أمين صالح: أعتبر نفسي ممثلا يؤدي أدوارا مختلفة

كتب القصة والسيناريو والمسرح والسينما شغفه الأول

أمين صالح: أعتبر نفسي ممثلا يؤدي أدوارا مختلفة

يمكن وصف أمين صالح بأنه حالة إبداعية متكاملة، فهو كاتب قصصي ومسرحي ومترجم وناقد وسينارسيت بحريني، يستطيع التنقل بين كل هذه الاتجاهات بسهولة كونه يمتلك الخيوط الخفية التي تحركها منذ بداياته في مطلع السبعينات. يقول صالح: "الخيط الذي يربط هذه الأشكال هو أنا، ذاتي ورؤيتي". في إطار هذه الرؤية المتجدّدة أصدر الكثير من الكتب من بينها "شمالا.. إلى بيت يحنّ إلى الجنوب" و"جيوبي مليئة بالفصول أيتها الينابيع" و"المياه وظلالها"، كما أصدر العديد من الكتب المترجمة التي طغت عليها الفكرة السينمائية منها "حوار مع فدريكو فليني" و"النحت في الزمن" و"سينما فرنر هيرزوغ: ذهاب إلى التخوم الأبعد". وفي المجال التلفزيوني كتب العديد من المسلسلات من بينها "قيود الليل" و"بحر الحكايات"، وفي السينما كتب "الحاجز" والقفص".

حصل صالح على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من ملك البحرين، وحصل أيضا على العديد من الجوائز آخرها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (جائزة القصة والرواية والمسرحية) الدورة الثامنة عشرة (2022 - 2023). التي أعُلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

  • حصلت على جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (جائزة القصة والرواية والمسرحية) فقال أحد المعنيين بالشأن الثقافي "إن حصولك على الجائزة هو انتصار للقصة القصيرة" التي تشكل جزءا من تجربتك، حيث كان إنتاجك الأدبي الأول في مجال القصة، فما خصوصية القصة لك؟

عندما بدأت أنشط في كتابة القصة القصيرة، في أوائل سبعينات القرن الماضي، كانت القصة القصيرة، كشكل أو نوع فني، سائدة ومهيمنة في الأوساط الأدبية العربية، وكان هناك توجه عام لكتابة القصة في مختلف اتجاهاتها وتوجهاتها، التقليدية والحداثية، ومن مختلف الأجيال. شخصيا، بعدما أصدرت مجموعات قصصية ورواية، شعرت – وكان ذلك في الثمانينات – بأن الشكل القصصي لم يعد هو القالب أو النوع الذي يتلاءم مع رؤيتي الفنية التي ترى في تمازج الأنواع والأشكال الفنية، ضمن نص مفتوح غير محدد أو مؤطر، أفقا ينسجم مع ما أطمح إلى التعبير عنه.

 قد لا تكترث بالرقابة أثناء كتابتك لنصك. لكن عندما تنتقل إلى الوسط الآخر، ستجد نفسك مرغما على الامتثال لما تراه وتريده الرقابات المتعددة

  • لماذا انحسرت الكتابة القصصية؟

في الوقت الراهن، قد يكون التوجه العام نحو الرواية بسبب إقبال الجمهور على هذا النوع، وربما بسبب تعدّد المسابقات والجوائز في هذا المجال، لكنني لا أعتقد أن ثمة انحسارا في كتابة القصة القصيرة أو القصيرة جدا. المشكلة أجدها في وسائل النشر. في السابق كانت المنابر الثقافية والصفحات الثقافية في الجرائد تهتم بنشر النتاجات القصصية، الآن تقلص نطاق النشر، وقلّ الاهتمام، وفقد النقاد تلك الجذوة التي تساهم في تأجيج الإبداع.

مشاركة المعرفة

  • كنت من أوائل المترجمين في البحرين، ما الذي دفعك الى الترجمة؟

في الواقع، لست من أوائل المترجمين، فقد سبقني آخرون اجتهدوا وحققوا ترجمات مهمة. ربما أتميّز بتخصصي في الترجمة في حقل السينما، هذا الحقل الذي كان آنذاك بكرا في الوسط الثقافي العربي، فقد كان التوجه العام في الترجمة يذهب إلى الكتابات السياسية والروائية، ولا يقترب من السينما إلا نادرا، وهي ترجمات وجدت نفسي مرغما على إنجازها لأنني لست متخصصا في الترجمة، ولم أكن مولعا بها، كما أنها تستغرق وقتا وجهدا وطاقة يمكن ادخارها أو استثمارها في إنجاز مشاريع أدبية. لقد اضطررت إلى ذلك لأن المكتبة السينمائية العربية فقيرة، ولأن الكتب ذاتها مهمة ولا بد من تعميمها على القارئ العربي. عندما أقرأ كتابا في السينما أشعر أنه مهم وضروري ويفيد القارئ، فإنني أتمنى أن يتولى مترجم نقله إلى العربية، ليستفيد منه الجمهور العربي والسينمائي العربي، لكنني انتظر طويلا، بلا جدوى. أقول لنفسي: "لا يمكنك أن تحتكر هذه المعرفة لنفسك، لا تكن أنانيا، افعل ذلك الآن، ولتكن المرة الأخيرة". لذلك أفعلها هذه المرة وأقول إنها الأخيرة، لكن الكتب تتراكم. هكذا هي الحال مع الترجمة.

  • ما الدافع وراء اختيارك لترجمة بعض الكتب التي تتناول السينما مثل "السينما التدميرية" و"عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي: براءة التحديقة الأولى"؟

إن ما يحرضني على ترجمة الكتب السينمائية هو غنى المادة، وجدّة الرؤى التي يرتكز عليها الكتاب، وأهمية ما هو مطروح ومتناول في هذه الكتب. كذلك تهمني العوالم التي تكاد تكون مجهولة، غير مستكشفة، غير مطروقة، بالنسبة إلى الفرد العربي. أميل إلى التعريف بسينمات وأسماء وأصوات لم يتعرّف اليها المثقف العربي إلا في حدود ضيقة. هكذا حرصت على اقتحام عوالم اليوناني أنجيلوبولوس والتايواني تساي مينغ ليانغ وغيرهما. وعندما بدأت بـ"السينما التدميرية" للناقد الكبير أموس فوغل، و"النحت في الزمن" للعظيم تاركوفسكي، فذلك لأن الكتابين، في رأيي، من أهم الكتب السينمائية في النقد والنظرية السينمائية وجمالياتها وأبعادها وطموحاتها.

  • ما الذي تعتقد أنه يميز كتاباتك في مجال السيناريو السينمائي والتلفزيوني؟  

تجربتي في كتابة السيناريو السينمائي ليست غزيرة وعميقة، نظرا لأنها متفاوتة زمنيا، بالتالي لا أستطيع أن أقول إنها متميزة أو أن أتحدّث عما يميزها. نحن في البحرين نفتقر إلى المنتج السينمائي. صديقي المخرج بسام الذوادي لديه سيناريوهات ومشاريع سينمائية، لكنه منذ سنوات يلاحق الجهات المنتجة في مختلف دول الخليج، فلا يجد من يبدي استعداده لخوض التجربة معه. وأنا كتبت سيناريو لفيلم طويل ظل سنوات يبحث بلا جدوى عن منتج، حتى استقر أخيرا عند المخرج الإماراتي نواف الجناحي، الذي بدوره صار يلاحق المنتجين هنا وهناك، ولا أعرف ما إذا سيحالفه الحظ أو يتمكّن منه اليأس.

بالنسبة إلى التلفزيون، هناك منتجون لكنهم يتجنبون النصوص المغايرة والعميقة والجميلة. هكذا قال لي مخرج تلفزيوني كبير، وصديق عزيز، عندما قرأ لي مسلسلا تلفزيونيا لا يزال يبحث كالعادة عن منتج ما. قال لي: "المنتجون يبحثون عما هو سهل ومبتذل ومريح للجمهور، ولا يخرج عن الإطار العام الذي اعتاد عليه الجمهور من موضوعات وأفكار وصراعات، وحبذا لو يكون النص مفصلا على مقاس نجمة معروفة بحيث تكون في المركز والبؤرة طوال الوقت". مناخ الدراما التلفزيونية، في الوقت الراهن، غير صحي على الإطلاق.

مارست الترجمة لأن المكتبة السينمائية العربية فقيرة، ولأن الكتب ذاتها مهمة ولا بد من تعميمها على القارئ العربي

  • ما أهمية أن يكون كاتب السيناريو منتميا في الأساس مثلك الى الكتابة سواء القصصية أو الروائية؟

ليس من الضروري أن يكون الكاتب ممارسا لكتابة القصة أو الرواية، وذلك لاختلاف النوعين أو الشكلين الفنيين، في التقنية واللغة والتلقي. بالطبع، سيكون من المفيد أن يأتي إلى حقل السيناريو كاتب قصة أو روائي، لديه إلمام في كيفية رسم الشخصيات واستنباط الأفكار، وفي كيفية كتابة الحوار. لكن ليس هذا شرطا ضروريا، فالسيناريو ليس نوعا أدبيا.

  • أين وقفت حدود حريتك خلال الكتابة للسينما والتلفزيون؟ 

حرية الكاتب، في الكتابة للسينما والتلفزيون، غالبا ما تكون محدودة ومشروطة. فأنت لا تعمل وحدك، وليس معك غير ورقة وقلم، أو شاشة كومبيوتر، ومعك حريتك الثمينة، فتكتب ما تشاء وكما تشاء، أنت هنا، في وسط (السينما والتلفزيون) يقتضي عملا جماعيا يفرض التعاون والمشاركة من أجل خلق عمل فني، أيا كان مستواه. بالتالي، الكاتب محكوم بما يتطلبه العمل التعاوني، وعليه أن يقبل بما تقترحه العناصر الفنية الأخرى من تعديلات وتغييرات وإضافات في نصه. هذا يعني أن الكاتب سوف لن يرى نصه الأصلي متجسّدا على الشاشة كما كتبه حرفيا. لذلك أقول إن حريته محدودة حتى لو كان هو نفسه منتج العمل.

قد لا تكترث بالرقابة الرسمية والذاتية معا أثناء كتابتك لنصك. لكن عندما تنتقل إلى الوسط الآخر، تجد نفسك مرغما على الامتثال لما تراه وتريده الرقابات المتعددة، من الرسمية إلى رقابة المنتج والمخرج والممثل والجمهور والنقابات وأصحاب المهن، وسوف تتقافز من خط أحمر إلى خط أحمر آخر، في دوامة لا تنتهي.

محاولات فردية

  • كتبت "الحاجز" وهو أول سيناريو لفيلم بحريني طويل، الى أي مدى شكل هذا الفيلم نقلة في السينما البحرينية؟

فيلم "الحاجز" لم يشكّل نقلة نوعية لأننا في البحرين لا نمتلك تجارب سينمائية متراكمة، إنما هي محاولات فردية، غالبا في مجال الفيلم القصير، تنتج بين الحين والآخر، ضمن مبادرات ذاتية، غير مستمرة. فالنقلة النوعية تتحقق عندما تكون التجربة السينمائية متقدمة ومكتنزة كما ونوعا.

فيلم "الحاجز" كان محاولة جادة وجميلة، وضرورية، لتحقيق أول فيلم درامي طويل. حدث هذا في 1990، وحتى الآن المحاولات في هذا المجال معدودة ومتواضعة جدا. وكما أشرت، لا يزال مخرج الفيلم ومنتجه بسام الذوادي، يبحث يمينا وشمالا عن منتجين يمولون مشاريعه العديدة.

مشكلتنا مع الاتجاه المهيمن في السينما العربية أنه يفتقر إلى الرؤية الفنية والفكرية السليمة، ولا يطمح إلا إلى تحقيق الكسب المادي 

  • من واقع اشتغالك في النقد السينمائي، كيف تنظر إلى الإنتاج السينمائي البحريني ومن ثم العربي؟

صعب عليّ أن ألخّص الحديث عن الإنتاج السينمائي العربي في بضعة أسطر. لهذه السينما تاريخ طويل، وتعرّضت للعديد من التحولات والتفاعلات. هناك تجارب جادة ومغايرة، سواء في السينما المصرية أو في دول شمال أفريقيا، وهي تحاول أن تطرح شيئا جديدا، مختلفا عما هو سائد من سينما تقليدية وتجارية بحتة. مشكلتنا مع الاتجاه المهيمن في السينما العربية أنه يفتقر إلى الرؤية الفنية والفكرية السليمة، ولا يطمح إلا إلى تحقيق الكسب المادي. لذلك تبدو نتاجاته هزيلة، لا ترقى إلى مستويات الفن الراقي، وغايتها الوحيدة الترفيه عن جمهورها لكي تحقق إيرادات عالية.

المسرح

  • كتبت أكثر من خمس مسرحيات، ما السبب وراء كتاباتك المسرحية؟   

مؤلفاتي المسرحية قليلة، وهي ليست نابعة من طموح مدروس بحيث تشكل هذه النصوص مشروعا ثابتا ومتواصلا له أهداف معيّنة أو طموحات محددة. المسرح، في مناخنا الثقافي المحلي، لم يعد فعالا ونشطا وطموحا كما كان في فترات ماضية، ومثل هذا المناخ لا يشجع الكاتب ولا يحرضه على الكتابة وعلى إنتاج ما يرفد الحركة المسرحية من نصوص. لهذا السبب لم تشكل لي الكتابة المسرحية هاجسا ملحا، أو على الأقل ضرورة.

  • لماذا تحرص على التنوع؟

عندما انتقل من شكل إلى آخر، أو من نوع إلى آخر، أنظر إلى نفسي كممثل يؤدي أدوارا مختلفة، وعندما يفعل ذلك فإنه لا يشعر بالارتباك والتشوش، بل يحاول أن يبدع في كل دور.

  • ما جديدك؟

أعكف على إنهاء كتاب عن السينمائي السويدي إنغمار بيرغمان.

font change

مقالات ذات صلة