عسكرة البحر الأحمر... وتقاطعات جيوسياسية في الأمن والاقتصاد

هجمات ايرانية على سفن أميركية وتجارية

AFP
AFP
السفينة "ام تي ستريندا" التي ترفع العلم النروجي واعلن الحوثيون المسؤولية عن الهجوم عليها في 12 ديسمبر

عسكرة البحر الأحمر... وتقاطعات جيوسياسية في الأمن والاقتصاد

دخلت الهجمات على السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر إلى المشهد الدامي للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، لترتفع معها جدية المخاوف حيال تمدد الصراع المسلح إقليميا وتهديد أمن الممرات البحرية. وقد أشار المتمردون الحوثيون في أكثر من بيان أنهم سيواصلون استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية حتى "يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة"، كما حذروا من أن "أي وحدات عسكرية توفر الحماية للسفن الإسرائيلية ستعتبر أهدافا مشروعة".

لقد أدت الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة إلى تقويض الاستقرار في البحر الأحمر، وبهذا يتقدم التهديد الذي تمثله هذه الهجمات على الممر البحري الأهم في العالم- الذي يمر عبره نحو 23 ألف سفينة كل عام نحو قناة السويس- سائر الجبهات المفتوحة التي تديرها طهران بواسطة وكلائها في كل من لبنان والعراق وسوريا.

أولا: في الأهمية المتزايدة للبحر الأحمر

لقد أدى الدور المتنامي للبحر الأحمر كحلقة وصل مهمة في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية إلى وضعه في قلب المنافسة الجيوسياسية خلال العقد الماضي. وعلى هذا النحو توسع الاستثمار في البنى التحتية من جيبوتي إلى البحر المتوسط إلى جانب التطور في الوجود العسكري الغربي والصيني إلى جانب عدد من الدول الناشطة الأخرى.

لقد أنشأت مصر قاعدة برنيس البحرية عام 2021، وإلى الجنوب منها تطورت الموانئ في السودان، لا سيما مع إعادة الصين تأهيل وتوسيع محطة حاويات بورتسودان التي أصبحت الآن جزءا من مبادرة الحزام والطريق. هذا وتنشط أيضا في المدينة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تسعى للحصول على دور في الجزء الأوسط من البحر الأحمر من خلال المشاركة في الخدمات اللوجستية في بورتسودان. وفي مقابل السيطرة الإماراتية على الجزر اليمنية في باب المندب جنوبا، وحيازتها 49 في المئة من مشروع البنية التحتية لخليج السويس وقناة السويس شمالا بما يعزز موقعها على امتداد البحر الأحمر، وقع السودان اتفاقا مدته 99 عاما مع تركيا عام 2018 لإعادة تأهيل ميناء سواكن على البحر الأحمر وبناء حوض بحري لدعم السفن المدنية والعسكرية، مما يمنح أنقرة موطئ قدم إقليمي.

سلطت الهجمات الحوثية على السفن التجارية الضوء على الهشاشة المتزايدة للأمن في البحر الأحمر كنقطة ساخنة في المنافسة الجيوسياسية

وفي الجنوب، اجتذبت الموانئ الإريترية أيضا اهتماما إقليميا وعالميا، حيث تقيم الإمارات قاعدة في إريتريا لدعم الأنشطة العسكرية المناهضة للحوثيين في اليمن. كما أعلنت موسكو عن إنشاء مركز لوجستي إريتري عام 2018، هذا وقد قامت الولايات المتحدة أيضا ببناء أسطولها البحري هناك.

بدورها قامت المملكة العربية السعودية بتعزيز علاقاتها في المنطقة، إذ يُعد الاستقرار في منطقة البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية في الكثير من خطط التنمية السعودية التي تقوم عليها رؤية 2030، هذا بالإضافة  إلى ما تمثله للمملكة محطة خط أنابيب "ينبع" على البحر الأحمر من مرفق بالغ الأهمية كبديل لتصدير النفط عبر مضيق هرمز.

AFP
السفينة "باليه رويال" المملوكة لشركة "سي ام أيه سي جي ام" التي اعلنت في 16 ديسمبر توقف رحلاتها في البحر الاحمر

وعلى المستوى الاستراتيجي، أضاف "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" (IMEC) الذي تم الكشف عنه في سبتمبر/أيلول المنصرم كبديل لـ "مبادرة الحزام والطريق"، والذي يتجاوز دور البحر الأحمر تماما، أضاف أكثر من تحدٍ اقتصادي وجودي للدول المشاطئة وهمش أولوية استقراره. إن هذه المبادرة التي تتألف من ممر شرقي يربط الهند بشبه الجزيرة العربية وممر شمالي يرتبط بأوروبا، هي مبادرة جيوسياسية كبرى جاذبة للكثير من الدول الإقليمية بعيدا عن "مبادرة الحزام والطريق"، على الرغم من توقيع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على المبادرة الصينية. ومن شأن هذا الممر أن يخفض وقت نقل البضائع من الهند إلى أوروبا بنسبة 40 في المئة، ويمكن أن يساعد أيضا في وضع المملكة العربية السعودية كمركز لوجستي عالمي، كما يجسد شراكة اقتصادية شاملة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند.

ثانيا: هجمات الحوثيين بين الطموحات الإيرانية والتقاطعات مع واشنطن

سلطت الهجمات الحوثية على السفن التجارية الضوء على الهشاشة المتزايدة للأمن في البحر الأحمر كنقطة ساخنة في المنافسة الجيوسياسية، كما قوضت الحرب على غزة بدورها الجهود الأميركية والأوروبية والإقليمية لمعالجة هذه التحديات من خلال تطوير بنية أمنية إقليمية أكثر شمولا تستند إلى تعاون إسرائيلي- خليجي في البحر الأحمر كحجر الزاوية في استراتيجيتها في المنطقة، استنادا إلى قلقهما المشترك بشأن النفوذ الإيراني المتجدد في البحر الأحمر.

وعلى هذا الأساس نظمت الولايات المتحدة مناورات بحرية مشتركة في البحر الأحمر بين إسرائيل وبعض دول الخليج في 2021-2022، ومهدت الطريق لانضمام إسرائيل إلى القوات البحرية المشتركة. كما قادت الجهود الدبلوماسية لنقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة العربية السعودية، التي تتحكم في وصول إلى البحر الأحمر.

كيف تعاملت القوة البحرية الأميركية مع الهجمات في البحر الأحمر؟

لقد أشارت السلطات الأميركية بعد الهجمات المتكررة للحوثيين على السفن التجارية إلى أن "الولايات المتحدة ستنظر في جميع الاستجابات المناسبة بالتنسيق الكامل مع حلفائها وشركائها الدوليين". ويقع تأمين المجال البحري حاليا على عاتق القوات البحرية المشتركة المتعددة الجنسيات التي سجلت جملة من الردود على  الاعتداءات البحرية:

في 19 أكتوبر/تشرين الأول، اعترضت السفينة "يو إس إس كارني"  3 صواريخ و15 مسيرة في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأحمر، حيث تم إسقاطها بواسطة صواريخ أرض جو من طراز (SM-2) أثناء توجهها شمالا على طول البحر الأحمر. وقد أشار بيان للبنتاغون إلى أن "الإجراء كان بمثابة عرض لبنية الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة التي بنيناها في الشرق الأوسط والتي نحن على استعداد لاستخدامها كلما لزم الأمر لحماية شركائنا ومصالحنا في هذه المنطقة المهمة".

في التاسع والعشرين، اشتبكت "يو إس إس كارني" في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأحمر مع طائرة دون طيار انطلقت من مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، وقد وقع الحادث بالقرب من مضيق باب المندب

وبعد أقل من شهر، أسقطت السفينة "يو إس إس هادنر" مسيرة فوق البحر الأحمر انطلقت من اليمن وبعدها دمرت "هودنر" الكثير من "الطائرات دون طيار الهجومية أحادية الاتجاه" فوق البحر الأحمر والتي تم إطلاقها من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. ودون أي اعتبار لانتشار قوات البحرية الأميركية شن المتمردون الحوثيون هجوما بطائرة هليكوبتر على سفينة "غالاكسي ليدر" التي  كانت ترفع علم جزر البهاما أثناء عبورها البحر الأحمر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، ولا تزال السفينة وطاقمها المكون من 25 فردا محتجزين كرهائن في اليمن حتى اليوم. 
وبعد أسبوع، هاجمت مسيرة إيرانية من طراز "شاهد 136"، السفينة (M/V CMA CGM Symi) التي تملكها إسرائيل في المحيط الهندي. كما تعرضت سفينة الحاويات التي ترفع علم مالطة لأضرار طفيفة، لكن لم تقع إصابات في صفوف الطاقم.
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني استولت مجموعة مسلحة من الرجال على الناقلة (M/V Central Park) التابعة لمجموعة (Zodiac Group) الإسرائيلية على بعد حوالي 35 ميلا قبالة ساحل اليمن، وقد استجابت المدمرة (USS Mason) لنداء استغاثة الناقلة وطالبت القراصنة بالإفراج عن السفينة التي ترفع العلم الليبيري وطاقمها المكون من 22 فردا. وقد أطلق القراصنة سراح الناقلة فيما اعتقلتهم السفينة الحربية الأميركية وبعد ذلك الهجوم، سقط صاروخان باليستيان أطلقهما المتمردون الحوثيون على بعد حوالي عشرة أميال بحرية من المدمرة الأميركية. 
وفي التاسع والعشرين، اشتبكت "يو إس إس كارني" في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأحمر مع طائرة دون طيار انطلقت من مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، وقد وقع الحادث بالقرب من مضيق باب المندب الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن القرن الأفريقي. وكانت المدمرة الأميركية ترافق السفينة (USNS Supply-T-AOE-6)، وهي سفينة دعم قتالي سريع، وسفينة تجارية أخرى ترفع العلم الأميركي وتنقل معدات عسكرية أميركية إلى المنطقة عندما لاحظت اقتراب طائرة دون طيار إيرانية الصنع من طراز (KAS-04). 
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول، استجابت السفينة "يو إس إس كارني" لنداءات استغاثة من ثلاث سفن تجارية بعد أن هاجمها المتمردون الحوثيون في جنوب البحر الأحمر، حيث تم إطلاق صاروخين على سفينة (M/V Unity Explorer)، وهي ناقلة بضائع مملوكة لبريطانيا وترفع علم جزر البهاما. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، أكد المسؤولون الأميركيون أن السفينة "يو إس إس ماسون" أسقطت طائرة دون طيار كانت متجهة نحوها في جنوب البحر الأحمر. وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول، أسقطت فرقاطة فرنسية طائرتين دون طيار.  

ما هي القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط؟


عززت الولايات المتحدة وجودها في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وغزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فأرسلت حاملتي الطائرات "جيرالد آر فورد"، و"دوايت دي آيزنهاور"، مصحوبة بمدمرات وطرادات دعم، حيث تشمل السفن الداعمة المدمرة "يو إس إس كارني"، وهي مدمرة يمكنها إسقاط الصواريخ، و"يو إس إس باتان"، التي يمكنها حمل القوات والمروحيات، و"يو إس إس كارتر هول"، و"يو إس إس توماس هودنر".
لقد ردت الولايات المتحدة على الهجمات التي استهدفت السفن، وكذلك على هجمات الحوثيين الصاروخية الباليستية على إسرائيل، باستخدام قدرات "توماس هودنر"، و"كارني" لإسقاط الطائرات دون طيار والصواريخ. تلك السفن شكلت جزءا من قوة أخرى كانت موجودة مؤخرا في بحر العرب، وهي قوة المهام المشتركة 150، التي تم إرسالها لردع العدوان الإيراني.


فما هي قوة العمل البحرية 150؟


تُعد "قوة العمل المشتركة 150" (Combined Task Force 150) واحدة من خمس مجموعات عمل بحرية في الشرق الأوسط، معظمها بتكوين متعدد الجنسيات، وهي جزء من محاولة لتوزيع مهام الدوريات في الممرات المائية في المنطقة. وتقع هذه المجموعات  تحت قيادة قوات المهام البحرية المشتركة المكونة من 38 دولة والتي تقودها الولايات المتحدة (the US-led, 38-nation Combined Maritime Task Forces)، ومقرها البحرين.
قوة المهام البحرية هي عبارة عن مجموعة من السفن ذات مهمة محددة، تتراوح من شن حرب واسعة النطاق، كما حدث أثناء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، إلى حماية السفن المدنية أو الاستجابة لكارثة. وقد واجهت مجموعات العمل هذه تهديدات مثل القرصنة الصومالية والإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة.

في عام 2009، ومع استمرار هجمات القرصنة، تم إنشاء فرقة عمل جديدة تحت سلطة الأمم المتحدة، أساسها "مجموعة العمل المشتركة 151" وقد تعهدت 20 دولة بالمساهمة بالسفن والطائرات

ما هي قدرات القوى البحرية الموجودة في الشرق الأوسط؟

كانت "قوة العمل البحرية المشتركة 150" هي المجموعة الأولى التي أُرسلت إلى المنطقة خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، من ضمن  تحالف دولي لمواجهة احتلال صدام حسين للكويت. وفي أعقاب الصراع، بقيت هذه القوة في المنطقة حيث لعبت دورا حاسما فيما بعد في وقف تهريب الصواريخ الباليستية والمخدرات، ووقف هجمات القراصنة الصوماليين، الذين أصبحوا يشكلون في حينه التهديد الأمني الرئيس في البحر الأحمر. وسرعان ما توسعت لتشمل سفنا من إسبانيا وألمانيا واليابان عام 2002، كما ضمت عام 2005 كلا من باكستان وفرنسا والمملكة المتحدة بالتناوب.

أ ف ب
حاملة الطائرات الاميركية "ايزنهاور"

هذا وقد أدى تزايد التهديدات الإقليمية بعد الغزو الأميركي للعراق إلى تشكيل "مجموعة العمل 151" التي ضمت أيضا كندا، وشاركت في مهام ضد تنظيم "القاعدة". وفي الوقت نفسه تقريبا، أصبحت "فرقة العمل 152" التابعة للبحرية الأميركية قوة مشتركة في بحر العرب، والتي ضمت قادة إقليميين وأسطولا بحريا، بقيادة الأردن والبحرين والكويت في أوقات مختلفة. 
وفي عام 2009، ومع استمرار هجمات القرصنة، تم إنشاء فرقة عمل جديدة تحت سلطة الأمم المتحدة، أساسها "مجموعة العمل المشتركة 151" وقد تعهدت 20 دولة بالمساهمة بالسفن والطائرات. ومنذ حينه، قامت فرق العمل هذه بتقسيم البحر الأحمر وخليج عمان وخليج عدن والمحيط الهندي إلى مناطق مختلفة، تولت كل منها تأمينه حيث أدى ذلك إلى انخفاض معدل هجمات القراصنة الصوماليين مما يزيد على 100 حادث سنويا إلى حوادث نادرة اليوم.
وفي أبريل/نيسان من عام 2023، انضمت فرقة عمل جديدة إلى قوات العمل البحرية المشتركة- فرقة العمل 153- التي تولت مصر قيادتها مؤخرا، للقيام بدوريات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وهي جزء من تحالف يضم 39 دولة بقيادة نائب أميرال الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في البحرين. هذا وتم تشكيل مجموعة عمل أخرى- 154- في مايو/أيار للتركيز على جهود التدريب المتعددة الجنسيات.
وفي خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وصل عدد السفن الحربية الصينية في الشرق الأوسط بداية الشهر الحالي إلى ستة. ووفقا لبيان صادر عن وزارة الدفاع الصينية فإن فرقة العمل البحرية الرابعة والأربعين تقوم بعمليات منتظمة في المنطقة منذ مايو/أيار، وقد أنهت تدريبا مشتركا مع البحرية العمانية خلال زيارة لعمان لتبدأ بعدها زيارة ودية إلى الكويت. وقد رست السفن الحربية التابعة لفرقة العمل الصينية، وتضم مدمرة صواريخ موجهة وفرقاطة وسفينة إمداد.

مواجهة هجمات الحوثيين التي تستخدم فيها الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية تتطلب دفاعات محددة.

ثالثا- لماذا تشكل الولايات المتحدة قوة عمل جديدة؟

إن وجود خمس فرق عمل بحرية في الشرق الأوسط بالفعل، بما في ذلك حاملتا طائرات أميركيتان رئيستان وسفن دعم، يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يفتقرون إلى القدرات البحرية في المنطقة. ومع ذلك، فربما هناك أكثر من سبب وراء قرار واشنطن الذهاب نحو خيار آخر. من الناحية التقنية ينبغي أن تكون مجموعة العمل الجديدة مصممة خصيصا لحماية ممرات الشحن في البحر الأحمر، على غرار المجموعات البحرية الموجودة في الشرق الأوسط والتي تم تشكيلها للقيام بمهام محددة، مثل مكافحة القرصنة أو التهريب. هذا بالإضافة إلى أن مواجهة هجمات الحوثيين التي تستخدم فيها الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية تتطلب دفاعات محددة، بما في ذلك السفن المجهزة بدفاعات صاروخية على ارتفاعات عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار الجهد الأميركي لتجنب الانجرار إلى عمل عسكري انتقامي مع الحوثيين تخوضه بمفردها أو مع إسرائيل. أما من الناحية الجيوسياسية فلا شك أن للولايات المتحدة التي ستضطلع بالدور الأكبر في تعزيز قدرات هذه القوة التزامات وشراكات اقتصادية وسياسية تريد تطبيقها على دول المنطقة كما على الدول الأوروبية المستفيدة من هذه القوة.

Reuters
مسلحون يمينون على الشاطئ وتبدو خلفهم السفينة "غالاكسي ليدر" في 5 ديسمبر

يقول الموفد الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، خلال مؤتمر عقد هذا الأسبوع في الدوحة، إن الولايات المتحدة تهدف إلى توسيع قوة المهام البحرية الدولية الحالية لتصبح "تحالفا دوليا يخصص بعض الموارد لحماية حرية الملاحة". ويضيف: "هناك تقييم ناشط للغاية يجري في واشنطن حول الخطوات اللازمة لحمل الحوثيين على وقف التصعيد داعيا الجماعة إلى إطلاق سراح طاقم السفينة غالاكسي التي تم الاستيلاء عليها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني". هذا وقد امتنع ليندركينج عن تحديد الدول أو عدد الدول الأخرى التي اتصلت بها واشنطن للانضمام إلى التحالف الموسع، لكنه قال إنه يجب أن يكون "أوسع تحالف ممكن".

وفي هذا السياق ناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية الصيني وانغ يي الأسبوع الماضي التهديد الذي تشكله هجمات الحوثيين على الأمن البحري، وفقا لبيان وزارة الخارجية للمكالمة الهاتفية. وتجدر الإشارة إلى أن الصين التي لا تشكل جزءا من فرقة العمل الحالية، تستخدم بكثافة طريق البحر الأحمر وتتمتع بنفوذ على إيران، الراعي الرئيس للحوثيين.

الرد الأميركي "غير المتكافئ" على التصعيد العسكري الذي تُمارسه ميليشيات الحوثيين في اليمن بحجة دعم غزة يثير تساؤلات كثيرة حيال الأسباب الكامنة وراء ضبط النفس الذي تمارسه واشنطن والاكتفاء بإجراءات موضعية

فهل هناك مصلحة أميركية لإنشاء القوة البحرية المشتركة؟

لقد أشار عدد من المسؤولين الأميركيين إلى ضرورة إنشاء قوة عمل بحرية سادسة تحت رعاية القوات البحرية المشتركة لحماية الشحن التجاري في البحر الأحمر؛ فوفقا لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، تجري الولايات المتحدة مناقشات مع كثير من حلفائها بهدف إنشاء قوة عمل جديدة لمرافقة وضمان المرور الآمن للشحن التجاري في البحر الأحمر. هذا وقد أشار نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها القوات البحرية المشتركة للدفاع عن السفن الحربية التابعة للتحالف والسفن التجارية الأخرى المهددة بالهجوم، هي استخدامات مشروعة وضرورية لحماية التجارة الدولية واستعادة النظام القائم على القواعد في البيئة البحرية الإقليمية، وأن سبع دول عرضت مبدئيا تأمين القوى اللازمة لذلك.
لكن الرد الأميركي "غير المتكافئ" على التصعيد العسكري الذي تُمارسه ميليشيات الحوثيين في اليمن بحجة دعم غزة- وكذلك على هجماتها في العراق وسوريا- يثير تساؤلات كثيرة حيال الأسباب الكامنة وراء ضبط النفس الذي تمارسه واشنطن والاكتفاء بإجراءات موضعية لا تقارب التهديدات المطروحة بشكل فاعل، على الرغم من الأخطار التي تسببها تلك الهجمات سواء على الأمن البحري أم على استقرار المنطقة. وتبلغ هذه التساؤلات حدود القلق حول صدقية الحرص الأميركي على استقرار وأمن البحر الأحمر، وحيال موقف واشنطن من تطور اقتصادات المنطقة المرتبطة بشكل أساس بهذا الممر.
فما هي الأثمان التي ترومها واشنطن من أجل توسيع القوة البحرية المتعددة الجنسيات لحماية هذا الممر المائي الهام؟ وهل يشكل السلوك الأميركي عنصرا إضافيا في سياق مواجهة "طريق الحرير" وإعطاء المزيد من الفرص لمشروع طريق الهند نحو أوروبا عبر شبه الجزيرة العربية؟ وهل هناك  نقاط التقاء بين المصالح الأميركية والإيرانية الكامنة وراء محدودية الإجراءات الأميركية؟ وهل القوة العسكرية الأميركية هي أضعف مما يعتقده المراهنون عليها، خاصة أنه تم نشر ما لا يقل عن مجموعتين من حاملات الطائرات الضاربة في المنطقة، إحداها في شرق البحر المتوسط والأخرى في الخليج العربي.

font change

مقالات ذات صلة