجتمع الدولي بفرض وقف لإطلاق النار بالسرعة المطلوبة، سيضع مصر بالدرجة الأولى أمام استحقاق حرج لن تقتصر مفاعيله عليها، بل ستصل إلى كل من الأردن والسعودية وسوريا ولبنان، بما ينعكس سلبا على عملية السلام برمتها. فما هو السقف الزمني الذي يستوجب بعده إسناد مصر لكسر الحصار على غزة؟ وهل يمكن أن يصل ذلك إلى تشكيل تحالف عسكري عربي تقوده مصر لتحقيق ذلك؟

تدرك الولايات المتحدة لا سيما بعد عملية طوفان الأقصى أن إسرائيل كيان عاجز عن حماية ذاته مهما بلغت قيمة المساعدات العسكرية الأميركية. وفي هذا السياق يصبح الانتصار الإسرائيلي بالرغم من محدوديته حاجة أميركية للانتقال إلى مرحلة جديدة تبرر وجود الحشد الأميركي في المنطقة وتتيح مجالات استخدامه

إن الحشد الأميركي غير المسبوق في المتوسط، لم يأت لقلب ميزان القوى لصالح إسرائيل في حربها على غزة، وفقا للرواية الأميركية، بل لمنع أي تدخل إقليمي في الحرب التي تشنها إسرائيل وفرض الترتيبات التي يتطلبها الوضع الجديد على دول الإقليم، وهذا يعني افتراض توفر القدرة لدى إسرائيل لحسم الموقف الميداني. لكن تعثر الأداء الإسرائيلي أمام مقاتلي "حماس" ألزم الولايات المتحدة على التدخل في عمليات الاستطلاع وتقديم الدعم المعلوماتي وذلك وفقا لبيانات عسكرية أميركية. 
تدرك الولايات المتحدة لا سيما بعد عملية طوفان الأقصى أن إسرائيل كيان عاجز عن حماية ذاته مهما بلغت قيمة المساعدات العسكرية الأميركية. وفي هذا السياق يصبح الانتصار الإسرائيلي بالرغم من محدوديته حاجة أميركية للانتقال إلى مرحلة جديدة تبرر وجود الحشد الأميركي في المنطقة وتتيح مجالات استخدامه، بدءا بتثبيت واقع جديد يحفظ أمن إسرائيل بما يتجاوز القضاء على "حماس" نحو تطبيق إجراءات موحدة على كل الجبهات ومنها لبنان وسوريا بالإضافة إلى غزة. لربما أصبحت هشاشة الكيان الإسرائيلي مصدر قلق دائم لدى واشنطن حول قدرته على الاستمرار حتى في ظل حل شامل في المنطقة وفقا للقرارات الدولية. 
بهذا المعنى يقدم بيان القمة العربية الإسلامية اختبارا حرجا للنوايا الأميركية الكامنة وراء الحشد العسكري الكبير في المتوسط، كما سيشكل التعامل الأميركي مع مقررات القمة العربية الإسلامية نقطة مفصلية لإعادة النظر في مستقبل العلاقات الأميركية العربية.

font change

مقالات ذات صلة