منشورات بدل اتصال هاتفي...تحذيرات اسرائيلية قبل القصف

تل ابيب طلبت من اهالي شمال غزة النزوح الى الجنوب

AFP
AFP

منشورات بدل اتصال هاتفي...تحذيرات اسرائيلية قبل القصف

قرابة الساعة 11 من مساء الأحد، 8 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ورد اتصال هاتفي للمواطن سليمان خليل من جنوب مدينة غزة، من ضابط إسرائيلي يطالبه بالتوجه مباشرة إلى منزل جاره المقابل لمنزله ليخبره فورا بالإخلاء تمهيدا لاستهداف المنزل بصواريخ الطائرات الإسرائيلية، في حين طالبه بالتوجه هو وكل من يوجد في منزله إلى الجهة المعاكسة للجهة المقابلة لاستهداف المنزل المقابل لهم، وقال له "ما تطلعوا من بيتكم، روحوا على الجهة التانية، بيتكم مش حيتضرر".

وقال خليل (45 عاما) وهو أب لخمسة أطفال، في حديثه لـ"المجلة": "خوف ورعب وحيرة، خلال نص ساعة كنت مبلغ الجيران، وابتعدت أنا وأطفالي وزوجتي وإخوتي وعائلاتهم للجهة البعيدة داخل البيت، كنت متوقع في صاروخ استطلاع تحذيري زي ما بصير في حروب سابقة، لكن فجأة قصفوا البيت بصواريخ تدميرية مباشرة".

صاروخان من طائرة "إف-16"، دمرت منزلا مكونا من حواصل تجارية وطابقين، لكنها أيضا، تسببت في دمار جزئي للمنازل المحيطة به، مثل منزل خليل وأشقائه، ليصبح غير قابل للسكن بعد دمار الأبواب والشبابيك والواجهة الأسمنتية، ما اضطرهم لمغادرة المنطقة واللجوء إلى منزل أقاربهم في حي آخر، وسط مدينة غزة، معتقدا أنه حي آمن نوعا ما.

وقد تصاعدت التوترات العسكرية بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى رأسها "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، والجيش الإسرائيلي، بعد إطلاق الأولى مئات الصواريخ، صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول نحو إسرائيل، بالتزامن مع اقتحام عشرات من عناصر القسام للجدار الفاصل نحو مستوطنات غلاف القطاع، برا وجوا.

وعقب اقتحام الجدار من الفصائل الفلسطينية، والذي تبعه طوفان من المواطنين نحو المستوطنات، في اليوم الأخير من عيد العُرش اليهودي، قُتل أكثر من 1400 إسرائيلي وأصيب أكثر من 3500 آخرين بجراح مختلفة، فيما أسرت عناصر من الفصائل الفلسطينية جنودا وضباطا إسرائيليين، واتخذت مدنيين رهائن داخل القطاع، بحسب إعلان المتحدث باسم "القسام" في تصريح سابق.

الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو، وقبل الاستفاقة من الصدمة، اتخذت قرارها بخوض حرب، قالت إنها ستعمل من خلالها على القضاء على حركة "حماس" وجناحها العسكري في غزة

الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وقبل الاستفاقة من الصدمة، اتخذت قرارها بخوض حرب، قالت إنها ستعمل من خلالها على القضاء على حركة "حماس" وجناحها العسكري في غزة، مستهدفة عشرات المباني والأبراج، بأطنان من المتفجرات المحملة بصواريخها الثقيلة، بعد إطلاق تحذيرات لسكانها، وأخرى دون سابق إنذار، قصفتها فوق رؤوس ساكنيها.

ولوحظت كثافة الضربات الإسرائيلية الهجومية على قطاع غزة، لا سيما منازل المواطنين، والمساجد والفنادق، ومراكب الصيد، والمدارس. وقال القانوني والخبير في الشأن السياسي مصطفى إبراهيم، حول طبيعة الاستهدافات وإطلاق التحذيرات المسبقة للمواطنين من الجيش الإسرائيلي: "المعلومات المتوفرة حتى اللحظة شحيحة. لكن من الواضح، وبحسب بعض المواطنين، تمت الاستهدافات بشكل مباشر للمباني والمنازل، بعضها بتحذير مُسبق بالاتصال أو إطلاق صاروخ تحذيري، وأخرى دون سابق إنذار".

AFP
طائرة حربية إسرائيلية تحلق فوق صحراء النقب بعد إقلاعها من قاعدة عسكرية في طريقها إلى قطاع غزة في 14 أكتوبر 2023

وأوضح الكاتب أنّ الجيش الإسرائيلي كان يتبع خلال الحروب والعدوانات السابقة على القطاع، سياسة "نطاق الطرق"، والتي يتم فيها إطلاق صاروخ استطلاع على أحد المنازل، مضيفا: "لكن الحرب الحالية، كان من الواضح تركيز التبلغ عن طريق المتحدث باسم الجيش، من خلال مطالبته سكان حي كامل بالإخلاء تمهيدا لتسويته، كما حدث مع منطقة الرمال الجنوبية، والرمال وسط مدينة غزة".

ولا يعتقد إبراهيم، أنّ هناك تغييرات جوهرية في إجراءات السياسات الإسرائيلية خلال عملية استهداف المدنيين الفلسطينيين، مستدركا قوله: "ربما المختلف هذه المرة، حجم النار التي أُطلقت والصواريخ، وردود الفعل والقتل وتدمير مساحات واسعة من الأحياء، سواء في مدينة غزة أو بلدات شمال القطاع، خلال أيام قصيرة معدودة".

أدت استهدافات جيش الاحتلال لعدد كبير من المنازل دون سابق إنذار لساكنيها وأقاربهم النازحين في منازلهم، إلى إبادة 50 عائلة مدنية، ومقتل 500 مواطن من أصل 1900 قتيل نصفهم من النساء والأطفال.

وأدت استهدافات الجيش الإسرائيلي لعدد كبير من المنازل دون سابق إنذار لساكنيها وأقاربهم النازحين في منازلهم، إلى قنل 50 عائلة مدنية، و 500 مواطن من أصل 1900 قتيل نصفهم من النساء والأطفال، وإصابة قرابة 7700 آخرين بجراح مختلفة، بحسب الناطق باسم وزارة الصحة بغزة مساء الجمعة.

ونوه الخبير السياسي إبراهيم، إلى أنّ إسرائيل تتعمد قصف واستهداف المنازل السكنية فوق رؤوس المواطنين، وأنّ ذلك يأتي ضمن سياسة "الأرض المحروقة"، التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي، مضيفا: "يأتي ذلك ضمن جرائم الحرب التي ترتكب من خلال إبادة الكثير من المنازل دون سابق إنذار".

وحول عمليات التحذير سواء بالاتصال الهاتفي أو بإطلاق صاروخ استطلاع، يعتقد الحقوقي أنّ التحذيرات التي تتبعها إسرائيل في حروبها، مخالفة للقانون الدولي لكونه لا يسمع أو يقر باستهداف المدنيين في تلك الحالات، موضحا: "حتى لو أنّ هناك ما يسمى صاروخ الطرق أو الاتصال بالهاتف، فإن ذلك يخالف القانون الدولي لأنه لا توجد مناطق حربية في غزة بالنسبة للفلسطينيين، لكن القطاع بالنسبة لإسرائيل كله منطقة حربية، بمعنى أنه يحاول أن يقول إننا نبعد الفلسطينيين ومن نستهدفهم مقاتلين، لكن لا إثبات على ادعاءاته التي تخالف كافة القوانين الدولية والحقوقية".

لم تكن الحرب الحالية التي قررت إسرائيل خوضها ضد قطاع غزة هي الأولى، فقد سبقتها 4 حروب خلال الأعوام 2008 و2009 و2014 و2021 وهذه هي الحرب الخامسة، ويعتقد المحلل السياسي أن "في هذه الحرب هناك جنون أكثر، وهناك ثأر، هناك تدفيع الثمن للفلسطينيين، بسبب الإجماع الإسرائيلي عليه، وحتى من أحزاب اليسار التي كانت تطالب برفع الضغط وتخفيض وتيرة الجرائم ضد الفلسطينيين".

الثأر من المدنيين 

وتحاول إسرائيل الثأر من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ردا على مقتل المئات من جنود الجيش وأفراد الشرطة والمستوطنين في المناطق المحاذية للقطاع خلال عملية اقتحام الحدود، معللا ذلك: "ربما لأن هذه المرة من قام بهذه العملية هو المقاومة الفلسطينية وتمت بشكل غير مسبوق واستدعت تدخلا مباشرا من الولايات المتحدة الأميركية، وليس إدانة فقط، وإعطاء الضوء الأخضر للحرب".

وتطرق إبراهيم إلى قرار وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي قرر فرض الإغلاق والحصار المشدد على سكان غزة، وقطع الكهرباء والماء ومنع إدخال المحروقات والمساعدات الغذائية والطبية، في إشارة إلى عقاب جماعي يأتي ضمن سياسة ارتكاب جرائمه ضد المدنيين العزل، وهو أمر لم يكن مسبوقا في الحروب الماضية، فقط كانت تقطع الكهرباء والإنترنت نتيجة القصف وتعطيل البنية التحتية لشبكة الكهرباء والماء وحتى الإنترنت، لكن دون قرار بمنعها أو قطعها.

AFP
مبنى مدمر بعد الغارات الإسرائيلية، في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 14 أكتوبر، 2023

وقال إبراهيم: "إسرائيل تريد أن تنتقم بقتل أضعاف عدد قتلاها، وربما العنوان الرئيس لهذه الحرب أنها حرب انتقام وثأر وليست مجرد رد فعل".

وحول نوعية الصواريخ وحجم المتفجرات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على أجساد ومباني وحتى عمق الأرض في غزة، أوضح الحقوقي أنه لا يمكن إثبات شيء حول ذلك في المرحلة الحالية، لكنه لم يستبعد استخدامها أنواعا من الأسلحة الثقيلة والسامة أو الأكثر تدميرا، بحسب توثيقات عمل عليها مع زملائه في الحروب السابقة.

وأضاف: "عندما استخدمت إسرائيل صواريخ طائرات الاستطلاع لأول مرة عام 2004، كانت تقتل وتمزق الأجساد، لكنها طورت واستخدمت فيما بعد صواريخ أكثر تدميرا وضررا، وليس هدفها القتل فقط، بل إحداث دمار وربما بث السموم، أو القدرة على الاختراق والوصول إلى عمق الأرض".

ما الجدوى من إرسال الصواريخ الأميركية لدولة تمتلك وتصنع عشرات الصواريخ الحربية التدميرية وحتى السامة؟ ربما تريد أن تجرب صواريخ جديدة.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن تحريكها أسطولا حربيا حاملا للطائرات، ووصول عدد من الصواريخ الأميركية لدعم الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة أو كما يدعي على "حماس" وعناصرها، وتساءل الخبير السياسي: "ما الجدوى من إرسال الصواريخ الأميركية لدولة تمتلك وتصنع عشرات الصواريخ الحربية التدميرية وحتى السامة؟ ربما تريد أن تجرب صواريخ جديدة".

وتابع: "وبغض النظر عن نوعية المواد المستخدمة في الصواريخ أو كميتها، كل ما يتم إلقاؤه على الفلسطينيين، مُحرم ومُجرم دُوليا، كونه يستخدم ضد مدنيين ولا يستخدم ضد عسكريين، ولأن هذه المواد لا تُستخدم في حرب متكافئة بين أطراف مختلفة أو طرفين متكافئين، بل تستخدم من طرف واحد، ومن الجو، وعن بُعد ضد المدنيين".

ولفت إبراهيم، إلى أنّ الحرب ما زالت قائمة، لكن يجب على خبراء دوليين التحقيق فيما استخدمته وستستخدمه إسرائيل في حربها الحالية، للعمل على إثبات ما هو خفي حولها.

وطالب الجيش الإسرائيلي من سكان النصف الشمالي لقطاع غزة، المغادرة والنزوح نحو النصف الجنوبي، تمهيدا لعملية برية عسكرية كما قال في بياناته، ومنشورات تحذيرية للمدنيين ألقاها بالطائرات في سماء غزة وشمالها صباح الخميس، ما تسبب في عمليات نزوح جماعية غير مسبوقة.

font change

مقالات ذات صلة