الصحة والمناخ ... الارتباط الأبدي

كما أنّ القطاع الصحي يتأثر بالتغيرات البيئية، فهو أيضا يُساهم بنسبة 5 % من الانبعاثات الدفيئة

AP
AP
ناشطون يتظاهرون خلال قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28" في دبي، الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الثاني 2023

الصحة والمناخ ... الارتباط الأبدي

للمرة الأولى يخصص مؤتمر الأطراف يومًا للصحة على أجندته في "COP28"، في الإمارات العربية المتحدة. لكن معرفة الإنسان بارتباط البيئة والصحة، بدأت قبل قرن من الزمن، وتحديدًا في أكتوبر/تشرين الأول عام 1926، حين نُشر مقال علمي في دورية "ذا أميركان بابليك هيلث آسوسياشن" يربط بين المناخ وانتشار مرض الجدري.

ربما لم يكن الاهتمام بالتغيرات المناخية سائدا آنذاك، لكن مع إطلاق سلسلة مؤتمرات الأطراف في شأن التغير المناخي عام 1995، أعيد النظر في العلاقة بين التغيرات المناخية والصحة، وصار جزءا أساسيا من أجندة COP28. وقتها، قال جون كيري، مبعوث الولايات المتحدة الأميركية الخاص إلى المؤتمر: "أنا مندهش أنّ الأمر استغرق وقتا طويلا لوضع الصحة على طاولة مناقشات المناخ".

كان من المألوف أن يحضر مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ (COP)، وزراء البيئة فقط، لكنها المرة الأولى التي يرافق فيها وزراء الصحة أقرانهم إلى المؤتمر. ويقول رئيسه، الدكتور سلطان الجابر: "أصبحت تأثيرات تغير المناخ على أبوابنا بالفعل، وصارت من أكبر التهديدات لصحة الإنسان في القرن الحادي والعشرين"، مضيفا: "أدركت الحكومات الآن أنّ الصحة عنصر حاسم في العمل المناخي".

علاقة وثيقة

لا يُدرك كثير من الناس أنّ هناك علاقة وثيقة بين البيئة والصحة. فوفقا لـمنظمة الصحة العالمية (WHO)، من المتوقع أن تزيد أعداد حالات الوفاة 250 ألف حالة إضافية سنويا خلال العقود المقبلة بسبب التغيرات المناخية، خصوصا في حالة الكوارث الطبيعية التي قد تؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية، تماما مثلما حصل في ليبيا بعد "إعصار دانيال" في سبتمبر/أيلول 2023، وأيضا في باكستان بعد فيضان أغسطس/آب 2022. وفي كلتا الحالتين، كانت النساء والأطفال وكبار السن، هم الفئات الأكثر تضررا.

EPA
تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، يتحدث خلال مؤتمرالأطراف المعني بتغير المناخ "COP28" في دبي

وعادةً ما تنتقل بعض الأمراض بالمياه، بعد الفيضانات، مثل حمى التيفوئيد، التهاب الكبد الوبائي، الملاريا، حمى الضنك، الحمى الصفراء، والكوليرا. وفي حالات الجفاف، تقل كمية المياه المتاحة للإنسان، وتتأثر جودتها.

وعلى هامش "COP28"، التقت "المجلة" بـجيني ميللر، الرئيسة التنفيذية للتحالف العالمي للمناخ والصحة، التي قالت لنا: "إنّ أنظمة الرعاية الصحية لدينا بالفعل متأثرة بالتغيرات المناخية، ونلاحظ أيضا معاناة المرضى من التأثيرات الجديدة للتغيرات المناخية".

إن إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، لا يعني أنّ أي شخص يستطيع الحصول على التمويل الآن، لكنه يحتاج للإعداد من أجل إطلاقه، ونأمل أن يتم هذا بسرعة

كيرستين هاجون، الخبيرة في السياسات المناخية في جمعيات الصليب والهلال الأحمر

الصحة على طاولة الخسائر والأضرار 

في اليوم الأول من "COP28"، انشىء صندوق الخسائر والأضرار رسميا، بعدما وافق عليه الأطراف في  "COP27" في شرم الشيخ في مصر، وساهمت بعض الدول بأموال لصالح الصندوق عند إطلاقه:  الإمارات العربية المتحدة 100 مليون دولار، ألمانيا 100 مليون دولار، بقية دول الإتحاد الأوروبي 145,7 مليون دولار، المملكة المتحدة 76 مليون دولار، الولايات المتحدة 17,5 مليون دولار، اليابان 10 مليون دولار. 

لكن الصندوق لا يزال يحتاج لبعض الوقت. وفي هذا الصدد، تقول كيرستين هاجون، الخبيرة في السياسات المناخية في جمعيات الصليب والهلال الأحمر لـ"المجلة": "هناك شيء مهم أود توضيحه، وهو أنّ إنشاء الصندوق، لا يعني أنّ أي شخص يستطيع الحصول على التمويل الآن، لكنه يحتاج للإعداد من أجل إطلاقه، ونأمل أن يتم هذا بسرعة". 

السؤال الأهم، هل يستفيد القطاع الصحي من هذه الأموال؟

تُجيب هاجون في حوارها مع "المجلة" بأنّ أموال الصندوق تُساعد في بناء المستشفيات والمدارس عند حدوث أي كارثة طبيعية، مثل آخر كارثة في ليبيا، وكذلك بناء بنية تحتية قوية لتقليل الخسائر والأضرار الناتجة من الفيضانات. وتُضيف: "أعتقد أنه سيكون رائعا إذا ذهب التمويل الى دولة مثل باكستان، وبناء أنظمة الرعاية الصحية، وجعلها أكثر مرونة، لذلك، إذا كانت لدينا كارثة أخرى في المستقبل، مثل الفيضانات أو موجات الحرارة أو الأعاصير، تكون مراكز الصحة أكثر قدرة على التعامل معها". 

غالبا ما تتأثر مرافق الرعاية الصحية بسبب الفيضانات والحرائق. لذلك، من المهم حقا الاستثمار في جعل أنظمة الرعاية الصحية أكثر مرونة

جيني ميللر، الرئيسة التنفيذية للتحالف العالمي للمناخ والصحة

من جانبها، توضح جيس بيجلي، قائدة السياسات في التحالف العالمي للمناخ والصحة، في حوار لها مع "المجلة" خلال "كوب 28": "إنّ صندوق الخسائر والأضرار يعالج كل الخسائر والأضرار الاقتصادية وغير الاقتصادية، السريعة منها والبطيئة، وعلى الرغم من أنّ الخسائر والأضرار في القطاع الصحي غير اقتصادية، فإنّ هذا لا يعني أنّ ليس لها آثار مالية خطيرة، سواء من حيث تكاليف الرعاية الصحية أو الخسائر المادية، وكذلك إنتاجية العمل. وهناك بعض البيانات الصادرة عن "لانسر كاونت داون" (Lancer Countdown)، توضح الأدلة الاقتصادية لنقص الإنتاجية في العمل بسبب الإجهاد الحراري".

إعلان الامارات للصحة والمناخ

تقول ميللر لـ"المجلة": "غالبا ما تتأثر مرافق الرعاية الصحية نفسها بسبب الفيضانات وحرائق الغابات والدخان والحرارة وأشياء من هذا القبيل. لذلك، من المهم حقا الاستثمار في جعل أنظمة الرعاية الصحية لدينا أكثر مرونة، والاستثمار أيضا في تدريب المتخصصين في الرعاية الصحية، كذلك العاملين في مجال الصحة للاستعداد لتغير المناخ. والتعرف الى التأثيرات التي سيُحدثها التغير المناخي، والقدرة على المساهمة في ضمان مرونة مرافق الرعاية الصحية الخاصة بهم، وتكيفها بأقصى قدر ممكن".

وفي يوم الصحة، خرج "إعلان COP28 للإمارات العربية المتحدة في شأن المناخ والصحة"، ووقعته أكثر من 120 دولة من دول الأطراف، وهذا الإعلان هو بمثابة إقرار بأنّ للتغير المناخي آثاراً صحيةً كثيرة.

جاء هذا الإعلان بعد تسعة ملايين حالة وفاة سنويا بسبب تلوث الهواء، وتعرض ما يقرب من 190 مليون إنسان حول العالم للظواهر المناخية المتطرفة. ويتضمن الإعلان تعهد مؤسسة (S)، بمبلغ 42 مليون دولار سنويا حتى عام 2030، لدعم حلول التكيف مع التغير المناخي، وسيذهب التمويل إلى المنظمات والمبتكرين لإيجاد حلول أكثر استدامة. كما أعلنت مؤسسة "روكفلر"، التزاما بقيمة 100 مليون دولار لتعزيز الحلول المناخية والصحية. 

من جانب آخر، أعلن "الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا" تمويلا قدره 500 مليون دولار لدعم الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل لمعالجة الآثار الصحية الناتجة من تغير المناخ بين عامي 2024 - 2026. وخصصت مؤسسة "بيل ومليندا غايتس" مبلغ 57,95 مليون دولار لصالح المناخ والصحة. وفي ما يخص المبادرات، أعلن بنك التنمية الآسيوي إطلاق مبادرة جديدة خاصة بالمناخ والصحة، وخصص 7 مليار دولار من التمويل الأولي لهذه المبادرة. وستنفق مؤسسة "ولكام تراست" (Wellcome Trust) نحو 100 مليون جنيه استرليني في العام المقبل لدعم الأبحاث الخاصة بفهم الأزمة الصحية لتغير المناخ ومعالجتها. كما أطلقت "أفيدانس أكشن" (Evidence Action)، تمويلًا قدره 55 مليون دولار، لتوفير مياه الشرب الآمنة لعشرات الملايين وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتحسين صحة الأطفال.

كما أنّ القطاع الصحي متأثر بالتغيرات المناخية، فهو أيضا له تأثيره، إذ يُساهم بنسبة 5 في المئة من الانبعاثات الدفيئة

وسائل لتحقيق التكيف 

من أشكال التكيف، هناك بعض المناطق التي تعاني من الفيضانات والتي تصعب حمايتها منها. إلا أن تطبيق وسائل التكيف المختلفة، يساعد في تقليل الخسائر الناتجة منها.

AFP
"كوب 28" في مدينة "إكسبو دبي" في 5 ديسمبر 2023.

في هذا الصدد، يقول الدكتور وائل الدليمي، رئيس مركز "جيوهيلث هب" (GeoHealth Hub) لأبحاث التغيير المناخي والصحة في منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا وأستاذ الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، في حوار خاص مع "المجلة" خلال فاعليات "كوب 28": "يمكن التكيف مع حالات مثل الفيضانات من طريق توقع حدوثها عبر خرائط الفيضانات، وتحضير خطط الطوارئ لها". ويوضح الدليمي أنّ وضع خطة للتكيف لصالح القطاع الصحي، لا ينبغي أن يؤثر على توفير الخدمات للمرضى. 

وتُضيف ميللر لـ"المجلة": "أعتقد أنّ تحول الطاقة أحد العوامل المساهمة المهمة في الصحة العامة، أيضا في جعل المباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتطوير المدن لتتكيف أكثر مع تغير المناخ". وتكمل قائلة: "إنّ جعل المدن أكثر قابلية للتنقل على القدمين، وتقليل الانبعاثات في المدن، له الكثير من الفوائد للصحة العقلية والبدنية". 

وكما أنّ القطاع الصحي متأثر بالتغيرات المناخية، فهو أيضا له تأثيره، إذ يُساهم بنسبة 5 في المئة من الانبعاثات الدفيئة. ويمكن تخفيف هذه الانبعاثات عبر اتخاذ نهج صديق للبيئة عند بناء المستشفيات، والتحول نحو الطاقة المتجددة، بحسب الدليمي. 

font change

مقالات ذات صلة