ياسر الحسن: الإنسان وتحوّلاته شاغلي الأول

في رصيده 16 مسرحية

ياسر الحسن: الإنسان وتحوّلاته شاغلي الأول

استطاع المؤلف والمخرج المسرحي السعودي ياسر الحسن، أن يبقى مخلصا للدافع الذي يقف وراء أعماله، وهو الإنسان بكل تقلباته، فكتب عنه برؤية خاصة عبر مسرحياته التي وصل عددها إلى ست عشرة مسرحية من بينها "تحت الأنقاض" و"منتصف الليل وحيدا" و"مجرد علامة؟ لا أكثر" و"محاكمة السيد X" و"دمدوم وديموم" الموجّهة للأطفال.

تجربته المؤثرة في المسرح السعودي أهلته للحصول على الكثير من الجوائز من بينها المركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي عام 2020. وجائزة أفضل تأليف مسرحي لنص "الشرقي الذي فقد" في مهرجان عشيات طقوس الدولي بالأردن عام 2017. وجائزة أفضل إخراج مسرحي عن مسرحية "زوان" في مهرجان الجنادرية بالطائف عام 2014 وجائزة التميز في مهرجان الدمام للعروض القصيرة عام 2009 عن نص "مجرد لا أكثر" وجائزة أفضل عرض مسرحي عن مسرحية "مريم" في مهرجان الجنادرية عام 2004.

والحسن المتابع للمشهد المسرحي في ظل التطورات التي تشهدها السعودية، يقول: "أنا متفائل كثيرا بالوضع الحالي". وفي هذا الوضع يبقى حريصا على تقديم الجديد فالإبداع الحقيقي يرافقه التجديد المستمر.

  • يقال إن الكتابة المسرحية قليلة بالمقارنة مع الأجناس الأدبية الأخرى، فما الذي يحفزك على الاستمرار بهذا المجال منذ ستة وثلاثين عاما؟

في الحقيقة لا أعلم مدى الدقة في كون الكتابة المسرحية نادرة، وهذا يناقض إحصائيات المشاركين في مسابقات التأليف المسرحي على مستوى العالم العربي أو المحلي. أتذكر جيدا كلمة لصديق لي ما زال صداها يتردد في وجداني كثيرا "الكتابة حق من حقوق الإنسان حالها حال الهواء والماء والطعام يجب عليه ألا يفرط بها" باختصار شديد وجدت نفسي في الكتابة المسرحية، ولا يمكن أن أتخلى عنها.

 المونودراما من أصعب المسرحيات التي يمكن تناولها، لأنها تعتمد بصورة كاملة على قدرة الممثل على جذب المتلقي إليه، وعندما يفقد الممثل قدرته على الجذب يفقد العرض 

أمام التغيرات

  • قلت في أحداللقاءات إن هاجسك هو الإنسان، فما الذي تريد أن تعبر عنه أو توصله حول الإنسان عبر مسرحك؟

في رواية "أمير الذباب" لوليم غولدنغ كان الواقع الموصوف، الذي صدمني واستفزني على الكتابة، هو كيف يمكن أن يتحوّل أطفال أبرياء إلى همج متوحشين حالما تغيب القوانين (المتمثلة في البالغين الأوصياء) وهو ما رأيناه يحدث حتى مجتمعات إنسانية تبهرنا بنظامها لهم من ناحية احترام القانون والنظافة وحرية الرأي وغيرها، تختفي هذه السلوكيات في الحرب ويعود الإنسان إلى همجيته ويقتل ويسلب الآخر بكل بساطة. هذه الأسئلة الملحّة حاولت أن أتناولها في سلسلة مسرحيات "منتصف الليلة وحيدا"، و"أماني عبيدو" و"تحت الأنقاض" والتي وضعت فيها بقعة جغرافية افتراضية تتكوّن من عدة أماكن، مقهى، وميناء، ومحطة قطار، ومخفر شرطة وتدور كل مسرحية في مكان من هذه الأمكنة مع تغير الزمان بعد نشوب حرب ما، ومنها أسلط الضوء على الإنسان فيها وعلى أسلوب تفكيره وتعاطيه مع التغيرات الحاصلة.

  • لماذا عملت على سلسلة مسرحية بدءا من مسرحية "مريم" ومن ثم "مريم وتعود الحكاية" وأخيرا "الشرقي الذي فقد" وهل من الممكن أن تكمل في السلسلة نفسها؟

كان الأمر صدفة بحتة، لكني أحبّ توظيف المواقف وتطويرها حسب ما يستجد، مسرحية "مريم" الأولى كانت نهايتها مفتوحة بصورة غير متعمّدة، ولم يكن في بالي مطلقا أنني سأكملها، وفي الوقت نفسه، كان هناك مشروع سبق "مريم" بسنوات كثيرة. كانت لديّ فكرة كتابة مسرحية تتناول "سنة البطاقة" الشهيرة، يطلق عليها أيضا "سنة الجوع" في بعض مناطق المملكة، لكنني كنت أرجئ تناول هذا الموضوع إلى أن اجتمعت ذات يوم بصديقي الفنان الجميل عقيل الخميس وكنا نتحدث بإسهاب في عصف ذهني ماذا سنقدم من أعمال، إلى أن جاءت فكرة "سنة البطاقة" ومناسبتها لأن تكون جزءا من سلسلة "مريم" ليعقبها بعد ذلك سؤال ماذا لو لم يمت علي بن عيسى في الجزء الأول، وهنا استلهمت دعابة من والدي عندما تخيل أن جده الذي لم يعثر على جثته ما زال حيا؟ ومن هنا جاء نص "الشرقي الذي فقد" والذي أتناول فيه هوية الإنسان وانتمائه.

مونودراما

  • "الشرقي الذي فـُقد" مسرحية مونودرامية، يؤدي الدور الوحيد فيها الممثل ماهر الغانم، فلماذا المونودراما، وما التحديات التي قد تواجه المسرحية التي تعتمد على الممثل الواحد؟

في الحقيقة مثل المسرحية في البداية حسين يوسف عام 2016 في ملتقى الشعر الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ليأتي بعدها ماهر الغانم ويمثل ذات الدور في مهرجان عشيات طقوس بالأردن عام 2017 وأخيرا خضت بنفسي هذه التجربة عام 2018 في ملتقى المونودراما بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، "الشرقي الذي فقد" هو المونودراما الوحيدة التي كتبتها حتى الآن. ولا أعلم إن كنت سوف أخوض هذه التجربة الكتابية الممتعة مرة أخرى.

أنا أعتبر أن مسرحيات المونودراما من أصعب المسرحيات، لأنها تعتمد اعتمادا كليا على قدرة الممثل على جذب المتلقي إليه، فعندما يفقد الممثل قدرته على الجذب في جزء من الثانية يفقد عندها العرض، وقد خضت تجربتين جميلتين في المونودراما أولهما مسرحية "بارانويا" من تأليف الأستاذ عباس الحايك والأخرى "الشرقي الذي فقد".

  •  ما أهمية أن تكون مخرجا لبعض مسرحياتك؟

لا أجيد تسويق نفسي ككاتب، لا يوجد لدي منصة أو موقع أو حتى إصدارات لكن لدي جرأة الإخراج المسرحي ولذلك فلم أكن بحاجة لتسويق منتجي الكتابي، خاصة أنه كانت لدي فرقة وكنا ننتج أعمالنا بأنفسنا، جربت أكثر من مرة أن أسمح لمخرجين أخرين بإخراج عدد من نصوصي ولم تتحقّق النتيجة المطلوبة إلا في ما ندر.

اقرأ أيضا: المسرح السعودي... تحديات وآمال

  • هل حدث وحققت التناغم المطلوب عند العمل مع مخرجين آخرين؟   

تجربة "مريم وتعود الحكاية" من تأليفي وإخراج عقيل الخميس من التجارب القليلة التي حدث فيها التناغم الكبير بيننا، ربما بسبب أن التفاهم الكبير حدث قبل بدء الكتابة ولكني أيضا أثق كثيرا بقدرات عقيل الإبداعية، وأنا كمؤلف لا أتدخل عادة في عمل المخرج عندما أسلمه نصي، إلا عندما يطلب مشورتي.

مسرح الطفل

  • عملت أيضا على مسرح الطفل فما خصوصيته بالنسبة إليك؟

لديّ تجارب عدّة في مسرح الطفل آخرها مسرحية "همام في بلاد الشلال" وأولها مسرحية "دمدوم وديموم" التي بدأت كمسرح مدرسي قمت بكتابتها وإخراجها عندما كنت أمارس مهنة التعليم، وهذا النص فاز بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي الذي أقامته إحدى إدارات التعليم بالمملكة، ومن ثم قمت بالاشتغال عليه بمشاركة زهاء ثلاثين طفلا، وحققت المسرحية الكثير من النجاح وبعض الممثلين الصغار في وقتها استمروا في التمثيل.

مشهد من إحدى مسرحياته

العمل الآخر دخلت فيه مؤلفا فقط هو "غرفة الأسرار" وحصل أيضا على جائزة أفضل نص، وأخيرا مسرحية "همام في بلاد الشلال" والتي حصلت على جوائز عديدة من ضمنها أفضل عرض، أفضل إخراج، أفضل سينوغرافيا، أفضل ممثل أول وأفضل ممثل ثالث.

أنا مقل في كتابة النص المسرحي الخاص بالطفل، لأنني أدرك مدى حساسية هذه النوعية من النصوص ولا يمكن أن استسهل الأمر كما يحدث في الكثير من العروض الموجهة للطفل. إضافة إلى المتغيرات الجديدة في الأجيال الجديدة والتي تجعلني أتوخى الحذر في التعاطي مع المواضيع، فطفل اليوم ومع التطور التكنولوجي والمعرفي مختلف تماما عن طفل الأمس وهذا يتطلب إدراكا كاملا.

    لا فائدة من عرض مسرحي تخرج منه وأنت لم تفهم شيئا، فقط لأن المخرج يريدك أن تحتار، فالحكاية يجب أن تروى برؤية إخراجية جميلة وأداء تمثيلي مميز، عندها يصبح العرض المسرحي ناجحا

  • اشتغلتم على تقنية القماش في سلسلة "مريم" هل لك أن تحدثنا عن استثمار هذه التقنية في عروضك المسرحية؟

استخدام القماش واستغلاله في التحولات الخاصة بالعرض المسرحي ترينه في الكثير من العروض المسرحية على مستوى العالم، وعندما جاءت فكرة نص مسرحية "مريم" وعلى حسب إمكانياتنا البسيطة كفرقة لم أجد أفضل من القماش في أن يتحول ديكور وسينوغرافية العرض من سفينة إلى بحر إلى خيمة إلى عاصفة هوجاء من القماش، ربما الفريق لم يستوعب في البداية ما أريد توصيله لهم إلا بعد أن بدأت العمل على قطعة القماش، حينها لم يعد القماش الأبيض مجرد ديكور وإنما ممثلا إضافيا معنا حيث انصهر القماش كثيرا بأجسادنا وحركاتنا، ما زلت أتذكر الفريق وهو يتلحف بقطعة القماش قبل بدء التمرينات، وأتذكر نظرة الانبهار في عيون المشاهدين عندما عرضت مسرحية "مريم" في مهرجان الدمام للعروض القصيرة، وما زالت كلمات الفنان المرحوم نضال أبو نواس في الدورة الثالثة من مهرجان الدمام أي بعد مرور سنة، حيث كتب " ياسر، مازال ملمس القماش الأبيض من سخونته يلسعني" فقط للعلم نضال لم يكن ممثلا وإنما متفرجا.

عناصر النجاح

  • ما أهم العناصر التي تقف وراء نجاح العرض المسرحي؟

نجاح العرض المسرحي يكمن في جودة "الحدوتة" التي تقدم فيه، فلا فائدة من عرض مسرحي تخرج منه وأنت لم تفهم شيئا، فقط لأن المخرج يريدك أن تحتار، فالحكاية يجب أن تروى برؤية إخراجية جميلة وأداء تمثيلي مميز، عندها سيصبح العرض المسرحي ناجحا.

مشهد من إحدى مسرحياته

  • المسرح في هذا العصر ليس بأفضل حالاته، هل أنت متفائل من أنه سيعود يوما أحد الخيارات الرئيسة للجمهور؟

لم أيأس يوما من الحالة المسرحية ولذلك كنت دائم الاشتغال، ولا تمر سنة إلا ولي عمل، أنتهي من عمل لأبدأ في عمل آخر، إيمانا مني بأهمية الاستمرارية، نحن من نجلب اليأس ونضع العقبات أمامنا حينما نريد ذلك، والعكس صحيح.

  • ما جديدك للفترة المقبلة؟

أعتزم العمل على كتابة نصين مسرحيين، الأول هو إكمال سلسلة "مريم" بنص مسرحي عنوانه "مريم أسطورة الغياب" وهو الجزء الأخير من السلسلة، وهناك نص مسرحي بدأت بالعمل عليه عنوانه "إنه رأى" وهو استكمال لمسرحيتي "أماني" و"منتصف الليل وحيدا".

font change

مقالات ذات صلة