حالة طوارئ إنسانية كبرى في غزة

مسح معالم مناطق كاملة وقتل مستمر... تمهيدا لعملية برية إسرائيلية

رويترز
رويترز
دخان يتصاعد من غزة بعد قصف اسرائيلي الاربعاء 11 اكتوبر 2023

حالة طوارئ إنسانية كبرى في غزة

شهد قطاع غزة، وبالتحديد وسط مدينة غزة، منذ مساء الاثنين، هجوما عسكريا جويا وبحريا غير مسبوق بحسب ما وصفه محللون سياسيون، عقب تحذير نشره الجيش الإسرائيلي، ومن خلال متحدثيه، مطالبا سكان حي الرمال وسط المدينة بمغادرة وإخلاء مربع سكني كامل، توعد بتسويته بالأرض، وهو ما نفذته طائراته وبوارجه الحربية من البحر.

واستهدفت اسرائيل، الأبراج والمباني، وعشرات من الوحدات السكنية والمحال التجارية ومباني جامعية والبنية التحتية والشوارع، بعشرات من الصواريخ الحربية، واستهدف كذلك محيط المبنى الرئيس لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، بأكثر من 200 غارة، كما أعلن الاحتلال، بالإضافة إلى قصف عدة مناطق سكنية متفرقة وسط وشمال القطاع، دون سابق إنذار، وأدت إلى ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 830 مواطنا وإصابة أكثر من 4 آلاف بجراح مختلفة، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة.

ونعت حركة "حماس"، عضوين من مكتبها السياسي، قالت إنهما قتلا ليل الاثنين- الثلاثاء خلال قصف إسرائيلي على القطاع، وهما زكريا أبو معمر (50 عاما)، وجواد أبو شمالة (50 عاما).

وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عزيز المصري، إن "مجمل الهجمات التي شنها جيش اسرائيل على قطاع غزة منذ السبت الماضي، وحتى ارتكاب المجازر بحق المدنيين، ومسح مربعات سكنية بأكملها، "ما هي إلا تمهيد للحرب الحقيقية، التي تهدف إلى ممارسة الضغط على الجبهة الداخلية الفلسطينية والضفط على الفصائل الفلسطنية، في محاولة لسرقة صورة انتصار زائف، يمحو صورة العار التي ظهرت بها إسرائيل خلال الساعات الأولى لاقتحام المقاومة للحدود الشرقية والشمالية للقطاع وقتل المئات من جنود الاحتلال والمستوطنين وأسر عدد كبير منهم".

"مجمل الهجمات التي شنها الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة منذ السبت الماضي ما هي إلا تمهيد للحرب الحقيقية"

من جانبه، أعلن قائد جيش اسرائيل، خلال وقت سابق الثلاثاء، عن "تطهير والانتهاء منن عملياته القتالية مع العناصر الفلسطينية التي تغلغلت في المستوطنات المحيطة لغلاف غزة خلال الأيام الثلاثة الماضية"، فيما أكدت فصائل المقاومة، استمرار اشتباك عناصرها مع جيش الاحتلال في عدة نقاط، منها قاعدة زيكيم العسكرية. وتوقع المصري أن يكون الإعلان السابق، بداية التحضير لعملية عسكرية برية إسرائيلية في مناطق محدودة بقطاع غزة.

وأوضح أن كثافة الأحزمة النارية واستمرار القصف البحري الإسرائيلي على مناطق شمال غزة والمتاخمة للساحل البحري، يعود لكونها منطقة "رخوة بالنسبة لإسرائيل، تستطيع الدخول منها بسهولة، مقارنة بالحدود الشرقية والتي شهدت في أوقات سابقة، مسيرات حدودية فلسطينية".

حصار خانق

ونوه الكاتب في حديثه، لـ"المجلة"، إلى قرار وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، مساء الاثنين، حيث قرر فرض حصار خانق من خلال قطع الكهرباء والماء وإمدادات الوقود والأغذية لسكان القطاع البالغ تعدادهم قرابة مليونين و400 ألف فلسطيني، بهدف الضغط بشكلٍ أكبر على المقاومة الفلسطينية، كما سيكون له تأثير كبير على حياة المواطنين بعد العملية البرية التي سيتبعها العمل على تقسيم غزة إلى ثلاث مناطق، شمالية وجنوبية ووسط، والاستفراد بكل منطقة على حدة، وهو الهدف الأول للعملية البرية العسكرية.

AFP
مدفع اسرائيلي في محيط غزة

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد طلبت من مصر، الثلاثاء، إغلاق معبر رفح البري، الأمر الذي رفضته الأخيرة، ليرد طيران الاحتلال بقصف المعبر لقطع الطريق أمام مساعدات وإمدادات إنسانية كانت في طريقها للقطاع من مصر، أعقبه تهديد رسمي من الاحتلال بقصف أي شاحنات مساعدات قد تحاول الدخول، ما تسبب في تراجعها.

وفيما يخص منع المساعدات وفصل غزة عن مصر والعالم الخارجي، قد يكون لدى الاحتلال خيارات أخرى غير استهداف معبر رفح، حيث أوضح المحلل السياسي عزيز المصري: "يمكن للاحتلال أن يعمل على قطع محور فيلادلفيا، أو ما يعرف بمحور صلاح الدين في رفح، وفصله عن باقي مناطق القطاع، خلال عمليته البرية، وهو ما يعني تحقيق هدفه بإغلاق المعبر الوحيد للفلسطينيين".

كثافة الأحزمة النارية واستمرار القصف البحري على مناطق شمال غزة والمتاخمة للساحل البحري، يعود لكونها منطقة رخوة بالنسبة لإسرائيل

ومن الواضح أن إسرائيل تعتمد في تصعيدها على غطاء ودعم من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، خاصة بعد البيان الفرنسي الأميركي، والذي جاء فيه أنهما قد يتدخلان لصالح إسرائيل في حال دخول طرف ثالث للمعركة الحالية، والمقصود به "حزب الله اللبناني، أو الحرس الثوري الإيراني أو النظام السوري، هذا بالإضافة إلى نقل الولايات المتحدة حاملة طائرات من الأسطول الخامس إلى البحر المتوسط"، بحسب قول المصري.

الاستعداد لعملية برية

وبالعودة للعملية البرية الموسعة والتي جرى التلويح والتهديد بها من قبل قادة الاحتلال والإعلام الإسرائيلي، أشار الكاتب إلى أن ذلك لن يحدث قبل أسبوع من الآن، وهذا يعود للفترة التي يحتاجها الجيش لتجهيز معدات لوجستية لجنود الاحتياط الذين استدعاهم للخدمة من خارج البلاد.

ويعتقد أن الوقت الحالي وحتى التجهيز، سيشهد القطاع تكثيفا للضربات الجوية على مركز المدينة، ومحاولة فرض عملية تقطيع أوصاله، موضحا: "أي ضرب وتدمير شوارع مركزية، تفصل مركز المدينة عن الشمال والجنوب وعن المنطقة الوسطى، وهذا تم تنفيذه في 2021 عن طريق الأحزمة النارية على وسط المدينة، عندما استهدف شارع الوحدة ومنطقة الصفطاوي"، ليمنحها ذلك فيما بعد، الخيار بين استكمال الطريق نحو شن عملية برية واسعة أو التيقن بأنها وصلت إلى التأكد من تحقيق هدفها وتدمير مقومات فصائل المقاومة بغزة.

AFP
الدخان يرتفع من مبان اصابها القصف الاسرائيلي في حي الرمال في غزة في 9 اكتوبر

فلسطينيا، هدد الناطق باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس (أبو عبيدة)، مساء الاثنين، بـ"قتل رهينة مقابل كل عملية استهداف إسرائيلية للمواطنين وقتل الأبرياء منهم دون تحذير مسبق بالإخلاء". وفسر المصري التهديد بأنه محاولة من القسام لإثارة الجبهة الداخلية في إسرائيل ضد حكومتها، بهدف تشكيل الضغط على الاحتلال وإجباره على التراجع عن هجماته التدميرية، وقتل المدنيين الفلسطينيين.

ورأى أن الفصائل ، وبالتحديد "كتائب القسام"، عندما اتخذت قرار قصف الداخل المحتل واقتحام الحدود الشرقية وأسر عشرات الرهائن والعودة بهم إلى القطاع، راهنت على صيدها الثمين ومخزونها العسكري لمواجهة الاحتلال خلال الفترة اللاحقة، مضيفا "قطاع غزة- بعد 15 عاما من الحصار، وبعد قرار غالانت بقطع الإمدادات عن المدنيين- أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة".

وأكد المفوض العام للأمم المتحدة، الثلاثاء، تعقيبا على قرار اسرائيل بمنع وصول المساعدات والإمدادات، أن ذلك "يمثل جريمة أخلاقية لا مبرر لها يمارسها الاحتلال ضد سكان القطاع". وبدوره يعتقد المصري أن غزة تستطيع أن تصمد طويلا أمام الهجمات والممارسات الإسرائيلية الأخيرة، بسبب عدم توفر مخزون كاف من الوقود والمحروقات والمواد الغذائية، خاصة في ظل إغلاق وعزل القطاع عن العالم.

غزة لن تستطيع أن تصمد طويلا أمام الهجمات والممارسات الإسرائيلية الأخيرة، بسبب عدم توفر مخزون كاف من الوقود والمحروقات والمواد الغذائية، خاصة في ظل إغلاق وعزل القطاع عن العالم.

وحول الخيارات المتاحة أمام الفصائل الفلسطينية على المستوى السياسي والأمني، قال: "على الصعيد العسكري والأمني المقاومة قادرة على الصمود، لكن على الصعيد الإنساني غير قادرة، بمعنى أنه بموازاة العمليات العسكرية هناك شعب يحتاج إلى الطعام والشراب، والأدوية ومستلزمات كثيرة غير متوفرة، بالتالي هذا قد يشكل عائقا وعامل ضغط، وضغطا كبيرا على قوة المقاومة".

ويعتقد المصري أن المقاومة تراهن على عشرات الأسرى من الإسرائيليين بحوزتها، موضحا: "يمكن للمقاومة أن تحاول اللعب بهذه الورقة مع الاحتلال، إما بفتح ممرات إنسانية أو للحصول على هُدنة إنسانية لعدة أيام، أو حتى البدء بصفقة تبادل أسرى"، فيما يتمثل السيناريو الأسوأ لما هو قادم، بدخول القوات الأميركية من البحر ومنح الاحتلال دعمها اللوجستي، إلى جانب الدعم الأوروبي غير المحدود سياسيا وعسكريا لإسرائيل.

واستدرك المصري: "وقد لا تستطيع المقاومة أن تواجه، لا سياسيا ولا عسكريا"، لافتا إلى أن التطورات الميدانية على أرض الواقع، متغيرة، وقد يحدث ما لا يمكن توقعه من قبل الاحتلال الإسرائيلي أو المقاومة الفلسطينية، خاصة إذا ما دخلت أطراف أخرى في العملية المستمرة.

font change

مقالات ذات صلة