طوفان غزة ...الدروس المستفادة والآفاق

فشل استخباري وعسكري اسرائيلي وتداعيات بعيدة المدى

طوفان غزة ...الدروس المستفادة والآفاق

اختطفت حركة "حماس" المبادرة وشنت هجومها الاكبر على اسرائيل صباح اليوم. قد يكون تسمية العملية بــ"طوفان الأقصى" هو التوصيف المناسب لإطلاق آلاف الصواريخ على الداخل الاسرائيلي بالتزامن مع عمليات عبور عديدة للسياج الحدودي وعمليات تسلل تمت من الجو بطائرات شراعية وعبر البحر واشتباكات مع القوات الاسرائيلية في 21 موقعاً وفقاً للمصادر الاسرائيلية .

يمكن من خلال البيانات الصادرة عن حركة "حماس" والجيش الاسرائيلي على السواء تسجيل الوقائع التالية التالية:

1- نجاح "حماس" في تحقيق المفاجأة وهي العنصر الاساس لنجاح أي عملية عسكرية. مستويات المفاجأة لم تقتصر على إطلاق الصواريخ بل تعدتها الى مفاجآت التسلل البري والبحري، وهذا ما كان خارج التوقعات الاسرائيلية.

2- التحضير والتنسيق الدقيقين ما أدى الى استثمار المفاجأة التي حققها الإطلاق الكثيف للصواريخ ونجاح عمليات العبور عبر السياج أو عبر المحورين البحري والجوي.

3- الاشتباك المتزامن في أكثر من موقع مع القوات الإسرائيلية بما شتت الجهد الإسرائيلي وأرهق الوحدات المشتبكة بسرعة قياسية في أكثر من موقع . هذا ما أربك الجيش الإسرائيلي وحال دون استخدام وحدات الاحتياط بشكل فعال لتعذر توزيعها على مواقع عديدة، وهو ما دعى القيادة الاسرائيلية الى استدعاء الاحتياط.

4- الاحتراف وإتقان عمليات الاستعلام والاستطلاع من قبل "حماس" ما سمح بتقدير دقيق لمواقع العدو وإمكانات الرد المتاحة لديه وتقييم احتياطاته وسرعة تدخلها، بالاضافة الى تقييم الوسائل الموضوعة لحماية المستوطنات مما أدى إلى نجاح عمليات التسلل والاشتباك والحفاظ على استدامة القتال لفترات طويلة.

5- الانتقال من نمط العمليات السابقة التي اتسمت بالتحضير لرد الفعل على العمليات الإسرائيلية باتجاه الداخل الفلسطيني أو تنفيذ هجمات خاطفة على أهداف محدودة ونصب كمائن، الى نمط جديد وهو امتلاك المبادرة واطلاق هجمات متعددة ومتزامنة على أهداف متفرقة.

الاشتباك المتزامن في أكثر من موقع مع القوات الإسرائيلية بما شتت الجهد الإسرائيلي وأرهق الوحدات المشتبكة بسرعة قياسية في أكثر من موقع أربك الجيش الإسرائيلي

6-    إفراغ المواقع العسكرية المعروفة ونقل مراكز القيادة والسيطرة لحماس مما حرم إسرائيل من تحقيق إصابات ذات قيمة عسكرية، حيث اقتصرت الضربات على تدمير أهداف مدنية ، هذا ما يؤكده ارتفاع عدد الشهداء في صفوف المدنيين. 
7-    الجاهزية الفلسطينية لتطوير الموقف سواء على المستوى الميداني أو المستوى التفاوضي بدليل عدم الاستجابة لأي نداء بوقف إطلاق النار وعدم تسمية وسطاء لبحث شروط وقف إطلاق النار.
8-    تقييد حجم ونوعية الردود الاسرائيلية عن طريق السيطرة على بعض المستوطنات بشكل جزئي أو كلي وأسر العديد من العسكريين والمدنيين، مما سيأخذ الصراع الى مراحل جديدة.

Reuters
مسلحون فلسطينيون على متن سيارة عسكرية اسرائيلية استولوا عليها

أما على مستوى الاداء الاسرائيلي فيمكن تسجيل النقاط التالية:
1-    ضعف في قدرات الاستعلام والاستطلاع مما حال دون رصد أو قراءة أية مؤشرات تفضي الى توقع هذه العملية بالرغم من ضخامتها وتنوع الاسلحة والوحدات المشاركة فيها.
2-    ضعف في التخطيط بدليل عدم ترقب أي سيناريو مماثل وعدم وجود خطط للرد، هذا ما يؤكده الارتباك الاسرائيلي وتشتت الجهد وعدم القدرة على استعادة المبادرة.
3-    هشاشة الإجراءات المتخذة لحماية المستوطنات وتحولها الى  نقاط ضعف مما سيطرح في المستقبل القريب إلزامات عديدة على سياسة الاستيطان المتبعة وربما تؤدي الى وقف سياسة الاستيطان بشكل نهائي.
4-    افتقاد القيادة والسيطرة على الموقف بدليل عدم اتخاذ القرار بنقل بعض الوحدات الى مناطق الاشتباك واللجوء الى استدعاء الاحتياط منذ الساعات الاولى للاشتباكات، الذي يجب أن يتخذ عند بلوغ ذروة التصعيد.
5-    ثبوت عدم فعالية كل الأنظمة المتطورة (القبة الحديدة وسواها) المضادة في مواجهة الصواريخ التقليدية التي تستخدمها حماس نظراً لمسافات الاطلاق القريبة والمسارات غير النظامية المترتبة على يدوية التصنيع مما يجعل من المتعذر رصدها وإسقاطها.

اثبتت موجة القصف الصاروخي محدودية كل الأنظمة المتطورة (القبة الحديدة وسواها) المضادة في مواجهة الصواريخ التقليدية التي تستخدمها حماس نظراً لمسافات الاطلاق القريبة والمسارات غير النظامية المترتبة على يدوية التصنيع

أما فيما يمكن توقعه لعملية "طوفان غزة"، فيبدو أن الايام المقبلة مفتوحة على العديد من الاحتمالات المرتبطة بمدى استمرار القتال الذي تؤكده مجريات الميدان حتى الساعة، أو بتمدد المواجهات الميدانية نحو أهداف جديدة أو مناطق جديدة. هذا بالاضافة أن الموقفين الدولي والاقليمي لا يزالان في مرحلة الترقب ودراسة الاحتمالات واستخلاص الدروس قبل إتخاذ الموقف المناسب. 
ولكن في مطلق الاحوال هناك درس واحد لا يمكن أن يغيب بل يجب أن يبقى ماثلاً أمام المجتمع الدولي، أن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المحورية وأن الخطر الاكبر على الإستقرار الاقليمي يبقى في عدم تحقيق الحل العادل وليس في إبقائها قيد الاستثمار الاقليمي.   
 

font change

مقالات ذات صلة