الاقتصاد الأردني بعد حرب غزة الى أين المفر؟

تدهور آمال التعاون الإقليمي والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل

Shutterstock
Shutterstock

الاقتصاد الأردني بعد حرب غزة الى أين المفر؟

يتساءل المرء، في خضم محنة الفلسطينيين وحربهم مع الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، عن مدى تأثيرات النزاع على الاقتصاد الأردني. معلوم أن الأردن أكثر البلدان العربية ارتباطا بالقضية الفلسطينية منذ نكبة 1948، وبعدما أصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية، ثم جاءت هزيمة 1967 لتزيد الأعباء على البلاد وتجعلها في مواجهة مع إسرائيل، وتعرضها لمنازعات محلية مع المنظمات المسلحة الفلسطينية، كان أشدها في سبتمبر/أيلول 1970.

ساهم الوجود الفلسطيني الكبير في الأردن في تطوير الاقتصاد الأردني ومكّن البلاد من استقبال تحويلات مالية مهمة من الفلسطينيين العاملين في الخارج، ولا سيما في دول الخليج، مما حسن الحساب الجاري على مدى سنوات طويلة. ربما تراجعت قيمة التحويلات المالية بعد هجرة الفلسطينيين العكسية من الكويت وعدد من الدول الخليجية إثر الغزو العراقي للكويت عام 1990، إلا أن الانتشار الفلسطيني في البلاد أفادها بسبب مساهمة الفلسطينيين في سوق العمل، وتوظيف أموالهم في نشاطات ومشاريع وأعمال حيوية في القطاع المصرفي والخدمات والسياحة والصناعات التحويلية والزراعة.

اقتصاد ناشئ

يعتبر الاقتصاد الأردني من الاقتصادات الناشئة ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ 50 مليار دولار في السنة الجارية، ومعدل دخل الفرد السنوي بـ 4850 دولارا، وهذا يضع الأردن في المرتبة 114 على المستوى العالمي. خطا الأردن خطوات إصلاحية مذ تولى الملك عبد الله الحكم في عام 1999، إذ أكد اهتمامه بتحرير النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الخاصة والانفتاح على العمل مع المؤسسات العالمية.

النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يمثل هاجساً للجهات المعنية بالسياحة، ونظراً الى الأوضاع في الضفة الغربية ومأساة غزة فإن التراجع في القطاع سيكون مؤكداً

تمكن الاقتصاد الأردني من تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 8 في المئة خلال الفترة من 1999 إلى 2008، لكن هذا النمو تراجع إلى 2 في المئة سنوياً بعد انتفاضات "الربيع العربي" في عام 2011. وواكبته تلك الزيادات الكبيرة في أعداد السكان وارتفاع مستوى المديونية العامة. لذلك ارتفع مستوى البطالة ومعدل الفقر.

يقدر عدد سكان الأردن في الوقت الراهن بـ 11.3 مليون نسمة بزيادة تقدر بـ 0.45 في المئة عن عام 2022، وكان النمو السكاني خلال الفترة من 2020 إلى 2023 في حدود 2 في المئة سنوياً. لا شك أن معدل هذا النمو السكاني يظل أدنى من مستوياته في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حيث كان يراوح بين 4 و5 في المئة سنوياً. بيد أن معدل الخصوبة يظل مرتفعاً حيث هناك 2.7 مواليد لكل امرأة في سن الإنجاب.

عناصر الاقتصاد

ارتفعت نسبة البطالة بين المواطنين في سن العمل إلى 22.3 في المئة في نهاية النصف الأول من السنة الجارية. وكان معدل البطالة يراوح حول 16 في المئة خلال الفترة من 2015 إلى 2023. من هنا صار هاجس البطالة والفقر مقلقاً للسلطات الأردنية. وقد حدد البنك الدولي مستوى الفقر في الأردن بـ7.9 دولار في اليوم للفرد، وتبين أن هناك ما يقارب 4 ملايين نسمة يمكن احتسابهم ضمن فئة الدخل هذه، وربما يعادل هذا الرقم 35 في المئة من العدد الإجمالي للسكان.

يعمل معظم الأردنيين في قطاع الخدمات الذي يساهم بـ 75.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، في حين تساهم الصناعة بنسبة 19.6 في المئة، أما الزراعة فتبلغ مساهمتها 4.9 في المئة. ينتج الأردن الفوسفات والبوتاس، وهو تمكن من تطوير صناعات تحويلية لإنتاج المواد الكيميائية والألبسة أو المنسوجات، وهناك أيضا منتجات الأسمدة والمواد الغذائية. وتمثل المنتجات الزراعية أهمية اقتصادية للأردن حيث هناك منتجات الخضروات والفواكه مثل الخيار والبندورة، والبطيخ والموز والحمضيات.

كانت الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد خلال خمسينات القرن الماضي حين كانت تساهم  بـ40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن هذه المساهمة تراجعت إلى 6 في المئة في منتصف ثمانينات القرن الماضي. حدثت متغيرات مهمة في القطاع الزراعي بعدما تراجعت أعداد العمالة الوطنية في هذا القطاع وارتفعت أعداد المصريين، كما تغيرت مساحات الملكيات الزراعية بعدما أقدم المزارعون على تقسيم أراضيهم وبيعها للمستأجرين من الفلاحين الصغار.

 REUTERS
سياح يتجمعون أمام موقع الخزانة في مدينة البتراء الأثرية في 2 يوليو 2021.

السياحة: 5 مليارات دولار

يشير تقرير للبنك المركزي الأردني الى أن معدل الدخل من السياحة خلال الشهور الثمانية الأولى من هذه السنة بلغ 5.2 مليارات دولار، مرتفعاً بنسبة 41.3 في المئة عن مستواه في الفترة المقابلة من عام 2022. زار الأردن 4.5 ملايين سائح خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب 2023، ويتصدر السعوديون والفلسطينيون ثم المصريون والأميركيون والإسرائيليون لائحة الزوار. هناك الكثير من المزارات السياحية في الأردن التي تجذب السياح، وقد حددت اليونسيكو خمسة مواقع ثقافية ذات قيمة تاريخية وأدرجتها في لوائح التراث العالمي وتشمل البتراء ووادي رم، والبحر الميت الذي يحظى باهتمام العديد من السياح لأسباب علاجية أو صحية، وهناك جرش التي تعتبر مقصدا مهما للفنانين وجماهيرهم حيث تقام مهرجانات غنائية وفنية. لكن السياحة في الأردن، كما في أي بلد آخر، تتأثر بالأوضاع السياسية والأمنية المحيطة بها، لذلك فإن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يمثل هاجساً للجهات المعنية بالسياحة، ونظراً الى الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة ومأساة غزة فإن التراجع في القطاع سيكون مؤكداًلزمن غير قصير وسوف تتأثر فئات عمالية ولا بد أن تتراجع كذلك مداخيل ملّاك المنشآت السياحية. 

ديون وأعباء

مر الأردن خلال العقدين الماضيين بظروف اقتصادية صعبة دفعت إلى الاستدانة من الأسواق المالية والمؤسسات الدولية ذات الصلة. قدرت الديون الخارجية للأردن في شهر يونيو/حزيران من هذا العام بنحو 40.5 مليار دولار. وهي ارتفعت إلى مستواها الحالي بعدما كانت 11.5 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول من عام 2006. تؤكد هذه البيانات مدى ارتفاع المديونية الخارجية خلال العقدين الماضيين، وهي كانت تمثل 82.1 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. ظلت اليابان أهم الدائنين بنسبة 27 في المئة يليها البنك الدولي بنسبة 12 في المئة. في مقابل هذه الديون يملك الأردن 13.2 مليار دولار من أرصدة العملات الحرة. ولا تزال تحويلات العاملين في الخارج تمثل دخلاً مهماً للبلاد وهي بلغت 4.6 مليارات دولار في عام 2022.

أما الحساب الجاري فيعاني من العجز ويراوح حول نسبة 9 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل التجارة الخارجية للأردن، ولا سيما السلع والخدمات، أهمية للاقتصاد الوطني حيث بلغت قيمة الصادرات من السلع والخدمات 13.8 مليار دولار في عام 2021 في حين بلغت الواردات 25.7 مليار دولار مما يعني تحقيق عجز في الميزان التجاري. وتمثل التجارة الخارجية 81.4 من الناتج المحلي الإجمالي.

هناك رؤية 2030 أردنية، تهدف إلى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.5 في المئة سنوياً، وتوفير مليون فرصة عمل واستقطاب استثمارات بقيمة 41 مليار دولار 

يصدر الأردن الملبوسات والمواد الكيميائية والبوتاس والفوسفات والمواد الغذائية. أما الواردات فتشمل الآلات والمعدات والنفط الخام والمواد الغذائية. أهم الشركاء التجاريين للأردن هي السعودية والولايات المتحدة والصين وبلدان الاتحاد الأوروبي.

إمكانات محدودة

يبدو أن إمكانات الاقتصاد الأردني محدودة وهناك أوضاع اجتماعية معقدة مثل الفقر والبطالة. يضاف إلى ذلك أن أي هجرة من الضفة الغربية أو غزة ستمثل أعباء متزايدة، في مقابل إمكانات متواضعة. وقد تبين خلال الأعوام والشهور الماضية أن التململ من الفقر ومحدودية فرص العمل أديا إلى نشوب توترات سياسية وأمنية.

 REUTERS
المصرف المركزي الأردني في وسط مدينة عمان، الأردن.

وقد تستغل هذه الأوضاع من جهات متطرفة مثل منظمات الإسلام السياسي التي نشطت في البلاد خلال العقدين الماضين وتمكنت السلطات الأمنية من مواجهتها باقتدار وحكمة. إلا ان معالجة الأوضاع الاقتصادية وتحديث القدرات وتنشيط الاستثمار المباشر تظل ذات أهمية استثنائية. قدرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتراكمة بـ 37.3 مليار دولار في نهاية عام 2021 حيث تدفق ما يساوي 1.58 مليار دولار في عام 2021 بزيادة 64 في المئة عن عام 2020 بعد تجاوز جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت البلاد وبقية العالم في عام 2020.

لا شك أن هناك مشاريع عديدة مطروحة، منها ما يتصل بالبنية التحتية مثل الربط بين البحر الميت والبحر الأحمر، إلا أن عدم التوافق مع إسرائيل حال دون إنجاز المشروع. لكن هناك استثمارات مباشرة في قطاع الصناعات التحويلية والسياحة والخدمات.

استقطاب الاستثمار.. والمساعدات

اعتمد الأردن منذ زمن طويل على المساعدات والقروض الميسرة من بلدان الخليج والدول الصديقة مثل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وكان عقد في عمان في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، المؤتمر الاقتصادي العربي الذي نظمته جمعية الإخاء الأردنية - العراقية. وأوضحت وزيرة الاستثمار الأردنية خلود السقاف خلال المؤتمر أن الأردن انتهج برنامجا إصلاحيا لتعزيز التنمية وتحسين نوعية الحياة.

هناك رؤية 2030 أردنية للتحديث الاقتصادي، تهدف إلى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.5 في المئةسنوياً، وتوفير ما يربو على مليون فرصة عمل واستقطاب استثمارات بقيمة 41 مليار دولارخلال السنوات العشر المقبلة. ويبدو أن العراق ساهم في توظيف استثمارات مهمة في الأردن حيث بينت الوزيرة أن إجمالي هذه الاستثمارات بلغ 12 مليار دولار في قطاعات السياحة والتطوير العقاري والمصارف.  

هذه معلومات مفيدة خصوصاً إذا علمنا أن العراقيين يكنون مودة نحو الأردن، ووفدوا وأقاموا في البلاد منذ ثمانينات القرن الماضي. يمكن أن تقام مشاريع مشتركة أكثر حيوية بين البلدين تربط بينهما، مثل مشاريع الطرق والنفط والطاقة المتجددة والبنية التحتية بما يساهم في التكامل الاقتصادي بينهما.

دعم صناديق التنمية

يساهم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي الاجتماعي في التنمية الاقتصادية في الأردن، وهو منح الأردن 53 قرضاً بقيمة 688.2 دينارا كويتيا، أو 2.2 مليار دولار على مدى السنوات المنصرمة، كما وفر للقطاع الخاص الأردني قروضاً بقيمة 5.1 مليون دينار كويتي أو 16.5 مليون دولار بالإضافة إلى منح بقيمة 16.5 مليون دينار كويتي أو 53.4 مليون دولار. تؤكد هذه المساهمات والقروض من الصندوق العربي اهتمام الصندوق والدول الرئيسة المساهمة فيه مثل السعودية والكويت والإمارات، وهي تمكن الاقتصاد الأردني وتعزز القدرات بما يتوافق مع أهداف الخطط الاقتصادية الأردنية. وقدّم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية قروضا مهمة للأردن ابتداء من عام تأسيسه 1962 بقيمة 62 مليون دينار كويتي وهو مبلغ مهم آنذاك. ظل الصندوق يتعامل مع الأردن على أسس منهجية وموّل مشاريع حيوية في الزراعة والري والنقل والطاقة والمياه والصرف الصحي. لا يزال الأردن يتلقى قروضاً من الصندوق الكويتي، ومنها قرض في العام الماضي بقيمة 38.3 مليون دولار لتمويل البنية التحتية للتعليم العام. غني عن البيان أن الأردن يعتمد إلى درجة كبيرة على القروض الميسرة من الصندوق العربي والصندوق الكويتي وعدد آخر من الصناديق التنموية الخليجية.

البنك الدولي يشدد على أهمية إنجاز الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الأردني لمواجهة متطلبات التنمية واستجابة الاحتياجات المعيشية للسكان

تقييم المؤسسات الدولية

كيف يقيّم صندوق النقد الدولي الاقتصاد الأردني؟ تتوقع إدارة الصندوق أن يحقق الاقتصاد الأردني معدل نمو حقيقيا يساوي 2.6 في المئة خلال العام الجاري. وبيّن تقرير الصندوق أن رفع أسعار الفائدة مكّن من مواجهة التضخم والحد من نتائجه السلبية على البلاد. يتوقع الصندوق أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 48.7 مليار دولار في نهاية 2023، وربما يرتفع إلى 49.95 مليار دولار في عام 2024، ثم إلى 51.55 مليار دولار في عام 2025.

 REUTERS
عمان، الأردن.

وصدرت أخيراً موافقة مبدئية من إدارة صندوق النقد على تمكين الأردن من الحصول على تسهيلات ائتمانية جديدة بنحو 1.2 مليار دولار لمدة 4 سنوات. ترتبط هذه التسهيلات بتعهد من الحكومة الأردنية لإنجاز إصلاحات مالية واقتصادية. أهم هذه التعهدات التزام ضبط الانفاق والعمل على تحقيق توازن بين الإيرادات والإنفاق الحكومي، وكذلك ضبط الواردات بما لا يؤدي إلى زيادة عجز الحساب الجاري أو ميزان المدفوعات. يبدو أن هناك ثقة بالإدارة الاقتصادية في الأردن مما سهّل التفاهمات مع صندوق النقد الدولي. لكن من غير الواضح معرفة مدى قدرة السلطات على ضبط الصدمات الاقتصادية والمالية التي ستنتج من حرب غزة ومدى الوقاية منها وكيف يمكن التعامل معها وهل هناك مصدات أو عوامل دعم لمواجهتها. 

في بداية السنة الجارية أكد البنك الدولي على أهمية إنجاز الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الأردني لمواجهة متطلبات التنمية واستجابة الاحتياجات المعيشية للسكان. لكن البنك أشار إلى أهمية التمعن في الأوضاع المحيطة بالبلاد وكأنه يتنبأ بالحرب في غزة وانعكاساتها على الاقتصاد.

اقتصاد الأردن بعد حرب غزة

الآن، في ضوء هذه المعارك الطاحنة ومستويات الدمار والعذاب التي يواجهها الفلسطينيون في غزة وآثار ذلك كله على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، لا بد أن تتعرقل كل آمال السلام وامكانات التعاون الاقتصادي الإقليمي ومشاريع البنية التحتية التي تشمل إسرائيل والأردن. وقد تعطل المواقف السياسية المتوقعة من الحكومة الأردنية والضغوط الشعبية، العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، لكن الأهم من ذلك كيف سيتعامل الأردن بسبب هذه الحرب مع البلدان الغربية، الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وهل ستتأثر المعونات والقروض الميسرة التي سبق التفاوض في شأنها؟

لا بد أن تسود الحكمة في إدارة هذه العلاقات حفاظاً على استمرار زخم الإصلاح ومعالجة المعضلات المعيشية في البلاد. هذه الأوضاع المحيطة بالأردن قد تدفع إلى الاستنجاد بدول الخليج لدعم المالية العامة وتوفير الأموال اللازمة لمواجهة الالتزامات الخارجية.

font change

مقالات ذات صلة