سوناك سيجعل رواندا بلدا آمنا...بالقانون

برنامج اللجوء البريطاني يعرّض بقاء الحكومة للخطر

Michelle Thompson
Michelle Thompson

سوناك سيجعل رواندا بلدا آمنا...بالقانون

لا يمكن لأحد أن يدعي أن قضية الهجرة غير الشرعية الشائكة مجرد مزحة. ولا شك في أن فكرة ترحيل بضع مئات من آلاف الأشخاص الذين يصلون إلى بريطانيا بالقوارب وإرسالهم إلى مكان ثالث لم يكونوا يعتزمون زيارته أبدا، على أساس أن ذلك قد يردع الآخرين من اللحاق بهم، قد بلغت من السخرية السوداء حدا لم يصله من قبل سوى فكرة اختراع آلة تعكس موج القنال الإنجليزي (بحر المانش) لتعيد قوارب المهاجرين إلى فرنسا.

ومع ذلك، فقد هيمنت استراتيجية ترحيل طالبي اللجوء أو المهاجرين على المناقشات البرلمانية لفترة طويلة، منذ أن دعا سوناك علنا إلى "إيقاف القوارب"، ودفعت هذه المناقشات إدارته إلى حافة الانهيار تقريبا.

ولو كانت "السيكودراما" فنا دراميا معترفا به لحقّ لقادة حزب المحافظين أن يكونوا بين المرشحين للحصول على جائزة ما في مهرجان أوسكار القادم، ولأمكنهم منافسة فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، وقد يتركون جائزة أفضل إنتاج لأحد الفيلمين المذكورين، مكتفين بجائزة إنجاز العمر بدلا من ذلك، باعتبارهم أقدم حزب سياسي في القارة وأكثر مصادر الهزل السياسي موثوقية.

ويثبت فريق المحافظين أنه لا يزال محافظا على لمسته الساحرة، فقد فتن الأمة على مدى السنوات القليلة الماضية بعدد كبير من الأدوار المتألقة. تريدون رؤساء وزراء؛ لدينا الكثير منهم، بقدر ما تريدون في الواقع. وإذا كنتم تفكرون في المناصب الحكومية الكبرى الأخرى، فلدينا عدد وافر من الرؤوس لهذا الغرض، بعدد رؤوس "هيدرا"، وقد شرّف بعضُها وزارة الداخلية، بما في ذلك الشخصيات القوية التي أسعدت الجماهير مثل بريتي باتيل وسويلا برافرمان. ولعل قلة قليلة فقط تتذكر أن السيدة باتيل هي التي أعطتنا خطة اللجوء في رواندا، والتي يشار إليها من الآن فصاعدا باسم "الخطة".

وسبق لها أن تكرّمت بطرح فكرة آلة الأمواج التي تعيد قوارب اللاجئين إلى فرنسا، ولكن قلة فقط يتحدثون عن ذلك. ولم تنجح أيضا خليفتها، العدو اللدود للمهاجرين غير الشرعيين أو من تصفهم بـ"الغزاة"، في إتمام الخطة، ولعل سويلا برافرمان لم تبذل أقصى طاقاتها، لأن الفشل في مثل هذه الأمور وسيلة رائعة لتأجيج المظلومية لدى أنصار المرء.

ونتيجة لهذا الفشل، تستمر القوارب الصغيرة- المحملة باللاجئين وغير الصالحة للإبحار على نحو خطير- في الوصول عبر القنال، التي هي (كما يذكّروننا باستمرار) واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاما على هذا الكوكب. حتى في منتصف الشتاء، تستمر القوارب في القدوم. في بعض الأحيان يجري إنقاذ الأشخاص الموجودين عليها قبل وصولهم، ويخوض آخرون حرفيا في مياه الشاطئ على طول ساحل كِنت، ولكن البعض منهم لا يصل مطلقا إلى غايته.

المخطط الذي من المقرر أن يكلف دافعي الضرائب البريطانيين حتى الآن حوالي 240 مليون جنيه إسترليني، لم يسفر بعد عن نقل مهاجر غير شرعي واحد جوا إلى رواندا

ولا يبدو أن الرسوم المرتفعة المدفوعة للمهربين، والاكتظاظ على متن الزوارق، والخطر الواضح على حياتهم، تثني من عزيمتهم، ما يثير التساؤل حول ما الذي يمكن أن يثنيهم بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار كل الأخطار الهائلة التي لا يتوانون عن مواجهتها. ويبدو أن الانتقال إلى دولة أفريقية غير ساحلية بعيدة يعتبر رادعا محتملا. ولربما نجحت هذه الفكرة لولا العقبات التي تفرضها المحاكم البريطانية، والاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان، والحق الأساسي في اللجوء لأولئك الذين يواجهون الاضطهاد. المفارقة، كما أشار ريشي سوناك، هي أن الحكومة إن هي تجاهلت هذه العقبات القانونية وأرسلت اللاجئين بالقوة إلى هناك، وهو الإجراء الذي اقترحته سويلا برافرمان في ضوء نظرتها للقانون الدولي باعتباره غامضا وقابلا للتغيير، فمن المرجح أن تقوم رواندا نفسها بإلغاء الاتفاق الذي وقعت عليه. على أي أساس؟ على أساس أن رواندا لا يمكنها أن تتحمل اتهامها بانتهاك القانون الدولي.

AFP
وصول لاجئين على متن قارب الى الشواطئ البريطانية في


ومن ثم، فإن المخطط الذي من المقرر أن يكلف دافعي الضرائب البريطانيين حتى الآن حوالي 240 مليون جنيه إسترليني، لم يسفر بعد عن نقل مهاجر غير شرعي واحد جوا إلى رواندا. وحتى لو نجح، فإن الأعداد (وهي بالمئات) ستكون صغيرة إلى حد مثير للسخرية مقارنة بالأعداد الفعلية التي تأتي في القوارب الصغيرة– والتي بلغت في هذا العام وحده 25,330 نفسا.
وهذا يثير تساؤلات حول التطبيق العملي للمخطط وما إذا كان مجرد لفتة سياسية لاسترضاء قاعدة حزب المحافظين، كما يتضح من التغطية الحماسية في وسائل الإعلام المحافظة التي نافس زبدها زبد الأمواج المتدفقة على ميناء دوفر. ويبدو أن المخطط ربما يكون قد حقق غرضه الرمزي بالفعل، إذا نظرنا إلى فندق "بيبي استكهولم" العائم في بورتلاند دورست، والذي يؤوي حوالي 506 من طالبي اللجوء– وهو جزء صغير في السياق الأكبر.
فهل يمكن أن لا يكون المخطط أكثر من مخطط "مجنون بشكل مقرف". وأعتذر عن أسلوبي الفظ في العبارات، ولكنني فقط أقتبس من كلام جيمس كليفرلي، وزير الخارجية في ذلك الوقت، الذي قال فيه ذلك، والذي نُحِّي جانبا عن منصبه لإفساح المجال أمام اللورد كاميرون ليعود إلى السياسة ويتسلم منصب وزير الخارجية. والآن، أصبح جيمس كليفرلي، بسبب خطاياه، وزيرا للداخلية، كما يمكنك أن تستنتج على الفور من النظرة التي على وجهه: هذه بالتأكيد تكشيرة رجل تناول عشاءه من كأس مسمومة.

كان عدد المنشقين في الجناح اليميني للحزب كبيرا للغاية، لدرجة أنه لم يكن لديهم الوقت الكافي للتعرف إليهم جميعا

ويبدو أن وجهة نظر كليفرلي حول هذه القضية قد تغيرت إلى حدّ بعيد منذ أن تولى منصبه الجديد، ولكن كيف يتسنى لنا الجزم بهذه النقلة؟ بسهولة، لأنه هو من يقول ذلك. في كثير من الأحيان، يمكن أن تؤثر المطالبات البسيطة على تصور المخطط وتأثيره. والآن، يبدو كليفرلي مؤيدا حازما، ومقتنعا الاقتناع كلّه بفعالية المخطط كعامل رادع. يبدو أن الاحتمال الأكثر صعوبة بالنسبة لشخص لديه الشجاعة الكافية للمخاطرة برحلة بحرية محفوفة بالمخاطر للوصول إلى بريطانيا هو الاحتمال الضئيل لإرساله في نهاية المطاف إلى كيغالي في منطقة الوادي الأفريقي المتصدع، خاصة إذا لم يتمكن من الاستفادة من القوانين المحلية والدولية للدفاع عن أنفسهم.
في جوهر الأمر، الفكرة هي أنهم سيعودون إلى مهد التطور البشري. من المثير للسخرية إلى حد ما أن تتحدى شخصا ما للهروب من منطقة هاجر منها المليارات من البشر تاريخيا.
وكما أوضحت، فإن رحلة هذا المخطط واسعة النطاق ومعقدة، ومع ذلك فهي مستمرة. وحتى الآن، يبدو أن الأمور تسير على ما يرام، على الرغم من الدلائل التي تشير إلى أن الأسبوع الماضي كان وقتا عصيبا. والحق أن تلك هي الطبيعة الغريبة للسياسة البرلمانية: يبدو أن اللحظة الحاسمة تتهرب منا على الدوام، أو أننا، حين تأتي، نكون مستعدين جيدا لدرجة أن التأثير المتوقع يتضاءل. ما نتلقاه غالبا هو نسخة مخففة من الأحداث، بالكاد تناسب الأشخاص الأقل تمييزا بيننا.
وإنني لألوم الخبراء وذوي العلم في ذلك؛ فلو أنهم هدأوا فقط وتوقفوا عن توقع الفصول التالية من القصة. ولكنهم لا يستطيعون مقاومة الحديث عن الجو "المحموم" أو "الحار" في مجلس العموم، والخطر الذي يهدد سلطة رئيس الوزراء، واحتمالات الانهيار الكامل للانضباط الحزبي، وانقسام الفصائل مثل الوديان في الأرض، ومقارنة ذلك مع الأيام الأخيرة للإمبراطورية الرومانية.

AFP
وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا بريفرمان


هذه المرة، يبدو أن الخبراء والمعلقين السياسيين– الذين عادة ما يكونون مفعمين بالحيوية– في حالة من الارتباك والثرثرة غير المترابطة. ومثال ذلك سام كوتس الذي شاهدناه على قناة "سكاي نيوز"، يتعثر في كلماته أثناء حرصه على مواكبة التطورات، وهو في العادة صافي الذهن. وفي ردهة وستمنستر، كان زميله جون كريغ مرتبكا على نحو مماثل. وبالعودة إلى الاستوديو، كانت مقدمة البرامج في "سكاي" صوفي ريدج، الهادئة والمتماسكة عادة، تستجوب على عجل فريقها من المحللين الذين، عندما أتيحت لهم الفرصة للتحدث، كانوا يعبرون عن آرائهم المبالغ فيها. أثيرت تساؤلات حول مستقبل ريشي سوناك السياسي، وتداعيات الفصائل المختلفة داخل الحزب، وما إذا كانت الانتخابات العامة قد تؤدي إلى سقوط الحزب على أيدي الناخبين الغاضبين.
كان عدد المنشقين في الجناح اليميني للحزب كبيرا للغاية، لدرجة أنه لم يكن لديهم الوقت الكافي للتعرف إليهم جميعا. وبدلا من ذلك، صاغ أحدهم مصطلح "العائلات الخمس،" وكان يشير في ذلك إلى عائلات المافيا الكبرى في نيويورك، ولكن المقارنة غابت عن فطنة الكثيرين.

استخدم قادة الحزب سياسة العصا والجزرة. واكتشف الخبراء والنقاد واحدا تلو الآخر وكرروا بديهية غير منسوبة مفادها أن المعرفة المهمة الوحيدة التي يحتاجها الساسة هي فرز الأصوات

إحدى هذه "العائلات" كانت مجموعة الأبحاث الأوروبية، التي كان يُعتقد أنها لم تعد موجودة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها عادت إلى الظهور من جديد. لقد قاموا بتجميع ما سموه بسذاجة غرفة المحامين الخاصة بهم لمراجعة مشروع القانون. وكانت سذاجتهم واضحة في أمرين اثنين: الأول جهلهم بالسمعة التاريخية لـ"غرفة النجوم" (وهي محكمة قائمة في إنكلترا من أواخر القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر. سُميت بهذا الاسم نسبة إلى نقش النجوم المرسوم على سقف الغرفة التي كانت تعقد فيها اجتماعاتها في قصر وستمنستر). وقد اشتهرت هذه المحكمة باستخدامها كأداة للسلطة الحكومية باعتبارها كيانا مستبدا. والثاني الدلالات الأكثر فظاظة لكلمة "نجم" في اللغة العامية. ولم يمض وقت طويل حتى كانوا أمام الكاميرات والمعلقين في جزء آخر من وستمنستر، ينتقدون عيوب مشروع القانون ويلمحون إلى ثورة محتملة ضده. في الوقت نفسه، كان المحافظون الجدد المنتخبون حديثا لعام 2019 يظهرون علامات التمرد. وكانت هناك معارضة مماثلة تختمر بين مجموعة الأبحاث الشمالية، ومنظمة "لا عودة إلى الوراء"، وعلى وجه الخصوص، مجموعة الحس السليم. وأعرب الجميع عن مخاوفهم من ضرورة أن يكون مشروع القانون أكثر صرامة، قائلين إنه في وضعه الحالي لن يكون فعالا، مرددين في ذلك كلمات وزير الدولة للهجرة المستقيل مؤخرا، روبرت جينريك، الذي استقال لتوه، والذي وصف مشروع القانون بأنه "محكوم عليه بالفشل".
ومع ذلك، على المنقلب الآخر كان أعضاء تيار "الأمة الواحدة" داخل حزب المحافظين– المعروفون بوسطيتهم واعتدالهم وما شئت من الصفات الأخرى– يهددون بالتمرد إذا جعل أي شخص مشروع القانون أكثر تطرفا بأي شكل من الأشكال. وكان موقفهم حازما: لن يتسامحوا مع أي تصعيد إضافي. حتى داميان غرين الهادئ عادة كان يعبر عن مخاوفه، مما يشير إلى خطورة الوضع.

DPA
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك متحدثا في مؤتمر صحافي عن ارسال اللاجئين الى رواندا في 7 ديسمبر


ولا عجب في أن عقول النقاد كانت في حالة من الارتباك بشأن العواقب المحتملة لهذه "الحرب الأهلية" الجديدة في صفوف الحزب الحاكم. بل إن سام كوتس أصبح الآن، في محاولته اليائسة للتنبؤ بالتصويت وتداعياته، غير مفهوم مثل عرّافة دلفي. في هذه الأثناء، كان جون كريغ يبتسم من الأذن إلى الأذن، واستمر في الحديث عن كيفية معرفة أولئك الذين امتنعوا عن التصويت من خلال الطريقة التي جلسوا بها على المقاعد الخضراء وعقدوا أذرعهم. وزعم آخرون أنهم جلسوا على أيديهم. لقد كانت الدراما النفسية واضحة.
وتأجل التصويت بسبب عدم إقرار تعديل قدمته المعارضة. واستدعي وزير المناخ الحكومي فجأة من دبي لتعويض الأرقام. واستخدم قادة الحزب سياسة العصا والجزرة. واكتشف الخبراء والنقاد واحدا تلو الآخر وكرروا بديهية غير منسوبة مفادها أن المعرفة المهمة الوحيدة التي يحتاجها الساسة هي فرز الأصوات.
ومع وصول الترقب إلى ذروته واستعداد فرز الأصوات لإعلان النتائج، خيّم صمت متوتر. ثم، مع إعلان فوز الحكومة، والحد الأدنى من الامتناع عن التصويت، واختتام القراءة الثانية، انتهت الأزمة المباشرة، ولكن ليس أبعد من يناير/كانون الثاني فقط.
وكما قالت إحدى الصحف، كان هذا هو الكابوس بالنسبة لرئيس الوزراء بعد عيد الميلاد. لقد كان آمنا– في الوقت الحالي. لقد كانت فترة راحة قصيرة. سيتعين على الإمبراطورية الرومانية أن تتراجع وتسقط على يد الموجة التالية من البرابرة، وليس هذه الموجة. سيتعين علينا جميعا أن نستعد لجزء آخر مثير من الأزمة المؤجلة، في وقت ما من العام الجديد. إذا نجح سوناك في تجاوز ذلك، الأمر الذي سيتطلب معجزة، فسيكون اللوردات هم من سيتحركون بعد ذلك. وحتى لو اجتاز هذا الشيء اللعين هذا الاختبار، فستكون هناك مشكلات بمجرد أن تحاول الحكومة تطبيقه. وكانت فرص سفر أي شخص إلى رواندا قبل الانتخابات المقبلة ضئيلة بالفعل، باستثناء سفر وزراء الداخلية، ربما. 

هل يمكن لحكومة أن تشهد تراجعا يشبه انحدار الفرد في السن، فتفقد بلاغتها ووضوحها؟

ولوضع هذه الضجة البرلمانية برمتها في منظورها الصحيح، أُعلن عن انتحار أحد طالبي اللجوء المقيمين على متن سفينة بيبي استكهولم، وهي بارجة مكونة من ثلاثة طوابق تعمل بشكل فعال كسفينة سجن. وقع هذا الحادث بعد فترة وجيزة من العثور على بكتيريا الليجيونيلا في إمدادات المياه بالبارجة، مما أجبر طالبي اللجوء الواصلين حديثا على الإخلاء. 
عندما نتأمل الوضع، نتذكر عبارة ستالين الشهيرة، التي أشار فيها إلى أن وفاة شخص واحد هي مأساة، في حين أن وفاة الكثيرين هي مجرد إحصائية. ولكن في سياق السياسة البريطانية الحديثة، كثيرا ما تترجم الإحصائيات إلى مآسٍ انتخابية. ويبدو أن وعود حزب المحافظين السابقة بخفض أعداد المهاجرين بشكل كبير تبدو الآن مفرطة في التفاؤل، خاصة في ضوء رقم الهجرة السنوي الصافي الأخير الذي بلغ 672 ألف شخص. وعلى الرغم من محاولاتهم، يبدو أن المحافظين غير قادرين على جعل المملكة المتحدة أقل جاذبية للمهاجرين. ويشمل ذلك جهودا مثل تغيير صور شخصيات ديزني لجعل مناطق الاستقبال للمهاجرين وأطفالهم أقل ترحيبا، وهو القرار الذي يقدم إجابة فكاهية قاتمة لسؤال: من المسؤول عن "قتل بامبي"؟
فهل يمكن لحكومة أن تشهد تراجعا يشبه انحدار الفرد في السن، فتفقد بلاغتها ووضوحها؟ يبدو أن الإجابة بـ"نعم" كما نرى في أداء وزير الداخلية الجديد الذي شارك في برنامج "صباح الخير يا بريطانيا"، وحين سأله إد بولز، وزير الظل السابق، عما سيحدث للمخطط الذي ورثه عن أسلافه إذا حدث انقلاب في البلاد بعد يوم من تحول مشروع القانون إلى قانون، أجاب كليفرلي حرفيا: "يهدف مشروع القانون إلى دعم المعاهدة التي وقعناها مع رواندا. وهذا مشابه لكيفية تعاملنا مع المعاهدات مع الدول الأخرى. والغرض من مشروع القانون هو تعزيز أحكام المعاهدة. وعلى وجه التحديد، تعالج المعاهدة المخاوف التي أثارتها المحكمة سابقا بشأن مدى ملاءمة رواندا في ذلك الوقت، استنادا إلى تفاصيل تعود إلى ثمانية عشر شهرا مضت. وتستجيب المعاهدة بشكل مباشر لهذه النقاط المحددة التي أثارتها المحكمة العليا. وإذا جرى تأييد هذه المعاهدة، فإن رواندا، بموجب شروط المعاهدة ولأغراض معالجة طلبات اللجوء، تعتبر دولة آمنة، كما هو موضح في مشروع القانون". 
ويمكن وصف هذا الوضع بأنه جنون مطبق. من الممكن أن يمثل جيمس كليفرلي حالة فريدة من نوعها لسياسي يتراجع بسبب عدم أمانته المفرطة، وإلا، فسيكون تجسيدا لتراجع أوسع نطاقا في الوضوح بين أعضاء حزبه. وهو– في ظاهر الأمر– يبدو أنه أصغر من أن يتحمل مثل هذا الهراء.
واجه كليفرلي صعوبة في شرح المعاهدة التي سافر هو نفسه مؤخرا إلى كيغالي للتوقيع عليها. وكان المقصود من هذه المعاهدة، إلى جانب مشروع القانون الجديد، التأكيد على أن رواندا بلد آمن، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع الحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة العليا في لندن.

يحمل المستقبل الكثير من المجهول، بما في ذلك المستقبل السياسي لسوناك. وحتى المحللون السياسيون غير قادرين على التنبؤ بنتيجة نهج سوناك المحفوف بالمخاطر تجاه رواندا

وقد علق اللورد غارنييه على الغرض من مشروع القانون، مشيرا إلى نيته في إثبات تأكيد معين كحقيقة قانونية. ومع ذلك، فهو يشير بطريقة فكاهية إلى الخلل في هذا النهج بالقول إن مجرد إعلان القانون عن شيء ما، لا يعني بالضرورة أنه واقع، فماذا لو صدر قانون، على سبيل المثال، باعتبار جميع القطط كلابا؟ هل سيكون الأمر صحيحا؟ ومع ذلك، فإن التشريع للواقع بهذه الطريقة قد يكون له مستقبل. يفكر المرء على الفور في إمكانات القمر كمصدر للجبن. أو احتمال أن تكون جمهورية أفريقية ذات حزب واحد تسجن منتقديها بشكل روتيني بمثابة مدينة فاضلة نابضة بالحياة.
وهذا المفهوم لتشريع الواقع لا يخلو من سابقة في الأدب؛ في رواية "أليس من خلال المرآة" للويس كارول، تواجه أليس هامبتي دمبتي، وهو شخصية على شكل بيضة في أغنية معروفة للأطفال، وهو ذو مزاج سريع الانفعال، مثله مثل رئيس الوزراء إلى حد كبير، وهو أيضا يميل إلى الإدلاء بتصريحات لا معنى لها من دون الشعور بالحاجة إلى الاعتذار. ومن المعروف أنه يؤكد سيطرته على اللغة، موضحا أن الكلمات تعني بالضبط ما اختارها لتعنيه. يقول هامبتي دمبتي:
"إنه (كلامي) يعني بالضبط ما اخترت أن يعنيه- لا أكثر ولا أقل".
قالت أليس: "السؤال هو ما إذا كان بإمكانك جعل الكلمات تعني أشياء كثيرة ومختلفة".
فرد هامبتي دمبتي: "لا... السؤال هو: أينا يجب أن يكون السيد- هذا كل شيء".
ويبدو أن دفاع الحكومة المتبقي يتلخص في تأكيدها على سلطتها، زاعمة أنها هي صاحبة الكلمة الأخيرة في الأمور، وليس المنشقون داخل حزبها، أو وسائل الإعلام، أو عامة الناس، أو حتى الواقع الصارخ ذاته. ويبدو أن هذا هو المبدأ الأساسي لوضع قوانينهم. وعلى الرغم من احتمال حدوث اضطرابات كبيرة في رواندا، أو انزلاقها إلى الفوضى مرة أخرى، فقد أعلنت الحكومة البريطانية رسميا أن رواندا دولة آمنة.
أما وضع رئيس الوزراء ريشي سوناك فهو مختلف بعض الشيء. ومن المرجح أنه حصل على تأييد كبير لدى زعماء دولة أفريقية صغيرة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى المساعدات المالية والاتفاقات التي قدمتها حكومته. ويتضمن هذا الترتيب استقبال المملكة المتحدة لبعض المواطنين من ذلك البلد، مما يؤدي إلى تكهنات حول طبيعة هؤلاء الأفراد.
ويحمل المستقبل الكثير من المجهول، بما في ذلك المستقبل السياسي لسوناك في ظل هذه القرارات. وحتى المحللون السياسيون مثل سام كوتس غير قادرين على التنبؤ بنتيجة نهج سوناك المحفوف بالمخاطر تجاه رواندا. وإذا كان رئيس الوزراء قد قرر بالفعل أن رواندا هي التل الذي يريد أن يموت عليه، فله ما يريد. الفرنسيون لديهم لقب خلاب لرواندا، "le pays des mille colines"، والذي يعني "أرض الألف تل".

font change

مقالات ذات صلة