السياحة في مصر تعيش معاناة غزة

التأثير الأكبر حالياً يظهر في ارتفاع نفقات التأمين على البضائع والرحلات

رويترز
رويترز
أهرامات الجيزة كما بدت في 26 أكتوبر الماضي

السياحة في مصر تعيش معاناة غزة

تدفع السياحة دائماً ضريبة الأزمات والتوترات الدولية والإقليمية السياسية والأمنية خصوصا، ويُعَدّ القطاع السياحي عموماً الأكثر حساسية بين القطاعات الاقتصادية تجاه الحروب والأحداث المختلفة، مما ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على أعداد السياح والتدفقات النقدية من القطاع. وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة أضراراً بالغة على السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وارتفعت معها أسعار التأمين على السفر كسائر المنتجات.

تعتبر مصر من أكثر المتضررين من حرب غزة، لتزامنها مع الموسم الشتوي، الذي تستقبل فيه البلاد أعداداً كبيرة من السياح من مختلف الجنسيات. وألقت المناوشات على الحدود المصرية مع غزة بظلالها على تدفقات السياح الى الدول المجاورة للحرب بما فيها مصر والأردن وتركيا ولبنان، وسيكون لاستمرار الحرب الدموية في غزة تأثيرات على السياحة، ليس في مصر فقط وإنما أيضاً في الإقليم، لأن تداعيات الحرب العسكرية وظروف التصعيد تثير الخشية من أن يتحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غزة إلى حرب إقليمية، تشارك فيها ايران والفصائل والأذرع المحسوبة عليها، وقد تؤدي الى حرب متعددة الجبهات، بعدما اصبح للجانب الأميركي قوة عسكرية وفرقاطات كبيرة في المنطقة، حيث يحشد الجانب الإيراني "أذرعه".

وفيما تُبذَل خلف الكواليس جهود لاحتواء الوضع وإنقاذ الإقليم من التوترات، فان مؤشرات الانعكاسات السلبية على السياحة تمتد من دول مصر ولبنان والأردن الى تركيا ودول الخليج، فلا سائح يرغب في أن يعيش لحظات التوتر هناك، فتتعرض حياته للخطر في المرحلة المقبلة.

حرب غزة أثرت على الحجوزات في المدن القريبة من الحدود المصرية بنسبة 90%، وهي سانت كاترين ونويبع وطابا، في حين لم تتأثر باقي المقاصد السياحية سواء المطلة على ساحل البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ أو الأقصر وأسوان جنوب البلاد إلا بنسب قليلة

تأتي التأثيرات السلبية على مصر، على الرغم من نهضتها السياحية عامي 2022/2023 في أعداد السياح والإيرادات من العملات الأجنبية. فللحرب بكل تأكيد تأثيرات اقتصادية وتنموية وسياحية انخفضت معها الإشغالات والتعاقدات للأشهر المقبلة، وتتأثر مصر في طبيعة الحال باعتبار أن لديها حدوداً مباشرة مع غزة، وهي على خط التماس في ما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط.

إرتفاع أقساط التأمين

يظهر التأثير الأكبر حالياً في ارتفاع أقساط التأمين على البضائع والسياحة جراء الأخطار، وربما سيكون التأثير كبيراً جراء تشدد شركات التأمين في توفير استحقاقات التأمين اللازمة للوفود السياحية والبضائع في الإقليم.

وسترتفع أيضا في حالة توسع الحرب، أرقام التأمين بشكل كبير على البضائع والمنتجات، وحتى على حياة السياح، وسيحصل تاليا ركود سياحي في المرحلة المقبلة في المنطقة، ومصر هي جزء منها بالطبع، وتعاني من التأثيرات الاقتصادية السلبية للحرب في قطاع غزة على معدلات التجارة والتنمية وحركة السفن، والبيع والشراء وحتى على أسواق النفط التي شهدت ارتفاعات سعرية كبيرة في الآونة الأخيرة.

إقرأ المزيد عن: ردود الفعل الاقتصادية على الحرب في غزة

وظهرت تأثيراتها السلبية جلية في العديد من المدن المصرية وخصوصاً المتاخمة للحدود، بكثير من إلغاءات الحجوزات بنسب كبيرة، ويتوقع أن تشهد الفترة الحالية ارتفاعاً في نسب الإلغاءات وتباطؤاً في الحجوزات القصيرة الأجل، وتقدَّر نسب الإلغاءات من 30 إلى 90 في المئة من حركة السياحة المتوقعة خلال الفترة المقبلة.

رويترز
مسابح في أحد الفنادق في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر

وتؤثر الحرب على السفر الى الدول المجاورة عليها سلباً، ولا سيما على المدن المجاورة لمنطقة النزاع وفي مقدمها طابا ونويبع وسانت كاترين، وتليها في التأثر مدينة شرم الشيخ، بينما يقل التأثير في باقي مدن البحر الأحمر مثل الغردقة ومرسى علم وصولا إلى القاهرة وباقي المدن المصرية، في ظل توقعات ممثلي صناعة السياحة أن تكون تلك التأثيرات قصيرة الأجل، اللازمة لحماية الاقتصاد المصري من الآثار السلبية التي تُخلِّفها هذه الأحداث العالمية والإقليمية.

حال من الترقب والتشاؤم السياحي

في السياق قال الخبير السياحي ورئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع سامي سليمان إن مصر "حققت قبل حرب غزة ما يزيد على 15 مليون سائح زاروا مصر قبل اندلاع الحرب، وكنا نتطلع إلى زيادة هذا الرقم حتى نهاية السنة الجارية، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن".

إقرأ المزيد عن: غاز شرق المتوسط على وقع حرب غزة

وأضاف سليمان لـ"المجلة": "إن الحرب الدائرة رحاها في غزة طارئة وستأخذ وقتها، لكنها لن تستمر طويلاً، ويُتوقع انتهاؤها في المدى القريب. فتأثيراتها واضحة من الناحية الاقتصادية حتى على العملة الإسرائيلية وانخفاض الشيكل بنسبة كبيرة على الرغم من دعم الدولة له، لكن الأزمة الحالية سريعة وستعود السياحة الى الشرق الأوسط ككل وليس كجزء، لكن التأثير الأكبر في محيط الحرب الدائرة حالياً هو في لبنان وسوريا ومصر".

وكشف سليمان أن "الحرب في غزة أثرت على معدلات الحجوزات في المدن القريبة من الحدود المصرية، وهي سانت كاترين ونويبع وطابا، في حين لم تتأثر باقي المقاصد السياحية سواء المطلة على ساحل البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم أو الأقصر وأسوان جنوب البلاد إلا بنسب قليلة لا تتجاوز 30 في المئة، أما سيناء وجزء منها فتأثرا بشكل كبير، وتصل نسب الإلغاءات في المناطق الملاصقة للحدود المصرية، نويبع وطابا وسانت كاترين، الى 90 في المئة".

وقال إن السياحة في إيلات بلغت صفراً ومصر كانت تستفيد من السياحة العالمية التي كانت تصل الى إسرائيل ومن الأردن وتدخل الى سانت كاترين والدول الثلاث مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالسياحة الدينية. "فكل الأمور منعكسة على بعضها". وأكد أن نسب الإلغاءات قليلة في القاهرة بين 20 و30 في المئة أما في الأقصر وأسوان فتصل النسبة إلى 30 في المئة.

يُتوقع أن يحقق القطاع السياحي في مصر إيرادات قياسية هذه السنة تتجاوز 14 مليار دولار. وتستهدف مصر مضاعفة عدد السياح خلال السنوات الخمس المقبلة، وصولا إلى 30 مليون سائح في حلول عام 2028.

ويُتوقع أن يحقق القطاع السياحي إيرادات قياسية هذه السنة تتجاوز 14 مليار دولار. وتستهدف مصر مضاعفة عدد السياح خلال السنوات الخمس المقبلة، وصولا إلى 30 مليون سائح في حلول عام 2028.

حاليا، يبدو أن اتجاه حجز البرامج السياحية سلبيا، وهذا ما أوضحه الخبير السياحي ووكيل وزارة السياحة مجدي سليم في حديث إلى "المجلة"، إذ قال إن عودة معدلات السياحة إلى طبيعتها مرتبط باستقرار الأوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. والتأثيرات السلبية باتت واضحة لكنها متوسطة. ووصلت نسب الإلغاء الآنية والمستقبلية الى أرقام مرتفعة للغاية، ورفضت المصادر الرسمية التصريح بحجم الخسائر من السياحة، ويقدر سليم أن نسب الإلغاء 40 في المئة.

"ستاندرد أند بورز": انخفاض العائد السياحي سيؤثر على ديون مصر

وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" توقعت أن يتضرر قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدرجة كبيرة جراء حرب غزة، ولا سيما في الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان. وذكرت أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت المنطقة الوحيدة التي شهدت تعافيا في قطاع السياحة من جائحة "كوفيد-"19 إذ زاد عدد زوارها 20 في المئة على أساس سنوي في الشهور السبعة الأولى من السنة الجارية مقارنة بمستويات عام 2019 بحسب تقديرات منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. وأشار إلى ان قطاع السياحة يشكل ما بين 12 و26 في المئة من إيرادات مصر ولبنان والأردن باعتباره مصدرا للعملة الأجنبية وكذلك للتوظيف.

توقعت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" أن يتضرر قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدرجة كبيرة جراء حرب غزة، ولا سيما الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان

وقال التقرير إن انخفاض العائد السياحي في مصر سيؤثر على مركزها الخارجي في ظل مدفوعات الديون الخارجية الكبيرة التي سيحل أجل استحقاقها في الفترة المقبلة، إذ من شأن انخفاض الدخل السياحي 10 إلى 30 في المئة أن يكلف البلاد من 4 إلى 11 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي، إذا قرر المصرف المركزي التدخل في سوق الصرف.

وأضاف أن مصر ستخسر ما بين 1.2 مليار دولار و8.4 مليار دولار إذا تراجعت إيرادات السياحة بين 10 و70 في المئة. ويعادل ذلك فقدان ما يتراوح بين 0.3 و1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويوظف قطاع السياحة في مصر نحو 10 في المئة من السكان وفقا للتقرير.

أما بالنسبة إلى الأردن فتوقعت الوكالة أن تخسر المملكة ما بين 0.6 و4 مليارات دولار إذا تراجع الدخل السياحي بين 10 و70 في المئة. لكن التقرير توقع استمرار المانحين في دعم كل من مصر والأردن سواء في اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف لأن أي اضطراب في هاتين الدولتين قد يمتد الى باقي المنطقة.

رويترز
أسواق مصر

وأشارت الوكالة إلى أن لبنان هو الأكثر اعتمادا على القطاع بين الدول الثلاث، متوقعة أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بما يصل إلى 10 المئة في حال انخفاض إيراد القطاع السياحي بين 10 و30 في المئة عن مستواه عام 2022. وعلى الرغم من توقع الوكالة أن تتوقف حركة السياحة الأجنبية في إسرائيل تماما بسبب الأوضاع الأمنية، قلل التقرير التداعيات الاقتصادية المباشرة لذلك لأن القطاع لا يمثل سوى 3 في المئة فقط من إيرادات المعاملات الجارية لإسرائيل. وأضاف أن تأثير انخفاض الدخل السياحي لإسرائيل بنسبة 70 في المئة لن يعادل سوى نحو 2 في المئة فحسب من احتياطي النقد الأجنبي.

وقال مُعدّو التقرير إنهم لا يتوقعون أن يتأثر قطاع السياحة بدرجة تذكر في كل من تركيا بسبب بعدها الجغرافي نسبيا عن الصراع ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تجاوز تدفق السياح عليها بالفعل مستويات ما قبل الجائحة. وأضافوا أن القطاع السياحي في كل من المملكة العربية السعودية والعراق لا يتوقع أن يتأثر.

وتبذل الحكومة المصرية جهوداً حثيثة لتقليل التأثيرات السلبية للحرب على السياحة، وذلك من خلال مخاطبة منظمي البرامج والشركات السياحة الدولية وإطلاق حملات ترويجية في العديد من الأسواق السياحية للتأكيد أن مصر ومواقعها السياحية آمنة.

font change

مقالات ذات صلة