نساء غزة ومعاناة لا تنتهي مع الانتهاكات والتشرد والقتل الوحشيّ

جنود الاحتلال لا يميزن بين أهداف مدنية وعسكرية

AFP
AFP
نساء فلسطينيات يحملن الطعام بالقرب من نقطة تبرع قدمتها مجموعة خيرية في الضفة الغربية مدينة رفح جنوب قطاع غزة، في 30 نوفمبر 2023.

نساء غزة ومعاناة لا تنتهي مع الانتهاكات والتشرد والقتل الوحشيّ

غزة: في الحروب، تزداد معاناة المدنيين، وتتفاقم أشكال تعرضهم للإيذاء، وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي لا تلوح نهايتها في الأفق، تعاني المرأة الفلسطينية مستويات غير مسبوقة من الخطر الجسدي والنفسي.

وقد دفعت المرأة الفلسطينية خلال هذه الحرب أثمانا باهظة، وتكبدت خسائر غير عادية، فما يناهز الخمسة آلاف امراة من الغزيات قتلن خلال هذه الحرب، وأصيبت آلاف يصعب تقديرها بصورة واضحة، إصابات الكثير منها يصل إلى حدّ الإعاقة الدائمة. فلم تعد البيوت التي يلذن بها في مثل هذه الأوقات العصيبة، تحميهن من الوقوع فرائس الصواريخ الإسرائيلية التي لم تتوقف عن التساقط على كامل قطاع غزة دون تمييز بين أهداف مدنية وأخرى عسكرية.

انتهاكات صارخة

بالإضافة إلى وقوعهن ضحايا لآلة القتل الإسرائيلية، لم تسلم النساء من الانتهاكات الصارخة بحقهن من قبل جنود الاحتلال، فعدد كبير من السيدات خضع للتحقيق خلال مداهمات الجنود لمدارس إيواء النازحين شمال قطاع غزة، ومدينة غزة، كما اعتقل بعضهن واقتيد إلى أماكن مجهولة. وعدد آخر منهن خطف بالقوة وأعدم أمام أطفالهن بدم بارد.

ومن النساء الغزيات، من تعرّضن بصورة أو بأخرى، إلى التحرش والعنف الجسدي والمعنوي، أو من خلال التلميح بالألفاظ الجنسية، بحسب ما روت إحدى السيدات من منطقة حي الزيتون، التي أخبرت قصتها، قائلة إنها تعرضت إلى تحرش جنسي من قبل الجنود أمام أحد أفراد عائلتها من الرجال، تمنت معها لو أنها لم تبق على قيد الحياة.

لم تسلم النساء من الانتهاكات الصارخة بحقهن من قبل جنود الاحتلال، فعدد كبير منهن اعتقل واقتيد إلى أماكن مجهولة وأعدم بدم بارد

ولا تتوقف معاناة المرأة الفلسطينية عند فئة عمرية بعينها، فجنود الاحتلال لا يفرقون في سوء المعاملة بين كبير وصغير، وروت سيدات مسنات قصصا عن عن تعرضهن لأشكال عدة من الإهانة، كما لم يكترث جنود الاحتلال بالحالة الصحية الصعبة للكثير منهن.

تقول السيدة نهاد أبو محيسن (72 عاما) من سكان مدينة غزة: "أعاني من مرض السكري والضغط، كما أنني تعرضت في السابق للسقوط، وكسرت عظام حوضي، وأعاني من آلام شديدة في ظهري وأسفل جسدي، وبعد قصف منطقتنا في حي تل الهوى غرب غزة، أويت إلى منزل ابنتي شرق مدينة غزة، حيث أجبرنا القصف العشوائي إلى الهرب سيرا على الأقدام إلى مركز إيواء قريب، لكن الدبابات وصلت إلى مركز الإيواء في حي الزيتون، وطالبتنا بالنزوح إلى الجنوب، وإلا قتلنا، وقد فاضطررت إلى السير كيلومترين حتى تعرضت للإغماء من شدة الإرهاق والتعب".

REUTERS
نساء مع أطفالهن يجلسن على مقطورة بينما يفر الفلسطينيون من منازلهم بسبب الغارات الإسرائيلية.

تكمل السيدة السبعينية: "لم يرحم الاحتلال ضعفي، ولم يكترث جنوده لحالتي الصحية الحرجة، وخضعت كغيري من الناس لمرحلة التصوير أمام الكاميرات عند دوار الكويتي على شارع صلاح الدين، وممر المشاة المرعب، ومع أني سقطت أمامهم من  الألم والخوف، إلا أنهم لم يقدموا لي أي رعاية، وتركوني في حالة قريبة من الموت. ما ذنبي حتى أتعرض لكل هذه الأذية والرعب؟ ولماذا لا يتحرّك العالم لوقف هذه الانتهاكات بحقنا؟".

أعباء الحوامل

لا تتوقف معاناة النساء في غزة في ظل ازدياد أعباء الحرب وتفاقم الظروف المعيشية. فالكثير من النساء الغزيات حوامل في مرحلة متقدمة، وقد تعرضت أعداد غير معلومة منهن إلى الإجهاض، بفعل القصف العشوائي واضطرارهن إلى خوض رحلة النزوح الشاقة سيرا على الأقدام.

تروي لنا السيدة فاطمة التلباني (36 عاما)، جانبا من حلة الشقاء هذه: "كنت حاملا في الشهر السادس بجنيني الأول الذي لطالما حلمت به، فقد تأخرت في الإنجاب لظروف قهرية، وحين حملت لأول مرة اعتقدت أن الحياة بدأت تبتسم لي ولزوجي، لكن الحرب كان لها رأي آخر، وقضى الاحتلال على حلمي الصغير".

تضيف التلباني بحرقة: "اعتقدت بأن منطقتي آمنة، في ظل ابتعادها عن مناطق القتال شمال قطاع غزة، إذ أسكن في وسط مدينة غزة وقلت في نفسي إنه عليّ الحفاظ على هدوء أعصابي من أجل جنيني، لكن الدبابات الإسرائيلية داهمت المنطقة الشرقية من غزة، وتقدمت نحو الشارع الذي أسكن فيه، فكان علينا الإخلاء في منتصف الليل، ومع اشتداد القصف، خرجنا من المنزل".

AP
فلسطينيون يخلون موقعا تعرض لقصف إسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، الأربعاء 20 ديسمبر 2023.

تكمل فاطمة التلباني: "وضعت يدي على بطني، من أجل تخفيف الضغط على جنيني، فقد بدأت اعصابي بالانهيار بفعل الهلع من القصف وإطلاق النار. كان زوجي يطالبني بالإسراع حتى نتفادى الإصابة، لكنني لم أعد أحتمل، فقد شعرت بأن رجليّ لم تعودا قادرتين على حمل جسدي... تمكنت في النهاية، وبشق النفس، من الوصول إلى عربة يجرها حمار، ونقلني زوجي منهارة إلى منزل أقاربه، ولم يمض يومان حتى شعرت بآلام الإجهاض، وأدركت أن حلم السنين الطويلة انتهى... لماذا كتب علينا ألا نحقق أحلامنا البسيطة؟ ولماذا علينا دائما أن ندفع هذا الثمن؟ وكيف لنا أن نعود إلى الحياة الطبيعية بعد كل هذه الفظائع؟".

أعدم ولديّ بدم بارد بعد تفتيش سيارة الإسعاف. أرداهما جنود الاحتلال بالرصاص وتركوهما في الشارع تنهش الكلاب جثتيهما

إعدام بدم بارد

تسرد لنا السيدة منى خلة، (58 عاما) التي وصلت قبل أيام نازحة إلى مدينة رفح من وسط مدينة غزة، قصتها المؤلمة فتقول: "لم أتخيل أن أرى مثل هذه الحرب... إننا نتعرض لحرب إبادة تهدف إلى قهرنا وتهجيرنا من أرضنا، وقد خسرنا بيوتنا وعائلاتنا، فماذا تبقى لنا، حتى لو انتهت الحرب الآن؟".

AFP
رد فعل النساء، وبعضهن مصابات، أثناء وقوفهن عند مدخل المستشفى قسم الطوارئ في انتظار العلاج بعد القصف الإسرائيلي على خانيونس.

تضيف منى خلة: "كان على ابني الذي يعاني الفشل الكلوي أن يغادر منزل النزوح الذي هربنا إليه، من أجل غسيل الكلى، ففي اليوم الخامس والثلاثين من الحرب، تدهورت حالته الصحية، فنقلته ابنتي الطبيبة بسيارة إسعاف، علها تتمكن من مساعدته في أحد المراكز الطبية، وقد طلبت منها أن تطمئني ولو برسالة نصية عند وصولهما، لكنهما غابا طوال الليل، ولم يصلنا منهما خبر، ومرت أيام طويلة، وصلت لأسبوعين، كان قلبي يحترق خلالهما لأعرف، مصيرهما، فلم نستطع الوصول لأي معلومة بشأنهما منذ الخروج، وتواصلنا مع الصليب الأحمر، وقدمنا المناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن دون جدوى".

AFP
ردة فعل امرأة فلسطينية بينما يهرع الآخرون للبحث عن الضحايا بين أنقاض أحد المباني إثر غارة إسرائيلية على خانيونس جنوب قطاع غزة في 17 أكتوبر 2023.

وتستمر في سرد قصتها: "بعد الغياب الطويل جاءت الهدنة، وتمكنا من معرفة مصيرهما، فقد تمّ التعرف على جثتيهما في منطقة التشريعي وسط غزة، وقد بدأتا بالتحلل، بفعل تركهما لوقت طويل دفن... حتى الميت لا كرامة له عند هذا الاحتلال الظالم".

وتختم السيدة منى كلامها: "أخبرنا شهود عيان بأن ولديّ أعدما بدم بارد من جنود الاحتلال، بعد أن قاموا بتفتيش سيارة الإسعاف. أردوهما بالرصاص وتركوهما في الشارع تنهش الكلاب جثتيهما، دون أن يتمكن أحد من الاقتراب منهما".

font change

مقالات ذات صلة