حرب غزة تعزز الوحدة الوطنية الاردنية

فعاليات عدة لمساعدة اهالي القطاع في محنتهم

EPA
EPA

حرب غزة تعزز الوحدة الوطنية الاردنية

يبذل الأردن جهودا كبيرة في مناصرة الشعب الفلسطيني وفي الدعم السياسي والدبلوماسي والإنساني للأهل في قطاع غزة. ومن أجل فهم أكثر لهذه المواقف من الضروري مراجعة سريعة لتعامل الأردن مع اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم، وتسلسل العلاقات الأردنية- الفلسطينية، ومراجعة ما حدث قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتنمر المستوطنين في الضفة الغربية.

توطئة لتاريخ الأردن مع اللجوء

تعتبر المملكة الأردنية الهاشمية من أكثر الدول في العالم صداقة للاجئين. فقد قام الأردن بإيواء لاجئي فلسطين عام 1948 ونازحي الضفة الغربية عام 1967 كما استوعب لاجئي الحرب الأهلية في لبنان والاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وحرب الخليج عام 2003 والحرب الأهلية السورية عام 2011.

وبما أن الأردن هو الذي ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1950 فكان من الطبيعي أن يوفر الجنسية لكافة سكانها آنذاك، وكما كان يشير الراحل الملك حسين للمواطنين بأنهم "أردنيون من شتى الأصول والمنابت". طبعا كان ذلك بسبب خصوصية القضية الفلسطينية وبسبب التعنت الإسرائيلي الذي رفض ولا يزال يرفض عودة اللاجئين، وهو أمر مكفول بقرارات أممية.

ورغم بعض الصعوبات على خلفية بروز الثورة الفلسطينية والتوتر بين الفدائيين الفلسطينيين والأردن في السنوات الأولى للاحتلال الإسرائيلي، فإن قرار قمة الرباط عام 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني شكل بداية ابتعاد الأردن عن تمثيل الفلسطينيين. وقد توج ذلك الابتعاد إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتي أدت إلى قرار الأردن التاريخي في 31 يوليو/تموز 1988 بفك الارتباط مع الضفة الغربية ودعم الأشقاء في منظمة التحرير في تمثيل كامل للشعب الفلسطيني.

وفيما بعد، وبسبب رفض إسرائيل شمل القدس الشرقية ومقدساتها ضمن المرحلة الانتقالية من اتفاق المبادئ الموقع عام 1993، أصر الأردن بدعم فلسطيني على أهمية الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس. ونجح الأردن في ضم ذلك إلى اتفاق السلام الأردني- الإسرائيلي عام 1994، كما جرى عام 2014 اتفاق فلسطيني أردني بخصوص المقدسات المسيحية والإسلامية بحيث يقوم الأردن بمتابعة ورعاية تلك المقدسات لغاية إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

تشكل هذه الخلفية التاريخية توطئة لما يجري اليوم في الأردن من دعم غير مسبوق وعلى كافة المستويات للفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة الذين يتعرضون لعدوان ظالم مدعوم من كبرى دول العالم الغربي.

ما قبل "طوفان الأقصى"

لقد سبق العدوان الإسرائيلي توتر واضح بين الأردن ودولة الاحتلال، تمثل في تراجع الحكومة الإسرائيلية عن تفاهمات تم التوصل إليها برعاية أميركية عام 2014 ركزت على ضرورة احترام إسرائيل للوضع القائم في الأماكن المقدسة وخاصة المسجد الأقصى الذي يخضع منذ عقود طويلة لوصاية وإدارة اردنيتين.

قرار قمة الرباط عام 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني شكل بداية ابتعاد الأردن عن تمثيل الفلسطينيين

كما شكل إهمال التحقيق في مقتل أردنيين من قبل إسرائيليين انزعاجا كبيرا لدى صناع القرار في الأردن؛ فقد قُتل القاضي الأردني رائد زعيتر، على الجانب المحتل من جسر الملك حسين، عندما كان في طريقه لزيارة الأقارب في فلسطين عام 2014، كما قُتل مواطنان أردنيان من قبل مسؤول أمني إسرائيلي عام 2017. وقد أسفر الموقف الإسرائيلي المتجاهل لحقوق المواطنين الأردنيين من حيث عدم التحقيق في هاتين القضيتين فضلا عن غياب أي محاولة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية عن برودة واضحة في العلاقات الأردنية- الإسرائيلية. 
وتجلت تلك الأجواء غير المريحة مع المحتل الإسرائيلي إلى رفض الملك ولسنوات قبول أي اتصال هاتفي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحسب تقارير صحافية.

AP
قبة الصخرة في المسجد الاقصى


وتميزت العلاقات الأردنية- الفلسطينية، خاصة العلاقات الشخصية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك الأردني عبدالله الثاني، وحققت قفزة نوعية؛ حيث ترسخ مبدأ التعاون والتنسيق والمشاركة في كافة الأمور ذات الصلة. وشهدت العلاقات الاقتصادية الأردنية الكثير من الاتفاقات التجارية والصناعية والسياحية وزادت الواردات والصادرات بين فلسطين المحتلة والأردن بصورة كبيرة. كما وفر الجيش الأردني إمكانية سفر الرئيس الفلسطيني من رام الله إلى الأردن بمروحيات أردنية، الأمر الذي سمح بتجاوز الحاجة المذلة للحصول على موافقة إسرائيلية للسفر البري عبر جسر الملك حسين.

العدوان الإسرائيلي على غزة


شكل العدوان الإسرائيلي على غزة تغييرا كبيرا في العلاقة الأردنية- الفلسطينية؛ حيث يتزايد بصورة كبيرة الدور الدبلوماسي والإعلامي للملك عبدالله، والملكة رانيا العبدالله، ووزير الخارجية أيمن الصفدي. وقد تحول القصر والخارجية الأردنية لخلية نحل تم خلالها تكثيف الجهود لوقف العدوان من ناحية، وتوفير الحد الأدنى من المساعدة الإنسانية من ناحية ثانية. وفي فترة زمنية قصيرة تنقل الملك بين كثير من العواصم الغربية واستقبل كثيرا من المسؤولين الدوليين.

نجحت القيادة الأردنية في اختراق كبير للحصار الإسرائيلي، حيث قامت مروحيات الجيش الأردني بعمليات إنزال مواد طبية للمستشفى الميداني في مدينة غزة، الأمر الذي كان له صدى كبير في غزة والأردن، لأنه كان أول من اخترق الحصار الخانق والعدوان على مستشفيات غزة.

وتزامنا مع الموقف العلني، تصاعدت وبشكل لافت عمليات الاحتجاج الشعبي والتي تجاوزت فكرة المظاهرة في وسط العاصمة عمان بعد صلاة الجمعة وانتقلت إلى كافة المحافظات وفي أيام الأسبوع كافة. كما تم التوسع الكبير في حضور المواطنين الأردنيين للاعتصامات والمظاهرات بالقرب من السفارة الإسرائيلية للمطالبة بطرد السفير وإلغاء اتفاقات الأردن مع الاحتلال.
كما نجحت القيادة الأردنية في اختراق كبير للحصار الإسرائيلي، حيث قامت مروحيات الجيش الأردني بعمليات إنزال مواد طبية للمستشفى الميداني في مدينة غزة، الأمر الذي كان له صدى كبير في غزة والأردن، لأنه كان أول من اخترق الحصار الخانق والعدوان على مستشفيات غزة.

Reuters
إنشاء مستشفى ميداني اردني في خانيونس في 21 نوفمبر


وفي تلبية لمطالب المتظاهرين وكإشارة للإسرائيليين بخطأ استمرار عدوانهم، قام الأردن باستدعاء سفيره من تل أبيب وأخطر الجانب الإسرائيلي بعدم عودة السفير الإسرائيلي الذي كان قد غادر إبان أحداث 8 أكتوبر/تشرين الأول. عدم إعادة السفير قوبلت بالترحاب ولكن ثمة مطالبة بالمزيد من الخطوات التي يراها البعض ضرورية، مثل إلغاء كافة الاتفاقات مع إسرائيل والتي تبلغ 15 اتفاقا تشمل: اتفاق شراء الغاز من إسرائيل، واتفاقات تجارية، ومناطق صناعية خالية من الضريبة، واتفاقات سياحية، وغيرها. وأهمها اتفاق السلام الذي يشار إليه باسم "اتفاق وادي عربة".
مجلس النواب الأردني، وبإشارة واضحة من رئيسه أحمد الصفدي، قرر أن يحيل كافة الاتفاقات بما فيها اتفاق السلام، للجنة القانونية لدراسة الإمكانات القانونية لإلغاء أو تجميد تلك الاتفاقات، ومن المتوقع أن تعقد جلسات مع خبراء قانونيين في هذا المجال.
وزير الخارجية الأردني أعلن أنه لن يتم التوقيع على أي اتفاق في مؤتمر المناخ المزمع عقده، حيث كان من المفترض أن يوقع اتفاق "الماء مقابل الكهرباء"، ولكن جاء القرار بعدم توقيع أي اتفاق في ذلك المؤتمر أو غيره خاصة مع استمرار العدوان.

توسع الاحتجاجات


وتطورت عمليات الاحتجاج لتشمل كثيرا من الجهات غير الحكومية، ومنها مؤسسات المجتمع المدني، حيث عقد تحالف "همم" (هيئة منظمات المجتمع المدني الأردنية) عددا من الفعاليات. كما أصدرت هيئة "همم" عددا من التقارير، وتمت مخاطبة كافة السفارات الغربية التي لها ممثليات في الأردن.

قام كثير من أصحاب المتاجر الكبيرة بوضع البضائع التي صدرت لها إعلانات للمقاطعة في زاوية معينة وتحت لوحة تبين للجمهور أنها تأتي ضمن قرار المقاطعة

وقامت اثنتان من مؤسسات المجتمع المدني الأردنية أعضاء في تحالف "همم" بإرجاع جوائز حصلتا عليها من الخارجية الأميركية معبرتين عن رفضهما لموقف الولايات المتحدة المؤيد بصورة عمياء للاحتلال.
وقد قرر مجلس النواب الأردني بالإجماع العمل على إعادة تدريس مادة القضية الفلسطينية في كافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي.
اللافت للنظر أن العدوان الإسرائيلي على غزة خلق حملة شعبية غير منظمة لمقاطعة بضائع الكثير من الشركات الغربية. وقام كثير من أصحاب المتاجر الكبيرة بوضع البضائع التي صدرت لها إعلانات للمقاطعة في زاوية معينة وتحت لوحة تبين للجمهور أنها تأتي ضمن قرار المقاطعة. 
من ناحية ثانية، قام كثير من المتطوعين بمحاولة إقناع بعض المترددين على المطاعم التابعة لشركات أجنبية بمقاطعة تلك المطاعم نصرة للشعب الفلسطيني، واحتجاجا على دعم دولهم للاحتلال. وقد أبرز المقاطعون صور دعايات مطاعم الفرع الإسرائيلي لإحدى الشركات بتوفير وجبات مجانية لجنود الاحتلال.


الوحدة الوطنية


برز خلال الأسابيع الستة للعدوان الإسرائيلي تغيير كبير في المزاج العام الأردني. وخلقت الأجواء الاحتجاجية الواسعة حالة فريدة عكست وحدة وطنية لم يسبق أن شهدها الأردنيون بهذا العمق والإصرار. كما لوحظ انخراط كافة فئات الشعب الأردني في المظاهرات ومقاطعة بضائع الدول المؤيدة للعدوان.

رغم أن المملكة الأردنية دولة صغيرة إلا أنها نجحت في لعب دور كبير على كافة المستويات وبصورة تركت أثرا كبيرا في العواصم الغربية، وفي الوقت نفسه خلقت حملات التضامن الشعبية الواسعة تلاحما شعبيا لم تشهده الدولة منذ إنشاء إمارة شرق الأردن في الحادي عشر من أبريل/نيسان عام 1921

كما شكلت تلك الوحدة الوطنية تلاحما بين المكون المسيحي والمسلم من خلال كثير من المظاهرات والاعتصامات، منها اعتصام أمام كنيسة أرثوذكسية بمبادرة ناشطة مسلمة، ووقفة أمام مكتب الاتحاد الأوروبي قام بها ممثلو مؤسسات أردنية مقدسية تمثل الطيف العربي من كافة الطوائف. 

EPA
مظاهرة في العاصمة الاردنية عمان دعما لغزة في 17 نوفمبر


وقد أصدر مجلس رؤساء الكنائس بيانا أعلن فيه إلغاء مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد واقتصاره على الشعائر الدينية تضامنا مع شعب فلسطين، في حين قامت الكنائس في الأردن وتلبية لدعوة من البطاركة في القدس بتخصيص يوم للصلاة من أجل غزة وجمع التبرعات لدعم المستشفيات المتضررة من العدوان. 
المعروف أن إسرائيل قصفت المستشفى الأهلي التابع للكنيسة الأسقفية في القدس والمسمى "المستشفى المعمداني"، كما استشهدت عائلات مسيحية بأكملها عند الاعتداء على كنيسة أرثوذكسية في غزة، حيث استشهد 18 مسيحيا فلسطينيا جراء الاعتداء الذي أصاب بناية الكنيسة التي لجأت لها العائلات المنكوبة.
ورغم أن المملكة الأردنية دولة صغيرة إلا أنها نجحت في لعب دور كبير على كافة المستويات وبصورة تركت أثرا كبيرا في العواصم الغربية، وفي الوقت نفسه خلقت حملات التضامن الشعبية الواسعة تلاحما شعبيا لم تشهده الدولة منذ إنشاء إمارة شرق الأردن في الحادي عشر من أبريل/نيسان عام 1921.

font change

مقالات ذات صلة