قراصنة باب المندب يرفعون كلفة الشحن

تزايد الهجمات على السفن تقلق التجار وشركات النقل والتأمين

Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

قراصنة باب المندب يرفعون كلفة الشحن

مضيق باب المندب وخليج عدن بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، نقطة نشاط قراصنة البحر بين القرن الأفريقي والساحل اليمني، وقد ارتفعت في الآونة الأخيرة تكلفة الشحن البحري على السفن التجارية العابرة للمحيطات، بعد تزايد حالات اعتراضها ومحاولات الاستيلاء عليها في تلك المنطقة، فما الذي يجري حاليا في أحد أهم الممرات البحرية في العالم؟

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتفعت رسوم شهادات التأمين والبوالص وأسعار الشحن في سوق لندن. وارتفع مؤشر "Drewry World Container index" بمتوسط نسبته 12 في المئة على الحاويات التي تُشحن بحرا في اتجاه ثمانية ممرات مائية في طرق التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. وهذه أكبر زيادة منذ 16 شهرا بعد تراجع تضخم الأسعار والتكلفة طوال عام 2023، واستعادة وتيرة سلاسل الإمداد واستئناف نشاط صناعات السيارات الكهربائية وتزويدها شرائح أشباه الموصلات التي تعطلت بين تايوان والولايات المتحدة. وكانت من أسباب تعثر الإنتاج وإضراب العمال في ولاية ميشيغن الأميركية الصناعية.

لكن حرب الشرق الأوسط الجديدة أعادت المخاوف من تضخم جديد غير مرغوب فيه فوق معدل 2,5 في المئة المراهن عليه دوليا. أحد أسبابه الهجوم على بعض السفن التجارية أو رشقها بصواريخ أو مسيرات لمنعها من مواصلة رحلاتها البحرية، مثلما يحدث بين حين وآخر في جنوب اليمن، هو تحت ذريعة دعم حركة المقاومة في غزة، والضغط على إسرائيل وأصدقائها الأوروبيين والأميركيين. علما أن هذه حرب تجارية لا علاقة لها بغزة، بل هي صراع بالوكالة ضد خصوم في الجوار والبعيد، لأغراض جيوسياسية بين طهران وتل أبيب.

تعتبر التجارة البحرية عبر الممرات المائية للشرق الأوسط الأكثر خطورة، وتاليا الأكثر تكلفة في شحن السلع والبضائع. وقفزت أسعار التامين ثلاثة أضعاف عن معدلاتها السابقة منذ حرب غزة

ارتفاع تكلفة الشحن

نتيجة لذلك سجل ارتفاع في تكلفة شحن الحاويات (سعة 40 قدما) من شنغهاي إلى لوس أنجلوس بنسبة 12 في المئة، لتصل قيمتها إلى 2322 دولارا، وبلغت التكلفة 1620 دولارا على كل حاوية تُنقل من الصين إلى هولندا (ميناء روتردام) بزيادة 25 في المئة، في أكبر زيادة في تكلفة الشحن البحري منذ ثلاث سنوات. لكنها تبقى اقل من قيمتها خلال فترة جائحة كوفيد-19، وفق "بلومبيرغ". 

EPA
مقاتل حوثي مسلح يراقب الشاطئ وفي الخلفية سفينة الشحن "Galaxy Leader"، التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة، اليمن، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وتعتبر التجارة البحرية عبر طرق الشرق الأوسط الأكثر خطورة، وتاليا الأكثر تكلفة في شحن السلع والبضائع. وقفزت أسعار التأمين ثلاثة أضعاف عن معدلاتها السابقة، بعد تزايد الاعتداء على سفن تجارية في البحر الأحمر، وفق تصريحات ماركوس بيكر، مسؤول الشؤون البحرية في شركة "مارش" للتأمينات. واتُهمت جماعات الحوثيين الموالين لإيران بالوقوف وراء عمليات الهجوم على عدد من السفن التجارية في خليج عدن، وهي في طريقها شمالا أو جنوبا بين آسيا وأوروبا. وربطت تصريحات إعلامية منسوبة إلى "الثوار اليمنيين" بين القرصنة و"التضامن مع المقاومة لأن مالكي السفن من أصول يهودية"، كما تقول، متناسية أن هذه الأفعال تعتبر إرهابا بحريا ويعاقب عليها القانون الدولي.

قرصنة فاشلة

وقد لوحظ في الأسابيع الأخيرة تزايد في محاولات التعرض لسفن تجارية مملوكة لرجال أعمال من عائلات يهودية في لندن، أو متجهة نحو دول صديقة لإسرائيل مثل الهند وغيرها. وكانت شركة الأمن البحري "إمبري" أعلنت الشهر الماضي أن قراصنة صعدوا على متن ناقلة نفط تابعة لشركة بريطانية "مرتبطة بإسرائيل" بالقرب من السواحل اليمنية في خليج عدن في محاولة للسيطرة عليها، ورجحت الشركة أن يكون الحادث مرتبطا بعوامل سياسية إقليمية.

وكانت بيانات ملاحية أظهرت خروج ناقلة النفط "سنترال بارك" من ميناء آسفي المغربي يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي متجهة إلى الهند وهي السوق الكبرى للفوسفات والأسمدة الفسفورية المغربية. وقالت مصادر إعلامية محلية إن المكتب الشريف للفوسفات تمكن من تصدير شحنة تزن 100 ألف طن متري من فوسفات الامونيوم عبر سفينة عملاقة انطلقت من ميناء الجرف الأصفر على المحيط الأطلسي إلى الهند عبر قناة السويس. وتطلب الأمر مجموعة من التحضيرات المعقدة التي قامت بها شركة "كوماطام" التابعة لـ"OCP" لتحميل الشحنة على متن سفينة "باتريسيا أولدندورف" وهي بطول  255 مترا وعرض 46 مترا. وتمكنت  الباخرة العملاقة من تفريغ حمولتها في ميناء "أداني موندرا" في الهند، واحتفل بوصول أكبر كمية من الأسمدة الفوسفاتية بسلام، بحسب موقع "تايمز أوف إنديا".

AFP
قالت القيادة المركزية الأميركية في منشور على موقع X، إن السفينة "ستريندا" أبلغت عن أضرار تسببت في نشوب حريق على متنها، مضيفة أن مدمرة تابعة للبحرية الأميركية سمعت نداء استغاثة السفينة وقدمت المساعدة

ويعتبر المغرب أكبر مصدر للفوسفات والأسمدة، وهي سلعة صارت مطلوبة جدا في السوق العالمية بسبب الحاجة إلى تخصيب الأراضي الزراعية لتحسين الإنتاج الغذائي، وهو التحدي الأول في العالم نتيجة التغيرات المناخية.

قراصنة اعتقلهم المارينز

بحسب الرواية الأميركية تمكنت وحدات عسكرية بحرية من قوات المارينز متمركزة في عرض البحر من إنقاذ سفينة شحن ضخمة كانت في طريقها إلى الهند وجهتها النهائية، بعدما دهمت القراصنة واعتقلتهم، في حين واصلت السفينة رحلتها المتجهة صوب الهند.  

تحظى الدول العربية بأربعة ممرات بحرية تتحكم في 40 % من التجارة العالمية والطاقة، تمتد من مضيق جبل طارق إلى باب المندب وصولا إلى خليج هرمز، وتحوز قناة السويس وحدها 12 % من مجموع هذه التجارة

ونددت واشنطن بهذا العمل الاجرامي، وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان "إن الهجمات على السفن التجارية عمل غير مقبول على الإطلاق، لأنها تهدد التجارة الدولية والأمن البحري". وعلى الرغم من أن الحوثيين أشادوا بأعمال القرصنة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها حملت طهران هذه الأفعال، التي يحدث ما يشابهها في خليج هرمز الذي تمر عبره 40 في المئة من تجارة النفط المنقولة بحرا.

أخطار وممرات اقتصادية بديلة

تاريخيا تمر التجارة بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس مند أكثر من قرن ونصف القرن، وصولا إلى المحيط الهندي ذهابا وإيابا، وهي الطريق الأسرع والأقل تكلفة، مقارنة بطريق أخرى على طول الساحل الأطلسي وصولا إلى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، والانعطاف يسارا إلى المحيط الهندي. لكن هذه الطريق الأفريقية ليست سالكة دائما لوجود قراصنة في خليج غينيا أمام سواحل نيجيريا والكونغو وانغولا. وتنتشر وحدات عسكرية فرنسية باستمرار (منذ 1990) لمراقبة طريق التجارة في هذه المناطق التي تشهد اضطرابات وحروبا تساعد على تنشيط حركة قرصنة السفن.

وتسعى الهند إلى منافسة طريق الحرير الصيني من خلال إطلاق مشروع الممر الاقتصادي، الذي عُرض في قمة مجموعة العشرين الأخيرة لربط جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط. ويتألف المشروع من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا لتعزيز التجارة العالمية، باستعمال البحر والسكك الحديد والنقل البري لنقل السلع والمنتجات النفطية. وهو مشروع قد يرى النور في السنوات العشر المقبلة، وقد يغير خريطة التجارة العالمية بين الشرق والغرب، بحسب مصادر هندية.

من جبل طارق إلى قناة سويس

تملك الدول العربية أربعة ممرات (مداخل) بحرية تتحكم في 40 في المئة من تدفق التجارة العالمية والطاقة بين البحار والمحيطات، تمتد من مضيق جبل طارق إلى مضيق باب المندب وصولا إلى خليج هرمز في الإمارات العربية المتحدة. وتحوز قناة السويس وحدها 12 في المئة من مجموع هذه التجارة، وهي أسرع طريق بحري والأكثر ربطا بين الشرق والغرب في الاتجاهين منذ قرن ونصف القرن.

AP
مدمرة الصواريخ "يو. إس. إس. كارني" في خليج سودا، اليونان. وقال البنتاغون إن السفينة الحربية الأميركية والعديد من السفن التجارية تعرضت لهجوم في 3 ديسمبر / كانون الأول الماضي في البحر الأحمر، مما قد يمثل تصعيدًا كبيرًا في الهجمات

ويتميز البحر الأحمر بكونه وصلة مائية بين البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الهندي جنوبا، وهو من بين أكثر شرايين تدفق التجارة العالمية حيوية، خصوصا السلع القادمة من شرق آسيا والطاقة المُصدَّرة من الخليج العربي والمنتجات الأوروبية نحو القارة الآسيوية. لكن في مقابل هذا الموقع الجغرافي المتميز تجاريا، يُعتبر مضيق باب المندب وخليج عدن أكثر عرضة للهجوم على السفن. وكان من الأسباب المباشرة لحرب يونيو/حزيران 1967. وتعد حركات القرصنة قديمة في المنطقة وهي ترتبط دوما بالفراغ الأمني والحروب الأهلية والإقليمية، وأخطرهم قراصنة الصومال.

في المقابل لا تستطيع دول الاتحاد الأوروبي تبديل مسار الإمدادات القادمة من الشرق سواء أكانت سلعا استهلاكية أم مواد طاقة، ذلك أن "طريق البحر الأحمر مهمة. لا بل إنها أكثر أهمية بالنسبة للأوروبيين الذين يحصلون على كل ما يحتاجونه من نفط الشرق الأوسط والغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر"، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" أخيرا.

font change

مقالات ذات صلة